خطب ومحاضرات
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [14]
الحلقة مفرغة
شرح حديث: (حتيه ثم أقرصيه بالماء ثم رشيه ...)
حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر : (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه الدم من الحيضة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه).
قال: وفي الباب عن أبي هريرة وأم قيس بنت محصن .
قال أبو عيسى : حديث أسماء في غسل الدم حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في الدم يكون على الثوب فيصلي فيه قبل أن يغسله، قال بعض أهل العلم من التابعين: إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسله وصلى فيه أعاد الصلاة، وقال بعضهم: إذا كان الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، وهو قول سفيان وابن المبارك ، ولم يوجب بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم عليه الإعادة وإن كان أكثر من قدر الدرهم، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال الشافعي : يجب عليه الغسل وإن كان أقل من قدر الدرهم وشدد في ذلك ].
هذا الحديث الذي ذكره المؤلف في هذا الباب فيه دليل على جوب غسل دم الحيض وأنه نجس، وقوله: (حتيه) يعني: حكيه، أي: تحكه بعود أو بغيره حتى تزيل عين النجاسة.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه) فيه دليل على أن دم الحيض نجس، وهذا بالإجماع، أما غير دم الحيض ففيه خلاف، وقد نقل النووي الإجماع على أن الدم نجس، فأما الدم المسفوح من الذبيحة وقت الذبح فلا إشكال فيه، وأما ما يكون في العروق فهذا معفو عنه في اللحم.
فالدم الذي يصيب الشخص إذا كان دم حيض فلا شك في نجاسته، أما إذا كان غير دم الحيض فالأحوط الغسل، والتحديد بدرهم أو بأقل من درهم ليس عليه دليل، ولكن الشيء اليسير يعفى عنه، وهذا يرجع إلى العرف، وما زاد على ذلك يغسل.
قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (فقال بعض أهل العلم من التابعين إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسل وصلى فيه أعاد الصلاة) جاء فيه حديث أخرجه الدارقطني في سننه عن روح بن غطيف عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم).، وفي لفظ: (إذا كان في الثوب قدر الدرهم من الدم غسل الثوب، وأعيدت الصلاة)، قال البخاري : حديث باطل، وروح هذا منكر الحديث. وقال ابن حبان : هذا حديث موضوع لا شك فيه، لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن اخترعه أهل الكوفة، وكان روح بن غطيف يروي الموضوعات عن الثقات، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وذكره -أيضاً- من حديث نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه، وأغلظ في نوح بن أبي مريم، كذا في تخريج الزيعلي .
(وقال بعضهم: إذا كان الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، وهو قول سفيان وابن المبارك ) وهو قول الحنفية.
وقال صاحب الهداية: قدر الدرهم وما دونه من النجاسة المغلظة -كالدم والبول والخمر وخرء الدجاج وبول الحمار- جازت الصلاة معه، وإن زاد لم يجز، قال لنا: إن القليل لم يمكن التحرز عنه، فيجعل معفواً، وقدرناه بقدر الدرهم أخذاً عن موضع الاستنجاء. انتهى.
قال العيني في شرح البخاري : وأما تقدير أصحابنا القليل بقدر الدرهم فلما ذكره صاحب الأسرار عن علي وابن مسعود أنهما قدرا النجاسة بالدرهم، وكفى بهما حجة في الاقتداء.
وروي عن عمر -أيضاً- أنه قدره بظفره، وفي المحيط: وكان ظفره قريباً من كفنا، فدل على أن ما دون الدرهم لا يمنع. انتهى.
قلت: لا بد للحنفية أن يثبتوا صحة آثار علي وابن مسعود وعمر رضي الله عنهم المذكورة، وبمجرد ذكر صاحب الأسرار هذه الآثار لا يصح الاستدلال بها، وإني قد فتشت كثيراً لكن لم أقف على أسانيدها ولا على مخرجيها، فالله تعالى أعلم كيف حالها.
وأما قول الحنفية: إن ظفر عمر كان قريباً من كفنا، فهذا ادعاء محض لم يثبت بدليل صحيح، نعم ثبت أنه رضي الله عنه كان طويل القامة، قال الحافظ ابن الجوزي في كتابه (التلقيح) ما لفظه: تسمية الطوال عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وقيس بن سعد وحبيب بن مسلمة وعلي بن عبد الله بن عباس . انتهى، ومن المعلوم أن كون عمر من طوال الصحابة لا يستلزم أن يكون ظفره قريباً من كفنا.
وأما تقديرهم أخذاً عن موضع الاستنجاء فيه -أيضاً- كلام لا يخفى على المتأمل).
هذا القول يحتاج إلى دليل، وقد ذكرنا أن تقدير اليسير يرجع إلى العرف، فدم الحيض لا شك في نجاسته، ويجب غسل قليله وكثيره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب.
حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر : (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه الدم من الحيضة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه).
قال: وفي الباب عن أبي هريرة وأم قيس بنت محصن .
قال أبو عيسى : حديث أسماء في غسل الدم حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في الدم يكون على الثوب فيصلي فيه قبل أن يغسله، قال بعض أهل العلم من التابعين: إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسله وصلى فيه أعاد الصلاة، وقال بعضهم: إذا كان الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، وهو قول سفيان وابن المبارك ، ولم يوجب بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم عليه الإعادة وإن كان أكثر من قدر الدرهم، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال الشافعي : يجب عليه الغسل وإن كان أقل من قدر الدرهم وشدد في ذلك ].
هذا الحديث الذي ذكره المؤلف في هذا الباب فيه دليل على جوب غسل دم الحيض وأنه نجس، وقوله: (حتيه) يعني: حكيه، أي: تحكه بعود أو بغيره حتى تزيل عين النجاسة.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه) فيه دليل على أن دم الحيض نجس، وهذا بالإجماع، أما غير دم الحيض ففيه خلاف، وقد نقل النووي الإجماع على أن الدم نجس، فأما الدم المسفوح من الذبيحة وقت الذبح فلا إشكال فيه، وأما ما يكون في العروق فهذا معفو عنه في اللحم.
فالدم الذي يصيب الشخص إذا كان دم حيض فلا شك في نجاسته، أما إذا كان غير دم الحيض فالأحوط الغسل، والتحديد بدرهم أو بأقل من درهم ليس عليه دليل، ولكن الشيء اليسير يعفى عنه، وهذا يرجع إلى العرف، وما زاد على ذلك يغسل.
قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (فقال بعض أهل العلم من التابعين إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسل وصلى فيه أعاد الصلاة) جاء فيه حديث أخرجه الدارقطني في سننه عن روح بن غطيف عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم).، وفي لفظ: (إذا كان في الثوب قدر الدرهم من الدم غسل الثوب، وأعيدت الصلاة)، قال البخاري : حديث باطل، وروح هذا منكر الحديث. وقال ابن حبان : هذا حديث موضوع لا شك فيه، لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن اخترعه أهل الكوفة، وكان روح بن غطيف يروي الموضوعات عن الثقات، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وذكره -أيضاً- من حديث نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه، وأغلظ في نوح بن أبي مريم، كذا في تخريج الزيعلي .
(وقال بعضهم: إذا كان الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، وهو قول سفيان وابن المبارك ) وهو قول الحنفية.
وقال صاحب الهداية: قدر الدرهم وما دونه من النجاسة المغلظة -كالدم والبول والخمر وخرء الدجاج وبول الحمار- جازت الصلاة معه، وإن زاد لم يجز، قال لنا: إن القليل لم يمكن التحرز عنه، فيجعل معفواً، وقدرناه بقدر الدرهم أخذاً عن موضع الاستنجاء. انتهى.
قال العيني في شرح البخاري : وأما تقدير أصحابنا القليل بقدر الدرهم فلما ذكره صاحب الأسرار عن علي وابن مسعود أنهما قدرا النجاسة بالدرهم، وكفى بهما حجة في الاقتداء.
وروي عن عمر -أيضاً- أنه قدره بظفره، وفي المحيط: وكان ظفره قريباً من كفنا، فدل على أن ما دون الدرهم لا يمنع. انتهى.
قلت: لا بد للحنفية أن يثبتوا صحة آثار علي وابن مسعود وعمر رضي الله عنهم المذكورة، وبمجرد ذكر صاحب الأسرار هذه الآثار لا يصح الاستدلال بها، وإني قد فتشت كثيراً لكن لم أقف على أسانيدها ولا على مخرجيها، فالله تعالى أعلم كيف حالها.
وأما قول الحنفية: إن ظفر عمر كان قريباً من كفنا، فهذا ادعاء محض لم يثبت بدليل صحيح، نعم ثبت أنه رضي الله عنه كان طويل القامة، قال الحافظ ابن الجوزي في كتابه (التلقيح) ما لفظه: تسمية الطوال عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وقيس بن سعد وحبيب بن مسلمة وعلي بن عبد الله بن عباس . انتهى، ومن المعلوم أن كون عمر من طوال الصحابة لا يستلزم أن يكون ظفره قريباً من كفنا.
وأما تقديرهم أخذاً عن موضع الاستنجاء فيه -أيضاً- كلام لا يخفى على المتأمل).
هذا القول يحتاج إلى دليل، وقد ذكرنا أن تقدير اليسير يرجع إلى العرف، فدم الحيض لا شك في نجاسته، ويجب غسل قليله وكثيره.
شرح حديث: (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله أربعين يوماً ...)
حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا شجاع بن الوليد أبو بدر عن علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة قالت: (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً، فكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف).
قال أبو عيسى : هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة .
واسم أبي سهل : كثير بن زياد قال محمد بن إسماعيل : علي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل ثقة، ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل ، وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ، ويروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يوماً إذا لم تطهر.
ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستين يوماً ].
قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: (قوله: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل ... إلخ). قال الحافظ في التلخيص: أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم .
و أبو سهل وثقه البخاري وابن معين ، وضعفه ابن حبان .
و مسة مجهولة الحال، قال الدارقطني : لا تقوم بها حجة، وقال ابن القطان : لا يعرف حالها، وأغرب ابن حبان فضعفه في كثير بن زياد ولم يصب.
وقال النووي : قول جماعة من مصنفي الفقهاء: إن هذا الحديث ضعيف مردود عليهم، وله شاهد أخرجه ابن ماجه من طريق سلام عن حميد عن أنس : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك) قال: لم يروه عن حميد غير سلام وهو ضعيف، ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن أنس مرفوعاً.
وروى الحاكم من حديث الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في نفاسهن أربعين يوماً)، وقال: صحيح إن سلم من أبي هلال .
قلت: وقد ضعفه الدارقطني ، والحسن عن عثمان بن أبي العاص منقطع، والمشهور عن عثمان موقوف عليه.انتهى ما في التلخيص.
وقد ذكر الحافظ حديث الباب في (بلوغ المرام) وقال: صححه الحاكم وأقر تصحيحه ولم ينكر عليه، وقد قال في (التقريب) في ترجمة مسة الأزدية : إنها مقبولة كما عرفت.
وقال صاحب (عون المعبود): وأجاب في (البدر المنير) عن القول بجهالة مسة فقال: ولا نسلم جهالة عينها، وجهالة حالها مرتفعة، فإنه روى عنها جماعة: كثير بن زياد والحكم بن عتيبة وزيد بن علي بن الحسين ، ورواه محمد بن عبيد الله العزرمي عن الحسن عن مسة أيضاً، فهؤلاء رووا عنها، وقد أثنى على حديثها البخاري ، وصحح الحاكم إسناده، فأقل أحواله أن يكون حسناً، انتهى.
هذا الحديث في سنده مسة ، ومسة هذه فيها كلام من حيث الجهالة، لكنه قد روى عنها عدد فارتفعت جهالتها، ثم إن الحديث له شواهد، وهو معتمد عند أهل العلم في مكث النفساء أربعين يوماً، فهذا هو المعتمد عند الجماهير، وهو أنها تمكث أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر، أي: إذا انقطع الدم قبل الأربعين فإنه يلزمها أن تغتسل وتصوم وتصلي، ثم إذا عاد الدم في الأربعين فإنها تجلس ولا تعيد صيامها في الأيام التي مضت وقد رأت الطهر، وإذا تمت الأربعين فإنها تغتسل وتصوم وتصلي، وإن جاءها الدم بعد الأربعين فينظر، فإن كان وافق عادتها قبل النفاس؛ فإنها تجلس وقت عادتها، ويكون هذا حيض جاءها، وأما إذا لم يوافق العادة فإنها تغسل الدم، وتصوم وتصلي، هذا هو المعتمد الذي عليه الفتوى، والذي اعتمده بعض أهل العلم.
وقال بعض العلماء: إن أكثر مدة النفاس خمسون يوماً.
وقال بعضهم: ستون يوماً.
والصواب: أن أكثر مدة النفاس أربعون يوماً إذا لم تر الطهر قبل ذلك، وهذا الحديث هو العمدة، أعني حديث أم سلمة الذي فيه مسة ، وهي مقبولة الحال، لكن الحديث له شواهد كما قلنا، وقال أحمد شاكر : وقد زعم ابن حزم في (المحلى) أن أكثر النفاس سبعة أيام فقط، وهذا من الغرائب، وقد قاس ذلك على أيام الحيض، وإن لم يعترف بأنه قياس، بل أغرب فزعم أن دم النفاس دم حيض، وهذا الذي قاله لم نجد مثله عن أحد من العلماء.
وهذا من أغرب الأقوال؛ فإن دم الحيض ليس سبعة أيام، وإنما غالبه سبعة أيام، لكنه قد يكون عشرة أيام إلى خمسة عشر يوماً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في كم تمكث النفساء.
حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا شجاع بن الوليد أبو بدر عن علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة قالت: (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً، فكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف).
قال أبو عيسى : هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة .
واسم أبي سهل : كثير بن زياد قال محمد بن إسماعيل : علي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل ثقة، ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل ، وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ، ويروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يوماً إذا لم تطهر.
ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستين يوماً ].
قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: (قوله: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل ... إلخ). قال الحافظ في التلخيص: أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم .
و أبو سهل وثقه البخاري وابن معين ، وضعفه ابن حبان .
و مسة مجهولة الحال، قال الدارقطني : لا تقوم بها حجة، وقال ابن القطان : لا يعرف حالها، وأغرب ابن حبان فضعفه في كثير بن زياد ولم يصب.
وقال النووي : قول جماعة من مصنفي الفقهاء: إن هذا الحديث ضعيف مردود عليهم، وله شاهد أخرجه ابن ماجه من طريق سلام عن حميد عن أنس : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك) قال: لم يروه عن حميد غير سلام وهو ضعيف، ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن أنس مرفوعاً.
وروى الحاكم من حديث الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في نفاسهن أربعين يوماً)، وقال: صحيح إن سلم من أبي هلال .
قلت: وقد ضعفه الدارقطني ، والحسن عن عثمان بن أبي العاص منقطع، والمشهور عن عثمان موقوف عليه.انتهى ما في التلخيص.
وقد ذكر الحافظ حديث الباب في (بلوغ المرام) وقال: صححه الحاكم وأقر تصحيحه ولم ينكر عليه، وقد قال في (التقريب) في ترجمة مسة الأزدية : إنها مقبولة كما عرفت.
وقال صاحب (عون المعبود): وأجاب في (البدر المنير) عن القول بجهالة مسة فقال: ولا نسلم جهالة عينها، وجهالة حالها مرتفعة، فإنه روى عنها جماعة: كثير بن زياد والحكم بن عتيبة وزيد بن علي بن الحسين ، ورواه محمد بن عبيد الله العزرمي عن الحسن عن مسة أيضاً، فهؤلاء رووا عنها، وقد أثنى على حديثها البخاري ، وصحح الحاكم إسناده، فأقل أحواله أن يكون حسناً، انتهى.
هذا الحديث في سنده مسة ، ومسة هذه فيها كلام من حيث الجهالة، لكنه قد روى عنها عدد فارتفعت جهالتها، ثم إن الحديث له شواهد، وهو معتمد عند أهل العلم في مكث النفساء أربعين يوماً، فهذا هو المعتمد عند الجماهير، وهو أنها تمكث أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر، أي: إذا انقطع الدم قبل الأربعين فإنه يلزمها أن تغتسل وتصوم وتصلي، ثم إذا عاد الدم في الأربعين فإنها تجلس ولا تعيد صيامها في الأيام التي مضت وقد رأت الطهر، وإذا تمت الأربعين فإنها تغتسل وتصوم وتصلي، وإن جاءها الدم بعد الأربعين فينظر، فإن كان وافق عادتها قبل النفاس؛ فإنها تجلس وقت عادتها، ويكون هذا حيض جاءها، وأما إذا لم يوافق العادة فإنها تغسل الدم، وتصوم وتصلي، هذا هو المعتمد الذي عليه الفتوى، والذي اعتمده بعض أهل العلم.
وقال بعض العلماء: إن أكثر مدة النفاس خمسون يوماً.
وقال بعضهم: ستون يوماً.
والصواب: أن أكثر مدة النفاس أربعون يوماً إذا لم تر الطهر قبل ذلك، وهذا الحديث هو العمدة، أعني حديث أم سلمة الذي فيه مسة ، وهي مقبولة الحال، لكن الحديث له شواهد كما قلنا، وقال أحمد شاكر : وقد زعم ابن حزم في (المحلى) أن أكثر النفاس سبعة أيام فقط، وهذا من الغرائب، وقد قاس ذلك على أيام الحيض، وإن لم يعترف بأنه قياس، بل أغرب فزعم أن دم النفاس دم حيض، وهذا الذي قاله لم نجد مثله عن أحد من العلماء.
وهذا من أغرب الأقوال؛ فإن دم الحيض ليس سبعة أيام، وإنما غالبه سبعة أيام، لكنه قد يكون عشرة أيام إلى خمسة عشر يوماً.
شرح حديث: (كان يطوف على نسائه بغسل واحد)
قال: حدثنا بندار محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن معمر عن قتادة عن أنس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد).
قال: وفي الباب عن أبي رافع .
قال أبو عيسى : حديث أنس حديث صحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد)، وهو قول غير واحد من أهل العلم، منهم الحسن البصري ، أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ.
وقد روى محمد بن يوسف هذا عن سفيان فقال: عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أنس وأبو عروة هو معمر بن راشد وأبو الخطاب : قتادة بن دعامة .
قال أبو عيسى : ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف عن سفيان عن ابن أبي عروة عن أبي الخطاب ، وهو خطأ، والصحيح عن أبي عروة ].
قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: حديث أنس حديث صحيح أخرجه الجماعة إلا البخاري، كذا في المنتقى.
وقال في (النيل): الحديث أخرجه البخاري -أيضاً- من حديث قتادة عن أنس بلفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة، قال: قلت: لـ
يعني: قوة ثلاثين رجلاً، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فإنه مع قلة الطعام والشراب، ومع انشغاله أعطاه الله هذه القوة، وهي قوة ثلاثين رجلاً.
ثم قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (وهو قول غير واحد من أهل العلم، منهم الحسن البصري، أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ) في كلام الترمذي هذا شيء، فإن حديث الباب لا يدل على هذا، بل يدل على أن لا بأس أن يعود قبل أن يغتسل، فتفكر، وأما مسألة العود قبل أن يتوضأ فتأتي في الباب الآتي).
فهذا الحديث - كما ذكر المؤلف - رواه الجماعة - أصحاب الكتب الستة - : البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وهو دليل على أنه لا بأس بأن يطوف الرجل على نسائه بغسل واحد إذا كان هناك عدد من النساء، ولا يعتبر هذا من الجور، لكن عليه أن يتوضأ بعد كل جماع، ويكره في حقه أن يعود بدون وضوء، وكذلك إذا أراد أن ينام، كما جاء في الصحيح أن عمر رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ) ، يعني: لا بد من أن يتوضأ، وكذلك إذا أراد أن يأكل أو يشرب، وإذا كان يريد جماع زوجة أخرى فيتأكد الوضوء.
أما قول الحسن هذا فليس بشيء، فالصواب أنه لا بد من الوضوء بعد كل جماع، ومعلوم أن الإنسان يضعف بعد الجماع، لكن الأنبياء أعطاهم الله هذه القوة الكبيرة، وسليمان عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيح- دار على تسعين امرأة في ليلة واحدة، فقد ورد أنه قال: (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة -وفي لفظ: على سبعين- فتلد كل واحدة غلاماً يجاهد في سبيل الله) فانظر إلى الهمة العالية (فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل - وفي لفظ: - فلم يقل ونسي) ، وذلك لحكمة بالغة، (فطاف عليهن فلم تلد إلا واحدة أتت بشق إنسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو قال (إن شاء الله) لكان دركاً لحاجته، ولقاتلوا في سبيل الله فرساناً أجمعين) ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
والحديث رواه البخاري ومسلم ، فهذه قوة عظيمة، فإنه دار على تسعين امرأة في ليلة واحدة؛ لأن الأنبياء لهم خصائص خصهم الله بها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد.
قال: حدثنا بندار محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن معمر عن قتادة عن أنس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد).
قال: وفي الباب عن أبي رافع .
قال أبو عيسى : حديث أنس حديث صحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد)، وهو قول غير واحد من أهل العلم، منهم الحسن البصري ، أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ.
وقد روى محمد بن يوسف هذا عن سفيان فقال: عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أنس وأبو عروة هو معمر بن راشد وأبو الخطاب : قتادة بن دعامة .
قال أبو عيسى : ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف عن سفيان عن ابن أبي عروة عن أبي الخطاب ، وهو خطأ، والصحيح عن أبي عروة ].
قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: حديث أنس حديث صحيح أخرجه الجماعة إلا البخاري، كذا في المنتقى.
وقال في (النيل): الحديث أخرجه البخاري -أيضاً- من حديث قتادة عن أنس بلفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة، قال: قلت: لـ
يعني: قوة ثلاثين رجلاً، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فإنه مع قلة الطعام والشراب، ومع انشغاله أعطاه الله هذه القوة، وهي قوة ثلاثين رجلاً.
ثم قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (وهو قول غير واحد من أهل العلم، منهم الحسن البصري، أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ) في كلام الترمذي هذا شيء، فإن حديث الباب لا يدل على هذا، بل يدل على أن لا بأس أن يعود قبل أن يغتسل، فتفكر، وأما مسألة العود قبل أن يتوضأ فتأتي في الباب الآتي).
فهذا الحديث - كما ذكر المؤلف - رواه الجماعة - أصحاب الكتب الستة - : البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وهو دليل على أنه لا بأس بأن يطوف الرجل على نسائه بغسل واحد إذا كان هناك عدد من النساء، ولا يعتبر هذا من الجور، لكن عليه أن يتوضأ بعد كل جماع، ويكره في حقه أن يعود بدون وضوء، وكذلك إذا أراد أن ينام، كما جاء في الصحيح أن عمر رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ) ، يعني: لا بد من أن يتوضأ، وكذلك إذا أراد أن يأكل أو يشرب، وإذا كان يريد جماع زوجة أخرى فيتأكد الوضوء.
أما قول الحسن هذا فليس بشيء، فالصواب أنه لا بد من الوضوء بعد كل جماع، ومعلوم أن الإنسان يضعف بعد الجماع، لكن الأنبياء أعطاهم الله هذه القوة الكبيرة، وسليمان عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيح- دار على تسعين امرأة في ليلة واحدة، فقد ورد أنه قال: (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة -وفي لفظ: على سبعين- فتلد كل واحدة غلاماً يجاهد في سبيل الله) فانظر إلى الهمة العالية (فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل - وفي لفظ: - فلم يقل ونسي) ، وذلك لحكمة بالغة، (فطاف عليهن فلم تلد إلا واحدة أتت بشق إنسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو قال (إن شاء الله) لكان دركاً لحاجته، ولقاتلوا في سبيل الله فرساناً أجمعين) ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
والحديث رواه البخاري ومسلم ، فهذه قوة عظيمة، فإنه دار على تسعين امرأة في ليلة واحدة؛ لأن الأنبياء لهم خصائص خصهم الله بها.
شرح حديث: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ ...)
حدثنا هناد حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً). قال: وفي الباب عن عمر .
قال أبو عيسى : حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح، وهو قول عمر بن الخطاب ، وقال به غير واحد من أهل العلم، قالوا: إذا جامع الرجل امرأته ثم أراد أن يعود فليتوضأ قبل أن يعود، وأبو المتوكل اسمه علي بن داود ، وأبو سعيد الخدري اسمه: سعد بن مالك بن سنان ].
قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (فليتوضأ بينهما) أي: بين الإتيانين (وضوءاً) أي: كوضوء الصلاة، وحمله بعض أهل العلم على الوضوء اللغوي، وقال: المراد به غسل الفرج، ورد عليه ابن خزيمة بما رواه في هذا الحديث فقال: (فليتوضأ وضوءه للصلاة).
واختلف العلماء في الوضوء بينهما، فقال أبو يوسف : لا يستحب، وقال الجمهور يستحب.
وقال ابن حبيب المالكي وأهل الظاهر: يجب، واحتجوا بحديث الباب، وقال الجمهور: إن الأمر بالوضوء في هذا الحديث للاستحباب لا للوجوب، واستدلوا على ذلك بما رواه الطحاوي عن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ).
واستدل ابن خزيمة على أن الأمر فيه بالوضوء للندب بما رواه في هذا الحديث فقال: (فإنه أنشط للعود)، فدل على أن الأمر للإرشاد أو الندب، وحديث الباب حجة على أبي يوسف .
والذي أراه أن القول بالوجوب قول قوي، مع أن الجمهور على أنه للاستحباب، لكن نقول بالوجوب لأن الأصل في الأوامر الوجوب.
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [4] | 2787 استماع |
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [15] | 2451 استماع |
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [1] | 2040 استماع |
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [7] | 1959 استماع |
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [2] | 1834 استماع |
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [6] | 1663 استماع |
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [5] | 1582 استماع |
شرح جامع الترمذي المقدمة | 1517 استماع |
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [9] | 1477 استماع |
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [12] | 1312 استماع |