شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [15]


الحلقة مفرغة

شرح حديث عمار في أمر النبي له بالتيمم للوجه والكفين

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ باب ما جاء في التيمم.

حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم للوجه والكفين).

قال: وفي الباب عن عائشة وابن عباس .

قال أبو عيسى : حديث عمار حديث حسن صحيح، وقد روي عن عمار من غير وجه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: علي وعمار وابن عباس وغير واحد من التابعين، منهم: الشعبي وعطاء ومكحول ، قالوا: التيمم ضربة للوجه والكفين، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم -منهم: ابن عمر وجابر وإبراهيم والحسن- قالوا: التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين، وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي ].

الصواب أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، كما دل عليه حديث عمار ، وحديث عمار رواه الشيخان، وفيه أن عماراً خرج مع عمر رضي الله عنه فأجنب، قال: فنزعت ثيابي فتمرغت كما تتمرغ الدابة، وأما عمر فإنه توضأ، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره، فقال: (إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ومسح بها وجهه وكفيه)، وهذا هو الصواب.

أما القول الثاني بأن التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين فهول قول بعض الصحابة الذين خفيت عليهم السنة فاجتهدوا.

الجمع بين حديث: (التيمم للوجه والكفين) وحديث(تيمننا إلى المناكب والآباط)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد روي هذا الوجه عن عمار في التيمم أنه قال: (الوجه والكفين) من غير وجه.

وقد روي عن عمار أنه قال: (تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب والآباط) فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين، لما روي عنه حديث المناكب والآباط.

قال إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي : حديث عمار في التيمم للوجه والكفين هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار : (تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم الى المناكب والآباط) ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عماراً لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الوجه والكفين. والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم أنه قال: (الوجه والكفين) ].

يحمل قوله: (تيممنا مع النبي إلى المناكب والآباط) على أنهم فعلوا هذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تبلغهم السنة، فلما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم وبين لهم أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين.

[ ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمه إلى الوجه والكفين.

قال: وسمعت أبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم يقول: لم أر بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي الفلاس

.

قال أبو زرعة : وروى عفان بن مسلم عن عمرو بن علي حديثاً: حدثنا يحيى بن موسى حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا هشيم عن محمد بن خالد القرشي عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس : أنه سئل عن التيمم؟ فقال: إن الله قال في كتابه حين ذكر الوضوء: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] وقال في التيمم: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43] وقال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38] فكانت السنة في القطع الكفين، إنما هو الوجه والكفان، يعني التيمم. قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح ].

ضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين لما روي عنه حديث المناكب والآباط، فظن أن حديث المناكب والآباط مخالف لحديث الوجه والكفين ومعارض له، فضعفه للاختلاف والاضطراب.

والجواب عن تضعيف بعض أهل العلم لحديث عمار أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين هو أن تيممهم إلى المناكب والآباط لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التيمم للوجه والكفين فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه عماراً، فلا تعارض بين الحديثين.

و إسحاق بن إبراهيم هذا هو إسحاق بن راهويه .

قوله: (ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم).

قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: أي أن عماراً انتهى إلى أن التيمم للوجه والكفين، فكان هو آخر الأمرين:

فالأول: ما فهموا من إطلاق اليد في الكتاب في آية التيمم.

والثاني: ما انتهوا إليه بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الثاني هو المعتبر والمعمول به، ويدل على جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن عماراً رضي الله عنه اجتهد أولاً، ثم لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ترك.

وحديث عمار أخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري ، وروى الشيخان عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وهذا اللفظ لـمسلم .

وفي رواية للبخاري : (وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه).

وهذا الحديث هو الثابت في الصحاح والسنن، لكن طريق سنن الترمذي غير طريق الصحيحين.

والتيمم يبدأ فيه بالوجه ثم اليدين، يقول تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ [النساء:43] ولابد من الترتيب.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ باب ما جاء في التيمم.

حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم للوجه والكفين).

قال: وفي الباب عن عائشة وابن عباس .

قال أبو عيسى : حديث عمار حديث حسن صحيح، وقد روي عن عمار من غير وجه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: علي وعمار وابن عباس وغير واحد من التابعين، منهم: الشعبي وعطاء ومكحول ، قالوا: التيمم ضربة للوجه والكفين، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم -منهم: ابن عمر وجابر وإبراهيم والحسن- قالوا: التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين، وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي ].

الصواب أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، كما دل عليه حديث عمار ، وحديث عمار رواه الشيخان، وفيه أن عماراً خرج مع عمر رضي الله عنه فأجنب، قال: فنزعت ثيابي فتمرغت كما تتمرغ الدابة، وأما عمر فإنه توضأ، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره، فقال: (إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ومسح بها وجهه وكفيه)، وهذا هو الصواب.

أما القول الثاني بأن التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين فهول قول بعض الصحابة الذين خفيت عليهم السنة فاجتهدوا.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد روي هذا الوجه عن عمار في التيمم أنه قال: (الوجه والكفين) من غير وجه.

وقد روي عن عمار أنه قال: (تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب والآباط) فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين، لما روي عنه حديث المناكب والآباط.

قال إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي : حديث عمار في التيمم للوجه والكفين هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار : (تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم الى المناكب والآباط) ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عماراً لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الوجه والكفين. والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم أنه قال: (الوجه والكفين) ].

يحمل قوله: (تيممنا مع النبي إلى المناكب والآباط) على أنهم فعلوا هذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تبلغهم السنة، فلما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم وبين لهم أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين.

[ ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمه إلى الوجه والكفين.

قال: وسمعت أبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم يقول: لم أر بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي الفلاس

.

قال أبو زرعة : وروى عفان بن مسلم عن عمرو بن علي حديثاً: حدثنا يحيى بن موسى حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا هشيم عن محمد بن خالد القرشي عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس : أنه سئل عن التيمم؟ فقال: إن الله قال في كتابه حين ذكر الوضوء: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] وقال في التيمم: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43] وقال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38] فكانت السنة في القطع الكفين، إنما هو الوجه والكفان، يعني التيمم. قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح ].

ضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين لما روي عنه حديث المناكب والآباط، فظن أن حديث المناكب والآباط مخالف لحديث الوجه والكفين ومعارض له، فضعفه للاختلاف والاضطراب.

والجواب عن تضعيف بعض أهل العلم لحديث عمار أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين هو أن تيممهم إلى المناكب والآباط لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التيمم للوجه والكفين فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه عماراً، فلا تعارض بين الحديثين.

و إسحاق بن إبراهيم هذا هو إسحاق بن راهويه .

قوله: (ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم).

قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: أي أن عماراً انتهى إلى أن التيمم للوجه والكفين، فكان هو آخر الأمرين:

فالأول: ما فهموا من إطلاق اليد في الكتاب في آية التيمم.

والثاني: ما انتهوا إليه بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الثاني هو المعتبر والمعمول به، ويدل على جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن عماراً رضي الله عنه اجتهد أولاً، ثم لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ترك.

وحديث عمار أخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري ، وروى الشيخان عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وهذا اللفظ لـمسلم .

وفي رواية للبخاري : (وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه).

وهذا الحديث هو الثابت في الصحاح والسنن، لكن طريق سنن الترمذي غير طريق الصحيحين.

والتيمم يبدأ فيه بالوجه ثم اليدين، يقول تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ [النساء:43] ولابد من الترتيب.

شرح حديث: (كان رسول الله يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً)

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال مالم يكن جنباً.

حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا حفص بن غياث وعقبة بن خالد قالا: حدثنا الأعمش وابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال مالم يكن جنباً).

قال أبو عيسى : حديث علي هذا حديث حسن صحيح، وبه قال غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، قالوا: يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء، ولا يقرأ في المصحف إلا وهو طاهر.

وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ].

الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة.

وقال المنذري : ذكر أبو بكر البزار أنه لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة .

وحكى البخاري عن عمرو بن مرة : كان عبد الله -يعني ابن سلمة- يحدثنا فنعرف وننكر، وكان قد كبر، لا يتابع في حديثه.

وذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث، وقال: لم يكن أهل الحديث يثبتونه، قال البيهقي : وإنما توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي ، وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة، هذا آخر كلامه.

وذكر الخطابي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه كان يوهن حديث علي هذا، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة، انتهى كلام المنذري .

والحديث فيه عبد الله بن سلمة -بكسر اللام- المرادي الكوفي يروي عن عمر وعلي ومعاذ وصفوان بن عسال .

وعنه: عمرو بن مرة وأبو إسحاق السبيعي وأبو الزبير المكي .

قال البخاري : لا يتابع في حديثه. ووثقه العجلي ، وأخرج له الأربعة، قال البخاري في خلق أفعال العباد: لا يتابع في حديثه.

وفيه عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملي المرادي الكوفي الأعمى، وهو ثقة عابد كان لا يدلس، ورمي بالإرجاء.

وفيه ابن أبي ليلى وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو صدوق سيء الحفظ جداً،

إذاً: فيه محمد بن أبي ليلى، وفيه عبد الله بن سلمة هذا صدوق وهذا سيئ الحفظ اجتمعا، فيحتاج الحديث إلى متابعة.

وننقل هنا كلام أحمد شاكر في المتابعة، قال: وعبد الله بن سلمة هذا قال العجلي : تابعي ثقة، وقال يعقوب بن شيبة : ثقة، يعد في الطبقة الأولى من فقهاء الكوفة بعد الصحابة، وقد توبع عبد الله بن سلمة في معنى حديثه هذا عن علي ، فارتفعت شبهة الخطأ عن روايته إذا كان سيئ الحفظ في كبره كما قالوا.

فقد روى أحمد في المسند: حدثنا عائذ بن حبيب حدثني عامر بن السمط عن أبي الغريف قال: (أُتي علي رضي الله عنه بوضوء فمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال: هذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا ولا آية).

وهذا إسناد صحيح جيد.

عائذ بن حبيب أبو أحمد العبسي شيخ الإمام أحمد ثقة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الأثرم : سمعت أحمد ذكره فأحسن الثناء عليه، وقال: كان شيخاً جليلاً عاقلاً، ورماه ابن معين بالزندقة، ورد عليه أبو زرعة بأنه صدوق في الحديث.

و عامر بن السمط -بكسر السين المهملة وإسكان الميم- وثقه يحيى بن سعيد والنسائي وغيرهما.

و أبو الغريف -بفتح الغين المعجمة، وكسر الراء وآخره فاء- اسمه عبيد الله بن خليفة الهمداني المرادي، ذكره ابن حبان في الثقات، وكان على شرطة علي ، وأقل أحواله أن يكون حسن الحديث تقبل متابعته لغيره. ا.هـ.

والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- متساهل في التصحيح والتضعيف، فيصحح لبعض الضعفاء، وقد يقال: إن الطريقين يشد أحدهما الآخر، فيكون الحديث حسناً.

و عبيد الله بن خليفة المرادي أبو الغريف الكوفي يروي عن علي وابنه الحسن ، وعنه أبو روح وعطية والأعمش ، قال أبو حاتم : تكلموا فيه ووثقه ابن حبان .

ويدل الحديث على أن الجنب لا يقرأ القرآن، وأما غير الجنب فإنه يقرأ، ويذكر الله في جميع أحواله، وكذلك الجنب يذكر الله بجميع أنواع الذكر إلا القرآن.

وهذا هو اختيار سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، أن الحديث لا بأس به وأن الجنب لا يقرأ القرآن؛ لحديث أبي الغريف : (فأما الجنب فلا ولا آية) ولهذا الحديث -حديث عبد الله بن سلمة- عن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً) ].

فهذان الحديثان يشد بعضهما بعضاً، أما الحائض والنفساء فاختلف العلماء فيهما، فالجمهور قاسوا الحائض والنفساء على الجنب، وقالوا: إنهما لا تقرآن القرآن قياساً على الجنب، واستدلوا -أيضاً- بحديث ضعيف فيه أن الحائض والنفساء لا تقرآن.

والقول الثاني لأهل العلم: أن الحائض والنفساء لا تقاسان على الجنب؛ لأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن الجنب مدته قصيرة، ويستطيع أن يغتسل ويقرأ القرآن، بخلاف الحائض والنفساء، فإن مدتهما تطول، فقد تطول مدة النفاس إلى أربعين يوماً فتنسى القرآن إذا كانت حافظة، وقد تكون مدرسة أو طالبة تحتاج إلى قراءة القرآن، فلماذا تمنع هذه المدة الطويلة بغير دليل؟! والقياس على الجنب قياس مع الفارق، والحديث ضعيف، ولهذا ذهب جمع من أهل العلم إلى أن الحائض والنفساء تقرآن من غير مس المصحف.

وإذا قرأ الجنب الآية بنية الذكر لا بنية القراءة (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) فنعم، وإن كان بنية قراءة القرآن فلا.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [4] 2784 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [1] 2037 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [7] 1957 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [2] 1832 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [6] 1661 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [5] 1578 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [9] 1457 استماع
شرح جامع الترمذي المقدمة 1449 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [12] 1308 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [13] 1305 استماع