شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [9]


الحلقة مفرغة

شرح حديث المسح على الخفين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المسح على الخفين:

حدثنا هناد حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: (بال جرير بن عبد الله رضي الله عنه، ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أتفعل هذا؟! قال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله).

قال إبراهيم : وكان يعجبهم حديث جرير ؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة. هذا قول إبراهيم ، يعني: كان يعجبهم ].

أحاديث المسح على الخفين بلغت حد التواتر، رواها من الصحابة نحو سبعين صحابياً، وكان يعجبهم قول جرير ؛ لأن جريراً أسلم بعد آية المائدة، وآية المائدة هي آية الوضوء، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] وهناك من يقول: إن المسح على الخفين كان قبل نزول آية الوضوء، ويرد عليهم بأن جريراً أسلم بعد ذلك، ولما قيل لـجرير : أقبل المائدة أم بعد المائدة؟ قال: وهل أسلمت إلا بعد المائدة.

وقد خالف في ذلك الرافضة فأنكروا المسح على الخفين، وقالوا: يجب على من عليه خفين أن يخلعهما، وأن يمسح ظهور القدمين، وإن كانت الرجلان مكشوفتين فلا يجوز غسلهما، وإنما يمسح ظاهر الرجلين إلى الكعبين، وليس الكعبان هما العظمين الناتئين في جانب القدمين، وإنما هما عند معقد الشراك.

ولهذا ذكر العلماء هذا في العقائد، يقول العلماء في العقائد: (ونرى المسح على الخفين) مع أن المسح من الفروع، والقصد من ذلك الرد على الرافضة الذين أنكروا المسح على الخفين.

قال رحمه الله تعالى: [ قال: وفي الباب عن عمر وعلي وحذيفة والمغيرة وبلال وسعد وأبي أيوب وسلمان وبريدة وعمرو بن أمية وأنس وسهل بن سعد ويعلى بن مرة وعبادة بن الصامت وأسامة بن شريك وأبي أمامة وجابر وأسامة بن زيد وابن عبادة -ويقال: ابن عمارة- وأبي بن عمارة رضي الله عنهم.

قال أبو عيسى : حديث جرير حديث حسن صحيح.

ويروى عن شهر بن حوشب قال: (رأيت جرير بن عبد الله رضي الله عنه توضأ ومسح على خفيه، فقلت له في ذلك؟ فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه، فقلت له: أقبل المائدة أم بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة).

حدثنا بذلك قتيبة حدثنا خالد بن زياد الترمذي عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير ].

هذا فيه إزالة الشبهة لمن اشتبه عليه الأمر، وهو أن المسح على الخفين كان بعد نزول آية المائدة.

قال رحمه الله تعالى: [ قال: وروى بقية عن إبراهيم بن أدهم عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير .

وهذا حديث مفسر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين كان قبل نزول المائدة، وذكر جرير في حديثه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين بعد نزول المائدة ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المسح على الخفين:

حدثنا هناد حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: (بال جرير بن عبد الله رضي الله عنه، ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أتفعل هذا؟! قال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله).

قال إبراهيم : وكان يعجبهم حديث جرير ؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة. هذا قول إبراهيم ، يعني: كان يعجبهم ].

أحاديث المسح على الخفين بلغت حد التواتر، رواها من الصحابة نحو سبعين صحابياً، وكان يعجبهم قول جرير ؛ لأن جريراً أسلم بعد آية المائدة، وآية المائدة هي آية الوضوء، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] وهناك من يقول: إن المسح على الخفين كان قبل نزول آية الوضوء، ويرد عليهم بأن جريراً أسلم بعد ذلك، ولما قيل لـجرير : أقبل المائدة أم بعد المائدة؟ قال: وهل أسلمت إلا بعد المائدة.

وقد خالف في ذلك الرافضة فأنكروا المسح على الخفين، وقالوا: يجب على من عليه خفين أن يخلعهما، وأن يمسح ظهور القدمين، وإن كانت الرجلان مكشوفتين فلا يجوز غسلهما، وإنما يمسح ظاهر الرجلين إلى الكعبين، وليس الكعبان هما العظمين الناتئين في جانب القدمين، وإنما هما عند معقد الشراك.

ولهذا ذكر العلماء هذا في العقائد، يقول العلماء في العقائد: (ونرى المسح على الخفين) مع أن المسح من الفروع، والقصد من ذلك الرد على الرافضة الذين أنكروا المسح على الخفين.

قال رحمه الله تعالى: [ قال: وفي الباب عن عمر وعلي وحذيفة والمغيرة وبلال وسعد وأبي أيوب وسلمان وبريدة وعمرو بن أمية وأنس وسهل بن سعد ويعلى بن مرة وعبادة بن الصامت وأسامة بن شريك وأبي أمامة وجابر وأسامة بن زيد وابن عبادة -ويقال: ابن عمارة- وأبي بن عمارة رضي الله عنهم.

قال أبو عيسى : حديث جرير حديث حسن صحيح.

ويروى عن شهر بن حوشب قال: (رأيت جرير بن عبد الله رضي الله عنه توضأ ومسح على خفيه، فقلت له في ذلك؟ فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه، فقلت له: أقبل المائدة أم بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة).

حدثنا بذلك قتيبة حدثنا خالد بن زياد الترمذي عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير ].

هذا فيه إزالة الشبهة لمن اشتبه عليه الأمر، وهو أن المسح على الخفين كان بعد نزول آية المائدة.

قال رحمه الله تعالى: [ قال: وروى بقية عن إبراهيم بن أدهم عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير .

وهذا حديث مفسر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين كان قبل نزول المائدة، وذكر جرير في حديثه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين بعد نزول المائدة ].

شرح حديث مدة مسح المسافر والمقيم على الخفين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم:

حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه سئل عن المسح على الخفين فقال: للمسافر ثلاثة وللمقيم يوم) ].

ومثله حديث علي : (للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وذكر عن يحيى بن معين أنه صحح حديث خزيمة بن ثابت في المسح، وأبو عبد الله الجدلي اسمه: عبد بن عبد ، ويقال: عبد الرحمن بن عبد .

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.

وفي الباب عن علي وأبي بكرة وأبي هريرة وصفوان بن عسال وعوف بن مالك وابن عمر وجرير رضي الله عنهم ].

قال الشارح: قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجه . ا هـ.

شرح حديث صفوان: (كان رسول الله يأمرنا إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد حدثنا أبو الأحوص عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم).

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ].

قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والبيهقي ، قاله الحافظ في التلخيص، وقال فيه: قال الترمذي عن البخاري : حديث حسن، وصححه الترمذي والخطابي ومداره عندهم على عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه، وذكر ابن منده أبو القاسم أنه رواه عن عاصم أكثر من أربعين نفساً، وتابع عاصماً عليه عبد الوهاب بن بخت وإسماعيل بن أبي خالد وطلحة بن مصرف والمنهال بن عمرو ومحمد بن سوقة ، وذكر جماعة معه.

ومراده أصل الحديث؛ لأنه في الأصل طويل مشتمل على التوبة، والمرء مع من أحب، وغير ذلك، لكن حديث طلحة عند الطبراني بإسناد لا بأس به، انتهى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد روى الحكم بن عتيبة وحماد عن إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت ، ولا يصح.

قال علي بن المديني : قال يحيى بن سعيد : قال شعبة : لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح ].

أي أنه منقطع، لكن قد ينجبر هذا الانقطاع بحديث علي .

قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (ولا يصح) بين الترمذي وجه عدم الصحة بقوله: (قال علي بن المديني ) وهذا الحديث بهذا السند أخرجه أبو داود في سننه، قال الحافظ في التخليص: حديث خزيمة بن ثابت : (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن ولو استزدناه لزاد) رواه أبو داود بزيادة، وابن ماجه بلفظ: (ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمساً).

ورواه ابن حبان باللفظين معاً، ورواه الترمذي وغيره بدون زيادة، قال الترمذي : قال البخاري : لا يصح عندي؛ لأنه لا يعرف للجدلي سماع من خزيمة .

وذكر عن يحيى بن معين أنه قال: هو صحيح، وقال ابن دقيق العيد : الروايات متظافرة متكاثرة برواية التيمي له عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة ، وقال ابن أبي حاتم في العلل: قال أبو زرعة : الصحيح من حديث التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة مرفوعاً، والصحيح عن النخعي عن الجدلي بلا واسطة، وادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على ضعف هذا الحديث، وتصحيح ابن حبان له يرد عليه، مع نقل الترمذي عن ابن معين أنه صحيح أيضاً كما تقدم، والله أعلم، انتهى ما في التلخيص.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال زائدة عن منصور: كنا في حجرة إبراهيم التيمي ومعنا إبراهيم النخعي ، فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين.

قال محمد بن إسماعيل : أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي .

قال أبو عيسى : وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن.

قال أبو عيسى : وقد روي عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين، وهو قول مالك بن أنس .

وقال أبو عيسى : والتوقيت أصح، وقد روي هذا الحديث عن صفوان بن عسال -أيضاً- من غير حديث عاصم ].

الصواب التوقيت، أما قول المالكية في عدم التوقيت فهو ضعيف.

قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (وقد روي عن بعض أهل العلم) قال الشوكاني في النيل: قال مالك والليث بن سعد : لا وقت للمسح على الخفين، ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بدا له، والمقيم والمسافر في ذلك سواء.

وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري . انتهى.

ويروى ذلك عن الشعبي وربيعة والليث وأكثر أصحاب مالك ، ذكره العيني ، والحجة لهم في هذا حديث أبي بن عمارة أنه قال: (يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: يوماً؟ قال: نعم، قال: ويومين؟ قال: نعم، قال: وثلاثة؟ قال: نعم، وما شئت)، أخرجه أبو داود ، وقال: ليس بقوي.

قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث: أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم في المستدرك، قال أبو داود : ليس بالقوي، وضعفه البخاري فقال: لا يصح، وقال أبو داود : اختلف في إسناده وليس بالقوي، وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد : رجاله لا يعرفون.

وقال أبو الفتح الأزدي : هو حديث ليس بالقائم، ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه، قلت: وبالغ الجوزقاني فذكره في الموضوعات، انتهى.

ولهم في عدم التوقيت أحاديث أخرى لكن ليس فيها ما يشفي العليل ويروي الغليل، فإن منها ما هو صحيح فليس بصريح في المقصود، وما هو صريح فليس بصحيح (والتوقيت أصح) يعني: التوقيت هو الصحيح، فإن أحاديثه كثيرة صحيحة، وليس في عدم التوقيت حديث صحيح ].

الصواب هو التوقيت الذي عليه أهل العلم، ويمكن أن يكون فيه شيء خاص للضرورة، لكن ليس معناه أنهم لا يرون التوقيت، ولو صح لكان اجتهاداً، ومن المعلوم أنه قد يجتهد بعض الصحابة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم:

حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه سئل عن المسح على الخفين فقال: للمسافر ثلاثة وللمقيم يوم) ].

ومثله حديث علي : (للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وذكر عن يحيى بن معين أنه صحح حديث خزيمة بن ثابت في المسح، وأبو عبد الله الجدلي اسمه: عبد بن عبد ، ويقال: عبد الرحمن بن عبد .

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.

وفي الباب عن علي وأبي بكرة وأبي هريرة وصفوان بن عسال وعوف بن مالك وابن عمر وجرير رضي الله عنهم ].

قال الشارح: قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجه . ا هـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد حدثنا أبو الأحوص عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم).

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ].

قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والبيهقي ، قاله الحافظ في التلخيص، وقال فيه: قال الترمذي عن البخاري : حديث حسن، وصححه الترمذي والخطابي ومداره عندهم على عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه، وذكر ابن منده أبو القاسم أنه رواه عن عاصم أكثر من أربعين نفساً، وتابع عاصماً عليه عبد الوهاب بن بخت وإسماعيل بن أبي خالد وطلحة بن مصرف والمنهال بن عمرو ومحمد بن سوقة ، وذكر جماعة معه.

ومراده أصل الحديث؛ لأنه في الأصل طويل مشتمل على التوبة، والمرء مع من أحب، وغير ذلك، لكن حديث طلحة عند الطبراني بإسناد لا بأس به، انتهى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد روى الحكم بن عتيبة وحماد عن إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت ، ولا يصح.

قال علي بن المديني : قال يحيى بن سعيد : قال شعبة : لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح ].

أي أنه منقطع، لكن قد ينجبر هذا الانقطاع بحديث علي .

قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (ولا يصح) بين الترمذي وجه عدم الصحة بقوله: (قال علي بن المديني ) وهذا الحديث بهذا السند أخرجه أبو داود في سننه، قال الحافظ في التخليص: حديث خزيمة بن ثابت : (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن ولو استزدناه لزاد) رواه أبو داود بزيادة، وابن ماجه بلفظ: (ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمساً).

ورواه ابن حبان باللفظين معاً، ورواه الترمذي وغيره بدون زيادة، قال الترمذي : قال البخاري : لا يصح عندي؛ لأنه لا يعرف للجدلي سماع من خزيمة .

وذكر عن يحيى بن معين أنه قال: هو صحيح، وقال ابن دقيق العيد : الروايات متظافرة متكاثرة برواية التيمي له عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة ، وقال ابن أبي حاتم في العلل: قال أبو زرعة : الصحيح من حديث التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة مرفوعاً، والصحيح عن النخعي عن الجدلي بلا واسطة، وادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على ضعف هذا الحديث، وتصحيح ابن حبان له يرد عليه، مع نقل الترمذي عن ابن معين أنه صحيح أيضاً كما تقدم، والله أعلم، انتهى ما في التلخيص.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال زائدة عن منصور: كنا في حجرة إبراهيم التيمي ومعنا إبراهيم النخعي ، فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين.

قال محمد بن إسماعيل : أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي .

قال أبو عيسى : وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن.

قال أبو عيسى : وقد روي عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين، وهو قول مالك بن أنس .

وقال أبو عيسى : والتوقيت أصح، وقد روي هذا الحديث عن صفوان بن عسال -أيضاً- من غير حديث عاصم ].

الصواب التوقيت، أما قول المالكية في عدم التوقيت فهو ضعيف.

قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (وقد روي عن بعض أهل العلم) قال الشوكاني في النيل: قال مالك والليث بن سعد : لا وقت للمسح على الخفين، ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بدا له، والمقيم والمسافر في ذلك سواء.

وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري . انتهى.

ويروى ذلك عن الشعبي وربيعة والليث وأكثر أصحاب مالك ، ذكره العيني ، والحجة لهم في هذا حديث أبي بن عمارة أنه قال: (يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: يوماً؟ قال: نعم، قال: ويومين؟ قال: نعم، قال: وثلاثة؟ قال: نعم، وما شئت)، أخرجه أبو داود ، وقال: ليس بقوي.

قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث: أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم في المستدرك، قال أبو داود : ليس بالقوي، وضعفه البخاري فقال: لا يصح، وقال أبو داود : اختلف في إسناده وليس بالقوي، وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد : رجاله لا يعرفون.

وقال أبو الفتح الأزدي : هو حديث ليس بالقائم، ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه، قلت: وبالغ الجوزقاني فذكره في الموضوعات، انتهى.

ولهم في عدم التوقيت أحاديث أخرى لكن ليس فيها ما يشفي العليل ويروي الغليل، فإن منها ما هو صحيح فليس بصريح في المقصود، وما هو صريح فليس بصحيح (والتوقيت أصح) يعني: التوقيت هو الصحيح، فإن أحاديثه كثيرة صحيحة، وليس في عدم التوقيت حديث صحيح ].

الصواب هو التوقيت الذي عليه أهل العلم، ويمكن أن يكون فيه شيء خاص للضرورة، لكن ليس معناه أنهم لا يرون التوقيت، ولو صح لكان اجتهاداً، ومن المعلوم أنه قد يجتهد بعض الصحابة.

شرح حديث: (مسح أعلى الخف وأسفله)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله:

حدثنا أبو الوليد الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله).

قال أبو عيسى : وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق .

وهذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم .

قال أبو عيسى : وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة قال: حدثت عن كاتب المغيرة ، مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه المغيرة ].

هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه كاتب بن المغيرة ، وثور بن يزيد تكلم عليه الشافعي .

وما ذهب إليه بعض أهل العلم من مسح ظاهر الخف هو الراجح، وقد ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على أعلى ظاهر الخف).

وكاتب المغيرة هو وراد -بتشديد الراء- الثقفي أبو سعيد ، أو أبو الورد الكوفي كاتب المغيرة ومولاه، ثقة من الثالثة.

وقوله: [ حدثت عن كاتب المغيرة ] فيه جهالة من حدثه.

أما رواية الوليد بن مسلم قال: [ أخبرني ثور بن يزيد ] فمسندة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة .

قال الشارح رحمه الله تعالى: (قال: حدثت عن كاتب بن المغيرة ) بصيغة المجهول، ففيه انقطاع (مرسل)، أي: فهو مرسل، وفي بعض النسخ: مرسلاً.

قال الحافظ في التلخيص: حديث المغيرة : (أنه صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وابن الجارود من طريق ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة ، وفي رواية ابن ماجة عن وراد كاتب المغيرة قال الأثرم عن أحمد : إنه كان يضعفه، ويقول: ذكرته لـعبد الرحمن بن مهدي فقال: عن ابن المبارك عن ثور حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة ، ولم يذكر المغيرة ، قال أحمد : وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور ، فقلت له: إنما يقول هذا الوليد ، فأما ابن المبارك فيقول: حدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة ، فقال لي نعيم : هذا حديثي الذي أسأل عنه، فأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق، فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة ، فأوقفته عليه، وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها، فجعل يقول للناس بعد وأنا أسمع: اضربوا على هذا الحديث.

وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة : حديث الوليد ليس بمحفوظ، وقال موسى بن هارون وأبو داود : لم يسمع ثور من رجاء . حكاه قاسم بن أصبغ عنه ا هـ.

الوليد يدلس في حديثه، لكنه صرح بالتحديث في هذه الرواية.

و ابن المبارك رواه عن ثور وأرسل الحديث، وقال فيه: حدثت عن رجاء .

قال الشارح رحمه الله تعالى: وقال البخاري في التاريخ الأوسط: حدثنا محمد بن الصباح حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما)، قال: وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة ، وكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن أبي الزناد .

ورواه أبو داود الطيالسي عن ابن أبي الزناد فقال: عن عروة بن المغيرة عن أبيه، وكذا أخرجه البيهقي من رواية إسماعيل بن موسى عن ابن أبي الزناد .

وقال الترمذي : هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور غير الوليد ، قلت: رواه الشافعي في الأم عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ثور مثل الوليد .

وذكر الدارقطني في العلل أن محمد بن عيسى بن سميع رواه أبو ثور كذلك، قال الترمذي : وسمعت أبا زرعة ومحمداً يقولان: ليس بصحيح.

وقال أبو داود : لم يسمعه ثور من رجاء، وقال الدارقطني : روى عن عبد الملك بن عمير عن وراد كاتب المغيرة عن المغيرة ولم يذكر أسفل الخف، وقال ابن حزم : أخطأ فيه الوليد في موضعين، فذكرهما كما تقدم.

قلت: الحاصل أن الحديث هذا معل، والصواب أن المسح يكون على ظاهرها.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [4] 2786 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [15] 2450 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [1] 2038 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [7] 1958 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [2] 1833 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [6] 1662 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [5] 1580 استماع
شرح جامع الترمذي المقدمة 1500 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [12] 1309 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [13] 1309 استماع