شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [2]


الحلقة مفرغة

قال الإمام الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله: [ باب: ما جاء في الاستتار عند الحاجة.

حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن الأعمش ، عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض).

قال أبو عيسى : هكذا روى محمد بن ربيعة عن الأعمش عن أنس هذا الحديث.

وروى وكيع وأبو يحيى الحماني عن الأعمش قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض) وكلا الحديثين مرسل ].

والمرسل: هو ما سقط منه صحابي، وهو من النوع المنقطع، وبعض المحدثين يسمي المنقطع مرسلاً.

قال المصنف رحمه الله: [ ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس رضي الله عنه ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نظر إلى أنس بن مالك قال: رأيته يصلي.. فذكر عنه حكاية في الصلاة ].

لكن معناه صحيح، وأنه ينبغي للإنسان ألا يرفع ثوبه قبل دنوه من الأرض؛ لأن الأدلة التي دلت على وجوب ستر العورة تقتضي هذا، ولأن الحاجة إلى رفع الثوب إنما تكون إذا قرب من الأرض، أما أن يرفع ثوبه قبل أن يدنو من الأرض فلا حرج، لكن لا يجوز كشف العورة إلا لحاجة، حتى ولو كان للرحل.

فإن قيل: هل يجوز كشف العورة في الفضاء ونحوه؟

فالجواب: لا يجوز كشف العورة في الفضاء أو في غيره.

قال: [ والأعمش اسمه: سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي ، وهو مولى لهم، قال الأعمش : كان أبي حميلاً فورثه مسروق ].

قال في الشرح: [ قال الأعمش : كان أبي حميلاً فورَّثه مسروق ، أي: جعله وارثاً ].

والحميل: الذي يحمل من بلاده صغيراً إلى دار الإسلام، كذا في مجمع البحار، وفي توريثه من أمه التي جاءت معه، وقالت: إنه هو ابنها. خلاف، فعند مسروق أنه يرثها، فلذلك ورث والد الأعمش أي: جعله وارثاً، وعند الحنفية أنه لا يرث من أمه ].

لأن هذه دعوى، فمن يعرف أنه ولدها، فقد تكون أخذته من غيره، والصواب: وَرِثه، وليس ورَّثه.

قال: [ قال الإمام محمد في موطئه: أخبرنا مالك ، أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن سعيد بن المسيب قال: أبى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يورث أحداً من الأعاجم إلا ما ولد في العرب.

قال محمد : وبهذا نأخذ، لا يورث الحميل الذي يسبى وتسبى معه امرأة، وتقول: هو ولدي أو تقول: هو أخي، أو يقول: هي أختي، ولا نسب من الأنساب يورث إلا ببينة، إلا الوالد والولد؛ فإنه إذا ادعى الوالد أنه ابنه وصدقه فإنه ابنه، ولا يحتاج في هذا إلى بينة ].

قال: [ قوله: (إذا أراد الحاجة) -أي: قضاء الحاجة- والمعنى: إذا أراد القعود للغائط أو للبول.

وقوله: (حتى يدنو من الأرض) أي: حتى يقرب منها، محافظة على التستر، والاحتراز عن كشف العورة، وهذا من أدب قضاء الحاجة.

قال الطيبي : يستوي فيه الصحراء والبنيان؛ لأن في رفع الثوب كشف العورة، وهو لا يجوز إلا عند الحاجة، ولا ضرورة في الرفع قبل القرب من الأرض ].

وهذا من الآداب لكن قد يقال: إنه شبهة، يعني: لو رفع قبل؛ لأن كشف العورة الأصل أنه ممنوع، لكن قد يقال له: شبهة لكن الآن بعض الناس يتساهل، فلا ينبغي له أن يتساهل ويرفع قبل الدنو من الأرض.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين.

حدثنا محمد بن أبي عمر المكي ، حدثنا سفيان بن عيينة عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه) ].

وهذا ثابت في الصحيحين، والنهي هنا للتحريم، والكراهة تحمل على كراهة التحريم، ولذا يحرم على الإنسان أن يستنجي بيده اليمين إلا للضرورة، كأن تكون يده اليسرى مقطوعة.

قال المصنف رحمه الله: [ وفي هذا الباب عن عائشة وسلمان وأبي هريرة وسهل بن حنيف .

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ].

قال في الشرح: [ قوله: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه الشيخان بلفظ: (قال: إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه).

قوله: (نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه) أي: بيده اليمنى تكريماً لليمين، والنهي في هذا الحديث مطلق غير مقيد بحالة البول، وقد جاء مقيداً، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة بلفظ: (لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول) ].

فالاستنجاء غير مس الذكر، ومس الذكر مقيد بالبول، وقد جاء في الحديث الآخر في الصحيحين: (نهى أن يستنجي بيمينه، ونهى أن يمس ذكره وهو يبول، ونهى أن يتنفس في الإناء)، كل هذه الثلاثة جاءت في الصحيحين.

فهذا مقيد بحالة البول وهو في الصحيح؛ لأنه قد يصيبه شيء من البول ومن النجاسة، واليمين تبقى محرمة، أما الاستنجاء باليمين فلا يجوز، وأما مس الذكر فمقيد في حال بوله.

قال في الشرح: [ وقد جاء مقيداً، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة بلفظ: (لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)، وفي صحيح البخاري عنه: (إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه)، قال البخاري في صحيحه: باب: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال.

قال الحافظ في الفتح: أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول، فيكون ما عداه مباحاً، وقال بعض العلماء: يكون ممنوعاً أيضاً من باب الأولى؛ لأنه نهى عن ذلك مع مظنة الحاجة في تلك الحالة، وتعقبه أبو محمد بن أبي جمرة : بأن مظنة الحاجة لا تختص بحالة الاستنجاء، وإنما خص النهي بحالة البول من جهة أن مجاور الشيء يعطى حكمه، فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته حسماً للمادة، ثم استدل على الإباحة بقوله صلى الله عليه وسلم لـطلق بن علي حين سأله عن مس ذكره: (إنما هو بضعة منك)، فدل على الجواز في كل حال، فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح، وبقي ما عداها على الإباحة ].

وهذا هو الصواب: أنه مقيد بحالة البول؛ لأنه قال: يصيبك شيء من البول.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح، وأبو قتادة الأنصاري اسمه: الحارث بن ربعي ، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم: كرهوا الاستنجاء باليمين ].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: الاستنجاء بالحجارة.

حدثنا هناد ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (قيل لـسلمان : قد علمكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كل شيء حتى الخراءة؟ فقال سلمان : أجل، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم) ].

هذا الحديث أخرجه النسائي ، وأخرجه أيضاً الشيخان في كراهة الاستنجاء باليمين، وفيه تحريم الاستنجاء باليمين، وفيه أيضاً تحريم الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار، أو الاستنجاء بالعظم والرجيع.

وحديث تحريم استقبال القبلة رواه الشيخان وأصحاب السنن، وهو محمول على الصحراء، أما في البنيان فلا بأس، وهذا على الصحيح؛ لحديث ابن عمر .

قوله: (وأن نستنجي باليمين) فيه تحريم الاستنجاء باليمين إلا عند الضرورة.

وقوله: (أو أن يستنجى أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار) هذا رواه النسائي أيضاً، وهذا إذا أراد أن يكتفي به عن الماء، أما إذا أراد أن يستعمل الماء فلا بأس أن يستنجي بحجر أو حجرين.

وقوله: (أو أن نستنجي برجيع أو بعظم) فيه دليل على الحرمة، والرجيع: الروثة، وهذا فيه إفساد على الجن؛ لأنه يعود إليه حبه الذي أكل، والعظم فيه إفساد على الجن؛ لأنه يعود إليه لحمه الذي أكل، كما في الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تستنجوا برجيع ولا عظم، فإنه زاد إخوانكم من الجن).

وهذا إذا أراد أن يكتفي به عن الماء، فلابد من الاستجمار بثلاثة أحجار، وتكون منقية، ولا يبقى إلا شيء يسير لا يزيله إلا الماء، وألا يعدو للخارج موضع العادة، فإن تجاوز الخارج موضع العادة فلا يكفيه إلا الماء.

فالاستجمار ثلاثاً ، سواء كان بأحجار أو بشيء متحجر أو مناديل الورق الخشن أو خشب، إلا الشيء الأملس، كالزجاج، وكذلك العظم والروث والطعام المحترم، وذيل الدابة وكتب العلم، فهذا كله محرم لا يجوز الاستنجاء به، وقد يقال: إنها محترمة إذا كان فيها كلام لأهل العلم، وكلام مفيد ولو لم يكن فيها ذكر الله.

قال أبو عيسى : وفي الباب عن عائشة وخزيمة بن ثابت وجابر وخلاد بن السائب عن أبيه رضي الله عنهم.

قال أبو عيسى : وحديث سلمان في هذا الباب حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، رأوا أن الاستنجاء بالحجارة يجزئ، وإن لم يستنج بالماء، إذا أنقى أثر الغائط والبول، وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في الاستنجاء بالحجرين.

حدثنا هناد وقتيبة قالا: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، فقال: التمس لي ثلاثة أحجار، قال: فأتيته بحجرين وروثة فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: إنها ركس) ].

هذا حديث ضعيف منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يدرك أباه عبد الله ، وقال النسائي : ليس أبو عبيدة رواه، وإنما رواه عبد الرحمن بن عبد الله .

فقوله: ليس أبو عبيدة رواه، يعني: مقصوده أن أبا عبيدة لم يدرك أباه، فيكون منقطعاً، وهذا الحديث رواه عبد الرحمن متصلاً، أما أبو عبيدة هذا فقد رواه منقطعاً، فهو حديث ضعيف؛ لأن أبا عبيدة لم يدرك أباه، لكن رواه أخو عبد الرحمن، وهو قد سمع من أبيه، فيكون متصلاً، لكن لا يدل لما ترجم له المؤلف رحمه الله بأنه يكتفى بحجرين؛ لأنه طلب ثلاثة، قال: (والثالثة روث فألقاها، وقال: إنها ركس)، وجاء في رواية أحمد بسند جيد لا بأس، قال: (ائتني بغيرها) فدل ذلك على أنه لا يكتفى بحجرين، وقول المؤلف: باب الاكتفاء بحجرين ليس بجيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأتي بثلاث، فالثالثة روثة، (فألقاها وقال: إنها ركس) أي: نجس، وجاء في بعض الروايات أنها روثة حمار، ومفهومه: أنه لابد أن يأتي بحجر ثالث بدلها، وهذا المفهوم جاء مصرحاً به في رواية الإمام أحمد قال: (ائتني بغيرها) فدل على أنه لا يكتفي بحجرين إذا أراد أن يجتزئ بالحجارة عن الماء، فلابد من ثلاثة أحجار إذا لم يستعمل الماء، وأن تكون هذه الثلاثة الأحجار منقية، فإن لم تنقِ زاد رابعاً، فإن زاد رابعاً وأنقى فيستحب أن يزيد الخامسة حتى يقع على وتر، لحديث: (من استجمر فليوتر)، فإن لم تنق زاد سادساً، فإن أنقى بالسادس يستحب أن يزيد سابعاً حتى يقطع على وتر.

قال المؤلف رحمه الله: [ وهكذا روى قيس بن الربيع هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه نحو حديث إسرائيل .

وروى معمر وعمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله ، وروى زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه - الأسود بن يزيد - عن عبد الله ، وروى زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود بن يزيد عن عبد الله ، وهذا حديث فيه اضطراب.

حدثنا محمد بن بشار العبدي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله : هل تذكر من عبد الله شيئاً ؟ قال: لا.

قال أبو عيسى : سألت عبد الله بن عبد الرحمن أي: الروايات في هذا الحديث عن أبي إسحاق أصح؟ فلم يقض فيه بشيء، وسألت محمداً عن هذا؟ فلم يقض فيه بشيء، وكأنه رأى حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله أشبه، ووضعه في كتاب الجامع ].

قوله: (وسألت محمداً) يعني: البخاري ، فـالترمذي من تلاميذ البخاري .

قال أبو عيسى: وأصح شيء في هذا عندي حديث إسرائيل وقيس عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله ؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء، وتابعه على ذلك قيس بن الربيع .

قال أبو عيسى : وسمعت أبا موسى محمد بن المثنى يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني الذي فاتني من حديث سفيان الثوري عن أبي إسحاق إلا لما اتكلت به على إسرائيل ؛ لأنه كان يأتي به أتم.

قال أبو عيسى : وزهير في أبي إسحاق ليس بذاك؛ لأن سماعه منه بآخرة.

قال: وسمعت أحمد بن الحسن الترمذي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير فلا تبالي ألا تسمعه من غيرهما إلا حديث أبي إسحاق.

وأبو إسحاق اسمه: عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني.

وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه ولا يعرف اسمه ].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به.

حدثنا هناد ، حدثنا حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن) ].

فيه تحريم الاستنجاء بالروث والعظام، وهذا حديث ثابت صحيح، والعلة أنه زاد إخواننا من الجن، وفي اللفظ الآخر: (أن الجن جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه الزاد؟ فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يعود أوفر ما كان عليه لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم يعود إليه حبه الذي أخذ -قال عليه الصلاة والسلام-: فلا تستنجوا بالروث والعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وفي الباب عن أبي هريرة وسلمان وجابر وابن عمر .

قال أبو عيسى : وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم وغيره عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن) الحديث بطوله، فقال الشعبي : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن).

وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث.

والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم.

وفي الباب عن جابر وابن عمر رضي الله عنهما ].

قال في الشرح: [ أخرجه النسائي في الكبرى، وقال في موضع آخر: أخرج الترمذي هذا الحديث بطوله في تفسير سورة الأحقاف، ومسلم في كتاب الصلاة في باب: الجهر بالقراءة في الصبح، والقراءة على الجن ].

وقال الترمذي في التفسير: [ حدثنا علي بن حجر، قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم -رواية إسماعيل - عن داود عن الشعبي عن علقمة : قال: قلت لـابن مسعود : هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد؟ قال: ما صحبه منا أحد ].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في الاستنجاء بالماء.

حدثنا قتيبة ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب البصري قالا: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت: مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله ].

وهذا فيه جواز الاستنجاء بالماء، وفيه الرد على من أنكر من بعض العرب أنهم كانوا يكرهونه، ويقول: إذا استنجى الإنسان بيده بالماء لم يزل النتن في يده، فكانوا يستجمرون بالحجارة، والصواب: أنه جائز، بل الاستنجاء بالماء أبلغ، وإذا جمع بين الحجارة والماء كان أفضل.

قال المصنف رحمه الله: [ وفي الباب عن جرير بن عبد الله البجلي وأنس وأبي هريرة رضي الله عنهم.

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.

وعليه العمل عند أهل العلم: يختارون الاستنجاء بالماء، وإن كان الاستنجاء بالحجارة يجزئ عندهم، فإنهم استحبوا الاستنجاء بالماء، ورأوه أفضل، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ].

وهذا هو الصواب، وهو أبلغ في إزالة النتن، والاستنجاء بالحجارة جائز إذا وجدت الشروط؛ بأن تكون ثلاثة أحجار منقية فأكثر، ولا يتجاوز الخارج موضع العادة، وغيرها من الشروط التي ذكرها.

وإذا جمع بينهما فهو الأفضل، وإذا اقتصر على أحدهما فالماء أفضل، والحجارة تكفي إذا وجدت الشروط.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب.

حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته فأبعد في المذهب) ].

يعني: أبعد في المكان، وهذه عادته في البر، فكان يبعد حتى لا ترى له عورة ولا يسمع له صوت، لكن قد يخالف هذا أحياناً كما ثبت في الصحيحين من حديث حذيفة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً)، والسباطة: محل الكناسة، وهي قريب من البلد، وفعل هذا لأسباب، لعله أطال المكث في مكان فاحتاج إلى هذا.

قال: [ وفي الباب عن عبد الرحمن بن أبي قراد وأبي قتادة وجابر ويحيى بن عبيد عن أبيه وأبي موسى وابن عباس وبلال بن الحارث رضي الله عنهم.

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ].

فقد أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يرتاد لبوله مكاناً كما يرتاد منزلاً).

وأبو سلمة اسمه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ].

قوله: (يرتاد) يعني: يختار مكاناً ليناً ضحلاً حتى لا يصيبه شيء من رشاش البول.

قال في الشرح: [ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يرتاد لبوله مكاناً) أي: يطلب مكاناً ليناً، ولم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ، وقد أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة بلفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله).

قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد بعد ذكره: هو من رواية يحيى بن عبيد بن رجاء عن أبيه، قال: ولم أرَ من ذكرهما، وبقية رجاله موثوقون.

وأخرج أبو داود عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول، فأتى دنساً في أصل جدار فبال، ثم قال: إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله) ].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل.

حدثنا علي بن حجر وأحمد بن محمد بن موسى مردويه قالا: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يبول الرجل في مستحمه. وقال: إن عامة الوسواس منه) ].

وهذا الحديث أيضاً أخرجه أبو داود والنسائي ، وهذا عند العلماء إذا كان المكان مستحماً ليناً، أما إذا كان صلباً مبلطاً يزول بصب الماء، أو كان له طريق فإنه يزول المحذور، لكن إذا كان مكان ضحلاً، ثم صب عليه الماء، فقد يحصل عنده خواطر؛ لأنه أصابه شيء من رشاش البول إذا صب الماء عليه.

قال: [ وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عيسى : هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث أشعث بن عبد الله. ويقال له: أشعث الأعمى .

وقد كره قوم من أهل العلم: البول في المغتسل، وقالوا: عامة الوسواس منه، ورخص فيه بعض أهل العلم، منهم ابن سيرين ، وقيل له: إنه يقال: إن عامة الوسواس منه؟ فقال: ربنا الله لا شريك له، وقال ابن المبارك : قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء.

قال أبو عيسى : حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي عن حبان عن عبد الله بن المبارك ].


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [4] 2785 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [15] 2450 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [1] 2037 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [7] 1958 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [6] 1661 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [5] 1580 استماع
شرح جامع الترمذي المقدمة 1500 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [9] 1474 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [12] 1309 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [13] 1308 استماع