شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [12]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: ( .. إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ .. )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في المستحاضة.

حدثنا هناد حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي).

قال أبو معاوية في حديثه: (وقال: توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت).

وفي الباب عن أم سلمة .

قال أبو عيسى : حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي ؛ أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقرائها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة ].

هذا الحديث رواه الشيخان وغيرهما، وهذا هو الصواب، وهو أن المستحاضة إذا كانت تعرف عادتها فإنها تجلس عادتها ثم تغتسل وتصلي وتتلجم -أي: تتحفظ- وتتوضأ لكل صلاة، والمستحاضة قد تكون معتادة، وقد تكون مميزة، وقد تكون متحيرة.

فالمعتادة هي التي تعرف عادتها، فتجلس عادتها من أول الشهر أو من وسطه، فإذا انتهت العادة والدم مطبق عليها فإنها تتحفظ وتتلجم وتغتسل وتصلي، وتتوضأ لكل صلاة، وإن كانت نسيت العادة ولها تمييز فإنها تعمل بالتمييز، فإذا رأت الدم ثخيناً منتناً فإنها حائض، وإذا ذهب وجاءت الصفرة أو الكُدّرة أو الحمرة فإنها تصلي.

أما المتحيرة التي لا تمييز لها ولا عادة؛ فإنها تتحيض ستة أيام أو سبعة أيام من أول كل شهر، فتجلس من الشهر ستة أيام أو سبعة، وتصلي ثلاثة وعشرين يوماً.

قوله: (قال أبو معاوية في حديثه: (وقال: توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) ).

قال بعضهم: هذا مدرج، وقد رد هذا الحافظ في الفتح عليه، وجزم بعضهم أنه موقوف على عروة ، وقد رد الحافظ عليه أيضاً وقال: ولم ينفرد أبو معاوية بذلك؛ فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى أن حماداً تفرد بهذه الزيادة، وأومأ مسلم أيضاً إلى ذلك، وليس كذلك ، فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام . اهـ.

وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت منه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث، فتتوضأ لكل صلاة، لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤادة أو مقضية؛ لظاهر قوله: (ثم توضئي لكل صلاة)، وبهذا قال الجمهور.

وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة، فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة، فعلى قولهم يكون المراد بقوله: (توضئي لكل صلاة) أي: لوقت كل صلاة، ففيه مجاز بالحذف، ويحتاج إلى دليل.

وعند المالكية: يستحب لها الوضوء لكل صلاة، ولا يجب إلا بحدث آخر.

وقال أحمد وإسحاق : إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط.

قال الحافظ في الفتح: وقال ابن عبد البر : ليس في حديث مالك ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة، وذكر في حديث غيره، فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب السلس.

والأحوط أن تتوضأ لكل صلاة، وذكر الحافظ أن حماد بن زيد انفرد بهذه الزيادة؛ ولهذا ما ذكرها مسلم في الحديث، وعلى هذا لا تتوضأ لكل صلاة كما قال الإمام مالك ، والجمهور على أنها تتوضأ لكل صلاة، والحافظ يرى أن زيادة ذكر الوضوء لم ينفرد بها حماد بن زيد ، بل هو متابع عليها.

يقول أحمد شاكر : وهذا التعليل من مسلم والنسائي لهذا الحرف في رواية حماد بن زيد ليس بجيد؛ لأن أبا معاوية تابعه عليه كما ترى عند الترمذي والبخاري ، وأيضاً: فقد تابع الليث حماد بن سلمة ، ورواه الدارمي من طريق حماد بن سلمة عن هشام ، وقال فيه: (فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الماء وتوضئي وصلي).

قال هشام : فكان أبي يقول: تغتسل الغسل الأول، ثم ما يكون بعد ذلك فإنها تفطر وتصلي.

لأن أبا معاوية يتابع عليه كما ترى عند الترمذي والبخاري ، وأيضاً: فقد تابعهما عليه حماد بن سلمة ورواه الدارمي .

وعلى هذا تزول علة انفراد حماد بن زيد ، فلا تكون شاذة، والأرجح أن تتوضأ لكل صلاة.

وقد تابعهم عليه أبو حمزة السكري، وذكر الزيلعي في نصب الراية أن ابن حبان رواه في صحيحه من حديث محمد بن علي بن الحسن بن شقيق سمعت أبي يقول: حدثنا أبو حمزة عن هشام بن عروة .

والمستحاضة لها أن تغتسل وأن تجمع الصلاتين؛ لأن الاستحاضة تعتبر من المرض، فهي مريضة، لكن تجمع الصلاتين جمعاً صورياً، فتؤخر الأولى وتقدم الثانية، والواقع أن كل صلاة تكون في وقتها.

ومن نزلت الحيضة فوق عادتها بثلاثة أيام وهي متقطعة فالأحوط في مثل هذا أنها تصلي حتى تتحقق في الشهر الثاني والثالث من أنها قد تقدمت العادة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في المستحاضة.

حدثنا هناد حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي).

قال أبو معاوية في حديثه: (وقال: توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت).

وفي الباب عن أم سلمة .

قال أبو عيسى : حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي ؛ أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقرائها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة ].

هذا الحديث رواه الشيخان وغيرهما، وهذا هو الصواب، وهو أن المستحاضة إذا كانت تعرف عادتها فإنها تجلس عادتها ثم تغتسل وتصلي وتتلجم -أي: تتحفظ- وتتوضأ لكل صلاة، والمستحاضة قد تكون معتادة، وقد تكون مميزة، وقد تكون متحيرة.

فالمعتادة هي التي تعرف عادتها، فتجلس عادتها من أول الشهر أو من وسطه، فإذا انتهت العادة والدم مطبق عليها فإنها تتحفظ وتتلجم وتغتسل وتصلي، وتتوضأ لكل صلاة، وإن كانت نسيت العادة ولها تمييز فإنها تعمل بالتمييز، فإذا رأت الدم ثخيناً منتناً فإنها حائض، وإذا ذهب وجاءت الصفرة أو الكُدّرة أو الحمرة فإنها تصلي.

أما المتحيرة التي لا تمييز لها ولا عادة؛ فإنها تتحيض ستة أيام أو سبعة أيام من أول كل شهر، فتجلس من الشهر ستة أيام أو سبعة، وتصلي ثلاثة وعشرين يوماً.

قوله: (قال أبو معاوية في حديثه: (وقال: توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) ).

قال بعضهم: هذا مدرج، وقد رد هذا الحافظ في الفتح عليه، وجزم بعضهم أنه موقوف على عروة ، وقد رد الحافظ عليه أيضاً وقال: ولم ينفرد أبو معاوية بذلك؛ فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى أن حماداً تفرد بهذه الزيادة، وأومأ مسلم أيضاً إلى ذلك، وليس كذلك ، فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام . اهـ.

وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت منه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث، فتتوضأ لكل صلاة، لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤادة أو مقضية؛ لظاهر قوله: (ثم توضئي لكل صلاة)، وبهذا قال الجمهور.

وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة، فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة، فعلى قولهم يكون المراد بقوله: (توضئي لكل صلاة) أي: لوقت كل صلاة، ففيه مجاز بالحذف، ويحتاج إلى دليل.

وعند المالكية: يستحب لها الوضوء لكل صلاة، ولا يجب إلا بحدث آخر.

وقال أحمد وإسحاق : إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط.

قال الحافظ في الفتح: وقال ابن عبد البر : ليس في حديث مالك ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة، وذكر في حديث غيره، فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب السلس.

والأحوط أن تتوضأ لكل صلاة، وذكر الحافظ أن حماد بن زيد انفرد بهذه الزيادة؛ ولهذا ما ذكرها مسلم في الحديث، وعلى هذا لا تتوضأ لكل صلاة كما قال الإمام مالك ، والجمهور على أنها تتوضأ لكل صلاة، والحافظ يرى أن زيادة ذكر الوضوء لم ينفرد بها حماد بن زيد ، بل هو متابع عليها.

يقول أحمد شاكر : وهذا التعليل من مسلم والنسائي لهذا الحرف في رواية حماد بن زيد ليس بجيد؛ لأن أبا معاوية تابعه عليه كما ترى عند الترمذي والبخاري ، وأيضاً: فقد تابع الليث حماد بن سلمة ، ورواه الدارمي من طريق حماد بن سلمة عن هشام ، وقال فيه: (فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الماء وتوضئي وصلي).

قال هشام : فكان أبي يقول: تغتسل الغسل الأول، ثم ما يكون بعد ذلك فإنها تفطر وتصلي.

لأن أبا معاوية يتابع عليه كما ترى عند الترمذي والبخاري ، وأيضاً: فقد تابعهما عليه حماد بن سلمة ورواه الدارمي .

وعلى هذا تزول علة انفراد حماد بن زيد ، فلا تكون شاذة، والأرجح أن تتوضأ لكل صلاة.

وقد تابعهم عليه أبو حمزة السكري، وذكر الزيلعي في نصب الراية أن ابن حبان رواه في صحيحه من حديث محمد بن علي بن الحسن بن شقيق سمعت أبي يقول: حدثنا أبو حمزة عن هشام بن عروة .

والمستحاضة لها أن تغتسل وأن تجمع الصلاتين؛ لأن الاستحاضة تعتبر من المرض، فهي مريضة، لكن تجمع الصلاتين جمعاً صورياً، فتؤخر الأولى وتقدم الثانية، والواقع أن كل صلاة تكون في وقتها.

ومن نزلت الحيضة فوق عادتها بثلاثة أيام وهي متقطعة فالأحوط في مثل هذا أنها تصلي حتى تتحقق في الشهر الثاني والثالث من أنها قد تقدمت العادة.

شرح حديث: ( تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها .. )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة.

حدثنا قتيبة حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة، وتصوم وتصلي).

حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك نحوه بمعناه.

قال أبو عيسى : هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان .

قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده -جد عدي- ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لـمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به.

وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد أجزأها ].

قوله: (وسألت محمداً ) أي: البخاري ؛ لأنه شيخه فهو يسأله.

والواجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة، فإن اغتسلت لكل صلاة فلا بأس، وإن جمعت جمعاً صورياً جاز لها؛ لأنها مريضة، فإن الاستحاضة نوع من المرض، كما جاء في بعض الأحاديث أنها تؤخر الظهر إلى قريب العصر، وتغتسل لهما غسلاً، وتصلي الظهر ثم العصر بعده، وتؤخر المغرب إلى قريب العشاء وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتصلي المغرب والعشاء، وتغتسل للفجر، وليس بواجب الغسل إلا مرة واحدة عند الطهر من الحيض، ويجب أن تتوضأ لكل صلاة.

وأبو اليقظان اسمه عثمان بن عمير بالتصغير، وهو ضعيف جداً، قال أبو حاتم : ضعيف الحديث، منكر الحديث، كان شعبة لا يرضاه، وذكر أنه حضره فروى عن شيخ، فقال له شعبة : كم سنك؟ فقال: كذا، فإذا قد مات الشيخ وهو ابن سنتين.

و شريك أيضاً ضعيف.

قوله: (عن أبي اليقظان ).

اسمه عثمان بن عمير بالتصغير، ويقال ابن قيس ، والصواب أن قيساً جد أبيه، وهو عثمان بن أبي حميد البجلي أبو اليقظان الكوفي الأعمى ، ضعيف واختلط، وكان يدلس ويغلو في التشيع، كذا قي التقريب، وقال في الخلاصة: ضعفه أحمد وغيره، وتركه ابن مهدي .

قوله: (عن عدي بن ثابت ).

هو عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي ، وهو ثقة، رمي بالتشيع، من رجال الستة.

قوله: (عن أبيه).

هو ثابت ، قال الحافظ في التقريب: ثابت الأنصاري والد عدي ، قيل: هو ابن قيس بن الخطيم ، هو جد عدي لا أبوه، وقيل: اسم أبيه دينار، وقيل: عمرو بن أخطب ، وقيل: عبيد بن عازب ، فهو مجهول الحال.

وقد أطال الحافظ الكلام في ترجمة ثابت الأنصاري في تهذيب التهذيب، ثم قال: من يشأ الوقوف على ذلك فليرجع إليه.

قوله في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها).

الأقراء: جمع قُرْء، وهو مشترك بين الحيض والطهر، والمراد به هاهنا: الحيض.

قوله: (التي كانت تحيض فيها) أي: قبل الاستحاضة.

قوله: (ثم) أي: بعد فراغ زمن حيضها باعتبار العادة.

(تغتسل) أي: مرة.

قوله: (عند كل صلاة) متعلق بـ(تتوضأ) لا بـ(تغتسل)، وفيه دليل على أن المستحاضة تتوضأ عند كل صلاة، والحديث ضعيف، لكن له شواهد ذكرها الحافظ الزيلعي والحافظ ابن حجر في تخريجهما، ومنها حديث عائشة المذكور في الباب المتقدم، وقد جاء الوضوء في هذا الحديث، لكنه حديث ضعيف.

قوله: (هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان، وأخرجه أبو داود وضعفه، وأخرجه ابن ماجة أيضاً.

وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده -جد عدي- ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لـمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به).

قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: وقد قيل: إنه جده أبو أمه عبد الله بن يزيد الخطمي .

قال الدارقطني : ولا يصح من هذا كله شيء، وقال أبو نعيم : وقال غير يحيى : اسمه قيس الخطمي .

قوله: وقال ( أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل أجزأها).

فالاغتسال لكل صلاة ليس بواجب على المستحاضة عند أحمد وإسحاق ، وهو قول الجمهور، وروي عن بعض الصحابة أنهم قالوا: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، والقول الراجح المعول عليه هو قول الجمهور.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة.

حدثنا قتيبة حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة، وتصوم وتصلي).

حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك نحوه بمعناه.

قال أبو عيسى : هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان .

قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده -جد عدي- ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لـمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به.

وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد أجزأها ].

قوله: (وسألت محمداً ) أي: البخاري ؛ لأنه شيخه فهو يسأله.

والواجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة، فإن اغتسلت لكل صلاة فلا بأس، وإن جمعت جمعاً صورياً جاز لها؛ لأنها مريضة، فإن الاستحاضة نوع من المرض، كما جاء في بعض الأحاديث أنها تؤخر الظهر إلى قريب العصر، وتغتسل لهما غسلاً، وتصلي الظهر ثم العصر بعده، وتؤخر المغرب إلى قريب العشاء وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتصلي المغرب والعشاء، وتغتسل للفجر، وليس بواجب الغسل إلا مرة واحدة عند الطهر من الحيض، ويجب أن تتوضأ لكل صلاة.

وأبو اليقظان اسمه عثمان بن عمير بالتصغير، وهو ضعيف جداً، قال أبو حاتم : ضعيف الحديث، منكر الحديث، كان شعبة لا يرضاه، وذكر أنه حضره فروى عن شيخ، فقال له شعبة : كم سنك؟ فقال: كذا، فإذا قد مات الشيخ وهو ابن سنتين.

و شريك أيضاً ضعيف.

قوله: (عن أبي اليقظان ).

اسمه عثمان بن عمير بالتصغير، ويقال ابن قيس ، والصواب أن قيساً جد أبيه، وهو عثمان بن أبي حميد البجلي أبو اليقظان الكوفي الأعمى ، ضعيف واختلط، وكان يدلس ويغلو في التشيع، كذا قي التقريب، وقال في الخلاصة: ضعفه أحمد وغيره، وتركه ابن مهدي .

قوله: (عن عدي بن ثابت ).

هو عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي ، وهو ثقة، رمي بالتشيع، من رجال الستة.

قوله: (عن أبيه).

هو ثابت ، قال الحافظ في التقريب: ثابت الأنصاري والد عدي ، قيل: هو ابن قيس بن الخطيم ، هو جد عدي لا أبوه، وقيل: اسم أبيه دينار، وقيل: عمرو بن أخطب ، وقيل: عبيد بن عازب ، فهو مجهول الحال.

وقد أطال الحافظ الكلام في ترجمة ثابت الأنصاري في تهذيب التهذيب، ثم قال: من يشأ الوقوف على ذلك فليرجع إليه.

قوله في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها).

الأقراء: جمع قُرْء، وهو مشترك بين الحيض والطهر، والمراد به هاهنا: الحيض.

قوله: (التي كانت تحيض فيها) أي: قبل الاستحاضة.

قوله: (ثم) أي: بعد فراغ زمن حيضها باعتبار العادة.

(تغتسل) أي: مرة.

قوله: (عند كل صلاة) متعلق بـ(تتوضأ) لا بـ(تغتسل)، وفيه دليل على أن المستحاضة تتوضأ عند كل صلاة، والحديث ضعيف، لكن له شواهد ذكرها الحافظ الزيلعي والحافظ ابن حجر في تخريجهما، ومنها حديث عائشة المذكور في الباب المتقدم، وقد جاء الوضوء في هذا الحديث، لكنه حديث ضعيف.

قوله: (هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان، وأخرجه أبو داود وضعفه، وأخرجه ابن ماجة أيضاً.

وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده -جد عدي- ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لـمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به).

قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: وقد قيل: إنه جده أبو أمه عبد الله بن يزيد الخطمي .

قال الدارقطني : ولا يصح من هذا كله شيء، وقال أبو نعيم : وقال غير يحيى : اسمه قيس الخطمي .

قوله: وقال ( أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل أجزأها).

فالاغتسال لكل صلاة ليس بواجب على المستحاضة عند أحمد وإسحاق ، وهو قول الجمهور، وروي عن بعض الصحابة أنهم قالوا: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، والقول الراجح المعول عليه هو قول الجمهور.

شرح حديث: (كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة….)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد.

حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت: (كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها قد منعتني الصيام والصلاة؟! قال: أنعت لك الكرسف، فإنه يذهب الدم، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: فتلجمي، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: فاتخذي ثوباً، قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما صنعت أجزأ عنك، فإن قويتِ عليهما فأنتِ أعلم، فقال: إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيَّضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي، فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة، أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين؛ فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو أعجب الأمرين إلي).

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.

ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي وابن جريج وشريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران عن أمه حمنة ، إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة ، والصحيح: عمران بن طلحة .

قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن.

وهكذا قال أحمد بن حنبل : هو حديث حسن صحيح.

وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره -فإقباله أن يكون أسود وإدباره أن يتغير إلى الصفرة- فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش ، وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش .

وكذلك قال أبو عبيد .

وقال الشافعي : المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنها تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت في خمسة عشر يوماً أو قبل ذلك فإنها أيام حيض، فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يوماً فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوماً، ثم تدع الصلاة بعد ذلك أقل ما تحيض النساء، وهو يوم وليلة.

قال أبو عيسى: واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره، فقال بعض أهل العلم: أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يأخذ ابن المبارك ، وروي عنه خلاف هذا، وقال بعض أهل العلم -منهم عطاء بن أبي رباح-: أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً.

وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ].

وهذا هو مذهب الحنابلة، وهو أن أقله يوم وليلة، وأكثرة خمسة عشر يوماً، قال شيخ الإسلام : لا حد لأقله ولا لأكثره، وقول الشافعي رحمه الله أنه إذا استمر الدم إلى خمسة عشر يوماً قول وجيه، فإذا استمر الدم معها وتجاوز الخمسة عشر يوماً نصف الدهر فإنها تغتسل وتصلي.

يعني أنها قد تحيض إلى خمسة عشر يوماً، وأما إذا تجاوزت خمسة عشر يوماً فهو استحاضة, وهذا الحديث -حديث حمنة - فيه حكم المتحيرة، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: المستحاضات على ثلاثة أحوال:

الحالة الأولى: المعتادة التي تعرف عادتها، فتعرف زمنه وعدده، فتحيض -مثلاً- في كل شهر سبعة أيام، تبدأ من الخامس إلى الثاني عشر، ثم أطبق عليها الدم، فهذه عليها أن تعمل بالعادة، فكلما جاء اليوم الخامس تجلس إلى اليوم الثاني عشر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فدعي الصلاة أيام أقرائك)، فالعادة مقدمة، فإذا كانت تعرف العادة وكان هو زمنها ثم أطبق عليها الدم فإنها تجلس العادة من كل شهر، فإذا استمر الدم وهي تعرف عادتها من قبل فإنها تعمل بالعادة.

الحالة الثانية: التي لا تعرف العادة، لكن لها تمييز صالح، فهي تعرف الدم بإقباله وإدباره، فهذه تعمل بالتمييز الصالح، فتجلس إذا جاء الدم منتناً أسود وغليظاً له رائحة؛ لأن هذا دم الحيض، وإذا صار الدم أحمر أو أصفر رقيقاً فهذه استحاضة، لكن لو كانت تعرف العادة فإن العادة مقدمة على التمييز، لكنها إذا نسيت العادة أو لم يكن لها عادة وعندها تمييز فإنها تعمل بالتمييز الصالح، كما في هذه الحالة.

الحالة الثالثة: المتحيرة، فإن هذه ليس لها تمييز ولا عادة، أي: لا تعرف العادة ولا تعرف التمييز، فهذه تتحيّض على حسب حالة نسائها، أي: أخواتها وعماتها وخالاتها، فإن كن يحضن سبعة أيام فإنها تجلس سبعة أيام، وإن كن يحضن ستة أيام فإنها تجلس ستة أيام وتصلي بقية الشهر أربعة وعشرين يوماً، أو تجلس سبعة أيام وتصلي ثلاثة وعشرين يوماً، وتبدأ -إذا كانت تعرف الحيض- من بدء الحيض، وإن كانت لا تعرف فإنها تجلس من أول كل شهر هلالي على حسب عادة نسائها.

والحديث أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجة والدارقطني والحاكم .

قال المنذري في تلخيصه: قال الخطابي : قد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك، وقال أبو بكر البيهقي : تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل ، وهو مختلف في الاحتجاج به. هذا آخر كلامه.

وقد أخرجه الترمذي وابن ماجة ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، وقال أيضاً: وسألت محمداً -يعني البخاري - عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وقال أحمد : هو حديث حسن صحيح. اه.

قال صاحب (سبل السلام) بعد نقل كلام المنذري هذا: فعرفت أن القول بأنه حديث غير صحيح غير صحيح، لقد صححه الأئمة.

و عبد الله بن محمد بن عقيل متكلم فيه، وقد تقدم في (باب مفتاح الصلاة الطهور) أن الترمذي قال: سمعت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري - يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال محمد : هو مقارب الحديث.

وقال الحافظ الذهبي في ترجمته بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين: حديثه في مرتبة الحسن. اه.

وعلى هذا يحسن الحديث، وأحمد شاكر ما تكلم عليه، وأظنه متساهلاً، وقد قال معلقاً على هذا الحديث:

اختلفت أقوالهم في هذا الحديث، فقال أبو داود في السنن: سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء. وهذا يخالف ما نقله الترمذي عنه هنا من تصحيحه، ولعله يريد أن في نفسه شيئاً من جهة الفقه والاستنباط والجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى، وإن كان صحيحاً ثابتاً عنده من جهة الإسناد.

وقال ابن أبي حاتم في العلل: سألت أبي عن حديث رواه ابن عقيل عن إبراهيم بن محمد عن عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش في الحيض فوهّنه ولم يقوّ إسناده.

وقال الخطابي في معالم السنن: وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الخبر؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذلك.

وقال البيهقي : بلغني عن أبي عيسى الترمذي أنه سمع محمد بن إسماعيل البخاري يقول: حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن، إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا، وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح، أما ابن عقيل فقد قدمنا أنه ثقة صحيح الحديث، ولا حجة لمن تكلم فيه. اه.

قال الحافظ في التلخيص في حديث: (تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي) لا أصل له بهذا اللفظ، قال الحافظ أبو عبد الله بن منده فيما حكاه ابن دقيق العيد في الإلمام عنه: ذكر بعضهم أن هذا الحديث لا يثبت بوجه من الوجوه.

وقال البيهقي في المعرفة: هذا الحديث يذكره بعض فقهائنا، وقد طلبته كثيراً فلم أجده في شيء من كتب الحديث، أو لم أجد له إسناداً.

وقال ابن الجوزي في التحقيق: هذا لهوٌ يذكره أصحابنا ولا أعرفه، وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذب: لم أجده بهذا اللفظ إلا في كتب الفقهاء.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد.

حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت: (كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها قد منعتني الصيام والصلاة؟! قال: أنعت لك الكرسف، فإنه يذهب الدم، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: فتلجمي، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: فاتخذي ثوباً، قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما صنعت أجزأ عنك، فإن قويتِ عليهما فأنتِ أعلم، فقال: إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيَّضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي، فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة، أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين؛ فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو أعجب الأمرين إلي).

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.

ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي وابن جريج وشريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران عن أمه حمنة ، إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة ، والصحيح: عمران بن طلحة .

قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن.

وهكذا قال أحمد بن حنبل : هو حديث حسن صحيح.

وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره -فإقباله أن يكون أسود وإدباره أن يتغير إلى الصفرة- فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش ، وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش .

وكذلك قال أبو عبيد .

وقال الشافعي : المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنها تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت في خمسة عشر يوماً أو قبل ذلك فإنها أيام حيض، فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يوماً فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوماً، ثم تدع الصلاة بعد ذلك أقل ما تحيض النساء، وهو يوم وليلة.

قال أبو عيسى: واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره، فقال بعض أهل العلم: أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يأخذ ابن المبارك ، وروي عنه خلاف هذا، وقال بعض أهل العلم -منهم عطاء بن أبي رباح-: أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً.

وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ].

وهذا هو مذهب الحنابلة، وهو أن أقله يوم وليلة، وأكثرة خمسة عشر يوماً، قال شيخ الإسلام : لا حد لأقله ولا لأكثره، وقول الشافعي رحمه الله أنه إذا استمر الدم إلى خمسة عشر يوماً قول وجيه، فإذا استمر الدم معها وتجاوز الخمسة عشر يوماً نصف الدهر فإنها تغتسل وتصلي.

يعني أنها قد تحيض إلى خمسة عشر يوماً، وأما إذا تجاوزت خمسة عشر يوماً فهو استحاضة, وهذا الحديث -حديث حمنة - فيه حكم المتحيرة، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: المستحاضات على ثلاثة أحوال:

الحالة الأولى: المعتادة التي تعرف عادتها، فتعرف زمنه وعدده، فتحيض -مثلاً- في كل شهر سبعة أيام، تبدأ من الخامس إلى الثاني عشر، ثم أطبق عليها الدم، فهذه عليها أن تعمل بالعادة، فكلما جاء اليوم الخامس تجلس إلى اليوم الثاني عشر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فدعي الصلاة أيام أقرائك)، فالعادة مقدمة، فإذا كانت تعرف العادة وكان هو زمنها ثم أطبق عليها الدم فإنها تجلس العادة من كل شهر، فإذا استمر الدم وهي تعرف عادتها من قبل فإنها تعمل بالعادة.

الحالة الثانية: التي لا تعرف العادة، لكن لها تمييز صالح، فهي تعرف الدم بإقباله وإدباره، فهذه تعمل بالتمييز الصالح، فتجلس إذا جاء الدم منتناً أسود وغليظاً له رائحة؛ لأن هذا دم الحيض، وإذا صار الدم أحمر أو أصفر رقيقاً فهذه استحاضة، لكن لو كانت تعرف العادة فإن العادة مقدمة على التمييز، لكنها إذا نسيت العادة أو لم يكن لها عادة وعندها تمييز فإنها تعمل بالتمييز الصالح، كما في هذه الحالة.

الحالة الثالثة: المتحيرة، فإن هذه ليس لها تمييز ولا عادة، أي: لا تعرف العادة ولا تعرف التمييز، فهذه تتحيّض على حسب حالة نسائها، أي: أخواتها وعماتها وخالاتها، فإن كن يحضن سبعة أيام فإنها تجلس سبعة أيام، وإن كن يحضن ستة أيام فإنها تجلس ستة أيام وتصلي بقية الشهر أربعة وعشرين يوماً، أو تجلس سبعة أيام وتصلي ثلاثة وعشرين يوماً، وتبدأ -إذا كانت تعرف الحيض- من بدء الحيض، وإن كانت لا تعرف فإنها تجلس من أول كل شهر هلالي على حسب عادة نسائها.

والحديث أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجة والدارقطني والحاكم .

قال المنذري في تلخيصه: قال الخطابي : قد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك، وقال أبو بكر البيهقي : تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل ، وهو مختلف في الاحتجاج به. هذا آخر كلامه.

وقد أخرجه الترمذي وابن ماجة ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، وقال أيضاً: وسألت محمداً -يعني البخاري - عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وقال أحمد : هو حديث حسن صحيح. اه.

قال صاحب (سبل السلام) بعد نقل كلام المنذري هذا: فعرفت أن القول بأنه حديث غير صحيح غير صحيح، لقد صححه الأئمة.

و عبد الله بن محمد بن عقيل متكلم فيه، وقد تقدم في (باب مفتاح الصلاة الطهور) أن الترمذي قال: سمعت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري - يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال محمد : هو مقارب الحديث.

وقال الحافظ الذهبي في ترجمته بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين: حديثه في مرتبة الحسن. اه.

وعلى هذا يحسن الحديث، وأحمد شاكر ما تكلم عليه، وأظنه متساهلاً، وقد قال معلقاً على هذا الحديث:

اختلفت أقوالهم في هذا الحديث، فقال أبو داود في السنن: سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء. وهذا يخالف ما نقله الترمذي عنه هنا من تصحيحه، ولعله يريد أن في نفسه شيئاً من جهة الفقه والاستنباط والجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى، وإن كان صحيحاً ثابتاً عنده من جهة الإسناد.

وقال ابن أبي حاتم في العلل: سألت أبي عن حديث رواه ابن عقيل عن إبراهيم بن محمد عن عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش في الحيض فوهّنه ولم يقوّ إسناده.

وقال الخطابي في معالم السنن: وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الخبر؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذلك.

وقال البيهقي : بلغني عن أبي عيسى الترمذي أنه سمع محمد بن إسماعيل البخاري يقول: حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن، إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا، وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح، أما ابن عقيل فقد قدمنا أنه ثقة صحيح الحديث، ولا حجة لمن تكلم فيه. اه.

قال الحافظ في التلخيص في حديث: (تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي) لا أصل له بهذا اللفظ، قال الحافظ أبو عبد الله بن منده فيما حكاه ابن دقيق العيد في الإلمام عنه: ذكر بعضهم أن هذا الحديث لا يثبت بوجه من الوجوه.

وقال البيهقي في المعرفة: هذا الحديث يذكره بعض فقهائنا، وقد طلبته كثيراً فلم أجده في شيء من كتب الحديث، أو لم أجد له إسناداً.

وقال ابن الجوزي في التحقيق: هذا لهوٌ يذكره أصحابنا ولا أعرفه، وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذب: لم أجده بهذا اللفظ إلا في كتب الفقهاء.