ديوان الإفتاء [233]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يجعلنا من عتقائه في هذا الشهر المبارك من النار.

ومرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء، أسأل الله أن يجعلها نافعة لي ولكم، وأن يسدد أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

المتصل: عندي سؤالان:

السؤال الأول: أنا فاتحة حساباً بنكياً في السودان منذ خمس سنوات، فتحته عن طريق السفارة هنا، وأريد أن أخرج الزكاة، وأنا غير متواجدة، فهل يجوز أن أخرجها من مالي الموجود معي الآن؟

السؤال الثاني: أنا أعمل في المملكة العربية السعودية مع زوجي وأولادي، فحصلت مشكلة بيننا -وأنا زوجة ثانية- وعبر التلفون قبل أربع سنوات قال لي: أنتِ طالق، ولم يعطني ورقة إلى الآن، وخلال الأربع سنوات لم ينفق على أولاده، ولا يعطينا إيجاراً، ولا أكلاً ولا شراباً ولا كسوة، فكيف أتصرف مع أنني صابرة على ذلك؟

الشيخ: طيب أبشري إن شاء الله أجيبك.

المتصل: عندي سؤالان:

السؤال الأول: في الموسم هناك تعاملات مع التجار، فمثلاً: واحد عنده مال، وعنده وكيل في الخرطوم، فأرسل المال للوكيل، وهناك في سوق ليبيا اشترينا البضاعة، ولما جاءت البضاعة لم نكن قد اتفقنا على الفائدة فقال لي: لا توجد مشكلة، أي حاجة تريد أن تعملها فاعملها، وهو قد أعطاني عشرة ملايين، وقال لي: انظر الشيء المناسب ولن نختلف. ولكن العرف الجاري في السوق أنه عشرة في المائة، يعني: بعد أن تأتي بالبضاعة، والبضاعة كانت بعشرة ملايين فإنه يعطيك أحد عشر مليوناً، فما الحكم؟

السؤال الثاني: بعض أبناء المسلمين ينتمون إلى الشيوعيين والعلمانيين، فما حكم هذا الانتماء؟

الشيخ: أبشر إن شاء الله أجيبك.

المتصل: سافرت إلى غرب السودان، وفي قرية من قرى السودان وجدت رجلاً كبيراً مريضاً، ووجدت أن أغلبية أئمة المساجد في القرية يدعون له إما بالموت أو بالشفاء، فلما دعوا له قام في اليوم الثاني مباشرة؟

الشيخ: أبشر بالإجابة.

السؤال: امرأة تملك رصيداً بنكياً منذ خمس سنوات، وهذا الرصيد تتولد منه أرباح، وهي تريد أن تخرج زكاة هذا المال، فهل يجزئ لو أخرجت من المال الذي عندها؟

الجواب: نعم يجزئ؛ إذ ذمة المكلف واحدة، فسواء أخرج من هذا المال أو من ذاك برئت ذمته إن شاء الله؛ لأنه مالك للمالين معاً، لكن أنبه الأخت أم محمد إلى أن هذا المال إذا كان بالغاً نصاباً منذ أن أودعته في البنك فالمفروض أن تخرج الزكاة عن السنوات الماضية، وتستغفر الله من تأخيرها، إذ لا يجوز تأخير زكاة المال بعد حلول الحول.

الشيخ: الطلاق عبر الهاتف واقع، فالعبرة باللفظ، أو بالكتابة، فالزوج إذا طلق سواء كان مشافهة أو كان عبر الهاتف، أو أرسل رسولاً، أو كتب ذلك بيده، فإن الطلاق يقع وتترتب عليه آثاره، وكون الزوج المطلق يمتنع من النفقة على العيال فهذا إثم عظيم؛ لأن النفقة على الأولاد واجبة على الوالد، سواء كان زوجاً لأمهم، أو كان قد طلقها؛ لأن الله عز وجل قال: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، وقال: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]، وهذا يقع فيه بعض الرجال؛ إذا طلق المرأة امتنع من النفقة على أولاده منها، معاقبة لها، أو نكاية بها، وهذا لا يجوز.

السؤال: أخونا محمد الأمين من كسلا يذكر بأنه أخذ من شخص عشرة آلاف جنيه، واستبضع بهذا المال؛ يعني: أخذ بضاعة من السوق في الخرطوم، ثم بعد ذلك ذهب للاتجار به في كسلا، وقد جرى العرف بأن العامل المضارب يدفع لرب المال عشرة بالمائة، فالعشرة الآلاف تعاد إليه أحد عشر ألفاً؟

الجواب: نقول: هذه معاملة ربوية فاسدة، والفساد اعتراها من عدة جهات: الجهة الأولى: أنه لا بد من الاتفاق على نسبة مشاعة من الربح، يعني: الكلام الذي قاله لك صاحبك بأنه الذي ستعطيه كله جيد، والشيء المناسب كذا، هذا كلام يؤدي في مستقبل الأيام إلى النزاع والخصام، بل لا بد أن يكون الاتفاق واضحاً؛ لأن النفوس الإنسانية مجبولة على الشح، لا بد أن يكون هناك اتفاق واضح على نسبة مشاعة من الربح.

ثانياً: لا يجوز الاتفاق على نسبة مشترطة من رأس المال، فمثلاً: أنت أعطيتني عشرة آلاف، فأقول لك: هذه العشرة، وزيادة أدفع لك ربح (10%)، فهذا هو عين الربا وليس فيه معنى للتجارة، وشرط المضاربة المشروعة أن تكون المخاطرة من الجهتين معاً: من جهة رب المال؛ لأن ماله قد يربح وقد يخسر، والمخاطرة من جهة العامل؛ لأن مجهوده وعمله قد ينتج ربحاً وقد لا ينتج شيئاً.

الشيخ: وأما سؤالك عن الانتماء للحركات مثل الشيوعية والعلمانية وما أشبه ذلك فنقول: هذا من العجب العجاب، الشيوعية قد لفظها أهلها، وأعرضوا عنها واستبدلوا بها غيرها، وصارت الآن من مخلفات الزمن الغابر، ويتحدث عنها كتاريخ مضى، وللأسف ما زال بعض بني جلدتنا مستمسكين بها، نسأل الله السلامة والعافية، فلا يجوز الانتماء لهذه الأحزاب؛ لأنها قائمة على فكرة مناهضة للإسلام، وبعضهم يحتج فيقول: إن الشيوعية الآن ما عادت إلحاداً، وإنما هي بعض المبادئ والأفكار، والمنتمون إليها قد يكونون ممن يصلون وكذا، فنقول: إن الدين كل لا يتجزأ، فلا يصح أن يصلي الإنسان ويصوم، ثم يعتقد مثلاً: بأن تشريعات الإسلام فيما يتعلق بقضايا المرأة لا تصلح، أو أن تشريعات الإسلام في الحدود والعقوبات لا تصلح، أو أن تشريعات الإسلام فيما يتعلق بالمعاملات المالية والشئون الاقتصادية لا تصلح، أو أن الإسلام يطبق في شأن دون شأن، فالله عز وجل قال: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63]، وعاب على ناس فقال: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85].

الشيخ: وأما المريض يا أخانا! فالمطلوب الدعاء له بالشفاء، سواء كان شيخاً كبيراً أو شاباً صغيراً، نقول: اللهم اشف فلاناً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول.

والرسول صلى الله عليه وسلم لما زار سعداً وهو مريض مرضاً شديداً دعا ثلاث مرات: ( اللهم اشف سعداً .. اللهم اشف سعداً .. اللهم اشف سعداً )، وكان يدعو: ( اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً )، لكن لا ندعو عليه بالموت، ويمكن أن ندعو فنقول: ( اللهم أحيه ما كانت الحياة خيراً له، وتوفه ما كانت الوفاة خيراً له )، ولا نزد على ذلك.

السؤال: هل الأخوة في الرضاعة تشمل جميع الإخوة أم الشريكين فقط؟

الجواب: تشمل الجميع، فلو أن فلاناً رضع من فلانة، فقد صار أخاً لجميع بنيها وبناتها السابق واللاحق، يعني: كل من انتسب إلى هذه المرأة أو رضع منها فهو أخ لهذا الرضيع سواء في ذلك الكبير والصغير، وهذا لأن بعض الناس يعتقد بأن أخاك من الرضاعة هو من شاركك في الثدي فقط، وهذا غلط؛ بل الكل إخوة له؛ كل من ينتسب لهذه المرأة بأنه من رحمها أو أنه قد رضع منها.

السؤال: ما حكم المناظرة بين المسلمين؟

الجواب: المناظرة جرت بها سنة أهل العلم والفضل وأهل الإيمان والتقى، وغرضهم من ذلك إحقاق الحق وإبطال الباطل وإظهار الصواب، فإذا كانت هذه الغاية فلا بأس، فمثلاً: الإنسان يدخل في مناظرة على نية أن يبين الصواب وأن يصحح الخطأ، ولم يدخل في المناظرة بنية التفوق على الأقران وإظهار فضله وشرفه وسعة علمه ونحو ذلك فهذه مناظرة محمودة، وما زال المسلمون يتناظرون فيما بينهم، وكذلك يناظرون غيرهم، وقد ناظر النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران في مسجده المبارك إلى أن استقروا على أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فالمناظرة محمودة إذا كانت على هذا السبيل.

والإمام الشافعي محمد بن إدريس رحمة الله عليه كان يقول: ما ناظرت أحداً إلا رجوت أن يظهر الله الحق على لسانه، يعني: يتمنى أن الحق يظهر على لسان هذا الذي يناظره لا على لسانه هو؛ لأن غرضه في النهاية ظهور الحق وبيان الهدى، وليس غرضه أن يقول الناس: إن فلاناً عالم ولا يستطيع أحد أن يجادله.

السؤال: ما حكم من فاتته ركعة من صلاة التراويح، هل يكمل أم يسلم مع الإمام؟

الجواب: يكمل ويضم إليها أخرى ثم يسلم؛ لأن صلاة التراويح سنة لها كيفية مخصوصة فهي مثنى مثنى، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( صلاة الليل مثنى مثنى )، ثم إن الإمام طالما أنه صلى اثنتين فأنت مطلوب منك أن تصليها اثنتين، ولو أنك صليت واحدة وسلمت فقد جعلتها وتراً، والسنة أن يكون الوتر آخر الأمر كما في الحديث: ( اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً ).

السؤال: هل يمكنني إرضاع طفلي أثناء صلاة التهجد؟

الجواب: كيف ترضعين طفلك وأنت تصلين! فأول شيء من شروط صحة الصلاة ستر العورة، والمرأة لا يجوز أن يبدو منها في الصلاة سوى وجهها وكفيها، فكيف ستخرجين ثديك وترضعين طفلك؟! هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني مما يبطل الصلاة: الحركة الكثيرة، والإرضاع فيه حركة كثيرة.

أما إذا كان القصد بأنك ترضعينه ما بين الركعات فلا مانع إذا أمنت الناظر، ولم يكن هناك من ينظر، مثلاً: في مكان معزول للنساء، فلا حرج عليك في ذلك، وأنا أرشد الأخوات إذا كانت الواحدة عندها رضيع فلتصلي في بيتها ولترضع ولدها، وإن شاء الله أجرها عظيم، وثوابها كبير، وقد جمعت بين الحسنيين فلم تخاطر بولدها، ولم تعنِ نفسها وفي الوقت نفسه أدركت فضل هذه الليالي المباركة، أسأل الله أن يتقبل منا أجمعين.

السؤال: هل يجوز الذكر والتسبيح بدون طهارة؟

الجواب: نعم يجوز، وهذا بإجماع؛ أنه يجوز للإنسان أن يسبح ويحمد ويهلل ويكبر، ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان على جنابة، والعلم عند الله تعالى.

المتصل: عندي ثلاثة أسئلة:

السؤال الأول: أنا رجل مزارع، وأشتغل بالمحاصيل وخاصة البصل، و(المشال) قالوا: إنه حرام، وبعض الناس جوزوه لنا وقالوا: إن هذا العمل حلال، فمثلاً: إذا أعطيت مالاً لإنسان، وقلت له: يا أخي! خذ هذا المال إلى وقت حصول المحصول وأشتري منك بسعر اليوم، فمن الناس من قال: هذا البيع حرام، ومنهم من قال: هو حلال، فما حكمه؟

السؤال الثاني: أحياناً تكون الجنازة في المقبرة والناس منتظرون لدفنها، فهناك جماعة قالوا: حتى يصل فلان وفلان وتأخر دفن الجنازة؛ لأنهم يقولون: هؤلاء الناس مهمون جداً، فما حكم تأخير الجنازة لأجل هذا؟

السؤال الثالث: ما حكم قاطع الرحم؟

الشيخ: أبشر بالإجابة إن شاء الله.