المحرمات من النساء [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

فقد تقدم معنا الكلام عن المحرمات من النساء، وذلك عند الحديث عن شروط طرفي العقد، وقلنا: الشرط الأول في طرفي العقد: الاختيار وعدم الإكراه، يعني: أن يكون العقد قائماً على الاختيار.

والشرط الثاني: ألا تكون المرأة محرمةً على الرجل، لا حرمةً مؤبدة، ولا حرمة مؤقتةً لعارض.

وذكرنا أول هذه الأنواع: الجمع بين ذوات المحارم، كما جاء في الحديث: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين المرأة وعمتها، ونهى عن الجمع بين المرأة وخالتها )؛ وعلل صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: ( لئلا تقطعوا أرحامكم )؛ لأن الضرائر في الغالب يكون بينهن من العداوة والبغضاء، أو على الأقل يكون بينهن شيء من عدم الاستلطاف؛ فلو جمع الإنسان بين المرأة وعمتها، أو بين المرأة وخالتها؛ فإن ذلك يفضي إلى تقطيع الأرحام، وقد ذكر العلماء في ذلك ضابطاً مهماً فيمن يحرم اجتماعهن في عصمة واحدة، قالوا: كل امرأتين لو قدرت إحداهما ذكراً لم يجز نكاحه للأخرى، إذاً: لا يجوز الجمع بينهما في عصمة واحدة؛ لأن كل امرأتين لو قدرت إحداهما ذكراً، فلا يحل نكاحه للأخرى؛ فبالتالي لا يحل اجتماعهما في عصمة واحدة.

والنوع الثاني من المحرمات حرمة مؤقتة: المحصنات، أي: زوجات الغير، قال الله عز وجل: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ [النساء:24]؛ فالمرأة التي تزوجها غيرك لا يحل لك أن تتزوج بها، ولا أن تتقدم لها خاطباً ما دامت في عصمته.

النوع الثالث: المشركة غير الكتابية، سواء كانت مجوسيةً، أو شيوعيةً، أو بوذيةً، أو زرادشتيةً، أو ملحدةً، أو غير ذلك من أنواع الكفر، أما الكتابية فالأصل في نكاحها الجواز؛ لأن الله عز وجل قال: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5]، لكنه جواز مع كراهة؛ لأن هذه الكتابية تشرب الخمر، وتطعم الخنزير، وقد تغذي ولدها في رضاعه بمثل ذلك، ثم إن أولادها قد ينشئون على غير الإسلام، وهي لا تلتزم أحكام الإسلام في خاصة نفسها، فلا تغتسل من حيضة ولا جنابة، فليست هي كالمسلمة طاهرة عفيفة طيبة.

وفي زماننا هذا حكم بعض العلماء بتحريم نكاح الكتابية؛ بأنه لا يجوز أصلاً للمسلم أن يتزوج نصرانيةً أو يهودية؛ لأن الغالب على مسلمي هذا الزمان أنهم يتأثرون ولا يؤثرون، يعني: ليس مسلمي هذا الزمان كالصحابة والتابعين؛ فالصحابي أو التابعي إذا تزوج يهوديةً أو نصرانية فعن قريب تسلم؛ لأنها ترى من أخلاقه، ومحافظته على شعائر الإسلام وشرائعه، والتزامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يجرها إلى الإسلام، أما مسلمو زماننا -إلا من رحم الله- فالغالب أن الواحد منهم لو تزوج نصرانيةً أو يهودية فإنه يكون دينه ضعيفاً كما يقال، ولربما تجره ليصبح بغير دين أصلاً، وإذا لم تفلح في التأثير عليه، فإنها حتماً ستؤثر على أولاده، ثم إن الغلبة لها ولقومها، يعني: لو حصل خلاف بين الزوج المسلم وزوجته النصرانية الأوروبية أو الأمريكية، فسرعان ما يتدخل الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، والمنافقون ممن ينتسبون إلى الإسلام، فيحملون الزوج حملاً على الرضوخ، وفي حالة عدم رضوخه فينزع منه الأولاد وهو يرى ذلك رأي العين، فينشئون على غير الإسلام.

النوع الرابع من المحرمات حرمة مؤقتة: تحريم المسلمة على الكافر، أياً كان كفره، سواء كان كفره بنصرانية، أو بيهودية، أو بأي ملة من ملل الكفر، والنصوص في ذلك واضحة؛ مثل قول الله عز وجل: وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221]، ولا شك أن اليهود والنصارى مشركون؛ لأن اليهود يقولون: عزير ابن الله، والنصارى يقولون: المسيح ابن الله.

ثانياً: لا يمكن قياس المسلمة بالكتابية، فنقول: يجوز زواج الكتابي بالمسلمة؛ لأن الله تعالى قال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، فالمسلم لو تزوج كتابيةً فإنه لن يذكر المسيح بسوء؛ لأن دينه يمنعه، ولن يذكر موسى بسوء؛ لأن دينه يمنعه، أما هذا الكافر -النصراني أو اليهودي- لو تزوج مسلمةً فقد يستطيل بلسانه في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فالمسلمة بين شرين: إما أن تسكت، وهذه المصيبة، وإما أن تتكلم فتعكر حياتها، وتفسد أمرها، ثم إن الزوج النصراني قد يأتي لزوجته بالخنزير، ويأمرها بأن تطبخه، أو تشويه، وقد يأتيها بالخمر، وقد يأتي بأصحابه ويطلب منها أن تجلس معهم، أو تبدو أمامهم.. إلى غير ذلك من أنواع الإذلال والامتهان؛ وقد قال ربنا الرحمن: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141]، وهذه الآية يستدل بها المفسرون في منع نكاح المسلمة من الكافر.

ولا يشتبهن أن يقال: بأن اليهود والنصارى ليسوا كفاراً، بل هم كتابيون، نقول: نعم، والكتابيون كفار، ولا تنافي بين الوصفين؛ فهم موصوفون بكونهم كتابيين، وهم كذلك موصوفون بأنهم كفار، وقد أجرى القرآن الوصفين معاً عليهم، فقال سبحانه في وصف كونهم أهل كتاب مع الكفر: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [الحشر:11]، وقال تعالى في كفرهم: لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ [البينة:1]، وقال في تكفير النصارى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قَدِيرٌ [المائدة:17]، وقال تعالى في تكفير اليهود والنصارى معاً: وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التوبة:30].

وقال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران:70].

وقال عز وجل: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:98].

فهذه كلها آيات ناطقة بأن اليهود والنصارى كفار، ولذلك أفتى علماؤنا كما قال القاضي عياض رحمه الله على أن من لم يكفرهم، أو شك في كفرهم، فهو كافر مثلهم، أي: من لم يكفر اليهود والنصارى، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم فهو كافر مثلهم، وهذا الكلام ينبغي أن نعض عليه بالنواجذ، وأن نشيعه في كل حاضرة وبادية؛ لأن المسلمين الآن وقع عندهم نوع من التشويش في هذا الأمر.

وهناك مسألة: إذا أسلم الزوجان أو أحدهما ما الحكم؟ نقول: إذا أسلم الزوجان معاً فلا إشكال فيه؛ فإنهما يقران على نكاحهما الأول، ولكن الإشكال لو أسلم أحد الزوجين، فإذا أسلم الزوج والزوجة كانت كتابية، فلا إشكال في ذلك أيضاً، أي: إذا كان الزوجان كتابيين فأسلم الزوج وبقيت الزوجة على يهوديتها أو نصرانيتها فلا إشكال فيه؛ فتبقى الزوجة معه ترغيباً لها في الإسلام، أما إذا كانت الزوجة مشركةً فأسلم زوجها وبقيت هي على شركها؛ فأنتم تعرفون قول ربنا: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10]، وتعرفون قول ربنا: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10]؛ ولذلك قال أهل العلم: توقف هذه الزوجة؛ فلا يقربها زوجها، وتمهل شهرين اثنين، وينظر في أمرها؛ فإن أسلمت أقرت على نكاحها، وإلا فرق بينهما؛ أما التفريق فدليله واضح، وهو قول ربنا سبحانه: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10]، أما الإقرار مدة الشهرين فإن المالكية لهم في ذلك كلام، وجهه في المذهب: بأنها يتربص بها شهرين اثنين، وبعضهم يقول: لا، إنما التربص يكون في حالة الغفلة عن الزوجة التي لم تسلم، يعني: غفلوا عن أن يعرضوا عليها الإسلام، أما إذا عرض عليها الإسلام فأبت فلا انتظار، فإما أن تسلم، وإما أن يفرق بينهما حالاً؛ لأنه لو تربص بها زوجها شهرين، ففي مدة الشهرين هذين يكون مخالفاً لقول ربنا: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10]، ولو تأملنا في المسألة نجد بأن المالكية الذين قالوا: بأنه يتربص بها شهرين ليس لهم دليل واضح، لا دليل من النص، ولا دليل من النظر، ولذلك الأقرب أن يقال: لو أسلم الزوج وكانت زوجته كافرةً غير كتابية فإنه يعرض عليها الإسلام، فإن أسلمت وإلا فرق بينهما حالاً.

فالآن عندنا ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: إذا أسلم الزوجان فإنهما يقران على النكاح الأول.

المسألة الثانية: إذا أسلم الزوج، وكانت الزوجة كتابية باقية على كفرها فإنهما يقران على النكاح الأول.

المسألة الثالثة: إذا أسلم الزوج، وكانت زوجته كافرةً غير كتابية؛ فإنه يعرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا فرق بينهما حالاً.

المسألة الرابعة: إذا أسلمت الزوجة وبقي الزوج على الكفر سواء بقي على الإلحاد، أو بقي على اليهودية أو النصرانية وغير ذلك؛ فإنه يفرق بينهما حالاً؛ فإذا أسلم الزوج في فترة العدة -وذلك لأن الزوجة المسلمة إذا فسخنا نكاحها من أي إنسان مسلم أو كافر فلا بد أن تعتد- فإنها ترد إليه بالنكاح الأول، ولا يجدد النكاح؛ لأن كثيراً من الصحابيات رضي الله عنهن أسلمن، وبقي أزواجهن على الكفر، فلما أسلموا من قريب فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ردهم بالنكاح الأول، وذكرنا في ذلك خبر صفوان بن أمية مع زوجته التي كانت أخت عمير بن وهب الجمحي، وكذلك عكرمة بن أبي جهل، وكانت تحته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، فهؤلاء النبي صلى الله عليه وسلم ردهم على النكاح الأول.

المبتوتة

ومن المحرمات حرمة مؤقتة المبتوتة؛ وهي التي طلقها زوجها ثلاثاً، والإسلام جعل الطلاق متنفساً من أجل أن يراجع الزوجان حالهما، ويتبصران في أمرهما، هل يمكنهما استئناف الحياة الزوجية أم لا؟ فأباح الإسلام للزوج أن يطلق طلاقاً بأسبابه، ثم يراجع، ثم إذا طلق فهذه تكون طلقة ثانية، ويجوز له أن يراجع، فإذا طلقها في المرة الثالثة قال الله عز وجل: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ[البقرة:230].

ولا بد في الزواج الذي تحل به المبتوتة لزوجها الأول أن يكون على أكمل وجه شرعي، ولا يكون زواجاً فيه هذه الحيل التي يقوم بها الناس فلا بد فيه من شروط:

الشرط الأول: ألّا يقصد الزوج الثاني تحليل هذه المرأة للزوج الأول، فإن قصد ذلك كان النكاح باطلاً، ويجب فسخه، سواء دخل بها أو لم يدخل؛ لأن هذا فيه تلاعب بالشريعة، والشريعة تريد أن تعاقب هذا الزوج المتسرع الذي يسارع إلى الطلاق لأدنى سبب، فإذا طلق الطلقة الأولى فإن الشريعة أعطته فرصةً ثانية، وإذا طلق الطلقة الثانية فإن الشريعة أعطته فرصةً ثالثة، فلما طلق الطلقة الثالثة علم أن ثمة فساداً أصيلاً في هذه الحياة، ولا يمكن أن تستمر، ولذلك فإن الشريعة تريد أن تعاقبه فتقول له: هذه المرأة حرمت عليك، فتنتظر حتى تعتد وتنتهي عدتها ثلاثة قروء إذا كانت من ذوات القرء، أو وضع الحمل إذا كانت حاملاً، أو ثلاثة أشهر إذا كانت يائسة، وبعد ذلك يأتي رجل آخر برغبته، لا بتحريض من الأول، ولا بالتماس أو رجاء منه، يأتي زوج بكامل اختياره وطوعه فيتزوج هذه المرأة، ويدخل بها، ويصيب منها، ويعيش معها ما شاء الله أن يعيش، ثم يموت عنها، أو يطلقها، أيضاً برغبته واختياره، فتعتد من الزوج الثاني، فإذا انقضت عدتها جاز له الزواج منها، يعني: هي اعتدت من الأول ثلاثة أشهر، فيتزوجها الثاني ويعيش معها سبع عشرة سنة -مثلاً- حتى يموت، فتعتد منه أربعة أشهر وعشرة أيام، ثم بعد ذلك يأتي الأول فإذا أراد أن يتزوجها فليتزوجها.

أما ما يفعله الناس الآن: أن الرجل يطلق ثلاثاً ثم يذهب إلى واحد من الناس ويقول له: انظر لنا حلاً، فيقول له: أنا سأتزوجها، وبعد ذلك أطلقها لك، ولربما يتفقان على مبلغ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم سمى هذا الرجل الثاني بالتيس المستعار، وجمعه تيوس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بالتيس المستعار؟ هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له)، فالاثنان ملعونان، وقال سيدنا عمر رضي الله عنه: لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما، فيُعتبر الاثنان زناة؛ لأنه هذا فيه تلاعب بالشريعة، وهذه من الحيل المحرمة التي لا ينبغي للمسلم أن يقع فيها، ولذلك فإن الله عز وجل لما ذكر آيات الطلاق قال: وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً[البقرة:231]، فالطلاق هذا من أحكام الله، ولا ينبغي للناس أن يتخذوه هزواً.

إذاً: أول شرط: ألا يكون الزوج الجديد قاصداً تحليلها للزوج الأول.

الشرط الثاني: أن يكون عقد النكاح لازماً، وذلك حذراً من العقد الموقوف؛ فمثلاً: السفيه إذا عقد فعقده موقوف على إجازة وليه، وتصرفاته لا تنفذ؛ لأن تصرفاته موقوفة على رضا الولي.

الشرط الثالث: أن يحصل من الزوج الثاني وطء للمبتوتة، فلا ينفع أن نعقد له، ثم نقول له: طلق، فيطلق فتكون بذلك قد حلت للأول، لا، بل لا بد للثاني أن يدخل بها؛ والدليل على ذلك: حديث ثابت في السنن: (أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها، يعني: طلقها ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إني كنت تحت رفاعة القرظي ، فطلقها)

ونلاحظ هنا: أنها تتكلم بضمير الغيبة، ما قالت: فطلقني، بل قالت (فطلقها آخر ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنه والله ما معه إلا مثل الهدبة، وأخذت بهدبة من جلبابها، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا -يعني: لا رجوع- حتى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته. أبو بكر الصديق رضي الله عنه جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، و خالد بن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة لم يؤذن له بعد، فطفق خالد ينادي أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله؟)، يعني: يقول له: المرأة هذه أليس عندها حياء؟ ما هذا الكلام الذي تقوله عند الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم عود الصحابيات أنهن يسألنه عن كل شيء، فبدلاً من أن يقع الإنسان في الحرام فإن عليه أن يسأل، ولكن لا نقول: يا أيها الشيخ! لا حياء في الدين، فالدين كله حياء، وإنما نقول: لا حياء في تعلم أحكام الدين، أما الدين حقيقةً لو تأملنا فإن كل ما فيه قائم على الحياء.

وهنا مسألة: لو أن الزوج تزوج المرأة بعد طلاقها من الأول فوطئها وطئاً غير شرعي -مثلاً: وطئها في الحيض أو وطئها في نهار رمضان- فإنها لا تحل للأول؛ قالوا: لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً؛ فلا اعتداد به، ولا يكفي هذا لترجع إلى زوجها الأول، بل لا بد أن يكون الوطء وطئاً شرعياً.

الشرط الرابع: أن يكون الزوج الواطئ بالغاً في وقت الوطء؛ فلا تحل المبتوتة بوطء الصبي، ولكنها تحل بوطء البالغ، ولو كان هذا البالغ مجنوناً، فلو تزوجها مجنون فوطئها ثم طلقها أو مات عنها، فإنه يحل أن ترجع للزوج الأول.

الشرط الخامس: أن يكون الزوج الثاني مسلماً؛ فلا اعتداد بزواج الكتابي بناءً على القاعدة السابقة أن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً؛ لأن زواج الكتابي من مسلمة زواج باطل.

المرأة الخامسة لمن كان في عصمته أربع نسوة

النوع السادس من المحرمات حرمة مؤقتة: المرأة الخامسة وما بعدها لمن كان في عصمته أربع نسوة؛ فلو أن واحداً متزوجاً بأربع نسوة فلا يجوز له أن يأتي بخامسة؛ لأن الله عز وجل جعل الأربع هي غاية النكاح؛ فقال سبحانه: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ[النساء:3]، وأجمعت الأمة على أنه لا يجوز للرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع، إلا طائفة من الشيعة مجانين قالوا: يجوز له أن يجمع تسعاً؛ لأن الله قال: مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ[النساء:3]، فقوله: (مثنى وثلاث) هذه خمس وقوله: (ورباع) فهذه مع السابقات تسع! فهؤلاء من أجهل خلق الله؛ لأن الله عز وجل ما قال: فانكحوا ما طاب لكم من النساء اثنين وثلاثة وأربعة، إنما قال: مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ[النساء:3]، والعرب تقول: جاء القوم مثنى مثنى، وجاء القوم ثلاث ثلاث، وجاء القوم رباع رباع، يعني: جاءوا اثنان اثنان، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، لا يقصدون بذلك أنه جاء اثنين، وجاء بعدهم ثلاثة، وجاء بعدهم أربعة، لكن بعض الناس يلحد في آيات الله؛ والله عز وجل قال: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا[فصلت:40]؛ فهذا من الإلحاد في آيات الله عز وجل.

وقد كان أحد الصحابة اسمه غيلان الثقفي رضي الله عنه أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

(اختر أربعاً، وفارق سائرهن)، ولم ينقل عن واحد من الصحابة ولا من بعدهم أنه جمع في عصمته أكثر من أربع؛ فلا يجوز للرجل أن يتزوج خامسة ولو طلق واحدة، إلا بعد أن تنقضي عدتها؛ لأن المرأة حال عدتها حكمها حكم الزوجة، ولذلك لو ماتت ورثها، ولو مات ورثته، إلا إذا كانت مبتوتة، ولم يتهم بأنه أراد حرمانها من الميراث، وهذا سيأتي بيانه إن شاء الله.

ومن جمع خمس نسوة في عصمته؛ فإن كان قد نكحهن في عقد واحد فسخ نكاحه منهن جميعاً، وهذا ليس متصوراً، ولكن يمكن أن يأتي واحد فيقول: اعقدوا لي، قالوا: بسم الله الرحمن الرحيم، فإني قد زوجت فلاناً من فلانة بنت فلان، على كتاب الله وسنة رسوله بالصداق المسمى بيننا، الفاتحة، قال: لا. أريد واحدة ثانية، فقال: زوجت فلاناً من فلانة بنت فلان، قال: لا. أريد ثالثة، ورابعة، قال: وخامسة، -وكان العاقد جاهلاً- فعقد له على خمس نسوة في عقد واحد، فيفسخ نكاحه منهن جميعاً؛ لأن نكاحهن جميعاً يقع باطلاً؛ ولأنه ليست إحداهن بأولى من الأخرى، فيقع النكاح كله باطلاً، أما إذا علمت الخامسة فإنه يفسخ نكاح الخامسة ويقر على الأربع، يعني: لو علم أن الرجل كان عنده أربع، ثم نكح خامسةً؛ فإنه يفسخ نكاحه من هذه الخامسة وحدها؛ لأنه وقع باطلاً، وأما من كان له ثلاث زوجات وادعى نكاح زوجة رابعة؛ فلا يجوز له نكاح الخامسة إلا بعد أن يطلق الرابعة، وتنتهي عدتها.

ومن المحرمات حرمة مؤقتة المبتوتة؛ وهي التي طلقها زوجها ثلاثاً، والإسلام جعل الطلاق متنفساً من أجل أن يراجع الزوجان حالهما، ويتبصران في أمرهما، هل يمكنهما استئناف الحياة الزوجية أم لا؟ فأباح الإسلام للزوج أن يطلق طلاقاً بأسبابه، ثم يراجع، ثم إذا طلق فهذه تكون طلقة ثانية، ويجوز له أن يراجع، فإذا طلقها في المرة الثالثة قال الله عز وجل: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ[البقرة:230].

ولا بد في الزواج الذي تحل به المبتوتة لزوجها الأول أن يكون على أكمل وجه شرعي، ولا يكون زواجاً فيه هذه الحيل التي يقوم بها الناس فلا بد فيه من شروط:

الشرط الأول: ألّا يقصد الزوج الثاني تحليل هذه المرأة للزوج الأول، فإن قصد ذلك كان النكاح باطلاً، ويجب فسخه، سواء دخل بها أو لم يدخل؛ لأن هذا فيه تلاعب بالشريعة، والشريعة تريد أن تعاقب هذا الزوج المتسرع الذي يسارع إلى الطلاق لأدنى سبب، فإذا طلق الطلقة الأولى فإن الشريعة أعطته فرصةً ثانية، وإذا طلق الطلقة الثانية فإن الشريعة أعطته فرصةً ثالثة، فلما طلق الطلقة الثالثة علم أن ثمة فساداً أصيلاً في هذه الحياة، ولا يمكن أن تستمر، ولذلك فإن الشريعة تريد أن تعاقبه فتقول له: هذه المرأة حرمت عليك، فتنتظر حتى تعتد وتنتهي عدتها ثلاثة قروء إذا كانت من ذوات القرء، أو وضع الحمل إذا كانت حاملاً، أو ثلاثة أشهر إذا كانت يائسة، وبعد ذلك يأتي رجل آخر برغبته، لا بتحريض من الأول، ولا بالتماس أو رجاء منه، يأتي زوج بكامل اختياره وطوعه فيتزوج هذه المرأة، ويدخل بها، ويصيب منها، ويعيش معها ما شاء الله أن يعيش، ثم يموت عنها، أو يطلقها، أيضاً برغبته واختياره، فتعتد من الزوج الثاني، فإذا انقضت عدتها جاز له الزواج منها، يعني: هي اعتدت من الأول ثلاثة أشهر، فيتزوجها الثاني ويعيش معها سبع عشرة سنة -مثلاً- حتى يموت، فتعتد منه أربعة أشهر وعشرة أيام، ثم بعد ذلك يأتي الأول فإذا أراد أن يتزوجها فليتزوجها.

أما ما يفعله الناس الآن: أن الرجل يطلق ثلاثاً ثم يذهب إلى واحد من الناس ويقول له: انظر لنا حلاً، فيقول له: أنا سأتزوجها، وبعد ذلك أطلقها لك، ولربما يتفقان على مبلغ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم سمى هذا الرجل الثاني بالتيس المستعار، وجمعه تيوس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بالتيس المستعار؟ هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له)، فالاثنان ملعونان، وقال سيدنا عمر رضي الله عنه: لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما، فيُعتبر الاثنان زناة؛ لأنه هذا فيه تلاعب بالشريعة، وهذه من الحيل المحرمة التي لا ينبغي للمسلم أن يقع فيها، ولذلك فإن الله عز وجل لما ذكر آيات الطلاق قال: وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً[البقرة:231]، فالطلاق هذا من أحكام الله، ولا ينبغي للناس أن يتخذوه هزواً.

إذاً: أول شرط: ألا يكون الزوج الجديد قاصداً تحليلها للزوج الأول.

الشرط الثاني: أن يكون عقد النكاح لازماً، وذلك حذراً من العقد الموقوف؛ فمثلاً: السفيه إذا عقد فعقده موقوف على إجازة وليه، وتصرفاته لا تنفذ؛ لأن تصرفاته موقوفة على رضا الولي.

الشرط الثالث: أن يحصل من الزوج الثاني وطء للمبتوتة، فلا ينفع أن نعقد له، ثم نقول له: طلق، فيطلق فتكون بذلك قد حلت للأول، لا، بل لا بد للثاني أن يدخل بها؛ والدليل على ذلك: حديث ثابت في السنن: (أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها، يعني: طلقها ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إني كنت تحت رفاعة القرظي ، فطلقها)

ونلاحظ هنا: أنها تتكلم بضمير الغيبة، ما قالت: فطلقني، بل قالت (فطلقها آخر ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنه والله ما معه إلا مثل الهدبة، وأخذت بهدبة من جلبابها، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا -يعني: لا رجوع- حتى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته. أبو بكر الصديق رضي الله عنه جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، و خالد بن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة لم يؤذن له بعد، فطفق خالد ينادي أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله؟)، يعني: يقول له: المرأة هذه أليس عندها حياء؟ ما هذا الكلام الذي تقوله عند الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم عود الصحابيات أنهن يسألنه عن كل شيء، فبدلاً من أن يقع الإنسان في الحرام فإن عليه أن يسأل، ولكن لا نقول: يا أيها الشيخ! لا حياء في الدين، فالدين كله حياء، وإنما نقول: لا حياء في تعلم أحكام الدين، أما الدين حقيقةً لو تأملنا فإن كل ما فيه قائم على الحياء.

وهنا مسألة: لو أن الزوج تزوج المرأة بعد طلاقها من الأول فوطئها وطئاً غير شرعي -مثلاً: وطئها في الحيض أو وطئها في نهار رمضان- فإنها لا تحل للأول؛ قالوا: لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً؛ فلا اعتداد به، ولا يكفي هذا لترجع إلى زوجها الأول، بل لا بد أن يكون الوطء وطئاً شرعياً.

الشرط الرابع: أن يكون الزوج الواطئ بالغاً في وقت الوطء؛ فلا تحل المبتوتة بوطء الصبي، ولكنها تحل بوطء البالغ، ولو كان هذا البالغ مجنوناً، فلو تزوجها مجنون فوطئها ثم طلقها أو مات عنها، فإنه يحل أن ترجع للزوج الأول.

الشرط الخامس: أن يكون الزوج الثاني مسلماً؛ فلا اعتداد بزواج الكتابي بناءً على القاعدة السابقة أن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً؛ لأن زواج الكتابي من مسلمة زواج باطل.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تعدد الزوجات 2151 استماع
آداب النكاح 1949 استماع
صيغة عقد النكاح 1763 استماع
الحقوق الزوجية [1] 1703 استماع
المحرمات من النساء [1] 1685 استماع
الصداق 1366 استماع
شرط الولي في الزواج 1340 استماع
الإشهاد 1141 استماع
أحكام الخطبة [2] 1126 استماع
أحكام الخطبة [1] 883 استماع