تعدد الزوجات


الحلقة مفرغة

وهذا التعدد الآن يصورون بأنه ضرر محض، وأنه مصيبة، وشغب، وخصام، ونكد، وغير ذلك، فنقول هناك قاعدة عامة وهي: أن الله جل جلاله لا يشرع شيئاً إلا ومنفعته تفوق ضرره، ومصلحته تربو على مفسدته، فربنا جل جلاله لا يمكن أن يشرع شيئاً وفيه فساد أو خراب -معاذ الله- قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فالله عز وجل شرع لنا -معشر المسلمين- أن نتزوج مثنى وثلاث ورباع لحكم، أو لمعالجة عدة مشاكل، ومن هذه المشاكل:

عقم الزوجة الأولى

السبب الأول: عقم الزوجة الأولى: فالإنسان ربما ينكح امرأةً، ثم بعد ذلك يعيش معها سنين عدداً، ولا يقدر الله بينهما ولداً، فبمراجعة الأطباء يعلم بأن الرجل سليم من العاهات والآفات، وأن الزوجة عاقر، كما قال زكريا عليه السلام: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً [مريم:8]، فهذه الزوجة تبين بأنها عاقر، فالزوج إما أن يتزوج عليها بأخرى، أو نقول له: لا تتزوج، وتبقى معها بغير ذرية، أو نقول له: طلقها وتزوج غيرها، ولو نظرنا إلى هذه الحلول الثلاثة نجد أن الأسلم أن تبقى هذه الزوجة معززة مكرمة، ثم يؤتى بامرأة أخرى، فيحقق الرجل غايته، وتحصل له عاطفة الأبوة، وفي الوقت نفسه -وهذا حصل كثيراً- أن هؤلاء الأولاد يكونون أولاداً للزوجة الأولى، فإذا كبرت أو مرضت حتى بعد موت أبيهم هم الذين يرعونها، ويحملونها، ويسافرون بها، ولربما يحججونها، ويذهبون بها إلى العمرة مرةً بعد مرة، فهذه مسألة ينبغي أن نضعها في الحسبان؛ أن تكون الزوجة عقيماً.

ويقاس على العقم أيضاً أن يكون بها مرض يمنع من المعاشرة الزوجية، أو أن يكون بها عيب يمنع عن القيام بواجب الفراش، ونحو ذلك من الأحوال، وللأسف أن بعض الناس يقول: لم لا يصبر الرجل، فهذا قدر الله؟ نقول: إن هذه الشريعة نزلت لبشر، ولم تنزل لملائكة، فالله عز وجل يعلم صفات هؤلاء البشر وأخلاقهم، ولذلك لم يكلفهم بما لا يطيقون ولا يستطيعون، والتشريع دائماً يخاطب عوام الناس، ولا يخاطب القلة المتفوقة الراقية السامية، التي تنسى حظ نفسها. بل الشريعة تخاطب عامة الناس؛ ولذلك في الزكاة مثلاً الشريعة أمرتنا بأن نخرج ربع العشر، لكن الشريعة قالت في واحد مثل أبي بكر رضي الله عنه قالت: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ [البقرة:219]، أي: الشيء الزائد؛ ولذلك ( أبو بكر جاء بماله كله للرسول عليه الصلاة والسلام، قال له: ما أبقيت لولدك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله )؛ فهذه لا يقدر عليها كل أحد.

ولذلك نقول: إن الشريعة تخاطب عامة الناس، وبقاء هذه المرأة العقيم في عصمة زوجها خير لها من الناحية الاجتماعية، ومن الناحية النفسية، ومن الناحية الاقتصادية من أن تطلق وتسرح.

وهنا سؤال يقول: إذا كانت الزوجة سليمة والزوج عقيم ومعيب، أي: به داء يمنعه من المعاشرة الزوجية، والقيام بواجب الفراش، فقد يقول بعض المتفلسفة -عافانا الله وإياكم-: لم لا تسمح الشريعة بتعدد الأزواج؟ نقول له: يا مسكين! الشريعة جاءت من أجل إقرار السلام على الأرض؛ فلو أن امرأةً اشترك فيها رجلان أو ثلاثة، فكيف يكون الحال؟ أما رأيتم القطط والكلاب إذا تصارعوا على أنثى ماذا يصنعون؟ فإنه يعض بعضهم بعضاً، ويطارد بعضهم بعضاً، ويصدرون تلك الأصوات المزعجة التي تطير النوم من العين، فما بالكم إذا كانوا بشراً، فلو اشترك اثنان أو ثلاثة في امرأة واحدة، فكيف يكون الحال؟ فالذي يطرح مثل هذا الكلام هل عنده مسكة من عقل؟

ثم من ناحية أخرى الأنساب؛ فلو أن هذه المرأة التي اشترك فيها زوجان أو ثلاثة فحملت، فهذه مشكلة! فلمن ينسب هذا الحمل؟ هي تبيت عند هذا تارةً، وعند هذا تارةً، وعند ذاك تارةً، وتقسم بينهم بالعدل في المبيت، وبعد ذلك حملت؛ فماذا نحن صانعون؟ أظن أن المتفلسفة سيقولون: نلجأ لـ (DNA) الحامض النووي، ونذهب إلى معمل الأبحاث الجنائية، كأنها جناية، فنقول: الشريعة ما جاءت بمثل هذا، نقول: لو أن الرجل كان معيباً فمن حق المرأة أن تصبر وتبقى مع هذا الزوج من غير ذرية فهذا شأنها، ومن حقها أن تطالب بالطلاق، وإذا كانت تريد أن تختلع فلتختلع، يعني: ترد له ما أنفق من صداق وتختلع منه، فهذا أيضاً من حقها.

إذاً: السبب الأول الذي من أجله أباحت الشريعة تعدد الزوجات: أن يكون بالزوجة عيب، أو أن تكون عقيمة.

حب الرجل لامرأة أخرى

السبب الثاني: حب الرجل لامرأة أخرى، قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ( قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ).

إن قضية الحب هذه، والتي يدندن حولها الأفاكون كثيراً، هم لم يضبطوها، فالحب عندهم معناه: الفوضى، معناه: أن يجلس معها على شاطئ النيل، معناه: أن يجلسا معاً في الكفتيريات، معناه: أن يتبادل معها الكلام المعسول، وأن تكون بينهما اتصالات وما إلى ذلك، وهذا غلط، بل الحب عاطفة والشريعة ترعاها؛ كحب الرجل لامرأته ولأولاده، وكحب الولد لأبيه وأمه، وما أشبه ذلك؛ فهذا حب طبيعي، وحب مشروع، ولكن قد يقذف في قلب الرجل حب امرأة رآها، وهذا الإنسان أحبها إما لجمالها، أو لمالها، أو لأدبها وخلقها، أو لدينها، أو ما أشبه ذلك، فهذا الرجل تعلق قلبه بها، وبات يصبح ويمسي وهو يفكر فيها فنحن بين أمرين: إما أن نقول له: لا، هذا ممنوع، دع عنك الصبينة والكلام الفارغ، وأمسك عليك زوجك، وقل لها: المحيا محياك، والممات مماتك، هذا حل، وإما أن نقول له: لا يوجد زواج، هذا الحب فرغه معها بطريقة أخرى، وهذا حل ثان، والحل الثالث: نقول له: اسع إلى التزوج بها.

أما الحل الأول: فإننا نقول له: أنت رجل عيب عليك هذا الفعل وأنت رجل كبير السن، اذهب وانظر إلى وجهك في المرآة، وانظر لذقنك، وانظر لحالك، وبعد ذلك ابحث لك عن مصلاية ومسبحة، ونزجره هذا الزجر البليغ، وبعد ذلك ما هو الحل؟ الحل بأن هذا الرجل ستفسد عليه حياته كلها، ويكون مضطرباً وغير مستقر، وينعكس ذلك على تصرفه مع زوجته وأولاده، فإذا دخل البيت دخل عابساً مكفهر الوجه، ضائق الصدر، لا يتحمل أي كلام، فإذا قالت له زوجته: السلام عليكم، يقول لها: مرحباً، وإذا جلبت له الطعام يقول: خذوه لا أريده، فستكون هذه طريقة تعامله مع هذه الزوجة التي تعلق قلبه بغيرها، وقد تكون هذه الزوجة أفضل وأكرم وأحسن منها لأن هذه الأولى، ولكن كما قلت لكم: قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، وهو ظن أن راحته وجنته وسعادته مع الثانية، وما درى ربما يكون غير ذلك، والله أعلم بمآلات الأمور، فنحن البشر لا نعلم الغيب، والمهم هذا هو الحل، بعد ذلك أقول لكم: لو منعناه سيتعامل مع الزوجة الأولى والأولاد بالظلم، والانتقام، والغلظة، وسوء التربية، فيقل عطاؤه، ويتكدر مزاجه، وتفسد حياته، وما إلى ذلك.

أما الحل الثاني: أن نقول له: التق بها في الحرام! لكن هذا لا يناسب شريعة الإسلام، فشريعة الإسلام كلها نظافة، وطهر، وعفاف، وسمو، ورقي؛ ولأننا لسنا كالبهائم العجماوات، بل نحن بشر، قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، لا سبيل للقاء الذكر بالأنثى إلا السبيل الشرعي.

الحل الثالث نقول له: هذه الذي تعلق قلبك بها بارك الله فيك، عليك أن تأتي البيوت من أبوابها، ولذلك أقول: الآن المجتمع ينظر نظرة احتقار وازدراء للرجل الذي يتزوج بالسكرتيرة، مع أنه هذا أشرف واحد، هذا الذي وجد نفسه مفتوناً، والحرام قريب المنال من يده، فلجأ إلى الحلال، وإلى الطريق السوي، هذا الذي ينبغي أن يكرم، وأن يعظم، وأن يعرف بأنه إنسان لا يلتمس بنيات الطريق، بل هو إنسان على صراط مستقيم، لكن أحياناً الناس تفسد تصوراتهم فيعظمون الحقير، ويحتقرون العظيم.

مراعاة المصالح الاجتماعية

السبب الثالث الذي من أجله أباح الإسلام التعدد: المصالح الاجتماعية، ولذلك أمثلة متعددة:

المثال الأول: وجود الأرامل القريبات، وهذا يحصل كثيراً، مثلاً: إنسان يموت أخوه، وقد ترك زوجةً وأيتاماً صغاراً، فأخوه -صاحب المروءة- يتزوج هذه الأرملة بنية أن يصونها، ويرعى عيالها، فهو في ذلك مأجور، أو إنسان عنده ابنة عم أو بعض بنات الخئولة، قد صرن أرامل أو مطلقات، وهو يريد أن يسترهن ويصونهن ويقوم على أمرهن، وهو في ذلك مأجور.

وأحياناً أخرى يتحتم مبدأ التعدد بسبب الظروف القاسية التي تمر بالمجتمع، ككثرة النساء في حال الحروب، فمثلاً: الآن الحرب التي دارت رحاها في هذه البلاد التي كانت في الجنوب، كم أخذت من القتلى؟ نسأل الله أن يتقبلهم شهداء، كم؟ ألوف مؤلفة، هل هم نساء؟ أكثرهم رجال، هؤلاء الرجال تركوا أرامل، وبعضهم كان خاطباً ولم يعقد بعد، وبعضهم عقد ولم يدخل، وبعضهم دخل وما بقي مع زوجته إلا أشهراً معدودات، ثم اختاره الله عز وجل إليه، فكثرة عدد النساء وقلة عدد الرجال هذا أمر مشهود، ولذلك الآن -مثلاً- في الجامعة حين تلقي المحاضرة في القاعة، انظر إلى عدد البنات، وإلى عدد البنين، فتقول: لله الأمر من قبل ومن بعد! تجد البنات أكثر عدداً، ولو ذهبت الآن في أحد الشوارع في الساعة الواحدة أو الثانية ظهراً، وقد خرج البنات من المدارس، فإنك تقول: سبحان الله! من لهؤلاء؟

وهنا تنبيه: كم من الناس لو قلت له: لماذا يا أخي لا تتزوج بثانية؟ قال: لا والله واحدة، عليها أحيا، وعليها أموت، وعليها أبعث إن شاء الله، نقول: أنت مستسلم استسلاماً تاماً، نقول: وبهذا الأمر يزيد عدد العوانس في المجتمع، وبالله عليكم هذا أمر واقع أم ليس بواقع؟ الجواب: لا شك واقع.

فلو تأملت في أرحامك وفي جيرانك ما أكثر العوانس، ما لهن عدد، ولا يحصيهن إلا رب العالمين، كذلك من خلال النظرة الواقعية فإن البنات كلهن مستعدات للزواج، ولكن كم من الرجال مستعد للزواج؟ قليل، ولذلك من العدل أن نقول للمستعد للزواج: تزوج واحدةً واثنتين وثلاثاً وأربعاً.

وطبعاً بعض المتفلسفة يقول لك: لماذا لا يعطي من لا يستطع الزواج بدلاً من التعدد؟ أيضاً نظرة -ما شاء الله- كأنك تخاطب ملائكة، أو ربما واحد ثان يرد عليه ويقول له: والله أنا سأتزوج وأعطي لمن لا يستطيع أن يتزوج، ويفعل ذلك بعض من وفقه الله عز وجل.

فهذه العوامل لو أننا وضعناها في حسابنا لا نجد حلاً لها إلا بالتعدد؛ لأننا لو قلنا: بأن كل رجل يأخذ امرأةً واحدة، إذاً: سيبقى عدد من النساء بلا أزواج، فإما أن يعشن ويمتن ولم يذقن الحياة الزوجية، وأما أن تضطر النساء ويضطر الرجال للأخدان؛ كما هو حاصل في المجتمعات الغربية الكافرة، التي تعيب علينا تعدد الزوجات الحلاليات، ولا يعيبون على أنفسهم تعدد العشيقات والخليلات، فيعيشون عيشة البهائم، والواحد منهم تجده يصاحب من النساء سبعاً.

السبب الأول: عقم الزوجة الأولى: فالإنسان ربما ينكح امرأةً، ثم بعد ذلك يعيش معها سنين عدداً، ولا يقدر الله بينهما ولداً، فبمراجعة الأطباء يعلم بأن الرجل سليم من العاهات والآفات، وأن الزوجة عاقر، كما قال زكريا عليه السلام: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً [مريم:8]، فهذه الزوجة تبين بأنها عاقر، فالزوج إما أن يتزوج عليها بأخرى، أو نقول له: لا تتزوج، وتبقى معها بغير ذرية، أو نقول له: طلقها وتزوج غيرها، ولو نظرنا إلى هذه الحلول الثلاثة نجد أن الأسلم أن تبقى هذه الزوجة معززة مكرمة، ثم يؤتى بامرأة أخرى، فيحقق الرجل غايته، وتحصل له عاطفة الأبوة، وفي الوقت نفسه -وهذا حصل كثيراً- أن هؤلاء الأولاد يكونون أولاداً للزوجة الأولى، فإذا كبرت أو مرضت حتى بعد موت أبيهم هم الذين يرعونها، ويحملونها، ويسافرون بها، ولربما يحججونها، ويذهبون بها إلى العمرة مرةً بعد مرة، فهذه مسألة ينبغي أن نضعها في الحسبان؛ أن تكون الزوجة عقيماً.

ويقاس على العقم أيضاً أن يكون بها مرض يمنع من المعاشرة الزوجية، أو أن يكون بها عيب يمنع عن القيام بواجب الفراش، ونحو ذلك من الأحوال، وللأسف أن بعض الناس يقول: لم لا يصبر الرجل، فهذا قدر الله؟ نقول: إن هذه الشريعة نزلت لبشر، ولم تنزل لملائكة، فالله عز وجل يعلم صفات هؤلاء البشر وأخلاقهم، ولذلك لم يكلفهم بما لا يطيقون ولا يستطيعون، والتشريع دائماً يخاطب عوام الناس، ولا يخاطب القلة المتفوقة الراقية السامية، التي تنسى حظ نفسها. بل الشريعة تخاطب عامة الناس؛ ولذلك في الزكاة مثلاً الشريعة أمرتنا بأن نخرج ربع العشر، لكن الشريعة قالت في واحد مثل أبي بكر رضي الله عنه قالت: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ [البقرة:219]، أي: الشيء الزائد؛ ولذلك ( أبو بكر جاء بماله كله للرسول عليه الصلاة والسلام، قال له: ما أبقيت لولدك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله )؛ فهذه لا يقدر عليها كل أحد.

ولذلك نقول: إن الشريعة تخاطب عامة الناس، وبقاء هذه المرأة العقيم في عصمة زوجها خير لها من الناحية الاجتماعية، ومن الناحية النفسية، ومن الناحية الاقتصادية من أن تطلق وتسرح.

وهنا سؤال يقول: إذا كانت الزوجة سليمة والزوج عقيم ومعيب، أي: به داء يمنعه من المعاشرة الزوجية، والقيام بواجب الفراش، فقد يقول بعض المتفلسفة -عافانا الله وإياكم-: لم لا تسمح الشريعة بتعدد الأزواج؟ نقول له: يا مسكين! الشريعة جاءت من أجل إقرار السلام على الأرض؛ فلو أن امرأةً اشترك فيها رجلان أو ثلاثة، فكيف يكون الحال؟ أما رأيتم القطط والكلاب إذا تصارعوا على أنثى ماذا يصنعون؟ فإنه يعض بعضهم بعضاً، ويطارد بعضهم بعضاً، ويصدرون تلك الأصوات المزعجة التي تطير النوم من العين، فما بالكم إذا كانوا بشراً، فلو اشترك اثنان أو ثلاثة في امرأة واحدة، فكيف يكون الحال؟ فالذي يطرح مثل هذا الكلام هل عنده مسكة من عقل؟

ثم من ناحية أخرى الأنساب؛ فلو أن هذه المرأة التي اشترك فيها زوجان أو ثلاثة فحملت، فهذه مشكلة! فلمن ينسب هذا الحمل؟ هي تبيت عند هذا تارةً، وعند هذا تارةً، وعند ذاك تارةً، وتقسم بينهم بالعدل في المبيت، وبعد ذلك حملت؛ فماذا نحن صانعون؟ أظن أن المتفلسفة سيقولون: نلجأ لـ (DNA) الحامض النووي، ونذهب إلى معمل الأبحاث الجنائية، كأنها جناية، فنقول: الشريعة ما جاءت بمثل هذا، نقول: لو أن الرجل كان معيباً فمن حق المرأة أن تصبر وتبقى مع هذا الزوج من غير ذرية فهذا شأنها، ومن حقها أن تطالب بالطلاق، وإذا كانت تريد أن تختلع فلتختلع، يعني: ترد له ما أنفق من صداق وتختلع منه، فهذا أيضاً من حقها.

إذاً: السبب الأول الذي من أجله أباحت الشريعة تعدد الزوجات: أن يكون بالزوجة عيب، أو أن تكون عقيمة.

السبب الثاني: حب الرجل لامرأة أخرى، قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ( قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ).

إن قضية الحب هذه، والتي يدندن حولها الأفاكون كثيراً، هم لم يضبطوها، فالحب عندهم معناه: الفوضى، معناه: أن يجلس معها على شاطئ النيل، معناه: أن يجلسا معاً في الكفتيريات، معناه: أن يتبادل معها الكلام المعسول، وأن تكون بينهما اتصالات وما إلى ذلك، وهذا غلط، بل الحب عاطفة والشريعة ترعاها؛ كحب الرجل لامرأته ولأولاده، وكحب الولد لأبيه وأمه، وما أشبه ذلك؛ فهذا حب طبيعي، وحب مشروع، ولكن قد يقذف في قلب الرجل حب امرأة رآها، وهذا الإنسان أحبها إما لجمالها، أو لمالها، أو لأدبها وخلقها، أو لدينها، أو ما أشبه ذلك، فهذا الرجل تعلق قلبه بها، وبات يصبح ويمسي وهو يفكر فيها فنحن بين أمرين: إما أن نقول له: لا، هذا ممنوع، دع عنك الصبينة والكلام الفارغ، وأمسك عليك زوجك، وقل لها: المحيا محياك، والممات مماتك، هذا حل، وإما أن نقول له: لا يوجد زواج، هذا الحب فرغه معها بطريقة أخرى، وهذا حل ثان، والحل الثالث: نقول له: اسع إلى التزوج بها.

أما الحل الأول: فإننا نقول له: أنت رجل عيب عليك هذا الفعل وأنت رجل كبير السن، اذهب وانظر إلى وجهك في المرآة، وانظر لذقنك، وانظر لحالك، وبعد ذلك ابحث لك عن مصلاية ومسبحة، ونزجره هذا الزجر البليغ، وبعد ذلك ما هو الحل؟ الحل بأن هذا الرجل ستفسد عليه حياته كلها، ويكون مضطرباً وغير مستقر، وينعكس ذلك على تصرفه مع زوجته وأولاده، فإذا دخل البيت دخل عابساً مكفهر الوجه، ضائق الصدر، لا يتحمل أي كلام، فإذا قالت له زوجته: السلام عليكم، يقول لها: مرحباً، وإذا جلبت له الطعام يقول: خذوه لا أريده، فستكون هذه طريقة تعامله مع هذه الزوجة التي تعلق قلبه بغيرها، وقد تكون هذه الزوجة أفضل وأكرم وأحسن منها لأن هذه الأولى، ولكن كما قلت لكم: قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، وهو ظن أن راحته وجنته وسعادته مع الثانية، وما درى ربما يكون غير ذلك، والله أعلم بمآلات الأمور، فنحن البشر لا نعلم الغيب، والمهم هذا هو الحل، بعد ذلك أقول لكم: لو منعناه سيتعامل مع الزوجة الأولى والأولاد بالظلم، والانتقام، والغلظة، وسوء التربية، فيقل عطاؤه، ويتكدر مزاجه، وتفسد حياته، وما إلى ذلك.

أما الحل الثاني: أن نقول له: التق بها في الحرام! لكن هذا لا يناسب شريعة الإسلام، فشريعة الإسلام كلها نظافة، وطهر، وعفاف، وسمو، ورقي؛ ولأننا لسنا كالبهائم العجماوات، بل نحن بشر، قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، لا سبيل للقاء الذكر بالأنثى إلا السبيل الشرعي.

الحل الثالث نقول له: هذه الذي تعلق قلبك بها بارك الله فيك، عليك أن تأتي البيوت من أبوابها، ولذلك أقول: الآن المجتمع ينظر نظرة احتقار وازدراء للرجل الذي يتزوج بالسكرتيرة، مع أنه هذا أشرف واحد، هذا الذي وجد نفسه مفتوناً، والحرام قريب المنال من يده، فلجأ إلى الحلال، وإلى الطريق السوي، هذا الذي ينبغي أن يكرم، وأن يعظم، وأن يعرف بأنه إنسان لا يلتمس بنيات الطريق، بل هو إنسان على صراط مستقيم، لكن أحياناً الناس تفسد تصوراتهم فيعظمون الحقير، ويحتقرون العظيم.

السبب الثالث الذي من أجله أباح الإسلام التعدد: المصالح الاجتماعية، ولذلك أمثلة متعددة:

المثال الأول: وجود الأرامل القريبات، وهذا يحصل كثيراً، مثلاً: إنسان يموت أخوه، وقد ترك زوجةً وأيتاماً صغاراً، فأخوه -صاحب المروءة- يتزوج هذه الأرملة بنية أن يصونها، ويرعى عيالها، فهو في ذلك مأجور، أو إنسان عنده ابنة عم أو بعض بنات الخئولة، قد صرن أرامل أو مطلقات، وهو يريد أن يسترهن ويصونهن ويقوم على أمرهن، وهو في ذلك مأجور.

وأحياناً أخرى يتحتم مبدأ التعدد بسبب الظروف القاسية التي تمر بالمجتمع، ككثرة النساء في حال الحروب، فمثلاً: الآن الحرب التي دارت رحاها في هذه البلاد التي كانت في الجنوب، كم أخذت من القتلى؟ نسأل الله أن يتقبلهم شهداء، كم؟ ألوف مؤلفة، هل هم نساء؟ أكثرهم رجال، هؤلاء الرجال تركوا أرامل، وبعضهم كان خاطباً ولم يعقد بعد، وبعضهم عقد ولم يدخل، وبعضهم دخل وما بقي مع زوجته إلا أشهراً معدودات، ثم اختاره الله عز وجل إليه، فكثرة عدد النساء وقلة عدد الرجال هذا أمر مشهود، ولذلك الآن -مثلاً- في الجامعة حين تلقي المحاضرة في القاعة، انظر إلى عدد البنات، وإلى عدد البنين، فتقول: لله الأمر من قبل ومن بعد! تجد البنات أكثر عدداً، ولو ذهبت الآن في أحد الشوارع في الساعة الواحدة أو الثانية ظهراً، وقد خرج البنات من المدارس، فإنك تقول: سبحان الله! من لهؤلاء؟

وهنا تنبيه: كم من الناس لو قلت له: لماذا يا أخي لا تتزوج بثانية؟ قال: لا والله واحدة، عليها أحيا، وعليها أموت، وعليها أبعث إن شاء الله، نقول: أنت مستسلم استسلاماً تاماً، نقول: وبهذا الأمر يزيد عدد العوانس في المجتمع، وبالله عليكم هذا أمر واقع أم ليس بواقع؟ الجواب: لا شك واقع.

فلو تأملت في أرحامك وفي جيرانك ما أكثر العوانس، ما لهن عدد، ولا يحصيهن إلا رب العالمين، كذلك من خلال النظرة الواقعية فإن البنات كلهن مستعدات للزواج، ولكن كم من الرجال مستعد للزواج؟ قليل، ولذلك من العدل أن نقول للمستعد للزواج: تزوج واحدةً واثنتين وثلاثاً وأربعاً.

وطبعاً بعض المتفلسفة يقول لك: لماذا لا يعطي من لا يستطع الزواج بدلاً من التعدد؟ أيضاً نظرة -ما شاء الله- كأنك تخاطب ملائكة، أو ربما واحد ثان يرد عليه ويقول له: والله أنا سأتزوج وأعطي لمن لا يستطيع أن يتزوج، ويفعل ذلك بعض من وفقه الله عز وجل.

فهذه العوامل لو أننا وضعناها في حسابنا لا نجد حلاً لها إلا بالتعدد؛ لأننا لو قلنا: بأن كل رجل يأخذ امرأةً واحدة، إذاً: سيبقى عدد من النساء بلا أزواج، فإما أن يعشن ويمتن ولم يذقن الحياة الزوجية، وأما أن تضطر النساء ويضطر الرجال للأخدان؛ كما هو حاصل في المجتمعات الغربية الكافرة، التي تعيب علينا تعدد الزوجات الحلاليات، ولا يعيبون على أنفسهم تعدد العشيقات والخليلات، فيعيشون عيشة البهائم، والواحد منهم تجده يصاحب من النساء سبعاً.

وبعض الناس يطرحون بعض الشبهات حول التعدد، ومنها:

لزوم الشغب والخصام الدائم بين الزوجات

أولاً: تعدد الزوجات يلزم منه الشغب والخصام الدائم، فنقول: ليس هذا بصحيح؛ لأن الخصام قد يحصل بين الرجل وزوجته الواحدة، والخصام قد يحصل بين الرجل وولده، وبين الرجل وأبيه، فمسألة الخصام هذه ليست من لوازم التعدد، بل الخصام من الطبيعة البشرية؛ قال الله عز وجل: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً [الكهف:54]، وقال تعالى: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف:58]، فالناس مجبولون على ذلك، فهذه ليست مسلمة.

إهمال الزوجة الأولى

ثانياً: يقولون: تعدد الزوجات يلزم منه أن الرجل إذا تزوج بالثانية فإنه يهمل الأولى ويهجرها، نقول: لا يفعل ذلك إلا من لا خلاق له، وهو إنسان ليس عنده دين، أما الذي دخل في هذا الأمر بالدين، فإنه يعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيما رجل كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ).

الإيلام لقلب الزوجة الأولى

ثالثاً: من الشبهات التي يطرحونها: يقولون: تعدد الزوجات فيه إيلام لقلب الزوجة الأولى، نقول: هذا صحيح، ولكن عندنا قاعدة في الشريعة: بأن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام، ثم إيلام القلب قد يحصل بغير الزواج، فالرجل إذا شاجر امرأته وخاصمها فهذا يؤلمها، والرجل إذا مات فالمرأة تتألم، ولو مرض الزوج فالمرأة تتألم، وكذلك المرأة لو ماتت فإن الرجل يتألم، ولو مرضت فإن الرجل يتألم، وقد مر معنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لـخديجة لما مرضت مرض الموت قال لها: ( يا خديجة! بقلبي ما تجدين )؛ فقضية الإيلام هذه موجودة، والشريعة تعترف بها، ولذلك الشريعة تسمي الزوجات في عصمة الرجل الواحد ضرائر، يعني: يسعين إلى الإضرار ببعضهن في كل الظروف، حتى في مرض موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت السيدة صفية رضي الله عنها والزوجات كلهن جالسات حول فراشه عليه الصلاة والسلام، فـصفية رضي الله عنها قالت كلمة رقيقة حلوة، قالت: ( يا رسول الله! ليت الذي بك بي )، يعني: تقول له: هذا المرض يا ليته ينتقل إلي وأنت تعافى، ( فمضمض بقية الزوجات )، مضمضن يعني: عملن بأفواههن هكذا .. يعني: إن هذه ليست صادقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن مضمضتن، والله إنها لصادقة )، يعني: مضمضن أو لا تمضمضن، انظروا: مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم مريض، وهو في مرض الموت، ومع ذلك لم يتركن التعليقات والحركات وهن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، فأحياناً هذا يحصل، ولكنه يفوت، يعني: فليس بالضرورة أن يكون هذا سبباً يمنع الرجل من التعدد.

وأيضاً في تعدد الزوجات كما أنه يفرح قلب الرجل فإنه يفرح قلب المرأة، فهذه المرأة التي صارت ثانيةً أو ثالثة أو رابعة تفرح، فليست القضية فقط فرح للرجال، فأمها تفرح وجدتها تفرح وخالتها وعمتها يزغردان ويفرحن ويطبلن وينبسطن. فنقول: الحق هنا حق مشترك بين الرجال والنساء.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
آداب النكاح 1951 استماع
صيغة عقد النكاح 1765 استماع
الحقوق الزوجية [1] 1704 استماع
المحرمات من النساء [1] 1688 استماع
الصداق 1370 استماع
شرط الولي في الزواج 1342 استماع
الإشهاد 1143 استماع
أحكام الخطبة [2] 1131 استماع
المحرمات من النساء [2] 1074 استماع
أحكام الخطبة [1] 884 استماع