شرط الولي في الزواج


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

تقدم معنا الكلام في أن لعقد النكاح ثلاثة أركان، وهذه الأركان الثلاثة هي: الصيغة، والزوجان، والولي، وتقدم معنا الكلام في الصيغة، وعرفنا أن النكاح ينعقد بكل لفظ يدل على القبول، لكن الشريعة عظمت عقد النكاح فجعلت له ألفاظاً مخصوصة، كقول الولي: زوجتك، أو أنكحتك، أو ملكتك، ونحو ذلك من الألفاظ، وتقدم معنا الكلام فيما يتعلق بالزوجين، ومن يحرم نكاحهن تأبيداً أو تأقيتاً لعارض، وفي هذا الدرس إن شاء الله يكون الكلام عن الولي، من هو الولي؟ ولماذا اشترطت شريعة الإسلام في النكاح ولياً؟ وما هي الشروط المعتبرة في الولي؟ وهل يجوز للولي أن يوكل غيره؟ وما أشبه ذلك من الأحكام التي تتعلق بالإجبار، والاستئذان، ونحو ذلك.

فنقول: الولي هو من يتولى العقد نيابةً عن الزوجة، إما لكونه عاصباً، أو لكونه وصياً، أو لكونه حاكماً، ولربما يكون الولي أحياناً رجلاً من عامة المسلمين، وسيأتي معنا بيان تلك الحالة.

والمقصود بهذا الكلام: أن المرأة لا تتولى العقد لنفسها؛ لأن القرآن الكريم خاطب بالعقد الأولياء، قال الله عز وجل: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]، فالله عز وجل يخاطب الأولياء، ويقول لهم: لا تمنعوا هؤلاء النساء من نكاح أزواجهن إذا حصل بينهم تراض، ووجه الدلالة من الآية ظاهرة؛ فلو لم يكن رضا الولي معتبراً لما خاطبهم الله؛ بل لخاطب النساء مباشرةً، وسبب نزول الآية كما ثبت في الصحيح: أن معقل بن يسار رضي الله عنه زوج أخته لرجل، فمكثت عنده ما شاء الله أن تمكث، ثم حصل بينهم خلاف فطلقها، ثم أراد بعد حين أن يراجعها، يعني: بعدما انقضت عدتها تقدم كخاطب من الخطاب، وكانت المرأة المطلقة راغبةً في الرجوع إلى زوجها، فقال له معقل: يا لكع -يعني: يا لئيم- أكرمتك وزوجتك، ثم لم تصبر عليها فطلقتها، ثم تريد أن تنكحها، والله لا يكون ذلك أبداً، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ [البقرة:232] يا معشر المؤمنين فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232]، يعني: انقضت عدتهن، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232]، أي: لا تمنعوهن، أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]، فإذا حصل خلاف بين الزوجين ثم تراضيا فلا تقف حجر عثرة دون رجوعهما.

وكذلك في الآية الأخرى يقول الله عز وجل: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221]، فيا مسلم! لا تتزوج بمشركة، ثم قال: وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221]، فلم يقل للنساء: ولا تنكحن المشركين؛ بل خاطب الأولياء: (ولا تنكحوا) أي: لا تزوجوا من ولاكم الله أمرهن من البنات والأخوات ونحوهن، للمشركين حتى يؤمنوا.

وكذلك الحديث ثبت عن أمنا عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل ).

وثبت من حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا نكاح إلا بولي )، والنفي ها هنا محمول على نفي الصحة، أي: لا نكاح صحيح إلا بولي، ويدل على ذلك من السنة العملية أن السيدة الفاضلة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة، وهناك -والعياذ بالله- أصبح الرجل يوماً فقالت له زوجه أم حبيبة: إني رأيتك في المنام بشر حال، يعني: رأيت لك رؤيا ليست طيبة، فقال لها: إني نظرت في الأديان، فوجدت النصرانية خير دين فتنصرت، فأكب على الخمر يشربها حتى مات. وهلك على النصرانية، وبقيت هذه المرأة الفاضلة بأرض الحبشة بأرض الغربة والوحشة وحيدةً، أما زوجها فهلك على الكفر، وأبوها كافر في مكة، وإخوانها كفار، فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو مثال الشهامة والمروءة أراد أن يضمها إلى نسائه ليكون لها كافلاً، فبعث إلى النجاشي أصحمة رحمه الله وأكرمه، وطلب منه أن يزوجه من أم حبيبة ، فكان النجاشي هو الذي تولى عقدها؛ لأن الحاكم ولي من لا ولي له، ولم تزوج أم حبيبة نفسها بنفسها، مع أن الزوج هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان بعد ذلك نزل قول ربنا جل جلاله: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب:6].

قد يقول بعض الناس: لماذا يشترط الإسلام الولي؟ أليست المرأة عاقلةً رشيدة؟ أليست بالغةً قد ولجت مجالات العمل كلها، وهي تعرف مصلحتها، فلماذا يشترط الإسلام الولي في صحة نكاحها؟

والجواب: أن اشتراط الولي مظهر تكريم للمرأة وتشريف، حيث نصب الشارع ممثلاً يدافع عن حقوقها، ويحامي عنها في العقد؛ لأنها لو تولت العقد بنفسها لربما غلبها الحياء، فأسقطت كثيراً من حقوقها، فلا تستطيع أن تتكلم في الأمور المادية المتعلقة بالصداق ونحوه. وهناك الجانب الآخر المهم وهو اختيار الزوج المناسب، فإن بعض الناس قد يكون له مظهر جاذب، وكلام جميل، بل معسول، ثم بعد ذلك إذا هو لا خلق ولا دين.

كقرع الطبل يسمع من بعيد وباطنه من الخيرات خال

بل أزيدكم أنه ربما يكون له لحية، وعنده قال الله قال رسوله، ولربما يركب سيارةً فارهة، وهو مهندم منظم في شكله، وعنده كلام معسول، فلربما تخدع به المرأة.

وأكرر أنني حين أتكلم عن المرأة لا أتكلم عن كائن غريب؛ بل أتكلم عن أمي وزوجي وبنتي وأختي، فنحن لا نتكلم عن المرأة باعتبار أن بيننا وبينها عداوةً أو خصومة، معاذ الله! وإنما نتكلم عن المرأة كواقع، ونتكلم عن الرجل كواقع، ونؤكد بأن الله عز وجل الذي شرع هذه الشريعة هو الذي خلق الذكر والأنثى، فهو خالق الرجل والمرأة، فالله عز وجل اشترط على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في صحة النكاح أن يكون هناك ولي يمثل هذه المرأة، لأن الولي أقدر على معرفة مصلحة المرأة، وكون هذا الرجل يناسبها أو لا يناسبها، فالمرأة قد تغلب عليها العاطفة، وتتعلق بالشاب الذي يطلبها لمظهره دون اختبار لحقيقة أمره؛ لأنه يغلب عليها رهافة الحس، ورقة الطبع، ولربما الهوى، فلا تستطيع أن ترى مصلحتها الحقيقية، لكن وليها أكثر تجربةً، وأطول عمراً، وأقدر على سبر أغوار الرجال.

وهذا الكلام الذي نذكره ليس نظرياً، فنحن تأتينا مشاكل كثيرة، تكون البنت قد تخرجت من الجامعة وتعمل، وعندها مرتب ولربما مرتب مغرٍ جداً، ثم بعد ذلك تريد أن تتزوج فلاناً، وأبوها يرفض ويأبى، بل ربما يبلغ به الحال أن يقول لها: فلان هذا حرامي، فتصر وتجلب عليه بخيلها ورجلها، وتشفع وتأتي تستفتي وكذا وكذا، وأبوها ما عنده دليل مادي يثبت به التهمة، لكن من واقع خبرته بالرجال ومعرفته بالناس قال هذا الحكم، والبنت تصر، فننصح الأب بأن يزوجها، فإذا بها لا تمكث إلا شهوراً حتى تكتشف حقيقة ما قال أبوها، وكما ذكرت لكم: أبوها ما عنده دليل محسوس، لكن بخبرته ودربته وتجربته وصل إلى هذه القناعة؛ بأن هذا الشخص غير مناسب، وأنه لا يصلح لها، فإذا تزوجت به ما تلبث البنت إلا قليلاً حتى تصل إلى هذه القناعة، وأن أباها كان على حق، وبعض البنات ربما تركب رأسها وتذهب إلى القاضي، والقاضي لا يجد سبباً محسوساً يمنع أباها من إنكاحها فيزوجها، ثم بعد ذلك لا تمكث معه إلا قليلاً، وربما يكون أول خلاف بينها وبين زوجها فإنه يقول لها: أنت لو كان فيك خير لما تركت أهلك وذهبت إلى القاضي، فتتعكر بينهما الحياة الزوجية. وقد ذكروا بأن قاضياً زوج بنتاً، وبعدما أنجبت من زوجها ولداً حصل بينهما الخلاف فطردها، فذهبت إلى بيت أبيها فأبى أن يقبلها بولدها، فجاءت إلى القاضي ووضعت له الطفل على مكتبه، وقالت له: يا مولانا توله كما توليتني، فإن أبي قد رفض.

ولذلك نقول: ينبغي أن تكون علاقتنا ببناتنا علاقة المودة والرحمة من أجل أن يعلم البنات أن الآباء لا يريدون لهن إلا الخير، وأقصى ما يتمناه الوالد لبنته هو أن يأتي اليوم الذي تأوي فيه إلى زوجها، وتبني معه بيتاً على تقوى من الله ورضوان، فينام الأب قرير العين، هذا الذي يتمناه، ولذلك أقول: ينبغي أن يفكر البنات ملياً قبل أن يلجآ إلى القضاء، ويوقفن آباءهن أمام المحاكم من أجل أن يرغمن أنوف الآباء على أن يزوجوهن بمن لا يريدون.

ثم مبدأ الولاية يقوم على أساس التضامن في تحمل مسئوليات هذا العقد الخطير، فعقد النكاح لا يعود ضرره على البنت وحدها، بل يعود على البنت وأهلها، وعصبتها، وعشيرتها، ولذلك الإسلام جعل للأولياء نصيباً، ولذلك الآن لو أنك تقدمت لطلب بنت فإن أباها يقول لك: خيراً، لكن دعنا نشاور أعمامها وإخوانها، ولربما أخوالها؛ لأن المسئولية تضامنية، فهذه البنت ليست بنته وحده، بل هي بنت الجميع، ولذلك نقول: المسئولية تضامنية، لأنه إذا حصل خلاف، أو إذا وقع طلاق، فهذه البنت سترجع إلى بيت أبيها، ولذلك الإسلام جعل الولاية ركناً في عقد النكاح.

ويشترط فيمن يتولى عقد النكاح نيابةً عن المرأة شروط أربعة، فلا يصلح لأي إنسان أن يجلس ليعقد، بل لا بد أن يكون هذا الولي الذي يمثل المرأة وينوب عنها، ويقول للزوج: زوجتك ابنتي، أو زوجتك موليتي لا بد فيه من شروط أربعة:

أول هذه الشروط: الذكورة، فلا يصلح أن تزوج المرأة المرأة، ولا يصح أن تزوج الخنثى امرأة، بل لا بد أن يكون ذكراً كامل الذكورة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ).

الشرط الثاني: كمال الأهلية، أي: أن يكون الإنسان مؤهلاً، والأهلية تتحقق بالبلوغ، فلا يصح أن يتولى عقد النكاح صبي صغير، ثم العقل، فلا يصح أن يكون الولي مجنوناً، أو معتوهاً، أو سكراناً، بل لا بد أن يكون عاقلاً، ثم بعد ذلك أن يكون هذا الولي مختاراً، فلا يكون مكرهاً، فالمقصود بكمال الأهلية: أن يكون هذا الولي مؤهلاً تأهيلاً كاملاً؛ بالبلوغ والعقل والاختيار.

الشرط الثالث: الإسلام، فلو أن فتاةً أسلمت وأبوها على الكفر باق، فليس هو ولياً لها؛ لأن الله تعالى قال: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141]، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يتزوج أم حبيبة لم يستأذن أبا سفيان، ولا معاوية، ولا يزيد رضوان الله عليهم، بل ولى العقد للحاكم النجاشي رضي الله عنه، فالإسلام لا بد منه في النكاح.

الشرط الرابع: عدم الإحرام بحج أو عمرة، أي: ألا يكون هذا الولي الذي يتولى النكاح محرماً؛ لأنه مضى معنا الكلام في أن المحرم ممن يمنع من عقد النكاح منعاً مؤقتاً لعارض الإحرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا ينكح المحرم ولا ينكح )، يعني لا يتزوج لنفسه، ولا يزوج غيره، فلا يصح أن يكون أحد الزوجين محرماً، ولا يصح أن يكون الولي وقت عقد النكاح محرماً، وكذلك لا يصح أن يوكل من يتولى العقد، ولا يجيزون النكاح إن افتئت على أحدهم، وعقد النكاح من غير إذن.

هذه أربعة شروط: إسلام، وأهلية، وذكورة، وعدم إحرام بنسك، لا حج ولا عمرة.

وهنا مسألة: هل يشترط في الولي العدالة؟ مثلاً: بعض البنات الآن قد يكون أبوها مبتلىً ببعض الكبائر، فتكون عدالته ساقطة، أو مبتلىً ببعض خوارم المروءة، يعني: هو لا يشرب خمراً ولا كذا، لكن عنده بعض خوارم المروءة، وخوارم المروءة هي الأشياء هي التي تقدح في العدالة، مثال ذلك: فيما مضى كان العلماء يقولون: من خوارم المروءة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، ومن خوارم المروءة من يسير حاسر الرأس، وقالوا: من خوارم المروءة من وجبت عليه زكاة فلم يعرف نصابها، وقالوا: من مخارم المروءة من احتاج إلى التيمم فلم يحسنه، ومن خوارم المروءة من يمد رجليه في مجلس الجماعة، ومن خوارم المروءة كذلك من يستمع إلى الطنابير والمزامير، ومن خوارم المروءة كذلك من ينتف لحيته، قالوا: ومن خوارم المروءة أن يكون للرجل ولد يساكنه وهو لا يصلي، هذه كلها من خوارم المروءة، وأيضاً من خوارم المروءة: أن يجلس أمام بيته يمارس معصية الله، يعني: يقعد أمام البيت ويشرب شيشة، ويضعها في فمه مثل المرضعة حق الأطفال.

ومن خوارم المروءة كذلك أن يجلس الإنسان أمام بيته فيلعب الأشياء التي تعرفون كالطاولة وما أشباه ذلك، وعمره ستون سنة.. سبعون سنة، قالوا: ومن خوارم المروءة من اتصل وفره وقوته إلى سبعين سنةً فلم يحج، يعني: إنسان يجد القدرة المالية، والقدرة الجسدية، وما ذهب إلى الحج، قال: وإن كان بالأندلس أي: غير قريب من الحرم؛ بل من الأندلس، وفيما مضى ما كان هناك وسائل مواصلات سريعة.

فأقول: لو أن الإنسان ما عنده عدالة كاملة هل هذا يقدح في ولايته؟ قال علماؤنا: العدالة شرط كمال في الولي، وليست شرط صحة، وكذلك الرشد شرط كمال وليس شرط صحة، بمعنى: لو أن الإنسان غير رشيد، مثل أن يتصرف في الأموال بطيش وسفه، فهذا لا بأس أن يكون ولياً، فالعدالة والرشد شرطا كمال وليسا شرطا صحة.

فلو كان الولي فاسقاً أو كان سفيهاً فلا حرج أن يكون ولياً، ثم بعد ذلك للولي السفيه أن ينظر في العقد، فإن كان صواباً أمضاه، وإلا رده.

والولي يمكن أن يوكل غيره ليتولى العقد، كما يحصل كثيراً في عقود النكاح، فقد يكون والد الفتاة موجوداً فيوكل أباه، أو يوكل عمه، أو يوكل أخاه الأكبر، ولربما يوكل واحداً من أهل العلم والفضل، أو غير ذلك، وهذا التوكيل جائز بشرط أن تتوافر في الوكيل شروط الولي أي: الشروط الأربعة: إسلام، وذكورة، وأهلية، وعدم إحرام، فهذه الشروط لا بد أن تتوافر في الوكيل.

أما بالنسبة للعريس فإنه يجوز له أن يوكل في العقد بعض من فقدت فيه شروط الولي المتقدم، مثل من فقد فيه شرط الذكورة، أو فقد فيه شرط الأهلية، أو فقد فيه مثلاً الإسلام، أما بالنسبة للإحرام فلا؛ لأن المحرم لا ينكح ولا ينكح كما تقدم.

إذاً عرفنا أن الولي هو الذي يتولى العقد نيابةً عن المرأة، وعرفنا ما هي الشروط المعتبرة في الولي، وعرفنا بأن العدالة والرشد شرطا كمال، وعرفنا بأن اشتراط الولاية مظهر تكريم من الإسلام للمرأة.

بقي أن نعرف بأن الأولياء نوعان: ولي مجبر، وولي غير مجبر.

وقد تسمعون أحياناً من يتولى عقد النكاح يقول: زوجتك مجبرتي، وإذا لم يكن هو الأب فيقول: زوجتك مجبرة موكلي، هذه المجبرة ما معناها؟

إجبار الأب لابنته البالغة على الزواج

بادئ ذي بدء ينبغي أن نعلم بأن الفتاة إذا كانت بالغةً عاقلةً فلا يجوز للأب إجبارها على الزواج بمن لا تريد؛ لحديث الخنساء بنت خدام رضي الله عنها حين زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع خسيسته، فجاءت شاكيةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم عليه الصلاة والسلام برد النكاح.

فلا يجوز لك أيها الأب أن تزوج ابنتك البكر البالغ إلا بعد أن تستأذنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( البكر تستأذن، وإذنها سكوتها، والثيب أحق بنفسها من وليها ).

ويحسن أن يستشيرها أبوها بواسطة لا مشافهة، مثلاً: جاء واحد ليخطب بنتك فلا تقل لها: يا فلانة جاءك فلان، تريديه أو لا تريديه؟ فهذه ليست حكمة؛ لأن البنت في تعاملها مع أبيها يغلب عليها الحياء، فلربما يكون عندها تحفظ، أو عندها رأي، فتستحي من أن تشافه أباها بما يكره، وأحياناً بعض الآباء يقول لها: جاء فلان ليخطبك وأنا جئت به، لا ما يصلح؛ بل لا بد أن يكون هذا الاستئذان عن طريق وسيط؛ لئلا يحول الأب بين ابنته وبين إبداء رأيها، وأفضل وسيط أمها، أو أختها الكبرى، ثم بعد ذلك لو جاء الأب وكلمها فسكتت، فسكوتها إذن؛ لأن الحياء يمنعها من الإفصاح باللفظ، فإن امتنعت وأظهرت الكره فقالت: أنا لا أريد، فها هنا ينبغي للأب أن يحترم رأيها، وألا يكرهها.

وهنا تنبيه: أن بعض الآباء يشاورها، ويقول لها: جاءك فلان ليخطبك، فتقول له: يا أبي أنا أريد أن أدرس، فيقوم الأب ويقول له: قالت: إنها تريد أن تدرس، وهذا لا ينبغي من الأب، بل لابد أن يجلس معها ويقول لها: يا أمة الله! أنا أبوك، وأريد لك الخير، وأنا أدعو لك في كل صلاة بأن يرزقك الله زوجاً صالحاً، وهذا الرجل من ميزاته كذا وكذا وكذا وكذا، ثم لا تعارض بين الزواج وطلب العلم، ثم الدراسة هذه في النهاية ماذا أنت صانعة؟ في النهاية الأنثى للذكر، فإن قالت: لا يا أبي أنا أريد أن أدرس، وأحقق ذاتيتي، وأؤكد شخصيتي، ويا أبي المرأة نصف المجتمع، ونحن في القرن الحادي والعشرين، فهنا ينبغي للأب أن يزيف لها هذا الكلام كله، ويبين لها أن هذا كله دعاية، وأنهم ما أرادوا بك خيراً يا بنيتي، فهم يريدون لك أن تتنقلي في المواصلات، وهناك في العمل قد يضايقك الزملاء ممن لا يتقون الله، فإن سلمت من الزملاء فلن تسلمي من أمير الزملاء السيد المدير، ولو سلمت من المدير فلن تسلمي من الغفير، ثم الأفضل لك أن تبقي في البيت، ويبدأ ينصحها، ويبين لها عاقبة العنوسة، والآن كم من النساء ما شاء الله في وظيفة كبيرة، ولها سيارة، لكنها عانس تعاني، فلم ندفن رءوسنا في الرمال؟ وكم من طبيبة، وكم من مهندسة، وكم من محامية، وكم وكم، ذهبت ندرة الشباب، وذبل عمرها، وزادت تعاستها، ودامت عنوستها، ولم تنفعها شهادتها، وأقصى أملها في خريف العمر أن ترزق بزوج تلحق معه طفلاً واحداً؛ لأنها صارت ذات اثنين وأربعين ربيعاً، وباقي لها ثلاثة ربيعات وتلحق بالقواعد من النساء اللائي لا يرجون نكاحاً، فإن قالت لك: أنا أريد أن أدرس، ونحن عندنا الحرية، واحنا إلى غير ذلك، فقل لها: هذه ليست حرية، هذه فوضوية، وتجلس معها، وتبين لها الحق، وتذكر لها الأدلة، ولا مانع أن تستعين بغيرك من عمها، أو خالها، أو أخيها أو كذا، المهم أن تعذر إلى الله فيها، ولا تترك لها عذراً، فبذلك تكون فعلاً أباً صالحاً، فأنت راع ومسئول عن رعيتك.

وأقول هذا الكلام لأن بعض الآباء مجرد ما قالت: لا، يقول: والله هذا رأيها، وهذه حياتها، وهي حرة، ونحو ذلك من الكلام البارد، الذي لا يقدم ولا يؤخر، فنقول: لا بد للولي أن يستأذن البنت البالغة العاقلة.

ذكر من يجوز للولي إجبارها على الزواج

إذاً يجوز للولي أن يجبر الصغيرة غير البالغ، ويزوجها من غير استشارة؛ لأنها ليست أهلاً للاستشارة والاستئذان، وكذلك لو كانت البنت مجنونة فإنه يزوجها بمن يراه مناسباً، ولا يستأذنها، أما إذا كان عندها الأهلية من حيث البلوغ والعقل فلا بد من استئذانها.

وكلمة المجبر تشمل الأب، والأب: له حق جبر ابنته على النكاح إذا كانت صغيرةً، أو إذا كانت مجنونة، وبعضهم يلحق بالصغيرة البكر، ولو كانت بالغاً، لكن هذا على خلاف الدليل، وقد ذكرت حديث الخنساء بنت خدام رضي الله عنها.

وممن يجوز له الإجبار كذلك وصي الأب، فلو أن أباً في سكرات موته أوصى فلاناً بأن يزوج بنته -بنت هذا الإنسان المحتضر- من فلان، وتوافر في هذه الموصى بها شروط الإجبار لكونها صغيرة، أو لكونها مجنونة، فيجوز له أن يجبرها.

إجبار الرجل على الزواج

وهنا مسألة: متى يجبر الرجل على الزواج؟ وهذه قد تعجبون منها، فأحياناً الرجل ذاته نجبره على الزواج في حالات، وانتبهوا لهذا الكلام، حتى نبين للناس الذين يقولون: الإسلام ظلم المرأة، فنقول لهم: لا، والله ما ظلمها أبداً، فنقول: كما تجبر البنت على النكاح فكذلك الرجل يجبر أحياناً في حالات، ومن هذه الحالات: إذا كان سفيهاً وخيف عليه الزنا، أي: إذا كان سفيهاً طائشاً يتعرض للنساء في الطرقات، وقلت له: يا أخي ما تتقي الله، يقول لك: ماذا نعمل؟ تقول له: يا أخي! ما تتزوج، يقول لك: لا لا أنا ما لي وما للمسئولية وما للزحمة، فنقبض عليه ونلببه بثيابه ونأتي به ونجلسه في المسجد، ونزوجه رغم أنفه.

قالوا: والصداق في هذه الحالة على أبيه إذا كان الأب هو المجبر، فإن كان المجبر القاضي فالصداق عليه، فهذه الحالة الأولى يجبر الرجل على الزواج إذا كان سفيهاً وخيف عليه الزنا.

الحالة الثانية: إذا كان مجنوناً لا يفيق وقد احتاج إلى النكاح، فالمجنون يحتاج إلى الطعام والشراب، والمجنون أيضاً يحتاج إلى النكاح، وإذا لم ينكح فقد يحصل منه شر وفساد، ولذلك نقول: إذا كان الزوج مجنوناً لا يفيق، وقد احتاج إلى النكاح، وخيف عليه الزنا، أو خيف عليه الضرر الشديد بتركه، فإنه يجبر على الزواج، لكن المشكلة نزوجه من؟

الحالة الثالثة: إذا كان الزوج صغيراً غير بالغ، وكان في تزويجه غبطة له؛ بأن كانت الزوجة حسيبةً أو غنيةً وخيف فواتها، فمثلاً: عمار هذا ولدي عمره ثلاث عشرة سنة، وعرف في المدرسة بالنجابة والذكاء، فجاءت واحدة حسيبة غنية عندها من الدولارات مليارات، فقالت لي: أنا راغبة في عمار، فيقول لها: زوجتك إياه، ويتزوج ولا يستشير عماراً ؛ لأن عماراً لا يعرف مصلحته، وهذه يخاف فواتها، فربما لو ذهبت -بل الغالب- لا يأتي مثلها.

إذاً: الزوج يجبر في ثلاثة أحوال: إذا كان سفيهاً يخشى عليه من الزنا، أو إذا كان مجنوناً لا يفيق وقد بلغ حال كونه مجنوناً، وأيضاً يخشى عليه الزنا أو الضرر، ثم الحالة الثالثة: إذا كان صغيراً غير بالغ، والمرأة يخاف فواتها بأن كانت حسيبةً غنية، ولا شك أن في هذا النكاح غبطةً له، وتقديراً لمصلحته.

هذا هو الولي المجبر.

أنواع الولي غير المجبر

أما الولي غير المجبر فهو نوعان: ولي خاص، وولي عام.

فالولي الخاص من غير المجبرين هم العصبة، والكافل، والحاكم.

والعصبة المقصود بهم قرابة المرأة من جهة أبيها، يعني كأبي أبيها -جدها من أبيها- وكذلك إخوانها سواء كانوا إخوانها الأشقاء، أو إخوانها من أبيها، وكذلك أعمامها أشقاء أبيها، أو إخوانه من أبيه، وكذلك بنو العمومة، وبنو الإخوة، وبنو إخوتها أشقائها، أو بنو إخوتها من أبيها، فهؤلاء نسميهم العصبة.

النوع الثاني: الكافل، فلو أن إنساناً ولي يتيمةً أو لقيطةً فكفلها وقام على تربيتها، وأحسن إليها، فهو عند النكاح وليها.

النوع الثالث: الحاكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والسلطان ولي من لا ولي له )، والسلطان الآن هو القاضي؛ لأن السلطان الآن الذي هو الرئيس لا يباشر عقود الأنكحة، ولا يباشر الفصل في الخصومات، وإنما أوكل ذلك إلى سلطة تسمى السلطة القضائية، فنقول: الولي غير المجبر الخاص يشمل هذه الأنواع الثلاثة.

وهنا مسألة: من يقدم من العصبة في الولاية؟ قال أهل العلم: يقدم ابنها، أي: ابن المرأة بشرط البلوغ، ثم ابن ابنها -ابن الابن- ونتصور لو أن امرأةً عمرها أربعون سنة قد يكون عندها حفيد ابن ابن، فهو الذي يتولى نكاحها، ثم بعد ذلك أبوها، ثم أخوها، ثم ابن أخيها، ثم عمها، ثم ابنه، وفي كل الأحوال التي ذكرنا يقدم الشقيق على من كان من الأب.

إذاً ترتيب من الذي يتولى إنكاح المرأة في العصبات نفس ترتيب الميراث: ابنها، ثم ابن ابنها، ثم أبوها، ثم أخوها، ثم ابن أخيها، ثم عمها، ثم ابن عمها، هذا من ناحية العصبات. فإن لم يوجد فإننا ننتقل إلى الكافل؛ وهو من يتولى أمر البنت وتربيتها إذا مات أبوها وغاب أهلها، وبقيت عنده حتى بلغت، فله الولاية عليها في عقد النكاح فيزوجها بإذنها، ثم يأتي الثالث الذي هو القاضي.

تقدم من حقه التأخير في ولاية النكاح

وهنا مسألة: لو تقدم من حقه التأخير ممن ذكر من الأولياء مع وجود الأقرب؟ بمعنى: نحن عندنا الأولياء: ابنها، ثم ابن ابنها، ثم أبوها، ثم أخوها الشقيق، ثم أخوها لأبيها، ثم ابن أخيها الشقيق، ثم ابن أخيها لأبيها، ثم عمها، فلو كان الأب موجوداً فزوجها ابن عمها، بمعنى: أن الأقرب موجود فزوجها الأبعد، وهذه واقعة حاصلة، وتأتينا بعض القضايا فيها نزاع من هذا الشكل، فنقول: أيها الإخوان أثم المتقدم، الذي هو ابن عمها الذي زوجها مع وجود أبيها آثم؛ لأنه مفتئت، ومثل ذلك: لو كان عندك شيء في البيت فقام أحدهم وباعه، فهو آثم؛ لأنه مفتئت، فنقول: أثم المتقدم؛ لاعتدائه على حق غيره، ويصح النكاح لو أجازه الأحق، فلو أن الأب قال: قد أجزت ما صنع ابن أخي، فالنكاح يكون صحيحاً.

ولاية الحاكم للنكاح

ويزوج الحاكم المرأة بإذنها ورضاها بعد أن يثبت عنده خلوها من المرض، وخلوها من المانع، وبعد أن يثبت عنده أن هذه المرأة لا ولي لها، أو أن وليها متعنت يريد أن يؤخرها ويعضلها عن الزواج، فيزوجها ممن هو كفء لها في الدين، وممن هو في مثل حالها من الناحية الاجتماعية والمالية، فالقاضي يزوج البنت إذا لم يكن عندها ولي، وهذا متصور، فمثلاً: بعض البنات قد تكون لقيطة من سفاح، فهذه البنت يزوجها القاضي؛ لأنه لا ولي لها، فالسلطان ولي من لا ولي له، وسبحان الله هذا التفصيل في الأحكام لا تجده في شريعة إلا الإسلام، فلا توجد حالة ونقول: الإسلام ما عنده فيها حكم.

وهناك حالة ثانية يكون القاضي هو الذي يتولى إنكاح البنت وهي: إذا كان عندها ولي، لكن الولي يعضلها، أي: يمنعها من الزواج؛ لأنه مستفيد منها، أو أن الولي لا يمنعها لكنه متعنت، مثلاً: جاء واحد ليخطبها فقال لها: هذا شكله كذا ما أعجبني، وهو ما فيه عيب، لكن شكله كذا ونظارته كبيرة مثلاً، وجاء آخر وقال لها: والله لا هذا كذا، وجاء ثالث كذا.. وهو متعمد، وهذا الصنف موجود وهو صنف ما عنده عقل، يريد واحداً ما شاء الله معلباً، عنده مواد محفوظة، ويكون الطول بطريقة معينة، والسمك بطريقة معينة، والارتفاع، والمساحة، ويكون خالياً من الأمراض المتوطنة والموروثة، فيضع شروطاً ما أنزل الله بها من سلطان، فهذا نقول له: بنتك لا تساوي ظفر بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم زوج فاطمة من علي، وعلي من خير عباد الله، لكن شكله كما قالوا: كان قصيراً، أصلع، ذا بطن، رضي الله عنه، حتى عمر رضي الله عنه كان يمازحه أحياناً يقول له: الأصيلع، بل من هو خير من علي سيد هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه، قالوا: كان طويلاً نحيفاً أجنى، يعني: عنده انحناء هكذا، خفيف العارضين رضي الله عنه، ما كان كث اللحية، هذه كانت صفة أبي بكر رضي الله عنه، فالصنف الذي مثل هذا لو جاءه أبو بكر يقول: هذا طويل لا ينفع، ولو جاءه علي لا ينفع، وقل مثل ذلك لو جاء عمر بن الخطاب يقول: هذا طويل، ثم هو زوج صعب، ما ينفع حتى لا يتعبك فيما بعد، رضي الله عن عمر ، فأقول: ينبغي للولي أن يكون حكيماً، بحيث لا يعطل زواج ابنته من غير سبب شرعي موجب، وفي الوقت نفسه لا يزوجها بغير كفء لها.

الولاية العامة في الإنكاح

ثم بعد ذلك هناك الولاية العامة ومعناها: أن يتولى رجل من عامة المسلمين العقد لامرأة مسلمة، وهذا متصور بكثرة في أوروبا، فمثلاً: امرأة تسلم وهي من أهل تلك البلاد، ويحسن إسلامها، ثم بعد ذلك تريد أن تتزوج من رجل مسلم، فتأتي في المركز الإسلامي، أو تأتي في المسجد، أي واحد من المسلمين الفضلاء من أهل الرشد والعدالة، وممن عرف عنه الاستقامة والسداد فيكون ولياً لهذه المرأة؛ لعموم قوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وهذه نسميها: الولاية العامة، يعني: أنا ولي كل امرأة من المسلمات، وأنت كذلك وهو، وذاك، وهذه ولاية عامة أثبتها القرآن للمؤمنين، لكن لا ينبغي لواحد من المسلمين أن يتقدم ليعقد لامرأة ويكون ولياً لها مع وجود الولي الخاص.

تصحيح بعض عقود النكاح عند الافتئات

ذكرت قبل قليل بأنه لا يجوز لواحد من المسلمين أن يتقدم ليكون ولياً لامرأة مع وجود وليها، يعني: لا نفتئت على الولي الخاص إذا كان موجوداً، لكن لو حصل أن واحداً من الناس عقد لامرأة أو لفتاة مع وجود وليها الخاص فما الحكم؟ قالوا: هذا العقد نمضيه في حالة: ما لو كانت المرأة غير ذات حسب ونسب وجمال، ونصحح هذا النكاح دخل بها أو لم يدخل؛ قالوا: مراعاةً لمصلحة المرأة بأن تفوت عليها فرصة النكاح؛ لأن الرغبة قليلة في ناقصة الحسب والجمال، بمعنى: لو أن رجلاً من عامة الناس زوج فتاةً مثلاً عمرها تسعة ثلاثون سنة، مع وجود الولي الخاص، فهذا النكاح نصححه إذا كانت هذه الفتاة المزوجة قليلة الحظ من الجمال، يعني: ليس هناك ما يرغب في نكاحها، لا هي ذات مال، ولا هي ذات جمال، ولا هي ذات نسب، وغلب على الظن أننا لو فسخنا هذا العقد فسيفوتها القطار، فهنا نصحح هذا العقد ونحاول أن نرضي وليها الخاص بأن هذا قدر الله، ولعل الله أراد خيراً، وإن شاء الله كذا وكذا، وهذا مراعاةً لتشوف الإسلام لتزويج البنات، وألا تسري فيهن العنوسة.

بادئ ذي بدء ينبغي أن نعلم بأن الفتاة إذا كانت بالغةً عاقلةً فلا يجوز للأب إجبارها على الزواج بمن لا تريد؛ لحديث الخنساء بنت خدام رضي الله عنها حين زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع خسيسته، فجاءت شاكيةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم عليه الصلاة والسلام برد النكاح.

فلا يجوز لك أيها الأب أن تزوج ابنتك البكر البالغ إلا بعد أن تستأذنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( البكر تستأذن، وإذنها سكوتها، والثيب أحق بنفسها من وليها ).

ويحسن أن يستشيرها أبوها بواسطة لا مشافهة، مثلاً: جاء واحد ليخطب بنتك فلا تقل لها: يا فلانة جاءك فلان، تريديه أو لا تريديه؟ فهذه ليست حكمة؛ لأن البنت في تعاملها مع أبيها يغلب عليها الحياء، فلربما يكون عندها تحفظ، أو عندها رأي، فتستحي من أن تشافه أباها بما يكره، وأحياناً بعض الآباء يقول لها: جاء فلان ليخطبك وأنا جئت به، لا ما يصلح؛ بل لا بد أن يكون هذا الاستئذان عن طريق وسيط؛ لئلا يحول الأب بين ابنته وبين إبداء رأيها، وأفضل وسيط أمها، أو أختها الكبرى، ثم بعد ذلك لو جاء الأب وكلمها فسكتت، فسكوتها إذن؛ لأن الحياء يمنعها من الإفصاح باللفظ، فإن امتنعت وأظهرت الكره فقالت: أنا لا أريد، فها هنا ينبغي للأب أن يحترم رأيها، وألا يكرهها.

وهنا تنبيه: أن بعض الآباء يشاورها، ويقول لها: جاءك فلان ليخطبك، فتقول له: يا أبي أنا أريد أن أدرس، فيقوم الأب ويقول له: قالت: إنها تريد أن تدرس، وهذا لا ينبغي من الأب، بل لابد أن يجلس معها ويقول لها: يا أمة الله! أنا أبوك، وأريد لك الخير، وأنا أدعو لك في كل صلاة بأن يرزقك الله زوجاً صالحاً، وهذا الرجل من ميزاته كذا وكذا وكذا وكذا، ثم لا تعارض بين الزواج وطلب العلم، ثم الدراسة هذه في النهاية ماذا أنت صانعة؟ في النهاية الأنثى للذكر، فإن قالت: لا يا أبي أنا أريد أن أدرس، وأحقق ذاتيتي، وأؤكد شخصيتي، ويا أبي المرأة نصف المجتمع، ونحن في القرن الحادي والعشرين، فهنا ينبغي للأب أن يزيف لها هذا الكلام كله، ويبين لها أن هذا كله دعاية، وأنهم ما أرادوا بك خيراً يا بنيتي، فهم يريدون لك أن تتنقلي في المواصلات، وهناك في العمل قد يضايقك الزملاء ممن لا يتقون الله، فإن سلمت من الزملاء فلن تسلمي من أمير الزملاء السيد المدير، ولو سلمت من المدير فلن تسلمي من الغفير، ثم الأفضل لك أن تبقي في البيت، ويبدأ ينصحها، ويبين لها عاقبة العنوسة، والآن كم من النساء ما شاء الله في وظيفة كبيرة، ولها سيارة، لكنها عانس تعاني، فلم ندفن رءوسنا في الرمال؟ وكم من طبيبة، وكم من مهندسة، وكم من محامية، وكم وكم، ذهبت ندرة الشباب، وذبل عمرها، وزادت تعاستها، ودامت عنوستها، ولم تنفعها شهادتها، وأقصى أملها في خريف العمر أن ترزق بزوج تلحق معه طفلاً واحداً؛ لأنها صارت ذات اثنين وأربعين ربيعاً، وباقي لها ثلاثة ربيعات وتلحق بالقواعد من النساء اللائي لا يرجون نكاحاً، فإن قالت لك: أنا أريد أن أدرس، ونحن عندنا الحرية، واحنا إلى غير ذلك، فقل لها: هذه ليست حرية، هذه فوضوية، وتجلس معها، وتبين لها الحق، وتذكر لها الأدلة، ولا مانع أن تستعين بغيرك من عمها، أو خالها، أو أخيها أو كذا، المهم أن تعذر إلى الله فيها، ولا تترك لها عذراً، فبذلك تكون فعلاً أباً صالحاً، فأنت راع ومسئول عن رعيتك.

وأقول هذا الكلام لأن بعض الآباء مجرد ما قالت: لا، يقول: والله هذا رأيها، وهذه حياتها، وهي حرة، ونحو ذلك من الكلام البارد، الذي لا يقدم ولا يؤخر، فنقول: لا بد للولي أن يستأذن البنت البالغة العاقلة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تعدد الزوجات 2151 استماع
آداب النكاح 1949 استماع
صيغة عقد النكاح 1763 استماع
الحقوق الزوجية [1] 1703 استماع
المحرمات من النساء [1] 1685 استماع
الصداق 1366 استماع
الإشهاد 1141 استماع
أحكام الخطبة [2] 1127 استماع
المحرمات من النساء [2] 1073 استماع
أحكام الخطبة [1] 883 استماع