خطب ومحاضرات
أحكام الخطبة [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
فأحمد الله الذي جمعنا في هذا المجلس المبارك، وأسأله سبحانه كما جمعنا فيه أن يجمعنا في جنات النعيم، وأن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه الكريم، وأن يجعلنا إخواناً على سرر متقابلين.
وبدايةً نشرع فيما اتفقنا عليه من دراسة أبواب من الفقه العملي الذي يحتاج إليه الناس جميعاً، والسبب في ذلك أنه قد تبين لنا أن كثيراً من الناس لا يدركون بدهيات من أحكام الشريعة، فيقعون فيما حرم الله عز وجل جهلاً منهم بما يجب عليهم، وما يحرم عليهم، وسنبدأ إن شاء الله من باب النكاح، والسبب في البداية بهذا الباب: ما تواتر من وقوع كثير من الناس فيما يسمى بالزواج العرفي، وما هو بزواج، وإنما هو زنا، وبعض الناس وقع في نكاح السر، وهو الزواج السري، وما هو بزواج أيضاً بل هو زنا، وبعض الناس وقع في النكاح بغير ولي، وغير ذلك من أنواع الأنكحة المحرمة.
المراد بكلمة النكاح في القرآن
فنقول ابتداءً: كلمة النكاح في كتاب الله عز وجل تطلق ويراد بها: العقد، وتطلق ويراد بها: الوطء، فعندنا هذان الإطلاقان:
أما الإطلاق لكلمة النكاح على إرادة معنى: العقد ففي قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49].
فقوله: (إذا نكحتم المؤمنات) أي: إذا عقدتم عليهن.
وأما إطلاق النكاح على إرادة معنى: الوطء ففي قول الله عز وجل: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230]؛ فقوله: (تنكح) يراد به: العقد والوطء معاً؛ فالله عز وجل يقول هنا: لو أن الرجل طلق امرأته الطلقة الثالثة فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره أي: يعقد عليها ويطؤها.
تعريف النكاح شرعاً
وتعريف النكاح في شرع الله عز وجل: هو عقد بين رجل وامرأة، يبيح استمتاع كل منهما بالآخر، ويبين ما لكل منهما من حقوق وما عليه من واجبات.
حكم النكاح
وأما حكم النكاح فالأصل فيه أنه مندوب إليه، يعني: مسنون من سنة محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو من سنن الأنبياء، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]؛ فكل الأنبياء كان لهم أزواج، وكان لهم ذراري، ما عدا يحيى بن زكريا الذي قال الله فيه: وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39]، وعيسى بن مريم الذي لم يطل بقاؤه في الأرض، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً، ولكن الأنبياء جميعاً كانوا ذوي أزواج وأولاد، وعلى رأسهم خاتمهم وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه الذي خاطبه ربه بقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ [الأحزاب:50]، وخاطبه ربه بقوله: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3].
وخاطب النبي عليه الصلاة والسلام أمته بقوله: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ).
فالنبي عليه الصلاة والسلام يحث في هذا الحديث على النكاح لمن ملك أسبابه، ولما ( جاء ثلاثة من الصحابة الكرام وسألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنهم تقالوها -يعني: وجدوها قليلة- فقال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أصلي ولا أرقد. وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء. فالنبي عليه الصلاة والسلام لما بلغته تلك المقالة صعد على المنبر وقال: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنني أصلي وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ).
فالحكم العام في الزواج أنه مندوب إليه، لكن أحياناً قد يكون واجباً، وأحياناً قد يكون حراماً، وأحياناً قد يكون مكروهاً، وأحياناً قد يكون مباحاً، فتعتريه الأحكام التكليفية الخمسة.
فيكون الزواج واجباً: إذا كان الإنسان قادراً على تكاليف الزواج، ويخشى الزنا بتركه، فمثلاً: إذا كان يعيش في مجتمع الفتن فيه كثيرة، ويخشى لو أنه لم يتزوج أن يقع فيما حرم الله عز وجل، ويخشى على نفسه العنت، فهذا الإنسان يكون الزواج في حقه واجباً.
ويكون الزواج محرماً في حق إنسان قد يترتب على زواجه ضرر بالمرأة، مثل: عدم الإنفاق عليها، أو عدم قدرته على وطئها، فمثل هذا لا يجوز له أن يتزوج؛ لأن في هذا ضرراً للمرأة.
ويكون النكاح مباحاً في حق من لا يولد له، ولا إرب له في النساء؛ كالشيخ الكبير والمريض، يعني: لو أن إنساناً لا يخشى على نفسه الفتنة، وفي الوقت نفسه لا يرجى منه الولد، فهذا الإنسان الزواج في حقه مباح.
ويكون النكاح مكروهاً في حق من لا يشتهي النساء، ولا يرجو نسلاً، ويخشى أن يقطعه النكاح عن عبادة قد اعتادها.
المقاصد الشرعية للنكاح
وقد شرع الله عز وجل النكاح لتحقيق جملة من المقاصد الشرعية:
أولها: حفظ النوع الإنساني، فالله عز وجل جعل السبيل إلى حفظ النوع الإنساني بالنكاح المشروع.
ثاني هذه المقاصد الشرعية: أن يجد كل من الذكر والأنثى سبيلاً لتصريف شهوته وقضاء وطره بطريق مأمون العواقب؛ فلا يترتب عليه أمراض، ولا ضياع الأنساب، ولا كثرة اللقطاء، وإنما هو طريق مشروع.
ومن الحكم التي من أجلها شرع النكاح: حصول السكن، والمودة والرحمة بين الزوجين، فليس الغرض من النكاح أن يتزوج الإنسان من تطبخ له طعامه، أو تغسل له ثيابه، أو يصرف فيها شهوته فقط، بل الأمر أعظم من ذلك، قال الله عز وجل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]؛ فحصول السكن وحصول المودة والرحمة بين الزوجين هو غرض من أغراض النكاح، وبما يترتب على ذلك من الاستقرار النفسي، والاستقرار العاطفي، وما يقوم بين الزوجين من المودة والرحمة، وينسحب ذلك على تعارف بين مجتمع المؤمنين بأن تتلاقى الأسر، ويحصل الصهر بين القبائل المختلفة والأنساب المتباعدة، وقد قال الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً [الفرقان:54]، فهذه كانت مقدمة تتعلق بالنكاح.
فنقول ابتداءً: كلمة النكاح في كتاب الله عز وجل تطلق ويراد بها: العقد، وتطلق ويراد بها: الوطء، فعندنا هذان الإطلاقان:
أما الإطلاق لكلمة النكاح على إرادة معنى: العقد ففي قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49].
فقوله: (إذا نكحتم المؤمنات) أي: إذا عقدتم عليهن.
وأما إطلاق النكاح على إرادة معنى: الوطء ففي قول الله عز وجل: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230]؛ فقوله: (تنكح) يراد به: العقد والوطء معاً؛ فالله عز وجل يقول هنا: لو أن الرجل طلق امرأته الطلقة الثالثة فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره أي: يعقد عليها ويطؤها.
وتعريف النكاح في شرع الله عز وجل: هو عقد بين رجل وامرأة، يبيح استمتاع كل منهما بالآخر، ويبين ما لكل منهما من حقوق وما عليه من واجبات.
وأما حكم النكاح فالأصل فيه أنه مندوب إليه، يعني: مسنون من سنة محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو من سنن الأنبياء، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]؛ فكل الأنبياء كان لهم أزواج، وكان لهم ذراري، ما عدا يحيى بن زكريا الذي قال الله فيه: وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39]، وعيسى بن مريم الذي لم يطل بقاؤه في الأرض، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً، ولكن الأنبياء جميعاً كانوا ذوي أزواج وأولاد، وعلى رأسهم خاتمهم وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه الذي خاطبه ربه بقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ [الأحزاب:50]، وخاطبه ربه بقوله: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3].
وخاطب النبي عليه الصلاة والسلام أمته بقوله: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ).
فالنبي عليه الصلاة والسلام يحث في هذا الحديث على النكاح لمن ملك أسبابه، ولما ( جاء ثلاثة من الصحابة الكرام وسألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنهم تقالوها -يعني: وجدوها قليلة- فقال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أصلي ولا أرقد. وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء. فالنبي عليه الصلاة والسلام لما بلغته تلك المقالة صعد على المنبر وقال: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنني أصلي وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ).
فالحكم العام في الزواج أنه مندوب إليه، لكن أحياناً قد يكون واجباً، وأحياناً قد يكون حراماً، وأحياناً قد يكون مكروهاً، وأحياناً قد يكون مباحاً، فتعتريه الأحكام التكليفية الخمسة.
فيكون الزواج واجباً: إذا كان الإنسان قادراً على تكاليف الزواج، ويخشى الزنا بتركه، فمثلاً: إذا كان يعيش في مجتمع الفتن فيه كثيرة، ويخشى لو أنه لم يتزوج أن يقع فيما حرم الله عز وجل، ويخشى على نفسه العنت، فهذا الإنسان يكون الزواج في حقه واجباً.
ويكون الزواج محرماً في حق إنسان قد يترتب على زواجه ضرر بالمرأة، مثل: عدم الإنفاق عليها، أو عدم قدرته على وطئها، فمثل هذا لا يجوز له أن يتزوج؛ لأن في هذا ضرراً للمرأة.
ويكون النكاح مباحاً في حق من لا يولد له، ولا إرب له في النساء؛ كالشيخ الكبير والمريض، يعني: لو أن إنساناً لا يخشى على نفسه الفتنة، وفي الوقت نفسه لا يرجى منه الولد، فهذا الإنسان الزواج في حقه مباح.
ويكون النكاح مكروهاً في حق من لا يشتهي النساء، ولا يرجو نسلاً، ويخشى أن يقطعه النكاح عن عبادة قد اعتادها.
وقد شرع الله عز وجل النكاح لتحقيق جملة من المقاصد الشرعية:
أولها: حفظ النوع الإنساني، فالله عز وجل جعل السبيل إلى حفظ النوع الإنساني بالنكاح المشروع.
ثاني هذه المقاصد الشرعية: أن يجد كل من الذكر والأنثى سبيلاً لتصريف شهوته وقضاء وطره بطريق مأمون العواقب؛ فلا يترتب عليه أمراض، ولا ضياع الأنساب، ولا كثرة اللقطاء، وإنما هو طريق مشروع.
ومن الحكم التي من أجلها شرع النكاح: حصول السكن، والمودة والرحمة بين الزوجين، فليس الغرض من النكاح أن يتزوج الإنسان من تطبخ له طعامه، أو تغسل له ثيابه، أو يصرف فيها شهوته فقط، بل الأمر أعظم من ذلك، قال الله عز وجل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]؛ فحصول السكن وحصول المودة والرحمة بين الزوجين هو غرض من أغراض النكاح، وبما يترتب على ذلك من الاستقرار النفسي، والاستقرار العاطفي، وما يقوم بين الزوجين من المودة والرحمة، وينسحب ذلك على تعارف بين مجتمع المؤمنين بأن تتلاقى الأسر، ويحصل الصهر بين القبائل المختلفة والأنساب المتباعدة، وقد قال الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً [الفرقان:54]، فهذه كانت مقدمة تتعلق بالنكاح.
ندخل في الأحكام المتعلقة بالنكاح، وأول هذه الأحكام: الخطبة.
والخطبة بكسر الخاء -وهي غير الخطبة بضمها- من باب خطب يخطب خِطبةً، ومعناها: أن يتقدم الرجل إلى ولي المرأة أو إلى المرأة فيخطبها.
وأما الخُطبة من خطب يخطب خُطبةً: إذا تكلم بطريقة معينة: فرفع صوته، وأتى بكلام متتابع في موضوع معين، يقال: بأن فلاناً قد خطب؛ وهذه الخطبة بالضم لا نتكلم عنها هنا، وإنما نتكلم عن الخطبة بالكسر؛ وهي تقدم الرجل أو وكيله إلى المرأة أو وليها طالباً الزواج منها.
وهذه الوسيلة جعلها الشارع مقدمةً لحصول التعارف بين الزوجين؛ بأن يجد الرجل من المرأة ما يدعوه إلى نكاحها، وتجد المرأة من الرجل ما يدعوها إلى القبول به.
وهذه الخطبة لها مندوبات:
مشاورة أهل العلم والفضل
المندوب الأول من مندوبات الخطبة: مشاورة أهل العلم والفضل؛ فإذا أراد إنسان أن يخطب امرأة فلا بد أن يستشير من يثق به في دينه وعلمه؛ من أجل أن يدله على ما هو أنسب له، وهذه السنة تعلمناها من فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، حيث ورد عنها أن ( زوجها طلقها، فلما انقضت عدتها تقدم لخطبتها معاوية بن أبي سفيان و أبو جهم ، فاستشارت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، ولكن انكحي أسامة بن زيد )، فالنبي عليه الصلاة والسلام أرشدها إلى ما يراه أفضل وأنسب لها، وهو نكاح أسامة بن زيد ، تقول رضي الله عنها: ( فنكحت ابن زيد فأكرمني الله به في الدنيا، وأسأله أن يكرمني به في الآخرة )، يعني: لما عملت بمشورة النبي صلى الله عليه وسلم ما وجدت إلا خيراً.
ويجب على من استشير في شيء من ذلك أن يشير بما يراه صواباً، ولو كان في ذلك بيان للعيوب، فمثلاً: لو تقدم لابنتي فلان من الناس، فأستشيرك فيه فتقول لي: لا تزوجه، فأقول لك: لم؟ فتقول: لأن فيه كذا وكذا وكذا، فليست هذه من الغيبة المحرمة.
و بلال رضي الله عنه لما ذهب هو وأخوه أبو رويحة ليتزوجا وذلك في بلد اسمها داريا في الشام، يعني: إن بلالاً اشترك في فتوحات الشام، وهو رجل حبشي، فلما استقر في الشام رغب في أن ينكح امرأة شاميةً، فذهب مع الأنصاري الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينه، فذهب بلال يخطب لنفسه ولأخيه، قال: أما بعد: فأنا بلال بن رباح وهذا أخي أبو رويحة ، قد كنا كافرين فهدانا الله، مملوكين فأعتقنا الله، فقيرين فأغنانا الله، فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله. فقال له أخوه أبو رويحة : أما وجدت غير هذه الصفات؟ يعني: كنا كافرين، كنا مملوكين، كنا فقيرين، ما وجدت شيئاً سوى هذا؟ فقال له: ما كان لي أن أكذب في هذا الموطن. أي: هذا موطن يجب فيه خالص الصدق، ولما طلب إليه بعض الناس أن يخطب له، ذهب رضي الله عنه فقال: إن هذا أخي فلان، وهو رجل سوء، فيه من الصفات السيئة الشيء الكثير، فإن زوجتموه فالحمد لله، وإن رددتموه فلا حول ولا قوة إلا بالله، قالوا: والله لا نرده وقد جاء معك، أي: طالما أنه قد جاء معك فلا نرده.
فالمقصود: أن الرجل إذا أراد أن يخطب، أو المرأة إذا خطبت، فإنه يستحب لهما استشارة أهل العلم والفضل في ذلك.
ويجوز للمرأة أن تعرض نفسها على الرجل الذي تظن به الصلاح ليتزوجها، ففي صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن امرأةً جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها فقالت: يا رسول الله! إني وهبت لك نفسي، وابنة أنس بن مالك لما كانت تسمع هذا الكلام، قالت: ما أقل حياءها، واسوأتاه! واسوأتاه! فقال لها أنس رضي الله عنه مصححاً ومؤدباً: هي خير منك، رغبت في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرضت عليه نفسها ).
فالرسول عليه الصلاة والسلام هل كان يسكن في قصر منيف؟ أو كان عليه الصلاة والسلام يحلي نساءه بالأحمر والأصفر؟ لا والله! فهذه المرأة الصالحة تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعيش في شظف، وأنه يسكن في حجرات من طين، وأنه صلى الله عليه وسلم مشغول بما هو مشغول فيه، لكنها رضي الله عنها رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك أنس يقول لابنته: ( هي خير منك ).
وكذلك لما توفي خنيس بن حذافة السهمي ، وكان زوجاً لـحفصة بنت عمر ، فانقضت عدتها؛ فـعمر رضي الله عنه عرضها على عثمان فأبى، وعرضها على أبي بكر فلم يرد عليه شيئاً، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصارت حفصة بنت عمر واحدةً من أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن أجمعين.
الحرص على ذات الدين
المندوب الثاني من مندوبات الخطبة: الحرص على ذات الدين.
فيا مسلم! إذا أردت أن تخطب امرأةً فانظر إلى الدينة الصينة؛ التي تؤدي فرائض الله، وتجتنب محارمه، وتلتزم بالحجاب الشرعي، ولا تفرط في دينها، فهذه هي التي يرغب فيها، ويسكن إليها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك )، وهذا الحديث في الصحيح.
وفي سنن ابن ماجه : ( لا تزوجوا النساء لحسنهن؛ فلعل حسنهن يرديهن، ولا تزوجوهن لمالهن؛ فلعل مالهن يطغيهن، وتزوجوهن لدينهن؛ ولأمة خرماء ذات دين أفضل ).
وليس معنى هذا الكلام: أن الإنسان لا يطلب الجمال؛ بل للإنسان أن يطلب الجمال، ولو وجدت مع الجمال مالاً فبها ونعمت، لكن لا يكون هذا هو غرضك الأول، وإنما الغرض الأول هو الدين وما بعده تبع له، فإذا وجدت امرأةً جميلةً ذات مال ونسب وحسب وليس عندها دين فإياك وإياها! ولو وجدت امرأةً ذات دين، ومع الدين جمال، فهذا هو المطلوب.
كذلك لو أن إنساناً تقدم إلى ابنتك، أو تقدم إلى أختك، فاتق الله عز وجل في هذه التي ولاك الله أمرها، قال الحسن البصري رحمه الله: لا تزوج ابنتك إلا لتقي، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها. فاحرص على الشاب الحيي، المتمسك بدينه، الذي يراقب حدود الله عز وجل، ويقف عند محارم الله، وهو ملتزم بالشرع في سلوكه، وأخذه، وعطائه، ومدخله، ومخرجه؛ لأن المال والجاه والحسب هذه كلها قد تكون أسباباً للعذاب، نسأل الله العافية، كما قال الله عز وجل: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55].
فالإنسان عليه أن يحرص على أن يزوج قريبته لصاحب الدين، وأن يحرص هو على أن يتزوج من صاحبة الدين، وينبغي أن يتأمل قبل أن يتزوج أن هذه التي سيتزوجها ستصير أماً لأولاده، فماذا يشتهي في أم ولده؟ لا شك أنه يشتهي أن تكون حييةً طيبةً دينةً صينةً وقافةً عند حدود الله؛ من أجل أن يأخذ أولاده هذه الصفات منها؛ ولذلك أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاء صاحب الدين والخلق أن نزوجه؛ فقال عليه الصلاة والسلام: ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ).
وهاهنا حديث رواه الإمام أحمد في مسنده، عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: ( أن رجلاً من الصحابة كان اسمه جليبيب ، وهو رجل من الفقراء الذين لا يؤبه لهم، يقول: وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيماً -والأيم: المرأة التي لا زوج لها، سواء كانت بكراً أو ثيباً- لم يزوجها حتى يعلم هل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا؟ )، وهذا من أدبهم رضي الله عنهم، فقد كانوا يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم، ولذلك الواحد منهم كان لا يزوج ابنته حتى يستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار: زوجني ابنتك، فقال: نعم وكرامة يا رسول الله! ونعمى عين )، يعني: هذا الأمر لا داعي فيه إلى المشاورة، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك: زوجني ابنتك، فما عليك إلا أن تقول: نعم وكرامة، ونعمى عين. ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لست أريدها لنفسي. قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: لـجليبيب . فقال: يا رسول الله! أشاور أمها )، وليس هناك عيب أن يقول الرجل: أشاور الزوجة؛ فهذا الرجل خير منا رضي الله عنه، قال: ( أشاور أمها، فذهب إلى أمها فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك، فقالت: نعم ونعمى عين، فقال: ليس يخطبها لنفسه، إنما يخطبها لـجليبيب ، فقالت المرأة: أجليبيب ابنه؟ أجليبيب ابنه؟ أجليبيب ابنه؟ كررتها ثلاث مرات )، يعني: تعنف زوجها كأنها تقول: أنت تأتي لي بهذا الكلام لماذا؟ ( أجليبيب ابنه؟ ثم قالت: لا، لعمرو الله! لا نزوجه )، وهذه المرأة لا تلام، فهي تريد الخير لابنتها، وهي بادي الرأي ترى أن جليبيباً لا يناسب ابنتها، وليس بالرجل الكفء لها.
والعجب من موقف البنت ( فلما أراد الرجل أن يقوم ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بما قالت أمها قالت البنت: من خطبني إليكم؟ -أي: من الخاطب؟- فأخبرتها أمها، فقالت البنت: أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ ادفعوني، فإنه لن يضيعني )، يعني: تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي علمنا أنه: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، فالنبي صلى الله عليه وسلم أولى بي من أمي وأبي؛ فقالت: ( لن يضيعني، ادفعوني إليه، فانطلق أبوها إلى رسول الله )، وهذه فضيلة لهذا الأنصاري؛ فإنه في المرة الأولى قال: أشاور أمها، وفي هذه المرة لم يعاين لأمها؛ بل انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، ( فقال صلى الله عليه وسلم: شأنك بها، فزوجها جليبيباً ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة من الغزوات، وبعدما نصره الله وغنم قال لأصحابه: هل تفقدون أحداً؟ قالوا: نفقد فلاناً وفلاناً وفلاناً، فكرر: هل تفقدون أحداً؟ قالوا: نفقد فلاناً وفلاناً، فقال عليه الصلاة والسلام: لكنني أفقد جليبيباً ! فانطلقوا فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه -يعني: قتل سبعةً من الكفار، ثم قتلوه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قتل سبعةً وقتلوه، هذا مني وأنا منه.. هذا مني وأنا منه.. ثم وضعه صلى الله عليه وسلم على ساعديه، وحفر له وليس له سرير إلا ساعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضعه في قبره، يقول ثابت البناني -رحمه الله الراوي- يقول: فما كان في الأنصار أيماً أنفق منها )، يعني: من ناحية المال كانت أكثر الأيامى مالاً، ثم من ناحية كثرة الخطاب والطالبين، ومبدأ الخير كان من جليبيب ؛ لأنها تزوجته طاعةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله عز وجل: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216]، وقال الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].
إذاً المندوب الأول من مندوبات الخطبة مشاورة أهل الدين والعلم.
والمندوب الثاني من مندوبات الخطبة: الرغبة في ذي الدين، وذات الدين؛ فإذا أردت أن تتزوج فتزوج بذات الدين، وإذا أردت أن تزوج فزوج ذي الدين، أي: صاحب الدين.
نكاح البكر
المندوب الثالث من مندوبات الخطبة: نكاح البكر، فيندب لك إذا أردت أن تخطب أيها المسلم! أن تخطب بكراً؛ فقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الأبكار، وورد في الأثر: ( أنهن أطيب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأطيب أخلاقاً ).
وفي الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه قال: ( تزوجت امرأةً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: أتزوجت يا جابر ؟ قلت: نعم. قال: أبكراً أم ثيباً؟ قلت: ثيباً. قال: فهلا بكراً تلاعبها؟ فقال جابر : كن لي أخوات، فخشيت بيني وبينهن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذاك إذاً ).
يعني: إن جابراً رضي الله عنه قتل أبوه يوم أحد وترك له تسع أخوات، فـجابر رضي الله عنه تزوج ثيباً يعني: امرأة مجربة، كبيرة في السن قليلاً، من أجل أن ترعى أخواته، لكن لو تزوج صغيرة ما زالت غرة، لا خبرة لها بالحياة؛ كما جاء في بعض الألفاظ: ( يا رسول الله! إن أبي قد ترك لي أخوات تسعاً، فكرهت أن أجمع إليهن خرقاء مثلهن )، يعني: أردت أن آتي بواحدة خبيرة.
نظر الخاطب إلى المخطوبة
المندوب الرابع من مندوبات الخطبة: نظر الخاطب إلى المخطوبة، وإياك أن تقول: أنا أريد صاحبة الدين، فيقال لك: قد وجدنا، فتقول: وافقت، فيقال لك: هل لك أن تنظر إليها؟ فتقول: لا. لا. لا، طالما عندها الدين، فالدين كفاية، ولا يحتاج أن أنظر إليها؛ فهذا خطأ منك؛ لأنك قد تفاجأ بما لا تشتهي، بل قد تفاجأ بما تكره، فلا بد أن تنظر إليها، وهي أيضاً لا بد أن تنظر إليك؛ وقد أرشد إلى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ( كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل، فأخبره: أنه تزوج امرأةً من الأنصار، فقال عليه الصلاة والسلام: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً )، وفي رواية: ( فإن في أعين الأنصار عمشاً أو عموشة ).
وأيضاً في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما خطب امرأة: انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما )، أي: تكون بينكم المحبة والاتفاق.
والذي ينظر إليه الخاطب من المخطوبة هو الوجه والكفان -وهذا عند المالكية- فيستدل بالوجه على الجمال والدمامة، ونسبة ذلك، وينظر إلى الكفين فيستدل بهما على خصوبة البدن، وهل هي بدينة أو نحيفة، ونحو ذلك، وفي بعض المذاهب المتبوعة قالوا: ينظر إلى ما جرت العادة بأن تكشفه المرأة أمام محارمها، يعني: في العادة أن المرأة أمام أبيها وإخوانها تكشف شعرها، وعنقها، وربما تكشف شيئاً من ذراعيها، وتكشف أسافل ساقيها؛ فهذا مما جرت العادة بأنه يكشف، قالوا: لا حرج على الخاطب أن ينظر إلى ذلك نظرة تفحص لاختبار الجمال، ولا بأس أن توكل من ينظر؛ فأحياناً بعض الناس المغتربين -مثلاً- قد يوكل أمه أو يوكل أخته أو نحو ذلك، فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
ويكره للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته دون علم منها، أو من وليها؛ لئلا يتخذ أهل الفساد ذلك ذريعةً للنظر إلى محارم الناس ويقولون: نحن خطاب.
وكما يجوز للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة، فيجوز للمخطوبة أن تنظر إلى الخاطب؛ لأن المرأة تطلب من الرجل ما يطلب هو منها، فإذا كان الرجل يشتهي أن تكون المرأة حسناء جميلة؛ فكذلك المرأة تشتهي في الرجل أن يكون على قدر من ذلك.
إذاً المندوب الأول: استشارة أهل العلم والفضل.
والمندوب الثاني: الحرص على ذي الدين، وذات الدين.
والمندوب الثالث: أن تحرص على خطبة البكر.
والمندوب الرابع: أن تنظر إلى من تخطبها، وكذلك هي تنظر إليك.
الخُطبة وقت الخِطبة
المندوب الخامس من مندوبات الخطبة: الخُطبة وقت الخِطبة، يعني: إذا جئنا لنخطب، فالسنة أن يقوم الزوج أو وليه أو وكيله فيلقي كلمات مختصرة؛ كما فعل أبو طالب لما ذهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخطبة خديجة رضي الله عنها، قال أبو طالب بعدما حمد الله وأثنى عليه، قال: أما بعد: إن ابن أخي محمد بن عبد الله، لا يوزن به فتىً من قريش إلا رجحه فضلاً وعلماً وحلماً، وإن كان في المال قل، فالمال ظل زائل، وعارية مستردة، وإنه راغب في نكاح خديجة بنت خويلد .
فهذه خطبة، ولذلك يقوم الإنسان فيقول: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [الأحزاب:70]، أما بعد: فإن فلاناً راغب فيكم، ويريد مصاهرتكم في فلانة ابنتكم، فأنكحوه، ومن الممكن أن يقول: وقد علمنا من حاله أنه من أهل الجمعة والجماعة، وذو خلق حسن، واستقامة على أمر الله، وما هو بالمعصوم، من أجل ألا يأتي بعد ذلك محتج فيقول لك: يا أخي أنت قلت لنا كذا وكذا في الرجل، ولكنا فوجئنا بأنه بخيل أو غضوب، أو كذا، فنقول: لا، هو ليس بالمعصوم، يعني: قد تكون فيه عيوب. فإذا قال الزوج أو قال وكيله ذلك فيقوم ولي الأمر فيحمد الله، ويصلي ويسلم على رسوله، ثم يقول: قد أجبناه إلى ذلك، والحمد لله رب العالمين.
وهذه السنة ما زالت متبعة وسارية، فيقوم الواحد من أهل الخاطب فيقول: نرغب في مصاهرتكم، فيرد عليه واحد من أهل المخطوبة فيقول: مرحباً بكم، وقد تشرفنا بمصاهرتكم، ولن نجد خيراً منكم، ونحو ذلك من الكلام الذي يدخل السرور على النفس، ويديم الألفة. هذا بالنسبة للخطبة في وقت الخطبة.
أما في وقت النكاح فليس هناك خطبة بالمعنى المعروف، وإنما المفروض أن يقول ولي المرأة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فقد أنكحتك -يخاطب بذلك الزوج- وطبعاً جرى عرفنا في هذه البلاد بأن الزوج لا يستقر؛ فربما يكون موجوداً وربما لا، ولذلك يقول ولي المرأة: قد زوجتك -وهذا للزوج إذا كان حاضراً- أو زوجت موكلك -وهذا إذا كان الزوج غائباً وقد وكل غيره- ابنتي بكذا وكذا من الصداق، فيقول الزوج أو وكيله: أما بعد: فقد قبلت نكاحها لنفسي، أو يقول الوكيل: قبلت نكاحها لموكلي بالصداق المذكور.
عدم إعلان الخطبة
المندوب السادس من مندوبات الخطبة: عدم إعلان الخطبة.
وللأسف أن من العرف الفاسد عند بعض الناس الفارغين؛ أنهم يفتعلون المناسبات، فكل يوم تجد عندهم في البيت حفلة، فإذا سألت عنها يقولون لك: مناسبتها أن الولد نجح، وغداً عندهم حفلة أخرى، لماذا؟ يقولون: إن الولد قبلوه في الوظيفة، وبعد ذلك حفلة أخرى لماذا؟ يقولون: إن ابنتنا خطبوها، وبعدها حفلة أخرى لماذا؟ يقولون: إن حفيدنا ختنوه، يعني: كل يوم مناسبة نسأل الله العافية، كأنهم خلقوا للهو واللعب، وقد يحتفلون لأن فلاناً مسافر فيودعوه، ثم إذا جاء يحتفلون ليستقبلوه، وفي كل يوم حفلة! كما قال ابن القيم رحمه الله:
فعشنا على سنة المصطفى وماتوا على تنتني تنتنا
كل يوم تنتنا تنتنا في البيت، ويؤذون بذلك الجيران.
فالخطبة يستحب إسرارها إلى أن يأتي وقت النكاح والعقد؛ وذلك خشية الكيد، وتدخل الحاسدين والمفسدين لإفساد الخطبة، خاصةً بأن الإعلان يترتب عليه تكاليف، إذ لا بد في الخطبة المعلنة أن نأتي بصحون، وفي الصحن موز وبرتقال، وخبيزة، وبلح، ومعها مشروب وكذا، فتجد الناس تضيق صدورهم لمثل هذا؛ فالإسرار مطلوب.
فهذه ستة أمور مندوبة بالنسبة للخطبة، تتمثل في: استشارة أهل العلم والفضل، ثم الرغبة في ذي الدين وذات الدين، ثم أن يعمد الإنسان إلى البكر فيخطبها، ثم النظر إليها من أجل أن تحصل المودة والألفة، ولئلا يكون هناك غرر أو جهالة، ثم أن تكون خُطبة في وقت الخِطبة، ثم هذا كله يكون على سبيل الإسرار لا الإعلان.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تعدد الزوجات | 2152 استماع |
آداب النكاح | 1951 استماع |
صيغة عقد النكاح | 1764 استماع |
الحقوق الزوجية [1] | 1705 استماع |
المحرمات من النساء [1] | 1686 استماع |
الصداق | 1368 استماع |
شرط الولي في الزواج | 1343 استماع |
الإشهاد | 1142 استماع |
أحكام الخطبة [2] | 1129 استماع |
المحرمات من النساء [2] | 1075 استماع |