أبناؤنا أمانة في أعناقنا


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه سلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحمد الله عز وجل وأشكره ثم أشكر الإخوة القائمين على تنظيم هذه اللقاءات المباركة في جهاز الإرشاد والتوجيه، وأسأل الله سبحانه -لنا ولهم ولكم جميعاً- بمنه وكرمه أن يستعملنا في طاعته، وأن يتوفانا على أحسن حالٍ ترضيه، وأن يضاعف لنا الحسنات، ويكفر السيئات، ويرفع الدرجات، ويغفر الزلات، إنه سميعٌ مجيب الدعوات.

أحبتي في الله: قبل أن نفيض في موضوعنا هذا أود أن أذكر بمسألتين مهمتين، الأولى هي مسألة الفضل العظيم الذي يتحقق بحضور حلق الذكر في رياض الجنة، الفضل العظيم الذي يتحقق بالعناية والإنصات والمشي والاستماع إلى مثل هذه اللقاءات؛ إذ رب قائلٍ يقول: ما ضر لو اشتريت المحاضرة، ما ضر لو أنني قرأت كتاباً حول هذا الموضوع ولا داعي لحضورها، وربما يكون هذا الأمر صحيحاً لمن كان مشغولاً شغلاً لا بد له منه، أما من لا شغل يمنعه أو يحجبه عن مثل هذه المحاضرات والكلمات والندوات واللقاءات المباركة فإني أنصحه ونفسي بألا يبخل على نفسه بما فيها من الفضل والثواب العظيم.

صحيح أنك تؤجر إذا استمعت إلى المحاضرة والحديث والخطبة في الشريط، كما أن الإنسان يؤزر إذا اشتغل باللهو وساقط القول ورديء الكلام، ولكن لحضور هذه المحاضرات والندوات واللقاءات في بيوت الله مزية لا يمكن أن نجدها في الاستماع أو في تصفح بعض المحاضرات عبر ما يسمى بالإنترنت مثلاً أو غير ذلك، وذلك للحديث الذي جاء فيه: (ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا حفتهم الملائكة، ونزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده) وهذا أجر عظيم لا يتحقق عند سماع الشريط في البيت، أو تصفح المحاضرة في الصفحات الإلكترونية عبر الحاسب.

قد يقول قائل أيضاً حتى ولو كان واعظاً أو داعياً أو مرشداً، قد يقول: لو أنني بدلاً من إلقاء المحاضرة على عشرين أو خمسين رجلٍ في مسجد لو أني اقتصرت على المحاضرات في التلفاز والقنوات الفضائية واكتفيت فيها عن إلقاء المحاضرات في المساجد نقول: لا شك أنك عبر القنوات الفضائية تخاطب ملايين البشر، ومن مقاصد التبليغ أن تصل الكلمة والرسالة واضحة جلية إلى أكبر عددٍ ممكن من الناس كما قال موسى عليه السلام: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ [الدخان:18] ولكن أيضاً أنت أيها المتحدث أو المحاضر أو الواعظ أو المرشد بحاجة إلى الفضل الذي يحتاج إليه ويسعى في طلبه الحضور الذين جاءوا لاستماع المحاضرة، فالمتكلم والسامع والملقي والمنصت، كلهم بحاجة إلى أن يستحضروا الثواب العظيم عند اجتماعنا ولقائنا في بيوت الله عز وجل لاستشعارنا أننا الآن برحمة الله وفي وجوده وفضله وكرمه، الآن الملائكة تحفنا، وتتنزل علينا السكينة، وتغشانا الرحمة، وهذا ثوابٌ لا تجده في قناة فضائية أو في سماعٍ بعيدٍ عن بيوت الله عز وجل، هذه مسألة ينبغي أن نستحضرها دائماً حتى لا نقول: الدعوة تطورت، والاتصالات تطورت، ولا حاجة إلى أن يجتمع الناس لهذه المحاضرات طالما يمكن أن نخاطب الملايين من البشر عبر القنوات وغيرها؟ لا.

نعم ينبغي أن نستغل وأن نستفيد مما هيأ الله عز وجل، ومن كل فرصةٍ سانحة، ومزاحمة أهل الشر بشيء من الخير لتذكير أقوام لا يشهدون الجمع ولا الجماعات، ولا يسمعون الأشرطة، ولا يقرءون الكتب من المقاصد الحسنة المطلوبة التي ينبغي لنا أن نلتفت إليها جميعاً.

المسألة الثانية: وهي في ظل المتغيرات وما يسمى بعصر العولمة والغزو الفضائي، قد يقول قائل: ليس هناك جدوى ولا فائدة من خطبة جمعة أو محاضرة أو كلمة يلقيها شيخ على ستين شخصاً أو ثمانين شخصاً في مكانٍ ما، والناس الآن يخاطبون الذين في بيوت الحجر والمدر، ما تركوا أحداً في وادٍ ولا قرية، ولا جبلٍ ولا سهلٍ، ولا وعر ولا بحر إلا وخاطبوهم عبر الاتصالات الفضائية، فما هي جدوى اللقاءات في المساجد والناس في عصر العولمة والاتصالات، وإني أقول: لا تزال لهذه المحاضرات والخطب والندوات في المساجد أدوارٌ عظيمة ومهمة وذلك أن الكلمة الطيبة -كلمة لا إله إلا الله- بشروطها وحقوقها وما تقتضيه وما يجب لها وما ينبني عليها؛ أن هذه الكلمة الطيبة حينما تقال في رياض الجنة ويستمعها أقوامٌ جاءوا لا لغرضٍ من أغراض الدنيا، وإنما جاءوا استجابة وامتثالاً لأمر الله وطلباً لثوابه وخوفاً من عقابه، فإن الكلمة الطيبة لها أبلغ الأثر: ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم:24-25] فينبغي ألا نتهاون بشأن المحاضرات والندوات والخطب والكلمات حتى وإن تيقنا غاية اليقين أن جمهور المستمعين عبر الوسائل الإلكترونية الحديثة المعاصرة أضعاف أضعاف جمهور المستمعين في المساجد وفي حلق الذكر ورياض الجنة، وذلك أن التلقي والاستماع والاجتماع في هذا المكان وأمثاله له مزية فضلٍ وبركة، والله إن بارك في شيءٍ نفع، والبركة شأنها عظيم، وكلنا مدعوون لطلبها والسعي في تحصيلها، بل نحن في كل أحوالنا نسأل ربنا البركة حتى في السلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتى في الأكل: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، حتى إذا دعونا لأحدٍ ضيَّفنا: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، حتى من نهنئه في الزواج: بارك الله لك وبارك عليك، حتى في الثناء على الله: حمداً كثيراً طيباً مباركاً، بل إن عيسى عليه السلام يمتن أو يذكر نعمة ربه ومنة خالقه عليه وهي منقبة له حيث قال: وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم:31].

فالبركة -بإذن الله- إن لم تكن في مثل هذه اللقاءات فقل لي بربك أنى تكون؟ لذا ينبغي أن ننتبه لهذا حتى لا نزهد في الخير الذي بين أيدينا في مقابلة البهارج والصياح والعويل إلى غير ذلك في الوقت الذي نقول فيه: إننا مأمورون مدعوون ألا ندع مجالاً من مجالات تبليغ الحق إلا وسلكناه وبلغناه: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان:33].

أما عن كلمتنا هذه الليلة وهي بعنوان: أبناؤنا أمانةٌ في أعناقنا.

أحبتي في الله: لو سألنا واحداً منكم أو سألنا واحدة من الأخوات: صف لنا رحلة الوصول إلى الولد، بيّن لنا كيف بلغت هذه الحال التي أصبحت فيها أباً أو أصبحتِ فيها أماً؟ لقالت بكل لسانٍ فصيح: لقد كانت مرحلة طويلة، ولقال مثل ذلك هو أيضاً، همٌّ في جمع المال لإيجاد المهر، ثم بحثٌ وعناءٌ طويل في البحث عن الزوجة المناسبة، ثم زياراتٌ ومقابلاتٌ واستخارة وما تبع ذلك، ثم مناسبة دعي إليها الأحباب والأقارب، ثم تم الزواج وحصل الزفاف، ثم بدأ همٌّ آخر وقد تكونت الأسرة بمسئولياتها وتبعاتها: (وكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) ثم ما هي إلا أشهر حتى حملت المرأة، وحمل الرجل هماً في النفقة والرعاية والعناية والمتابعة أشهراً طويلة، حتى إذا دنا المخاض وقرب الميلاد، تتابعت الزيارات إلى المستشفيات والفحوصات والكشف وغير ذلك، ثم بشر أحدنا بالمولود، ذكراً كان أو أنثى ولم تنته الرحلة عند هذه، بل فرحنا لحظاتٍ والفرح مستمرٌ بنعم الله علينا وعليهم في عافية وأمنٍ وطمأنينة، ولكن ما زلنا نحمل هماً في علاجهم .. في دوائهم .. في لباسهم .. في تعليمهم .. في السهر معهم .. في مداعبتهم .. في ملاعبتهم .. في احتضانهم وإشعارهم بالحنان ودفء العواطف، مسئوليات كثيرة ومتتابعة، وما زلنا كذلك ننفق ونعطي ونعالج ونسهر، كم ليلة حرمنا لذيذ النوم! وكم ليلة خرجنا من البيت في ليلة شاتية! وكم ليلة سهرناها وقبلها تعبٌ طويل وبعدها عملٌ شاق! وكم وكم إلى غير ذلك، حتى إذا بلغ الولد أو البنت الذي تعبنا تعباً طويلاً للحصول عليه ابتداءً بفكرة الخطوبة وانتهاءً بهذه المرحلة التي أصبح الوليد فيها مكتملاً في نموه وعقله واستجابته، أخذ يعي ويفهم ويخاطب ويستمع ويستجيب، وينادى فيأتمر حتى إذا بلغ الولد هذه المرحلة قال بعضنا: هذا الولد قد انتهينا منه ثم رموه في زبالة الأفلام والمسلسلات، وفي أحضان السائقين والخادمات، وفي مخالطة السوقة والفسقة ممن ليسوا بأهلٍ ولا كفءٍ أن يدخلوا بيوتنا فضلاً عن أن يكونوا أصحاباً لأولادنا وبناتنا، هذا هو الواقع اليوم.

كثيرٌ من الناس كالذي يستدين من فلان وعلان، ويكدح الليل والنهار، ويجمع أجرة اليوم على الأسبوع، وأجرة الشهر على الشهر حتى إذا جمع مالاً اشترى أرضاً، ثم أخذ يكدح ويتعب ليبني بيتاً حتى إذا بناه أخذ يتعب من أجل أن يكسوه داخلاً وخارجاً ثم يؤثثه، حتى إذا اكتمل البيت وأصبح جنة صغيرة فتح الأبواب للكلاب والذئاب وقال لهم: ادخلوا وارتعوا والعبوا واعبثوا كيفما شئتم بهذا البيت الذي تعبنا عليه، هذا واقع كثير من الآباء والأمهات اليوم، يتعبون على الأولاد حملاً وولادة، وتربية وعلاجاً ولباساً، ودواءً وغذاءً حتى إذا اكتمل الولد رموه كما يرمون الزبالة عند الأبواب، وهذا واقع ومشاهد، ومن تأمل يجد أن ذلك أمراً لا مرية فيه ويا للأسف!

أحبتي في الله: الله عز وجل قد بين لنا أن أولادنا نعمة أو نقمة: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] .. إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ [التغابن:14] هذا في جانب الخطر أن يكون الأولاد فتناً وأعداء، وفي الجانب الآخر: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21] .. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] فالولد إما أن يكون قرة عين يسرك أن تلقاه في الدنيا وتجتمع به في الجنة في الآخرة، وإما أن يكون فتنة وعدواً تقول: يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ [الزخرف:38].

كيف يكون هذا وكيف يحصل؟ تأمل أخي الحبيب!! أن الله سبحانه وتعالى جعل الأبناء والأولاد والبنين والحفدة زينة في الحياة الدنيا وبهجة في المجالس، وعوناً على مشاق الحياة وشدائدها: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46] بل ما قيمة الحياة بلا ذرية وأولاد؟ إنها شاقة وعسيرة بل إن البيت الذي لا تسمع فيه للأطفال صوتاً ولا عبثاً كأنه مقبرة ليس بها ساكن.

لولا بنياتٍ كزغب القطا     رددن من بعضٍ إلى بعض

لكان لي مطرف واسع     في الأرض ذات الطول والعرض

وإنما أولادنا بيننا     أكبادنا تمشي على الأرض

لو هبت الريح على بعضهم     لامتنعت عيني عن الغمضِ

الأولاد الهبة السماوية، المنحة الربانية، سبحان من وهبهم وأنعم بهم علينا! سبحان من أعطانا!

إذا أردت أن تعرف عظمة وجلال هذه النعمة فتخيل نفسك واحداً من أولئك الذين ابتلاهم الله بالعقم، يذهبون من طبيب إلى طبيب ومن حكيم إلى آخر طلباً للولد، تخيل أنك تدخل منزلك وكأنك تدخل قبراً لا تسمع به كلمة من طفلٍ يناديك: (يا أبتِ أو يا بابا) سبحان المالك المتصرف: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50].

الآباء هم السبب الأول في انحراف الأبناء

ٍأحبتي في الله: إن هؤلاء الأولاد الذين تعبنا تعباً طويلاً شاقاً بالغاً في الحصول عليهم ما سقط من سقط منهم، وما ضل من ضل منهم، وما انحرف من انحرف منهم بغتة أو فجأة أو بين عشية وضحاها، لا تصدق أن رجلاً قال: بات ولدي ليلة صالحاً فأصبح فاجراً، لا تصدق من قال: أصبح ولدي مؤمناً فأمسى كافرا، لا تصدق من قال: غدا ولدي براً فراح مجرماً!! لا. إنما المسألة لها خطراتٌ وخطواتٌ وكما قال الأول:

وللمنية أسبابٌ من السقم

قد يكون السبب الأول فيما تكرهه وفيما أقض مضجعك وعذب ضميرك، وآذاك في نفسك، ونكد عليك عيشك، وجعلك تتجرع الغصص في حلقك ربما كان السبب في انحراف ولدك هو أنت أنت من حيث لا تشعر.

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة     وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ

أخي الحبيب: أنت الولي وأنت الأب والمؤدب والراعي ربما كنت سبباً في ضياع أولادك، وربما دمرت هذه الأسرة بمن فيها من البنين والبنات، ربما كنت السبب بل المتهم الرئيس في إذكاء شعار الفتنة والمتاهة والشقاء في أولادك وبناتك، والبعض يقول: لا. لا تحملني المسئولية وحدي، أليس على الولد كفلٌ من هذه الملامة؟ أليس للولد حظٌ من هذه الأسباب؟ الجواب: نعم. ولكن أخي الحبيب! إن الولد حينما يقول: هذا جناه أبي علي، وما جنيت على أحد إذا كان والده من المضيعين له الذين لم يحسنوا تربيته ولم يلتفتوا له أبداً.

نعم. كثيرٌ من الآباء والأمهات ما قصروا، ألبسوه ناعم الحلل، وأسكنوه أوسع الفلل، وعطروه وزينوه وعالجوه، ما تركوا موضع إبرة في بدنه إلا ونعموها بطعامٍ وشراب، ولباسٍ ودواء، ولكنهم تركوا أكبر شيءٍ في بدنه وهو فؤاده وقلبه وعقله، جسمه المحدود اعتنوا به، أما عقله وقلبه الذي يتسع لأضربٍ من الشر كثيرة، أو أصنافٍ من الخير كبيرة عظيمة أهملوه، ما تركوا جانباً إلا وقدموا له وافر الغذاء فيه، أما غذاء روحه وغذاء عقله وفكره، فأهملوه غاية الإهمال، وحينئذٍ حينما يتخلى الأب وتتهاون الأم في ذلك الأمر سهل للأعداء من شيطان الجن وشياطين الإنس إفساد الأبناء وسلخهم من الحجاب والحياء، وإماتة العفاف والآداب في أنفسهم، أوليس إذا تخلى الولي عن الولاية والأمانة التي تعلقت برقبته؛ ضاعت الأمور من بين يديه؟!

إذاً أنت أنت أيها الأب! أنت المسئول قبل كل شيء؛ لأنك أسلمت الولد والبنت لقمة سائغة للذئاب البشرية، لأنك تواريت وابتعدت وتزاورت ذات اليمين وذات الشمال عن دفة القيادة ومسئولية التوجيه والرياسة، فسمحت لأسراب الخفافيش أن تغزو منـزلك في جنح الليل المظلم، ورضيت بالمنكرات والمعاصي أن تتصدر مساحاتٍ كبيرةً من بيتك وتستحوذ عليها، أنت بهذا شعرت أم لم تشعر أفسدت ولدك، وكنت عوناً لشياطين الإنس والجن في تحقيق مآربهم من هنا وهناك، ولذا أيها الأحبة! كان لزاماً علينا أن نتأمل هذه المسئولية العظيمة، وإن القليل القليل من التوجيه والرعاية يحفظ الأولاد بإذن الله، ويغني عن الكثير الكثير من الآداب والوعيد والتهديد والملاحقة في الكبر، فما دام الأمر سهلاً يسيراً، والأولاد لا زال الواحد منهم غضاً طرياً كأغصانٍ غضة لينةٍ كيفما عدلتها اعتدلت، فإن ذلك أسهل بكثير من أن تهمله حتى إذا بلغ الولد سبعة عشر عاماً، أو ستة عشر عاماً أو أقل أو أكثر، أخذت تهدده بالعصا، والحرمان والطرد والإبعاد، والجلد والإهانة، والتوبيخ والعبارات الجارحة التي لا تزيده لك إلا بغضا ولا منك إلا فرارا.

غش الرعية

أيها الأحبة: واجبنا مراراً أن ننتبه لهذه المسئولية وهي مسئولية كلنا يحاسب عنها: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، بل يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائلٌ كل رجلٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) أوليس هذا أمراً عظيماً؟ إن الواحد لو كان أمين صندوق وجاء يوم الجرد لاحمر وجهه، وخفق فؤاده، خشية أن يضيع مما استودع شيئاً من حطام المال قليلاً كان أو كثيراً، لكن لا يبالي حين يضيع من أولاده خمسة، أو لا يبقى من العشرة إلا اثنان لا يبالي أبداً، وهذا -أيها الأحبة!- من الجهل العظيم، بل إن ذلك غاية الغش والظلم والخديعة والخيانة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) .

ما تقولون في رجلٍ غش رعيته، وهم زوجته وأولاده وبناته وأهل بيته؟ غشهم فما أمرهم بالصلاة، وما نهاهم عن المنكرات، بل جعل البيت مسرحاً ومستودعاً لكل ألوان الفجور والفساد، وحجته بذلك أنه لا يريد أن يكون مطوعاً، لا يريد أن يكون متشدداً، لا يريد أن يكون متزمتاً، بل يريد أن يكون منفتحاً متساهلاً، معتدلاً متوسطاً، من الذي قال لك إن هذا هو الاعتدال؟

إذا كان هذا الذي يفعله بعض الناس اليوم من الرضا بالمنكرات في بيوتهم، وتربية بناتهم على التبرج والسفور، والسماح للزوجات أن تكون الواحدة منهن خراجة ولاجة، لا شغل لها إلا الذهاب والإياب، ولا يعرف شيئاً عن بيته، فلا يبالي أن يكون هو الذي سعى في تدمير بيته وتدمير أسرته.

كثيرٌ غشوا زوجاتهم وأولادهم وبناتهم وضيعوهم غاية الضياع، وأهملوهم غاية الإهمال، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيمن كان هذا حاله: (يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة).

إن غاية الإثم أن يضيع الواحد من يقوت، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) وملاك ذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] كل واحدٍ منكم من يسمعني الآن، أو يسمع هذا الكلام بالشريط بعد الآن، كل واحدٍ منكم إما أن يكون أباً، وإما أن يكون ولياً، أو سيكون أباً عن قريب لا بد أن يتحمل مسئوليته وأن يستعد لهذه الأمانة التي ثقلت على السماوات والأرض وحملها الإنسان: إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72].

أخي الحبيب: إنك يوم أن تعتني بصلاح أولادك وتعتني بتربيتهم وتترك كثيراً من حظوظ نفسك وشهواتها من السهر مع أصدقائك وزملائك، وتحرم نفسك من بعضها في سفراتك وذهابك وإيابك، لتجعل أهلك وأولادك أحق بذلك من هذا كله تذكر أنك تساهم في بناء مجتمعٍ صالح، وتسعى في تكوين أمة مسلمةٍ، نحن بأمس الحاجة إلى إيقاظ جذوة الوعي والشعور اليقظ فيها، يقول ابن القيم رحمه الله: وكم من رجل أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.

اسمع هذه الكلمة من مربٍ فاضل وعالمٍ جليل يقول: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته: -يعني: أغلب فساد الأولاد- من قبل الآباء، انتهى كلام ابن القيم من تحفة المودود في أحكام المولود .

أحبتي في الله: بعض الآباء الكرام إذا رأى من أولاده تمرداً أو انحرافاً بدأ يتذمر ويشتكي، وما علم أنه هو السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف، بل شأنه كما قال الأول:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقـال له     إياك إياك أن تبتل بالماء

بل يجعل ولده كغنمة في قطيع من السباع والذئاب ويقول: من الذي نهشها؟ من الذي تعرض لها؟ من الذي اعتدى عليها؟!

ومن رعى غنماً في أرضِ مسبعة     ونام عنها تولى رعيها الأسد

هذا شيء لا شك فيه، والخلاصة: أن بعض الآباء يدري ما يعمل ابنه لكنه يتعامى وكأنه ما رأى، يقال له: يا فلان! ولدك رئي البارحة ومعه باكت دخان ويدخن في والزاوية الفلانية، يقول: سيهديه الله إن شاء الله، يا فلان! ولدك رئي البارحة مع شباب أكبر منه سناً سيماهم سيما أهل الفجور، يقول: سيهديه الله سيهديه الله، وهو ولد ليس عليه خطر فهو رجل، الخطر على الحرمة -على الأنثى- أما الولد ما عليه خطر، يا فلان! ولدك تغيب عن المدرسة يقول: بكيفه إن نجح فلنفسه، وإن فشل فعلى نفسه، يا فلان! الولد ظهرت عليه العلامات التالية، بل وأقبح من ذلك جريمة الأم التي تتستر على جرائم الأولاد، أم تفتش ثياب الولد تجد سيجارة فتقول: اسكت اسكت وتنتبه أن يعلم أبوه، صبوا عليها سيبون في الحمام وكأننا ما رأينا ولا درينا، لو درى عنه سيذبحه، دعيه يقطعه، دعيه يجلده، هذا أوان التأديب، لكن جريمة من الولد يتبعها جريمة تسترها الأم، ويكملها جريمة غفلة الأب، ثم تكون النتيجة ما يكرهه الإنسان ولا يحمد عاقبته.

ٍأحبتي في الله: إن هؤلاء الأولاد الذين تعبنا تعباً طويلاً شاقاً بالغاً في الحصول عليهم ما سقط من سقط منهم، وما ضل من ضل منهم، وما انحرف من انحرف منهم بغتة أو فجأة أو بين عشية وضحاها، لا تصدق أن رجلاً قال: بات ولدي ليلة صالحاً فأصبح فاجراً، لا تصدق من قال: أصبح ولدي مؤمناً فأمسى كافرا، لا تصدق من قال: غدا ولدي براً فراح مجرماً!! لا. إنما المسألة لها خطراتٌ وخطواتٌ وكما قال الأول:

وللمنية أسبابٌ من السقم

قد يكون السبب الأول فيما تكرهه وفيما أقض مضجعك وعذب ضميرك، وآذاك في نفسك، ونكد عليك عيشك، وجعلك تتجرع الغصص في حلقك ربما كان السبب في انحراف ولدك هو أنت أنت من حيث لا تشعر.

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة     وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ

أخي الحبيب: أنت الولي وأنت الأب والمؤدب والراعي ربما كنت سبباً في ضياع أولادك، وربما دمرت هذه الأسرة بمن فيها من البنين والبنات، ربما كنت السبب بل المتهم الرئيس في إذكاء شعار الفتنة والمتاهة والشقاء في أولادك وبناتك، والبعض يقول: لا. لا تحملني المسئولية وحدي، أليس على الولد كفلٌ من هذه الملامة؟ أليس للولد حظٌ من هذه الأسباب؟ الجواب: نعم. ولكن أخي الحبيب! إن الولد حينما يقول: هذا جناه أبي علي، وما جنيت على أحد إذا كان والده من المضيعين له الذين لم يحسنوا تربيته ولم يلتفتوا له أبداً.

نعم. كثيرٌ من الآباء والأمهات ما قصروا، ألبسوه ناعم الحلل، وأسكنوه أوسع الفلل، وعطروه وزينوه وعالجوه، ما تركوا موضع إبرة في بدنه إلا ونعموها بطعامٍ وشراب، ولباسٍ ودواء، ولكنهم تركوا أكبر شيءٍ في بدنه وهو فؤاده وقلبه وعقله، جسمه المحدود اعتنوا به، أما عقله وقلبه الذي يتسع لأضربٍ من الشر كثيرة، أو أصنافٍ من الخير كبيرة عظيمة أهملوه، ما تركوا جانباً إلا وقدموا له وافر الغذاء فيه، أما غذاء روحه وغذاء عقله وفكره، فأهملوه غاية الإهمال، وحينئذٍ حينما يتخلى الأب وتتهاون الأم في ذلك الأمر سهل للأعداء من شيطان الجن وشياطين الإنس إفساد الأبناء وسلخهم من الحجاب والحياء، وإماتة العفاف والآداب في أنفسهم، أوليس إذا تخلى الولي عن الولاية والأمانة التي تعلقت برقبته؛ ضاعت الأمور من بين يديه؟!

إذاً أنت أنت أيها الأب! أنت المسئول قبل كل شيء؛ لأنك أسلمت الولد والبنت لقمة سائغة للذئاب البشرية، لأنك تواريت وابتعدت وتزاورت ذات اليمين وذات الشمال عن دفة القيادة ومسئولية التوجيه والرياسة، فسمحت لأسراب الخفافيش أن تغزو منـزلك في جنح الليل المظلم، ورضيت بالمنكرات والمعاصي أن تتصدر مساحاتٍ كبيرةً من بيتك وتستحوذ عليها، أنت بهذا شعرت أم لم تشعر أفسدت ولدك، وكنت عوناً لشياطين الإنس والجن في تحقيق مآربهم من هنا وهناك، ولذا أيها الأحبة! كان لزاماً علينا أن نتأمل هذه المسئولية العظيمة، وإن القليل القليل من التوجيه والرعاية يحفظ الأولاد بإذن الله، ويغني عن الكثير الكثير من الآداب والوعيد والتهديد والملاحقة في الكبر، فما دام الأمر سهلاً يسيراً، والأولاد لا زال الواحد منهم غضاً طرياً كأغصانٍ غضة لينةٍ كيفما عدلتها اعتدلت، فإن ذلك أسهل بكثير من أن تهمله حتى إذا بلغ الولد سبعة عشر عاماً، أو ستة عشر عاماً أو أقل أو أكثر، أخذت تهدده بالعصا، والحرمان والطرد والإبعاد، والجلد والإهانة، والتوبيخ والعبارات الجارحة التي لا تزيده لك إلا بغضا ولا منك إلا فرارا.

أيها الأحبة: واجبنا مراراً أن ننتبه لهذه المسئولية وهي مسئولية كلنا يحاسب عنها: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، بل يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائلٌ كل رجلٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) أوليس هذا أمراً عظيماً؟ إن الواحد لو كان أمين صندوق وجاء يوم الجرد لاحمر وجهه، وخفق فؤاده، خشية أن يضيع مما استودع شيئاً من حطام المال قليلاً كان أو كثيراً، لكن لا يبالي حين يضيع من أولاده خمسة، أو لا يبقى من العشرة إلا اثنان لا يبالي أبداً، وهذا -أيها الأحبة!- من الجهل العظيم، بل إن ذلك غاية الغش والظلم والخديعة والخيانة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) .

ما تقولون في رجلٍ غش رعيته، وهم زوجته وأولاده وبناته وأهل بيته؟ غشهم فما أمرهم بالصلاة، وما نهاهم عن المنكرات، بل جعل البيت مسرحاً ومستودعاً لكل ألوان الفجور والفساد، وحجته بذلك أنه لا يريد أن يكون مطوعاً، لا يريد أن يكون متشدداً، لا يريد أن يكون متزمتاً، بل يريد أن يكون منفتحاً متساهلاً، معتدلاً متوسطاً، من الذي قال لك إن هذا هو الاعتدال؟

إذا كان هذا الذي يفعله بعض الناس اليوم من الرضا بالمنكرات في بيوتهم، وتربية بناتهم على التبرج والسفور، والسماح للزوجات أن تكون الواحدة منهن خراجة ولاجة، لا شغل لها إلا الذهاب والإياب، ولا يعرف شيئاً عن بيته، فلا يبالي أن يكون هو الذي سعى في تدمير بيته وتدمير أسرته.

كثيرٌ غشوا زوجاتهم وأولادهم وبناتهم وضيعوهم غاية الضياع، وأهملوهم غاية الإهمال، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيمن كان هذا حاله: (يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة).

إن غاية الإثم أن يضيع الواحد من يقوت، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) وملاك ذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] كل واحدٍ منكم من يسمعني الآن، أو يسمع هذا الكلام بالشريط بعد الآن، كل واحدٍ منكم إما أن يكون أباً، وإما أن يكون ولياً، أو سيكون أباً عن قريب لا بد أن يتحمل مسئوليته وأن يستعد لهذه الأمانة التي ثقلت على السماوات والأرض وحملها الإنسان: إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72].

أخي الحبيب: إنك يوم أن تعتني بصلاح أولادك وتعتني بتربيتهم وتترك كثيراً من حظوظ نفسك وشهواتها من السهر مع أصدقائك وزملائك، وتحرم نفسك من بعضها في سفراتك وذهابك وإيابك، لتجعل أهلك وأولادك أحق بذلك من هذا كله تذكر أنك تساهم في بناء مجتمعٍ صالح، وتسعى في تكوين أمة مسلمةٍ، نحن بأمس الحاجة إلى إيقاظ جذوة الوعي والشعور اليقظ فيها، يقول ابن القيم رحمه الله: وكم من رجل أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.

اسمع هذه الكلمة من مربٍ فاضل وعالمٍ جليل يقول: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته: -يعني: أغلب فساد الأولاد- من قبل الآباء، انتهى كلام ابن القيم من تحفة المودود في أحكام المولود .

أحبتي في الله: بعض الآباء الكرام إذا رأى من أولاده تمرداً أو انحرافاً بدأ يتذمر ويشتكي، وما علم أنه هو السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف، بل شأنه كما قال الأول:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقـال له     إياك إياك أن تبتل بالماء

بل يجعل ولده كغنمة في قطيع من السباع والذئاب ويقول: من الذي نهشها؟ من الذي تعرض لها؟ من الذي اعتدى عليها؟!

ومن رعى غنماً في أرضِ مسبعة     ونام عنها تولى رعيها الأسد

هذا شيء لا شك فيه، والخلاصة: أن بعض الآباء يدري ما يعمل ابنه لكنه يتعامى وكأنه ما رأى، يقال له: يا فلان! ولدك رئي البارحة ومعه باكت دخان ويدخن في والزاوية الفلانية، يقول: سيهديه الله إن شاء الله، يا فلان! ولدك رئي البارحة مع شباب أكبر منه سناً سيماهم سيما أهل الفجور، يقول: سيهديه الله سيهديه الله، وهو ولد ليس عليه خطر فهو رجل، الخطر على الحرمة -على الأنثى- أما الولد ما عليه خطر، يا فلان! ولدك تغيب عن المدرسة يقول: بكيفه إن نجح فلنفسه، وإن فشل فعلى نفسه، يا فلان! الولد ظهرت عليه العلامات التالية، بل وأقبح من ذلك جريمة الأم التي تتستر على جرائم الأولاد، أم تفتش ثياب الولد تجد سيجارة فتقول: اسكت اسكت وتنتبه أن يعلم أبوه، صبوا عليها سيبون في الحمام وكأننا ما رأينا ولا درينا، لو درى عنه سيذبحه، دعيه يقطعه، دعيه يجلده، هذا أوان التأديب، لكن جريمة من الولد يتبعها جريمة تسترها الأم، ويكملها جريمة غفلة الأب، ثم تكون النتيجة ما يكرهه الإنسان ولا يحمد عاقبته.

وينبغي لنا أيضاً أن نكون عوناً لبعضنا في تربية أولادنا، نعم هي مسئولية توجه لكل أبٍ ولكل أم ولكل وليٍ مباشرة، لكن ولنا حقوق متبادلة تجاه بعضنا، فأنت إذا رأيت من أولادي أمراً غريباً فأخبرني، وأنا إذا رأيت من أولادك أمراً عجيباً أنبئك ونتبادل الحديث، وننتبه لهذه المسألة، بل إن بعض الآباء -وهذه سنة حسنة في أحد الأحياء- لاحظوا ملاحظة أن أناساً شباباً كباراً يأتون إلى حيهم وهم ليسوا من سكان الحي، شباب كبار كما يسمون من (الدشر) ينتقلون من أحياء إلى أحياء ثانية، الذي معه السيارة الفخمة، والذي معه سيارة ملونة ويبدءون يغرون الصغار والسفهاء بمختلف الأساليب كما تدور الثعالب على ديكٍ فوق الشجرة، ما الذي يحصل لما رأى رجال ذلك الحي أن غرباء سيماهم لا تنبئ بخير قد جاءوا يترددون في حيهم بسياراتهم وتصرفاتهم، ويأتون في أوقاتٍ مريبة بهيئاتٍ وأشكالٍ عجيبة، قاموا وسوروا أرضاً وسط الحي، واستدعوا رجلاً مربياً فاضلاً من أهل القرآن وقالوا: نعطيك جعلاً، نعطيك مالاً شهرياً، أولادنا هؤلاء الذين يخرجون من البيوت بحجة لعب الكرة، أنت المسئول تجلس معهم من بعد العصر إلى مغيب الشمس، وأول ما تبدأ معهم جلسة الشاي واقرأ أنت وإياهم ولو نصف صفحة من القرآن ثم اجعلهم يلعبون الكرة أمام عينيك أمام هذا السور المسور، أمام أعينكم جميعاً وإذا أراد رجل غريب أن يدخل عليهم فلا تسمح له وامنعهم عنه، ما هي إلا أيام بعد أن نفذوا الفكرة حتى أصبح الحي نقياً سليماً خالياً من تلك الذئاب الزائرة التي تزور لتقتنص من أطفال الحي والمراهقين فيه بين الفينة والأخرى.

إذاً حتى مسئولية إصلاح الأبناء نتبادل التعاون فيها ونتبادل الأدوار فيها، وليس هذا والله بكثيرٍ أبداً.

أخي الحبيب: إننا حينما نعتني بتربية الأولاد منذ بداية نشأتهم -كما قلت- ندخر جهداً ومالاً ووقتاً كثيراً في التوجيه حال بلوغهم سن المراهقة، الأمر الآخر أننا بأمس الحاجة أن نقطف ثمراتٍ نحن غرسنا بذورها بأيدينا، نحن في أمس الحاجة أن يستمر عملنا الصالح بعد موتنا، أوليس الواحد منا يحز في نفسه وفي فؤاده أنه إذا مات انقطع عمله، فما عاد كما كان في الدنيا يصلي صلاةً ويستغفر ويذكر ويتصدق، ويجاهد ويدعو ويعمل ويعين ويغيث ويناصح، انقطعت الأعمال، إلا إذا كنت ممن اعتنوا بتربية أولادهم منذ نشأتهم فإنك من الذين لا تنقطع أعمالهم بعد موتهم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالحٌ يدعو له، وعلمٍ ينتفع به، وصدقة جارية) فأنت إذا ربيت أولادك تربية حسنة ثق أن الحسنات لا تزال تجري عليك، ولا تزال يوماً بعد يوم في نعيم، وفي سعادة وفي أنس، وفي رفعة درجات، بل تلقى الله يوم القيامة بخيرٍ ما خطر على بالك، وتقول: يا رب! أنا من أين جيء لي بهذا الخير؟ فيقال: بصلاح ولدك من بعدك، لكن إن كنت ممن يهمهم أمر العمل الصالح كما كان السلف رضوان الله عليهم والصحابة، فـمعاذ رضي الله عنه لما حضرته الوفاة بكى فقيل: [ما يبكيك يا صاحب رسول الله؟ قال: والله ما أبكي على فراق دنياكم هذه، لكنني أبكي على فراق قيام ليالي الشتاء وصيام أيام الهواجر، ومجالسة أقوامٍ ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر آكله] يبكي مع أنه من جبال العمل الصالح، لا يبكي على الموت وفراق ملذات الدنيا، بل يبكي على العمل الصالح أنه سينقطع مع أنهم خلدوا حسناتٍ وصدقاتٍ جارية ماضية، رضوان الله عليهم وجمعنا بهم في الجنة.

فأنتم -يا أحبابي- الواحد منكم عمره أربعون سنة: (أعمار أمتي بين الستين والسبعين وقليلٌ من يجاوز) عمرك خمسون، بقي عشر سنوات، عمرك ستين استعد: (قد أعذر الله لامرئ بلغه الستين من عمره) عمرك أربعون إذاً فقد بلغت أشدك: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ [الأحقاف:15] فأياً كان عمرك فاستعد للرحيل.

ومما يحز في خاطرنا جميعاً أن الواحد إذا تفكر في الرحيل تقطع قلبه ويقول: أنا الآن في المقبرة، تخيل نفسك الآن وأنت في المقبرة، من يصلي عنك؟ من يتصدق عنك؟ من يصوم عنك؟ من يعمل صالحاً عنك؟ كما كان أحد السلف يفعل يقول: إذا قسا قلبي وضعفت نفسي عن الطاعة ذهبت إلى المقابر فجلست في اللحد وقلت: يا فلان! هأنت الآن في دار البرزخ فمن يصلي عنك .. من يصوم .. من يتصدق عنك .. من يجاهد عنك .. من يعمل صالحاً عنك؟ قال: ثم أقول: لا إن لي فرصة في الدنيا فأخرج وأبادر نفسي في العمل الصالح، لكن إذا مات الإنسان وانقطع عمله فالولد من أعظم الصدقات الجارية والحسنات التي تمضي ولا تنقطع بإذن الله عز وجل لمن اعتنى بتنشئة ولده وتربيته، أسأل الله أن يعيننا وإياكم على تربيتهم، وأن يقر أعيننا وإياكم بصلاح ذرياتنا.

أحبتي في الله: لما أهمل الأولاد وضيعت حقوقهم؛ ضاقت السجون بمن فيها، وسائلوا دور الأحداث والإصلاحيات، يأتكم إخوانكم فيها بالخبر اليقين، ويصورون لكم حالة الضياع والمتاهات التي يتخبط فيها كثيرٌ من الشباب والأحداث اليوم، بل تصفحوا أرقام وإحصائيات ما يسمى بجنح الأحداث، تجدون من الأمر عجبا، بل ما نجده في أسواقنا وشوارعنا ومفارق طرقنا من هيئاتٍ عجيبة، وبزاتٍ مقززة، وقصات غريبة، وتسكع ومطاردة للنساء، وإغواء للأحداث ما هو إلا أن التربية والرعاية وأمانة الأبناء قد أهملت عند كثير من الآباء إلا من رحم ربك وقليلٌ ما هم.

اليوم تصفحت أوراقاً فإذا بي أجد قصة ولدٍ حدثٍ عمره ستة عشر عاماً يقتل ولداً آخر عمره خمسة عشر عاماً طعناً بالسكين، ولعل الشيخ -حفظه الله- ممن عملوا أو لا زالوا يعملون الآن في ما يسمى بإصلاحيات أو دور الأحداث، وقد ذكر لي شيئاً وذكر لي بعض زملائه الفضلاء من أمثاله أشياء يشيب لهولها الولدان، أطفال صغار تربوا تربية بين الآباء والأمهات إلا أنهم تخرجوا ذئاباً مفترسة ووحوشاً كاسرة وهم في بيوتٍ قد امتلأت بالذرية والآباء والأمهات والأبناء والبنات، والسبب الإهمال، وللأسف فبعض الآباء يعلم ولده كيف يكون شرساً، وكيف يكون ظالماً، وكيف يكون معتدياً يقول لابنه: افطن، انتبه لا يأكلوك، خذ منهم ولا تعطهم، اسرقهم لا يسرقوك، هذا من الجهل، هذه من الحماقات ومن عادات الجاهلية التي تعود أصحابها النصب وقطع الطرق واللصوصية.

رجل يخبرني يقول: تركت بيتي ورحلت عن الحي الذي كنت أسكنه بسبب أن الدراجة التي تخص ولدي سرقها ولد الجيران، قال: فذهبنا إليهم نريد أن نأخذها، قال: فخرج علينا والده فحييته وسلمت عليه وقلت: أنا جارك فلان ولدي يقول: إن دراجته أخذها ولدك، فاستدعى ولده قال: دراجة فلان عندك قال: نعم. قال: هل تردها له؟! -يشاوره.. سبحان الله العلي العظيم! هل يحتاج رد المظلمة ورد المال المغصوب إلى مشاورة؟- وأقبح من ذلك أنه قال له: إذا تريد أن تعطيه فبكيفك!

لا يجوز أن نربي أولادنا على هذه العادات القبيحة السيئة، والبعض هو الذي شجع ولده على السطو والجريمة وعلى الاعتداء بحجة: أريده فحلاً.. رجلاً.. أعوده الرجولة، ويمكن أن يتعلم الرجولة بدون أن يتعلم الظلم، يمكن أن يتعلم قوة الشخصية دون أن يتعلم الكذب والخيانة، يمكن أن يتعلم الثقة بالنفس دون أن يتعلم اللؤم وخسة الطباع، لكن للأسف بعض الآباء هداهم الله لا يزال في جاهلية جهلاء.

وبعض الآباء لا يبالون هل الولد في خير أم في شر؟ ربما منَّ الله على ولده بصحبة صالحة انتشلوا ولده فليس بجهده ولا بجهد أمه ولا أخواله ولا أعمامه، بل بفضل الله ثم فضل جلساء طيبين صالحين، في مكتبة المسجد، أو في جمعية المدرسة، أو في المعهد، التفوا حول هذا الولد وانتشلوه، فتجد في البيت الواحد أبناء صالحين، وأبناء فجاراً ضالين ولا حول ولا قوة إلا بالله! والسبب لا يعود إلى الآباء والأمهات بصلة، بل عائدٌ أول شيء إلى هؤلاء الذين أحاطوا به، وبعضهم أحاط بهم أهل السوء فأصبح سيئاً، وبعضهم أحاط به أهل الضلالة فأصبح ضالا.

أحبتي في الله: لو لم يكن توجيه الأبناء أمراً عظيماً مهماً لما تكرر ذكره في القرآن في مواضع شتى، يقول الله عز وجل وهو يقص علينا وصايا لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16] أنا أجزم وأقطع يقيناً أن نسبة (90%) أو (80%) من الآباء قلَّ منهم من نصح ولده نصيحة مباشرة، نعم الأغلبية الساحقة لم يعرف إلا سبابه وشتيمته، يا خسيس.. يا كلب.. يا فاجر.. يالذي فيك.. ويعوده من العبارات ما يركب الولد شخصيته على ما يسمع، فإذا قال له الأب: يا حمار؛ فعند ذلك الولد مستعد أنه ينهق ويتحمل الأثقال، ويكون غبياً وتافهاً وركوباً وحمولاً.

وإذا قال له أبوه: يا مكار يا مخادع؛ أصبح يتفنن في ابتكار الخدع والأحابيل ونصب الشباك للناس، فبعض الآباء يظن أنه ينصح والحقيقة أنه يسب أولاده، وهذه أيضاً خصلة قبيحة خسيسة! إياك أن تسب أولادك! إياك أن تشتمهم! إياك أن تعطيهم من العبارات السيئة التي لا تليق! فقد تكون سبباً في إحباط وإجهاض الآمال والمعالم التي يطمحون أن يصلوا إليها، بل عودهم أنك تراهم في عينك قمماً ورجالاً وتراهم جبالاً، اجلس معهم وقل لهم: يا أولادي! الصدق منجاة، الصدق سببٌ إلى الجنة، الصدق يهدي إلى البر، والرجل الذي يصدق يحبه الله عز وجل، الصدق كله خير وعاقبته خير، والكذب أمرٌ خسيس ورديء، والكذب من صفات المنافقين، والكذب من صفات أهل النار.

ما تجد إلا القليل منا من يناصح أولاده، اليوم كلمة عن الأمانة، فالأمانة أمرها عظيم، والأنبياء هم أهل الأمانة، والعلماء من بعدهم يتحملون الأمانة، والأمانة لا يحافظ عليها إلا المؤمن التقي، والذي يخون فهو من أهل النار، والخيانة صفة ذميمة، أعطهم قصة أو قصتين، مثلاً أو مثلين، بيتاً أو بيتين عن الخيانة، لا بد بين الفترة والأخرى من أن تعطيهم نصائح عن الصدق .. عن الأمانة .. عن الوفاء .. عن التعاون .. عن الإيثار .. عن التواضع.. عن المحبة، تحذرهم من الكبر .. من احتقار الناس .. من أذية الناس .. من الحسد .. من الحقد، تارة تحذر من أشياء، وتارة تنصح بأشياء، لكن للأسف كثير منا لا ينصح أولاده أبداً! والأدهى والأمر أن بعض الآباء تجده رجلاً صالحاً، من أهل الصلاة ومن أهل الصلاح، إلا أنه لم يعرف كيف ينصح أولاده، ويظن البعض أنه يحتاج إلى أن يكون كـسحبان بن وائل في الخطابة، أو ثابت بن قيس، أو حسان في الشعر حتى يؤثر عليهم، لا. بالكلمة الدارجة وبالعبارة المفهومة وباللغة الطبيعية التي تحدثهم بها في البيت، ناصحهم وحذرهم، ومرهم وانههم وازجرهم فبهذا يتربون وهم لا يزالون صغاراً.

كذلك الأم، بعض الأمهات لا يعنيها أمر ابنتها، سماعة الهاتف في أذن ابنتها من بعد العصر إلى أذان العشاء، أو من بعد العشاء إلى منتصف الليل، تكلم زميلاتها، كل هذه دراسة؟! كل هذه واجبات؟! كل هذا دراسة ومذاكرة واختبارات تتعلق بالدراسة؟!

ما المانع أن تقول الأم: بنيتي! أعطيني زميلتك هذه أسألها عن اسم أمها، أمن آل فلان أو من آل فلان؟ دعيني أتعرف عليهم من أي بيت؟ من أي عائلة؟ من أي قبيلة؟ من أي حمولة؟ على الأقل تتأكد الأم وتعرف.

بعض البيوت البنت لها هاتف خاص في حجرتها، ولا يدري أهل البيت من يتصل بها ومن لا يتصل، وهذه من الأسباب التي أدت إلى ضياع كثير من البنات، والذي يريد أن يتأكد من هذه الحقيقة فليسأل رجال الهيئة، وجود هاتف وخط مفتوح للبنت في غرفة نومها من أسباب انحرافها، نحن لا ندعو إلى الشك، لكن ندعو إلى حماية الأبناء من الشر، بعض الناس يضع كأس الخمر ويقول: والله ما في داعي للشك أنهم يشربون، يا أخي! لا تضع الخمر ولا تشك.

قالوا لرجل من البادية: إذا وطيت الجني قل: باسم الله، قال: لا تطأ الجني ولا تسمِّ من أولها، فما هناك حاجة أنك تجعل في غرفة كل ولد وكل بنت هاتفاً خاصاً، التليفون في الصالة نعرف من المتصل ومن الطالب، المتصل هو داخلٌ إلى داخل البيت بلا استئذان، الذي يطرق الباب على الأقل ويقف في الشارع وأهل البيت يعرفون أن الباب طرق، ومن هو وماذا يريد؟ لكن الداخل عبر الهاتف شأنه عظيم، يدخل إلى البيت بغير استئذان، وربما يأخذ أسرار البيوت ويعرف ماذا يدور فيها بغير رضاً من أهلها أو لا حاجة له في ذلك، بل ربما يخطط لسوءٍ ويدبر مكيدة وشراً عليه، لذا كان من الواجب أن نتخذ الأساليب التي تدعو إلى الحيطة ثم لا نشك.

البعض يقول: أنتم -يا مطاوعة- ما عندكم إلا الشك، إن ذهبت البنت للسوق شككتم فيها، وإن رفعت السماعة شككتم فيها، وإن جاءتها زميلتها شككتم فيها، لا يا أخي الحبيب! نحن منهيون عن التجسس، ولا تجسسوا ولا تحسسوا، ولكن مأمورون بالاحتياط والحذر وعدم الإهمال، وهذه من أهم الأمور، أقول: إن بعض الأمهات لم تنصح ابنتها يوماً من الأيام، كثير من الأمهات لم تحدث ابنتها عن النتائج الوخيمة التي حلت بكثيرٍ من الفتيات اللائى أصبحن يتبادلن الغرام مع شباب يعاكسون عبر الهاتف، بل إن البعض تقول: والله أنا لا أدري البنت هذه ليست طبيعية فقط، ليست طبيعية وساكتة على الموضوع؟!! وبعضهم يقول: الولد هذا ليس طبيعياً، والله لا أدري، وساكت عن الموضوع، كذلك وراضٍ ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

كل هذه المشاكل التي يتضايق منها الكثير من الآباء والأمهات نستطيع أن نتجنبها، فإذا اعتنينا بالأطفال وهم صغار فإننا نستطيع أن نتحاشى وأن نتجنب الكثير من المشكلات العظيمة.

إن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) ولا يلزم أن ابن عشر يمكن أن يقرب أخته أو يزني بها، لكن التربية تقتضي أن تجعل الخط واضحاً ومستقيماً، بلغ عشر سنين؛ إذاً يفرق بينه وبين إخوته في المضجع، يكون في حجرة أو هي في حجرة، إذا كان البيت صغيراً جداً فالأم في وسط والأولاد في طرف والبنات في طرفٍ آخر، لا بد من التصرف بحكمة بالغة حتى لا نندم ولات ساعة مندم أو نعض على أصابع الندم ولا ينفع حينئذٍ ندم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2803 استماع
حقوق ولاة الأمر 2669 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2653 استماع
توديع العام المنصرم 2648 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2554 استماع
من هنا نبدأ 2496 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2462 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع
الغفلة في حياة الناس 2436 استماع