رسائل الجوال الهادفة
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
رسائل الجوال الهادفةحتى تكون خدمات رسائل الجوال هادفة لا محرمة أو مزعجة!
لعلك عانيتَ كما عانيتُ أولَ الأمر مع البريد الإلكتروني، ولا سيما رسائله المزعجة، فقد كان أغلبُها لا يدخل في إطار اهتماماتنا، وربما كانت دعاية ترويجية لسلعٍ المرءُ في غنى عنها.
واليوم بدأت تنتشرُ ظاهرة مشابهة، ولكنها عن طريق الجوال؛ فتارةً رسالة من الخارج، وتارة من الداخل، وأما مواضيعُ الرسائل فمختلفة جداً، فمنها الساقطُ المنحط الذي يدعو إلى الرذيلة جهاراً، ومنها ما دون ذلك.
وليس غرضي الوقوف مع الرسائل غير المفيدة كتلك التي تقول: أرسل الرقم كذا إلى كذا لتصلك أجملُ أهداف الفريق الفلاني مثلاً، فأدنى ما في هذه وأمثالها شراءُ ما لانفع فيه، والعاقلُ خصمُ هواه الباطل، أما مروِّجو هذه المواد التي لا فائدة فيها وكذلك مروجو المواد التي إثمُها أكبرُ من نفعها؛ كأصحاب القِمار المحرم: أرسل كذا لتفوز بالجائزة الفلانية، أو أصحاب المقاطع الهابطة، وغيرها.
فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً، وليعلموا أن ما قدموه للأمة يُكتب وآثارُهم، وكل شيء يُحصى في إمام مبين.
ولكني أحب تنبيهَ بعض إخوتي القائمين على رسائل جوالات يحسبونها هادفة، إلى بعض الإشكالات في تعاملهم، ربما أخرجت بعضُها رسالتَهم عن حد كونها شرعية، وربما أفقدتهم بعضُها المصداقيةَ، وربما كان أثرُها دون ذلك، وأقتصر على ذكر خمسة مظاهر شائعة في بعض هذه الخدمات:
أولاً: بعض الرسائل إذا نظرت في فائدتها ومقدار نفعها وجدتها ليست بذاك، بعضها ركيكٌ لا تُحتمل ركاكته، مسجوعٌ سجعاً متكلفاً كسجع الكهان أو هو أقبح! وبعضُها قد يكون مفيداً حسن الصياغة، لكن لا توازي فائدتُه الثمنَ الذي تكلفه الرسالة، فعلى سبيل المثال: هل دَفْعُ المستخدم مبلغاً من المال شهرياً لمدة عام، هل هذا الثمن يوازي فائدة تجزئة كتاب ثمنه في المكتبات دراهم معدودات وإرسال مضمونه في رسائل جوال خلال عام؟
بالنسبة لي - وأظن أن كثيرين مثلي - لا يرضيهم هذا، فكيف إن كان جلُّ هذا المبلغ - المسحوب خلال العام - يذهب إلى شركات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل قد يكون لهم في تعاملاتها نظر، قد يحتمل أناسٌ التعامل معها إذا كانت المصلحة راجحة ومردود الفائدة ظاهر، لكنه لا يحتمل هذا التعامل إن كان مردود الفائدة ضعيفاً.
إن الواجب أخي الكريم أن تحرص على إفادة الناس برسائلك، وأن تجهد في تقديم مادة توازي ما يبذلونه طامعين في فوائدك، وتذكر دائماً: أنت داعية هادف، ولست مجرد مالك لمشروع تجاري.
ثانياً: بعض الرسائل الدعوية فيها نوع غرَر، ترويجُها يشبه ترويجَ المجهول أو الموصوف بوصف غير منضبط مقابل ثمن معين، ولعله قد جاءتك رسالة يوماً ما تقول: أرسل كذا إلى الرقم كذا لتشاهد كَيتَ وكَيتَ مما تتوق نفوسُ المسلمين لرؤيته، فيدفعُك الفضول للدفع وأنت لا تدري هل الصورة - موضوع الدعاية دعك من سائر الخدمة - توازي قيمة ما تدفع أو لا، وقل مثل هذا في الرسائل التي تقول: أرسل كذا ليصلك مقطع، ثم اذكر ما شئت من عبارات الوصف غير المنضبط التي لا تُخرج الموصوفَ عن حد الجهالة، وقد ينضاف إلى هذا جهلُك بالمبلغ المقرَّرِ سحبُه منك إن أنت قد أرسلت، وليس هذا بالغرر اليسير فبعضُ الرسائل تكلفتها مرتفعة، فكيف إذا كانت الخدمةُ على مدار الشهر أو العام، فكيف إذا كانت تصل لآلاف المشتركين.
ثالثاً: كثيراً ما ترسل لك رسائل حاصلُها: أرسل كذا للاشتراك في خدمة كيت من جوال كذا، ثم إذا أرسلت الرقم وساءتك الخدمة لم تعرف كيف تتخلص من السحب المتصل من رصيدك إلاّ بعد حين قد يطول وقد يقصر، بحسب اجتهادك! والذي ينبغي أن تُرْسَل رسالة حاصلها: أرسل كذا للاشتراك، ولإلغاء الخدمة أرسل كذا.
وتذكر دائماً أنه لا يحل مالُ امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه.
رابعاً: كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يتخولُ خيرَ القرون وأرغبَهم في الفضل بالموعظةِ مخافةَ السآمة، فعمومُ الناس اليوم للمراعاة أحوج، وبعض رسائل الجوال الهادفة تصل في أوقات مزعجة، ولا سيما أن كثيراً منّا بات يتخذ من الجوال منبهاً يوقظه، وقد كانت بعضُ تلك الجوالات الهادفة تصلُني رسائلُها نحوَ الساعة الثالثة صباحاً، وأنا رجل خفيف النوم يدفعني الفضولُ البشري عندما أستيقظ على ورود رسالة إلى الذهاب إلى الطاولة والنظر لمعرفة موضوع الرسالة التي جاءت في ذلك الوقت الحرج!
وقد حاولتُ التغافل والتجاهل حيناً فلم أطق، وكان هذا أحدَ أسباب طلبي من بعض الفضلاء الذين يُشرفون على خدمة مفيدة إلغاء اشتراكي فيها.
فلعله من المفيد النص في العقود المبرمة بين صاحب الخدمة والشركات التي تقوم بتسويق الخدمة والترويج لها أن يكون إرسالُها الرسائلَ في أوقات محددة ملائمة لعموم الناس.
خامساً: توثيق المعلومة يجعلها أهلاً للثقة، ومما ينبغي أن يتعوَّده الناسُ ترك الأخذ عن كل من هبَّ ودب، وقد قيل: إن هذا العلمَ دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، وبعضُ الجوالات لا تعرف من يشرفون عليها، ثم تجيء الرسائل منها بغير توثيق؛ ربما لا تدري من القائل، وإذا علمت فقد تجهل أين قاله، وترك التوثيق الدقيق قد يفتح باباً للتقوُّل على المشايخ والعلماء، وترك ما يجعل التثبت ممكناً من جملة تربية الناس على التثبت في النقول والأخبار وهذا مطلوب.
فهذه ملاحظات خمس لعل التفطن إليها من قبل المشرفين على بث الرسائل الهادفة من الأهمية بمكان.
أما وصيتي للمشتركين: فأن يعتنوا برسائل من يراعي في إرساله ما ذُكر، وأن يقتصروا على المفيد منها بقدر الحاجة، ومما يحسن التنبيه عليه أنه لا حاجة - في الغالب - إلى تَكرار المفيد، فإن كان لك أيها الطالب أو عضو الأسرة زملاء أو إخوة فلا حاجة لأن تشتركوا جميعاً في نفس الخدمة، ويحسن أن تنسقوا توزيع الاشتراكات بينكم فيشترك أحدكم في خدمة جوال وآخر في خدمة أخرى، ثم تدارسوا الفوائد وتبادلوها في اجتماعاتكم وملتقياتكم ولا سيما مع إمكان الاستفادة مما يَسَّرَته الحضارة وأجهزة الجيل الحديث من تبادل ولو لوسائط مرئية أو مسموعة بغير تكلفة عبر طرق متعددة.
وبحمد الله فقد ظهرت خدمات رسائل هادفة ومميزة جديرة بالعناية، ولست في صدد الترويج لها، ولكن تَأَمَّل العناصر الخمسة الماضية تعرف بعضها.
أسأل الله أن يبارك في القائمين عليها، وأن يبارك لهم فيها، وأن يعظم النفع بها.