الأبواء وبواط والعشيرة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى, وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه, عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار, وعدد ما اختلف الليل والنهار, وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

فقد تقدم الكلام على عدد غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها سبع وعشرون غزوة، باشر القتال في تسع منها، ولم نذكر السرايا التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم، لكن هنا سؤال وهو: ما هو الفرق بين الغزوة والسرية؟

فالجواب: الغزوة هي التي يقود النبي صلى الله عليه وسلم فيها الجيش بنفسه, وأما السرية والبعث فهي التي يوجه فيها نفراً من أصحابه.

وهذا أقوى دليل للجمهور على أن الجهاد فرض كفاية, وهذا هو الأصل في الجهاد أنه فرض كفاية, ولا يتعين إلا في أحوال ذكرت سابقاً، والدليل على أن الأصل في الجهاد أنه فرض كفاية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أحيان كثيرة لا يخرج بنفسه, وإنما يوجه جماعة من أصحابه ويجعل عليهم أميراً أو قائداً, وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( والذي نفسي بيده! لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلاف سرية قط, ووددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل, ثم أغزو فأقتل, ثم أغزو فأقتل ), عليه الصلاة والسلام.

أما الأمد الذي استغرقته هذه الغزوات كلها فمعلوم بأن الغزو بدأ من السنة الثانية من الهجرة, وكانت آخر الغزوات في السنة التاسعة من الهجرة, فمعنى ذلك: أن الأمر قد استغرق سبع سنين.

وفي هذا جواب على الإفك الذي يروجه المستشرقون بأن الإسلام دين عنف وإرهاب, وأن الإسلام قد انتشر بالسيف, نقول لهم: بأن النبي صلى الله عليه وسلم امتدت دعوته ثلاثاً وعشرين سنة, وما استغرق القتال من هذه الثلاث والعشرين سنة سوى سبع سنوات, يعني: أقل من الثلث, ثم إن القتلى من الفريقين -من المسلمين والكفار- لا يبلغون الألف, في كل الغزوات التي في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم, بينما هم في حرب عالمية واحدة بلغ القتلى من الطرفين خمسة وعشرين مليوناً من الأنفس.

ومعلوم بأن الحرب العالمية الأولى التي كانت من السنة الرابعة عشرة إلى الثامنة عشرة في القرن الماضي, أو الحرب العالمية الثانية التي كانت من سنة تسع وثلاثين إلى خمس وأربعين لم يكن للمسلمين فيها ناقة ولا جمل, وإنما كان التنافس فيما بين الكفار بعضهم بعضاً، وقد قتل في كل حرب منها خمسة وعشرين مليوناً.

ثم نقول لهم أيضاً: إن الحروب الصليبية التي أقمتموها خلال القرنين الأخيرين لغزو بلاد المسلمين كم كان فيها من القتلى؟

في بيت المقدس وحده قتل تسعون ألفاً من المسلمين, ثم الحملات الصليبية المعاصرة في موجة ما سمي بالاستعمار الحديث, ثم الحرب الصليبية التي بدأها سيئ الذكر بوش, ففي العراق وحده قتلوا وباعترافهم ستمائة ألف نفس، وهذه إحصائياتهم هم, وإلا فالعدد أكبر من ذلك بكثير.

أما في أفغانستان فحدث ولا حرج, ولذلك حق لنا أن نقول كما قالت العرب: رمتني بدائها وانسلت.

إذاً: غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت بدايتها في السنة الثانية وختامها في السنة التاسعة من الهجرة.

وتفصيل ذلك: أن غزوة ودان كانت في صفر، ثم بواط في ربيع الأول, ثم العشيرة في جمادى الأولى, ثم بدر الأولى في جمادى الآخرة, ثم بدر الكبرى في رمضان, ثم غزوة بني سليم في شوال, ثم غزوة بني قينقاع والسويق في ذي الحجة.

يعني أنه في السنة الثانية من الهجرة وحدها كان هناك ثمان غزوات.

أما السنة الثالثة من الهجرة فقد حصلت فيها غزوة ذي أمر في المحرم, وبحران في ربيع الأول, وأحد وحمراء الأسد في شوال.

أما السنة الرابعة فقد حصلت فيها غزوة بني النضير في ربيع الأول, وذات الرقاع وبدر الآخرة في شعبان.

أما السنة الخامسة فقد حصلت فيها غزوة دومة الجندل في ربيع الأول, وبني المصطلق في شعبان, والخندق في شوال, وبني قريظة في ذي القعدة.

أما السنة السادسة فقد حصلت فيها غزوة بني لحيان في جمادى الأولى, وغزوة ذي قرد في جمادى كذلك, والحديبية في ذي القعدة.

أما السنة السابعة فقد حصلت فيها غزوة خيبر في المحرم, وعمرة القضية في ذي القعدة, وهي التي تسمى عمرة القضاء وقيل لها: عمرة القضاء على اعتبار أنها قضاء للعمرة التي حوصر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وقيل لها: عمرة القضية باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قاضى عليها المشركين, يعني: كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاضاة.

أما السنة الثامنة فقد حصلت فيها غزوة الفتح الأعظم في شهر رمضان, وفي شوال كانت حنين والطائف.

أما السنة التاسعة فقد حصلت فيها غزوة تبوك في شهر رجب.

هذه مجموع الغزوات السبع والعشرين التي غزاها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه.

وسنذكر هذه الغزوات غزوة غزوة ولكن بإيجاز شديد، ولا يخفى عليكم أن بعضها كان أعظم أثراً من بعض, فليس الكل في الأثر سواء, ويكفينا أن القرآن سمى يوم بدر يوم الفرقان, يوم التقى الجمعان، وكذلك سمى القرآن الكريم عمرة الحديبية فتحاً مبيناً، قال تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا[الفتح:1], حتى إن عمر استغرب فقال: ( أوفتح هو يا رسول الله؟ قال: إيه والذي نفسي بيده إنه لفتح ), وترتب على تلك العمرة وما حصل بعدها من قضية: أنه دخل في الإسلام خلال عامين اثنين أكثر ممن دخل خلال السنوات السابقة من عمر الدعوة الذي بلغ ثلاث عشرة سنة في مكة وسبع سنين في المدينة.

إذاً: نقول بأن هذه الغزوات ليست سواء, لكن سنستعرضها سريعاً.

أول هذه الغزوات: غزوة الأبواء, وتسمى كذلك غزوة ودان, وقد ذكر الإمام أبو عبد الله بن القيم رحمه الله أنها أول غزوة خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه, وكانت في صفر من السنة الثانية من الهجرة النبوية المباركة, وقصد منها صلى الله عليه وسلم أن يغزو بني ضمرة الذين كانوا حلفاء لقريش, لكن هذه الغزوة لم يحصل فيها قتال, وإنما حصل موادعة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بني ضمرة, وقد كانوا بقيادة مخشي بن عمرو الضمري .

ولكن لو قيل: ما الفائدة في أن يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يرجع بلا قتال؟

نقول: هذا سيتكرر في بعض غزواته, حتى إنه في غزوة تبوك لم يكن هناك قتال, لكن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يثبت بذلك هيبة الدولة الإسلامية, وأن المسلمين قادرون على أن يردوا الاعتداء بمثله, فيضطر أعداء الله إلى مهادنة المسلمين وموادعتهم.

فكون الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك يقود جيشاً عرمرماً من المدينة إلى ذلك المكان البعيد حتى قال الله في القرآن: لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ[التوبة:42], أما المسافة الآن فلو خرجت من المدينة بسيارتك وسرت سيراً معتدلاً بمعدل مائة وعشرين كيلو في الساعة فإنك ستبلغ تبوك بعد تسع ساعات كاملة.

والرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة خرجوا في شدة الحر, وقلة الماء, حتى إنهم كانوا ينحرون البعير ويعصرون ما في بطنها من ماء فيشربونه من شدة الحر، وكان الواحد منهم يأتي بكرشة البعير ويضعها على عنقه من أجل أن يجد بردها من شدة ما يجدون من عطش.

لكن كان هناك فائدة عظيمة من كون الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج من المدينة إلى تخوم بلاد الروم؛ لأن تبوك على الحدود مع الشام, فقد خرج لأجل أن يرهب بذلك العملاء من العرب كلخم وجذام والغساسنة ومن كان مثلهم؛ لأن هؤلاء وهم من العرب كان بعضهم عملاء للروم, وبعضهم كانوا عملاء للفرس كالمناذرة الذين كانوا في بلاد اليمن.

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة غزوة ودان, أو غزوة الأبواء من أجل أن يرهب بني ضمرة ومن كان مثلهم ممن يتعاونون مع كفار قريش.

وكانت النتيجة أن مخشي بن عمرو الضمري وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يكثروا عليه جمعاً, ولا يعينوا عليه عدواً, وكتب بذلك بينه وبينهم كتاباً.

الغزوة الثانية: غزوة بواط بضم الباء، وسميت بهذا الاسم على اسم جبل أو جبيل بين مكة والمدينة, وكانت هذه الغزوة في ربيع الأول, يعني: بعد شهر من غزوة ودان, فالنبي صلى الله عليه وسلم خرج في تلك الغزوة يقصد عيراً لقريش كان يقودها عدو الله ورسوله أمية بن خلف الجمحي ومعه مائة رجل من قريش, لكن هذه العير قد فاتته, ولم يلق أحداً صلوات ربي وسلامه عليه.

وأمية بن خلف هذا شيطان من شياطين الكفر, وقد نزل فيه من القرآن قول ربنا: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا[الفرقان:27], وهذا الرجل الخبيث كان يعذب بلالاً رضي الله عنه, حتى مر به أبو بكر وقال له: أما آن لك أن ترحم هذا المسكين بلالاً ؟ فقال له أمية : أنت أفسدته ولو شئت فخلصه. فقال له أبو بكر : بكم تبيعه؟ قال بعشر أواق من الفضة. فذهب أبو بكر فجاء فعدهن, أي سلم الثمن, ولما استلم بلالاً قال له أمية: والله لو أبيت إلا أوقية لبعتكه, فقال له أبو بكر : والله لو أبيت إلا مائة لاشتريته، فأنزل الله عز وجل في أبي بكر : وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى[الليل:17], يعني: أبا بكر : الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى[الليل:18-21].

وكان سيدنا عمر يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا, أو كان يقول: أبو بكر سيدنا, وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته, رضوان الله على الجميع.

فالمقصود بأن غزوة بواط هذه أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصيب قريشاً في مالها.

وقد يظن ظان فيقول: إن المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا قطاع طريق, والجواب: أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو من باب المعاملة بالمثل, قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ[البقرة:194] وقال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا[الشورى:40] وقال سبحانه: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ[النحل:126].

فالمشركون هم من بدءوا بالاستيلاء على دور المسلمين وعلى أموالهم.

ومن ذلك مثلاً: صهيب رضي الله عنه ما استطاع أن يهاجر إلا بعدما تنازل عن ماله فقال لهم: لو شئتم دللتكم على مالي فأخذتموه؟ قالوا: رضينا، قال لهم: بمكان كذا تحت أسكفة الباب, فذهبوا وحفروا وأخذوا المال ظلماً وعدواناً, ولما وصل إلى المدينة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( ربح البيع أبا يحيى ! ربح البيع أبا يحيى , وأنزل الله قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ[البقرة:207]).

الغزوة الثالثة: غزوة العشيرة, وكانت في جمادى الأولى من السنة الثانية من الهجرة, فالنبي عليه الصلاة والسلام قصد فيها قريشاً, حيث نزل مكاناً يقال له: العشيرة في بطن ينبع, فأقام بها ما بقي من جمادى الأولى, وليالي من جمادى الآخرة, وادع فيها بني مدلج, وكنى علياً أبا تراب , وذكر فيها بعض الأشياء التي تتعلق بالفتن التي تكون في مستقبل الزمان.

فهذه الغزوات الثلاث: ودان وبواط والعشيرة لم يحصل فيها قتال.

ثم كانت غزوة بدر الأولى, وسببها أن رجلاً من شياطين الكفر يقال له: كرز بن جابر الفهري أغار على سرح المدينة ومعه بعض المجرمين من معاونيه, فأغاروا على الإبل التي كانت في المدينة فأخذوها, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه ومعه مجموعة من الصحابة, ولكن قدر الله أن كرزاً فاتهم بما ساق من تلك الإبل. هذه هي الغزوة الرابعة.

لو أردنا أن نتأمل في العبر والدروس المستفادة من هذه الغزوات نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سارع لتكوين مؤسسة عسكرية يرهب بها أعداء الله عز وجل, ويثبت هيبة المسلمين.

معالجة قضية التشاؤم بالزمان في بعض غزوات النبي

وأيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص في تلك الغزوات على معالجة ناحية عقدية, وهي أن العرب كانوا يتشاءمون من شهر صفر. فقد كانوا يعتقدون أن النحس في شهر صفر, فالنبي صلى الله عليه وسلم أول غزوة غزاها كانت في شهر صفر, من أجل أن يثبت للمسلمين خاصة وللعرب عامة: ( أنه لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ), وأن الشهور كلها لله, وأن الزمان كله لله, وأن الله يفعل فيها ما يشاء، فالفاعل حقيقة هو الله جل جلاله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال تعالى: لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ[الرعد:41].

وهذا موجود في زماننا فبعض الناس من المسلمين لا يتزوج ولا يسافر في شهر صفر, ويسمونه صفر الخير, والصحيح ألا نسميه لا صفر خير ولا صفر شر؛ ولذلك لما كان بعض الناس مع الحسن البصري فسمع نعيق بوم, والعرب تتشاءم من البوم, فقام الرجل الذي مع الحسن وقال: خيراً خيراً! فالتفت الحسن إليه منكراً وقال له: لا خير ولا شر, يعني أن البوم ليس له علاقة لا بالخير ولا بالشر.

والآن بعض الناس ربما لو خرج من بيته فرأى غراباً فإنه يرجع ويقول: اليوم هذا يوم سيئ، وربما لو رأى تيساً أسود شديد السواد, أو رأى قطة سوداء فإنه يرجع ويتشاءم بيومه ذلك.

والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن هذا داء, لا يكاد يسلم منه أحد قال صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث لا يسلم منهن أحد: الحسد والطيرة والظن، قالوا: فما المخرج يا رسول الله؟ قال: إذا حسدت فلا تبغي, وإذا ظننت فلا تحقق, وإذا تطيرت فامض ).

فالإنسان إذا تشاءم من شيء فينبغي أن يقول كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا طير إلا طيرك, ولا خير إلا خيرك, ولا يأتي بالخير غيرك, جل جلالك).

بث روح العزة في نفوس المسلمين

ومن الدروس المستفادة من هذه الغزوة: أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المسلمين أن يكونوا أعزة لا يرضون بالذل, وأن الذي يعتدي عليهم ينبغي أن يواجه اعتداءه بمثله, ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ودان لما أراد أن يعترض عير قريش اختار لها من تبعه من المهاجرين؛ من أجل أن يقول لهم: انتقموا لأنفسكم و( أصيبوا قريشاً في مالها كما أصابتكم في أموالكم ).

ترسيخ مبدأ التفاؤل في كل الأمور

ومن الدروس المستفادة أيضاً: علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الفأل الحسن؛ ولذلك اختار في تلك الغزوات أن تكون رايته بيضاء, وكانت النتيجة أن تلك الغزوات أثمرت مهادنة وموادعة لبني ضمرة وبني مدلج, ونحوهم من القبائل, مما يدل على أن الإسلام دين سلام, ولا يلجأ للحرب إلا في حالتين: إما دفاعاً عن النفس, وإما مواجهة لمن اعترض طريق الدعوة, والدفاع عن النفس هو الذي يسميه العلماء جهاد الدفع, ومن اعترض طريق الدعوة يسميه العلماء جهاد الطلب.

ومن الدروس المستفادة أيضاً: علمنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن المؤسسة العسكرية لا تستغني عن السياسة, وأن من غايتها القضاء على التدهور الأمني, وتحقيق الأمان المجتمعي, ولا بد من معاقبة المجرمين, ومواجهة المعتدين.

نقف عند هذا الحد وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تعريف الجهاد وأقسامه [1] 2435 استماع
بني قريظة وبني لحيان ومريسيع 2387 استماع
الحديبية وذي قرد وخيبر 2299 استماع
تعريف الجهاد وأقسامه [2] 2269 استماع
مقدمة في السيرة النبوية 2155 استماع
بني سليم وبني قينقاع 2134 استماع
أحد وحمراء الأسد [1] 2118 استماع
بدر الكبرى [2] 2024 استماع
بدر الكبرى [1] 1888 استماع
السويق وذي أمر وبحران 1736 استماع