الحديبية وذي قرد وخيبر


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد, الرحمة المهداة, والنعمة المسداة, والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

عدد المسلمين في غزوة الحديبية

فالكلام عن الحديبية حيث رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه أنه يؤدي العمرة ومعه أصحابه, فرأى في منامه أنه يدخل المسجد الحرام هو وأصحابه محلقين رءوسهم ومقصرين في أمن وأمان, فخرج عليه الصلاة والسلام في ذي القعدة من العام السادس من الهجرة, ومعه من نسائه أم سلمة رضي الله عنها, فلما بلغ الميقات أشعر هديه وقلده, وأحرم بالعمرة وأحرم من معه من أصحابه ألف وخمسمائة.

صد المشركين للمسلمين عن مكة وإرسال النبي لعثمان للتفاوض معهم

ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية اعترضه المشركون وصدوه عن المسجد الحرام، فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ما جاء يريد قتالاً؛ فقد كانوا محرمين, وكان معهم الهدي مقلدة مشعرة, وما معهم إلا السيوف في أغمادها.

وأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم السيد الجليل عثمان بن عفان ليفاوضهم, وقد عرض المشركون على عثمان أن يطوف بالبيت الحرام, فقال: والله ما كنت لأفعل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحبس عثمان . يعني: تأخر في تلك المفاوضات, فشاع بين الناس أن عثمان قد قتل, فبايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على القتال, أو بعضهم يسميها بيعة الموت، وقد كانت تحت الشجرة, وأنزل الله عز وجل قوله: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ[الفتح:18].

السيد قطب رحمه الله له كلمات في الظلال طيبة يقول: سبحان الله! إن الواحد منا يسمع قول الله تعالى: إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[البقرة:153], فيفرح، يقول: لعلي أنا من الصابرين, والواحد منا يسمع قول الله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ[التوبة:4], فيفرح يقول: لعلي أكون منهم.

قال: فكيف كان شعور جماعة من الناس معروفين بأسمائهم وأنسابهم ومكانهم يقول لهم الله عز وجل: أيها الناس! أيها الجمع! لقد رضيت عنكم؟

يعني ليس كلاماً عاماً! بل قال: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ[الفتح:18], في مكان معين، وحين يفعلون فعلاً معيناً قال الله: إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ[الفتح:18].

ويشهد لهم بقوله تعالى: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ[الفتح:18], أي: علم ما في قلوبهم من الإيمان واليقين وحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا[الفتح:18].

وهذه الآية من الأدلة الظاهرة في تزكية الصحابة رضوان الله عليهم, وأنهم كانوا بارين راشدين هادين مهديين, وأن حبهم إيمان, وبغضهم نفاق وطغيان.

بايع المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم رجع عثمان وتتابعت الوفود التي تفاوض النبي عليه الصلاة والسلام.

فجاء عروة بن مسعود الثقفي وقال له: يا محمد! جمعت أوباش الناس لتفض بهم بيضتك, وتقاتل عشيرتك؟! والله لكأني بهم غداً قد انفضوا عنك. فقال له أبو بكر : نحن ننفض عنه؟ امصص بظر اللات. كلمة فيها شدة وقسوة. فقال عروة : من هذا يا محمد؟ قال له: هذا أبو بكر بن أبي قحافة . قال له: والله لولا يد لك عندي لرددت عليك. وبدأ يكلم النبي صلى الله عليه وسلم وحيناً بعد حين يمسك بلحية النبي عليه الصلاة والسلام في أثناء الكلام, وكان المغيرة بن شعبة واقفاً، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من عادته أنه يقف أحد من ورائه بالسيف؛ لكن هذه المرة وقف المغيرة بالسيف, كي يرهب الأعداء، والرجل كلما مد يده ضربه المغيرة .

ثم ينسى الرجل ويمد يده للحية الرسول صلى الله عليه وسلم والمغيرة يضربه بيده, ثم قال له: أمسك عليك يدك قبل ألا ترجع إليك. يعني: المرة الثانية سوف أقطعها. قال له: من هذا يا محمد!

فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال له: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال له: يا غدر! وهل سترت عورتك إلا بالأمس؟

فالمقصود بأن هذا أحدث في نفوس الكفار رعباً حتى رجع عروة بن مسعود وهو يقول: لقد أتيت كسرى وقيصر؛ فما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً صلى الله عليه وسلم.

رجع المفاوضون وهم على يقين بأن هؤلاء ليسوا مسلميه أبداً، ولا يمكن أن ينفضوا عنه صلوات ربي وسلامه عليه.

شروط صلح الحديبية

انتهى الأمر بالاتفاق على معاهدة ذات شروط أربعة, وهي:

أولاً: أن يرجع المسلمون من عامهم ويرجعوا في العام الآتي.

ثانياً: أن تضع الحرب أوزارها عشر سنين.

ثالثاً: من جاء مسلماً رده المسلمون, ومن ارتد من المسلمين لا يرده الكفار.

رابعاً: من أراد أن يدخل في حلف محمد دخل, ومن أراد أن يدخل في حلف قريش دخل, فدخلت بنو بكر في حلف قريش, ودخلت خزاعة في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم كتبوا ذلك، وكان الكاتب علي رضي الله عنه، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: ما نعرف الرحمن الرحيم, اكتب باسمك اللهم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( امحها يا علي ), فمحاها ثم كتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال له: ما نعرف أنك رسول الله, ولو نعرف أنك رسول الله ما قاتلناك. اكتب هذا ما عاهد عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو , اسم باسم فقال: ( امحها يا علي , قال علي : والله لا أمحوها, فمحاها النبي صلى الله عليه وسلم بيده ). وبعد ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بأن يتحللوا -أي: بأن ينحروا ويحلقوا- فاغتم الصحابة لذلك غماً شديداً, وجاء عمر رضي الله عنه وقال: ( يا رسول الله! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى. قال: ألسنا المسلمين وهم المشركون؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ ألست رسول الله؟ قال: بلى, قال: ألم تقل لنا بأننا سنطوف؟ قال له: بلى. ولكن هل قلت لك: في هذا العام ), يعني: هل حددت بالتاريخ.

ثم ذهب عمر إلى أبي بكر يطرح نفس الأسئلة, فهنا تميز أبو بكر وتفوق، وقال له: يا عمر ! الزم غرزه فإنه رسول الله.

يقول عمر: فوالله ما زلت بعدها أصوم وأتصدق وأعتق لعل الله يكفر عني تلك الكلمات.

ومما زاد المسلمين غماً أن أبا جندل بن سهيل بن عمرو جاء يرسف في أغلاله ويزحف إلى معسكر المسلمين، فقام أبوه وضربه على وجهه بكلتا يديه، وقال: يا محمد! هذا أول من أقاضيك عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( هبه لي ), قال: والله لا أهبه, فبدأ أبو جندل يصرخ بالمسلمين, يا معشر المسلمين! أؤرد إلى المشركين ليفتنوني في ديني؟ وقلوب المسلمين تتقطع, وجاء عمر رضي الله عنه يحمل سيفه ويمشي بجوار أبي جندل ويقول له: إنما هؤلاء مشركون, ودم أحدهم دم كلب. قال: وكنت أرجو أن يأخذ السيف فيضرب به أباه, ولكن الرجل ضن بأبيه, وعمر رضي الله عنه لا يعلم الغيب, وإلا سهيل بعد ذلك أسلم رضي الله عنه, وحسن إسلامه، ولذلك بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حين ارتد الأعراب قام سهيل خطيباً في أهل مكة، فقال: يا أهل مكة! لقد كنتم آخر من أسلم, فلا تكونوا أول من ارتد.

وهذه نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يوم بدر كان سهيل من الأسرى, فعرض عمر أن ينزع ثنيته ليندلع لسانه فلا يقوم خطيباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: كلما أراد أن يتكلم لسانه تخرج, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يا عمر , لا أمثل به فيمثل الله بي, وإن كنت نبياً, ولعله يقوم مقاماً يسرك ), وفعلاً حصل ذلك بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.

فالكلام عن الحديبية حيث رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه أنه يؤدي العمرة ومعه أصحابه, فرأى في منامه أنه يدخل المسجد الحرام هو وأصحابه محلقين رءوسهم ومقصرين في أمن وأمان, فخرج عليه الصلاة والسلام في ذي القعدة من العام السادس من الهجرة, ومعه من نسائه أم سلمة رضي الله عنها, فلما بلغ الميقات أشعر هديه وقلده, وأحرم بالعمرة وأحرم من معه من أصحابه ألف وخمسمائة.

ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية اعترضه المشركون وصدوه عن المسجد الحرام، فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ما جاء يريد قتالاً؛ فقد كانوا محرمين, وكان معهم الهدي مقلدة مشعرة, وما معهم إلا السيوف في أغمادها.

وأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم السيد الجليل عثمان بن عفان ليفاوضهم, وقد عرض المشركون على عثمان أن يطوف بالبيت الحرام, فقال: والله ما كنت لأفعل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحبس عثمان . يعني: تأخر في تلك المفاوضات, فشاع بين الناس أن عثمان قد قتل, فبايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على القتال, أو بعضهم يسميها بيعة الموت، وقد كانت تحت الشجرة, وأنزل الله عز وجل قوله: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ[الفتح:18].

السيد قطب رحمه الله له كلمات في الظلال طيبة يقول: سبحان الله! إن الواحد منا يسمع قول الله تعالى: إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[البقرة:153], فيفرح، يقول: لعلي أنا من الصابرين, والواحد منا يسمع قول الله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ[التوبة:4], فيفرح يقول: لعلي أكون منهم.

قال: فكيف كان شعور جماعة من الناس معروفين بأسمائهم وأنسابهم ومكانهم يقول لهم الله عز وجل: أيها الناس! أيها الجمع! لقد رضيت عنكم؟

يعني ليس كلاماً عاماً! بل قال: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ[الفتح:18], في مكان معين، وحين يفعلون فعلاً معيناً قال الله: إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ[الفتح:18].

ويشهد لهم بقوله تعالى: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ[الفتح:18], أي: علم ما في قلوبهم من الإيمان واليقين وحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا[الفتح:18].

وهذه الآية من الأدلة الظاهرة في تزكية الصحابة رضوان الله عليهم, وأنهم كانوا بارين راشدين هادين مهديين, وأن حبهم إيمان, وبغضهم نفاق وطغيان.

بايع المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم رجع عثمان وتتابعت الوفود التي تفاوض النبي عليه الصلاة والسلام.

فجاء عروة بن مسعود الثقفي وقال له: يا محمد! جمعت أوباش الناس لتفض بهم بيضتك, وتقاتل عشيرتك؟! والله لكأني بهم غداً قد انفضوا عنك. فقال له أبو بكر : نحن ننفض عنه؟ امصص بظر اللات. كلمة فيها شدة وقسوة. فقال عروة : من هذا يا محمد؟ قال له: هذا أبو بكر بن أبي قحافة . قال له: والله لولا يد لك عندي لرددت عليك. وبدأ يكلم النبي صلى الله عليه وسلم وحيناً بعد حين يمسك بلحية النبي عليه الصلاة والسلام في أثناء الكلام, وكان المغيرة بن شعبة واقفاً، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من عادته أنه يقف أحد من ورائه بالسيف؛ لكن هذه المرة وقف المغيرة بالسيف, كي يرهب الأعداء، والرجل كلما مد يده ضربه المغيرة .

ثم ينسى الرجل ويمد يده للحية الرسول صلى الله عليه وسلم والمغيرة يضربه بيده, ثم قال له: أمسك عليك يدك قبل ألا ترجع إليك. يعني: المرة الثانية سوف أقطعها. قال له: من هذا يا محمد!

فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال له: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال له: يا غدر! وهل سترت عورتك إلا بالأمس؟

فالمقصود بأن هذا أحدث في نفوس الكفار رعباً حتى رجع عروة بن مسعود وهو يقول: لقد أتيت كسرى وقيصر؛ فما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً صلى الله عليه وسلم.

رجع المفاوضون وهم على يقين بأن هؤلاء ليسوا مسلميه أبداً، ولا يمكن أن ينفضوا عنه صلوات ربي وسلامه عليه.

انتهى الأمر بالاتفاق على معاهدة ذات شروط أربعة, وهي:

أولاً: أن يرجع المسلمون من عامهم ويرجعوا في العام الآتي.

ثانياً: أن تضع الحرب أوزارها عشر سنين.

ثالثاً: من جاء مسلماً رده المسلمون, ومن ارتد من المسلمين لا يرده الكفار.

رابعاً: من أراد أن يدخل في حلف محمد دخل, ومن أراد أن يدخل في حلف قريش دخل, فدخلت بنو بكر في حلف قريش, ودخلت خزاعة في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم كتبوا ذلك، وكان الكاتب علي رضي الله عنه، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: ما نعرف الرحمن الرحيم, اكتب باسمك اللهم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( امحها يا علي ), فمحاها ثم كتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال له: ما نعرف أنك رسول الله, ولو نعرف أنك رسول الله ما قاتلناك. اكتب هذا ما عاهد عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو , اسم باسم فقال: ( امحها يا علي , قال علي : والله لا أمحوها, فمحاها النبي صلى الله عليه وسلم بيده ). وبعد ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بأن يتحللوا -أي: بأن ينحروا ويحلقوا- فاغتم الصحابة لذلك غماً شديداً, وجاء عمر رضي الله عنه وقال: ( يا رسول الله! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى. قال: ألسنا المسلمين وهم المشركون؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ ألست رسول الله؟ قال: بلى, قال: ألم تقل لنا بأننا سنطوف؟ قال له: بلى. ولكن هل قلت لك: في هذا العام ), يعني: هل حددت بالتاريخ.

ثم ذهب عمر إلى أبي بكر يطرح نفس الأسئلة, فهنا تميز أبو بكر وتفوق، وقال له: يا عمر ! الزم غرزه فإنه رسول الله.

يقول عمر: فوالله ما زلت بعدها أصوم وأتصدق وأعتق لعل الله يكفر عني تلك الكلمات.

ومما زاد المسلمين غماً أن أبا جندل بن سهيل بن عمرو جاء يرسف في أغلاله ويزحف إلى معسكر المسلمين، فقام أبوه وضربه على وجهه بكلتا يديه، وقال: يا محمد! هذا أول من أقاضيك عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( هبه لي ), قال: والله لا أهبه, فبدأ أبو جندل يصرخ بالمسلمين, يا معشر المسلمين! أؤرد إلى المشركين ليفتنوني في ديني؟ وقلوب المسلمين تتقطع, وجاء عمر رضي الله عنه يحمل سيفه ويمشي بجوار أبي جندل ويقول له: إنما هؤلاء مشركون, ودم أحدهم دم كلب. قال: وكنت أرجو أن يأخذ السيف فيضرب به أباه, ولكن الرجل ضن بأبيه, وعمر رضي الله عنه لا يعلم الغيب, وإلا سهيل بعد ذلك أسلم رضي الله عنه, وحسن إسلامه، ولذلك بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حين ارتد الأعراب قام سهيل خطيباً في أهل مكة، فقال: يا أهل مكة! لقد كنتم آخر من أسلم, فلا تكونوا أول من ارتد.

وهذه نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يوم بدر كان سهيل من الأسرى, فعرض عمر أن ينزع ثنيته ليندلع لسانه فلا يقوم خطيباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: كلما أراد أن يتكلم لسانه تخرج, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يا عمر , لا أمثل به فيمثل الله بي, وإن كنت نبياً, ولعله يقوم مقاماً يسرك ), وفعلاً حصل ذلك بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.

يستفاد من غزوة الحديبية دروس منها:

أولاً: استشارة النساء, فإن الرسول صلى الله عليه وسلم استشار أم سلمة؛ وأما الحديث الذي يقول: ( شاوروهن وخالفوهن ), فإنه حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: أنا أسأل زوجتي: أذهب إلى مكان كذا أو لا أذهب؟ فتقول لي: لا تذهب, فأقول: إذاً أذهب. هذا كلام غير صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستشير النساء.

ثانياً: أهمية القدوة العملية, فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بأن يحلقوا فما استجابوا: ( فدعا صلى الله عليه وسلم بالحلاق وحلق أمامهم, فقام القوم يحلق بعضهم لبعض, حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً ), يعني: ما كانت الحلاقة برفق, وإنما كل واحد يمسك الثاني وبشدة وعنف, رضوان الله عليهم.

ثالثاً: كانت هذه الغزوة سبباً في نزول حكم الإحصار, فمن أحصر عن البيت بعدما أنشأ نية النسك, ولم يكن قد اشترط فإن الواجب عليه أن يفدي.

يعني: من أحصر بعدو أو أحصر بمرض -على قول بعضهم- فإنه يتحلل ويذبح شاة أو ما يقوم مقامها.

رابعاً: كان من نتائج ذلك الصلح: أن المشركين اعترفوا بالمسلمين كقوة تفاوض, وتعطى ويؤخذ منها, ودخلت المهابة في قلوب المشركين والمنافقين, وتيقن الكثير منهم بغلبة الإسلام.

ولما وضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس بعضهم بعضاً، واختلط المشركون بالمسلمين دخلوا في دين الله أفواجاً.

ولك أن تتأمل بأنه في تلك الفترة دخل ناس كبار عظام سيكون لهم شأن كـخالد بن الوليد و عمرو بن العاص وغيرهم, فهؤلاء الكبار رضوان الله عليهم دخلوا في الإسلام.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تعريف الجهاد وأقسامه [1] 2436 استماع
بني قريظة وبني لحيان ومريسيع 2389 استماع
تعريف الجهاد وأقسامه [2] 2270 استماع
مقدمة في السيرة النبوية 2157 استماع
بني سليم وبني قينقاع 2140 استماع
أحد وحمراء الأسد [1] 2119 استماع
بدر الكبرى [2] 2025 استماع
الأبواء وبواط والعشيرة 1984 استماع
بدر الكبرى [1] 1890 استماع
السويق وذي أمر وبحران 1738 استماع