بني قريظة وبني لحيان ومريسيع


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة, والنعمة المسداة, والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى. أما بعد:

فإنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الأحزاب، دخل بيته فوضع سلاحه وخلع لأمته, فنزل عليه جبريل وقال: ( يا محمد! أوقد وضعت السلاح؟ قال: نعم. قال له: فإن الملائكة لم تضع أسلحتها, وإني ذاهب إلى قريظة فمزلزل بهم الأرض فاتبعني. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي: من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ), فخف الصحابة رضي الله عنهم سراعاً, واستجابوا لله وللرسول صلى الله عليه وسلم, فبعضهم صلى العصر في الطريق. وبعضهم قال: إن الصلاة فرض الله, وما علمناها إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد فرضها علينا اليوم في بني قريظة, فلا نصليها إلا هنالك, ولو وصلنا بعد العشاء, ولم يخطئ النبي صلى الله عليه وسلم إحدى الطائفتين.

وهذا الحديث مما يدل على أن الخلاف إذا كان سائغاً فإنه يحتمل, ولا تثريب على أحد المختلفين, طالما أن الخلاف صادر عن اجتهاد لا عن تشهٍ وهوى.

محاصرة المسلمين لبني قريظة

وصل المسلمون إلى ديار بني قريظة فحاصروهم, ولما اشتد عليهم الحصار, قال زعيمهم كعب بن أسد عليه لعنة الله: يا معشر يهود! إني أعرض عليكم ثلاث خصال فاقبلوا واحدة منها. قالوا له: هات الأولى.

قال: الأولى: أن ننزل فنتبع هذا الرجل, يعني: النبي عليه الصلاة والسلام, فإنكم تعلمون أنه رسول الله الذي تجدونه مكتوباً عندكم. فقالوا: لا نفارق ديننا.

قال: الثانية: أن ننزل فنقتل الأزواج والذرية, ونناجز هذا الرجل, فإن نصرنا اتخذنا أزواجاً وذرية, وإن هزمنا لم يكن من ورائنا شيء نخشى عليه. قالوا: فما خير العيش بعد إذا نحن قتلنا أزواجنا وأولادنا.

قال لهم: الثالثة: اليوم يوم السبت, وقد أمننا محمد وأصحابه, هلموا فلنناجزه, فقالوا: قد علمت أن قوماً منا قد اعتدوا في السبت ففعل الله بهم ما فعل.

فقال لهم: قبحكم الله ما بتم على رأي منذ ولدتكم أمهاتكم. ثم بعد ذلك مكثوا ينتظرون مصيرهم, بعدما أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أبا لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه.

قبول بني قريظة النزول على حكم سعد بن معاذ

ثم قبلوا أن ينزلوا على حكم رجل حليف لهم, وهو سعد بن معاذ رضي الله عنه, وقد نسي اليهود أنهم سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعد يسمع، فجاء سعد وكان مجروحاً رضي الله عنه, فلما وصل قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: ( قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ), وهذا الحديث يستدل به على جواز إطلاق السيد على غير الله, فيجوز أن نطلق كلمة (سيد) على من كان أهلاً لها, قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تقولوا للمنافق: سيد, فإنه إن يك سيداً فقد أغضبتم الله عز وجل ).

وقد قال عمر : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ), ويستفاد من الحديث أيضاً: جواز القيام للقادم, إذا كان ذلك على سبيل التوقير لعلم أو سن أو عدالة وما أشبه ذلك.

فقال سعد : ( حكمي نافذ فيكم يا معشر يهود؟ قالوا: نعم. قال: وعلى من هاهنا؟ دون أن ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إجلالاً له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم ).

ثم قام الأنصار فقالوا لـسعد : أحسن في حلفائك من يهود, فقال رضي الله عنه: قد آن لـسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم. ثم قال: إني أحكم بأن تقتل مقاتلتهم, وأن تسبى نساؤهم وذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الله أكبر! لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات ), فصاروا يأخذونهم أرسالاً أرسالاً ويقتلونهم. فقال بعض اليهود لـكعب : يا كعب ! ترى أين يذهب بنا محمد؟ قال لهم: في كل موقف لا تعقلون؟ أما رأيتم أن الذي يذهب لا يرجع.

ثم أخذوا هذا الكلب عدو الله للقتل وهو مصفد, فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ما ندمت على عداوتك لحظة, يعني: أنه -والعياذ بالله- مصر على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وهو في الطريق إلى الذبح, وهو يعلم أنه رسول الله حقاً, بدليل أنه عرض على قومه أن ينزلوا فيؤمنوا به صلوات ربي وسلامه عليه.

وصل المسلمون إلى ديار بني قريظة فحاصروهم, ولما اشتد عليهم الحصار, قال زعيمهم كعب بن أسد عليه لعنة الله: يا معشر يهود! إني أعرض عليكم ثلاث خصال فاقبلوا واحدة منها. قالوا له: هات الأولى.

قال: الأولى: أن ننزل فنتبع هذا الرجل, يعني: النبي عليه الصلاة والسلام, فإنكم تعلمون أنه رسول الله الذي تجدونه مكتوباً عندكم. فقالوا: لا نفارق ديننا.

قال: الثانية: أن ننزل فنقتل الأزواج والذرية, ونناجز هذا الرجل, فإن نصرنا اتخذنا أزواجاً وذرية, وإن هزمنا لم يكن من ورائنا شيء نخشى عليه. قالوا: فما خير العيش بعد إذا نحن قتلنا أزواجنا وأولادنا.

قال لهم: الثالثة: اليوم يوم السبت, وقد أمننا محمد وأصحابه, هلموا فلنناجزه, فقالوا: قد علمت أن قوماً منا قد اعتدوا في السبت ففعل الله بهم ما فعل.

فقال لهم: قبحكم الله ما بتم على رأي منذ ولدتكم أمهاتكم. ثم بعد ذلك مكثوا ينتظرون مصيرهم, بعدما أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أبا لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه.

ثم قبلوا أن ينزلوا على حكم رجل حليف لهم, وهو سعد بن معاذ رضي الله عنه, وقد نسي اليهود أنهم سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعد يسمع، فجاء سعد وكان مجروحاً رضي الله عنه, فلما وصل قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: ( قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ), وهذا الحديث يستدل به على جواز إطلاق السيد على غير الله, فيجوز أن نطلق كلمة (سيد) على من كان أهلاً لها, قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تقولوا للمنافق: سيد, فإنه إن يك سيداً فقد أغضبتم الله عز وجل ).

وقد قال عمر : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ), ويستفاد من الحديث أيضاً: جواز القيام للقادم, إذا كان ذلك على سبيل التوقير لعلم أو سن أو عدالة وما أشبه ذلك.

فقال سعد : ( حكمي نافذ فيكم يا معشر يهود؟ قالوا: نعم. قال: وعلى من هاهنا؟ دون أن ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إجلالاً له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم ).

ثم قام الأنصار فقالوا لـسعد : أحسن في حلفائك من يهود, فقال رضي الله عنه: قد آن لـسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم. ثم قال: إني أحكم بأن تقتل مقاتلتهم, وأن تسبى نساؤهم وذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الله أكبر! لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات ), فصاروا يأخذونهم أرسالاً أرسالاً ويقتلونهم. فقال بعض اليهود لـكعب : يا كعب ! ترى أين يذهب بنا محمد؟ قال لهم: في كل موقف لا تعقلون؟ أما رأيتم أن الذي يذهب لا يرجع.

ثم أخذوا هذا الكلب عدو الله للقتل وهو مصفد, فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ما ندمت على عداوتك لحظة, يعني: أنه -والعياذ بالله- مصر على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وهو في الطريق إلى الذبح, وهو يعلم أنه رسول الله حقاً, بدليل أنه عرض على قومه أن ينزلوا فيؤمنوا به صلوات ربي وسلامه عليه.

وهذه الغزوة يستفاد منها فوائد، وهي:

جواز الاختلاف في مسائل الفروع

أولاً: جواز الخلاف في مسائل الفروع, فالصحابة قد اختلفوا في مسائل عدة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته, والأمثلة على ذلك كثيرة، فمثلاً: اختلفوا في الأسرى يوم بدر، واختلفوا في الخلافة من يكون الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

واختلفوا في معنى القرء هل هو الطهر أم الحيض؟

واختلفوا عند تغسيل الرسول صلى الله عليه وسلم هل يجرد من ثيابه أم يغسل من فوق الثياب؟

واختلفوا هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه أم لا؟ وقد حصل الخلاف في هذا بين عائشة و ابن عباس .

واختلفوا أيضاً في المرتدين: هل يقاتلونهم أم لا؟

واختلفوا أيضاً أين يدفنون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

واختلفوا أيضاً هل مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يمت؟ حتى إن عمر كان يقول: إنما ذهب إلى ربه كما ذهب موسى لميقات ربه, وإنه سيرجع وسيقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات.

واختلفوا أيضاً في قسمة الأراضي عندما كثرت الفتوحات.

واختلفوا رضي الله عنهم أيضاً في قضية المؤلفة قلوبهم.

واختلفوا أيضاً في توريث الإخوة مع الجد, وفي ميراث الجدة. فـأبو بكر كان يقول: لا أجد لك شيئاً في كتاب الله, ولا أعلم لك شيئاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذه الأمثلة كلها من الخلاف الذي حصل بين الصحابة.

إذاً: الخلاف سائغ, لكن لا بد من التأدب فيه بأدب الصحابة, حيث لم يتجاوزوا به قدراً, ولم يشتم بعضهم بعضاً, ولا أمسك بعضهم بخناق بعض, ولا فسق بعضهم بعضاً, ولا بدع بعضهم بعضاً.

سرعة استجابة الصحابة لأمر النبي

ثانياً: أن الصحابة كانوا سريعي الاستجابة, فما قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! كنا في غزوة, والآن تأمرنا بغزوة أخرى, ولم يقولوا: أمهلنا إجازة أسبوع أو عشرة أيام لنرتاح, لا، وإنما سارعوا بالاستجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جواز قتال من نقض العهد

ثالثاً: وهنا فائدة فقهية وهي: جواز قتال من نقض العهد، وجواز التحكيم في أمور المسلمين ومهماتهم العظام, يعني: إذا كان التحكيم سائغاً في أرنب كما في قوله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا[المائدة:95], فمن باب أولى أن يكون التحكيم في الأمور الكبار، فهو لا بد منه.

رابعاً: ويؤخذ من قصة أبي لبابة : أن الذي يرشد الكفار إلى خطط المسلمين ويطلعهم على أسرارهم قد خان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا؛ لأن أبا لبابة رضي الله عنه قال: فوالله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أولاً: جواز الخلاف في مسائل الفروع, فالصحابة قد اختلفوا في مسائل عدة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته, والأمثلة على ذلك كثيرة، فمثلاً: اختلفوا في الأسرى يوم بدر، واختلفوا في الخلافة من يكون الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

واختلفوا في معنى القرء هل هو الطهر أم الحيض؟

واختلفوا عند تغسيل الرسول صلى الله عليه وسلم هل يجرد من ثيابه أم يغسل من فوق الثياب؟

واختلفوا هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه أم لا؟ وقد حصل الخلاف في هذا بين عائشة و ابن عباس .

واختلفوا أيضاً في المرتدين: هل يقاتلونهم أم لا؟

واختلفوا أيضاً أين يدفنون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

واختلفوا أيضاً هل مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يمت؟ حتى إن عمر كان يقول: إنما ذهب إلى ربه كما ذهب موسى لميقات ربه, وإنه سيرجع وسيقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات.

واختلفوا أيضاً في قسمة الأراضي عندما كثرت الفتوحات.

واختلفوا رضي الله عنهم أيضاً في قضية المؤلفة قلوبهم.

واختلفوا أيضاً في توريث الإخوة مع الجد, وفي ميراث الجدة. فـأبو بكر كان يقول: لا أجد لك شيئاً في كتاب الله, ولا أعلم لك شيئاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذه الأمثلة كلها من الخلاف الذي حصل بين الصحابة.

إذاً: الخلاف سائغ, لكن لا بد من التأدب فيه بأدب الصحابة, حيث لم يتجاوزوا به قدراً, ولم يشتم بعضهم بعضاً, ولا أمسك بعضهم بخناق بعض, ولا فسق بعضهم بعضاً, ولا بدع بعضهم بعضاً.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تعريف الجهاد وأقسامه [1] 2436 استماع
الحديبية وذي قرد وخيبر 2300 استماع
تعريف الجهاد وأقسامه [2] 2270 استماع
مقدمة في السيرة النبوية 2157 استماع
بني سليم وبني قينقاع 2140 استماع
أحد وحمراء الأسد [1] 2119 استماع
بدر الكبرى [2] 2025 استماع
الأبواء وبواط والعشيرة 1984 استماع
بدر الكبرى [1] 1889 استماع
السويق وذي أمر وبحران 1738 استماع