بدر الكبرى [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى, وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه, عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار, وعدد ما اختلف الليل والنهار, وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ يوم بدر بأسباب النصر كلها، ومنها:

اللجوء إلى الله بالدعاء

أولاً: الدعاء، فقد كان الناس في تلك الليلة ما بين نائم ومستيقظ, أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مكث سائر الليل يرفع يديه إلى السماء، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: ( اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض, اللهم هذه قريش قد أقبلت بخليها وخيلائها تحادك وتكذب نبيك, اللهم نصرك الذي وعدتني. ويدعو صلى الله عليه وسلم ويبالغ في رفع يديه حتى سقط رداؤه, فقال له أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! بعض مناشدتك ربك, فإن الله منجز لك ما وعدك)؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم استعان بالدعاء, فجاءته المكافأة سريعة حيث: ( أخذته صلى الله عليه وسلم سنة, ثم فتح عينية وقال: أبشروا معشر المسلمين, فإني أريت مصارع القوم, هنا يقتل فلان؛ وهنا يقتل فلان, فما جاوز أحد الموضع الذي عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

ترتيب الجيش بذكاء وخبرة عسكرية

ثانياً: صف المسلمين وتنظيم الجيش؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم نظم الجيش فقسمه إلى ميمنة وميسرة وقلب، وأعطى راية الأنصار أحدهم, وراية المهاجرين أحدهم, ولبس صلى الله عليه وسلم درعين, وهذا من أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسباب، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما عرفت تأويل قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ[القمر:45] -هذه الآية نزلت في مكة- إلا حين رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يثب في درعه, وهو يقول: ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ[القمر:45] ), فعرفت تأويلها.

ارتفاع الروح المعنوية

ثالثاً: شحذ الروح المعنوية, وقد قيل: السلاح بضاربه. يعني لو أعطوك سلاحاً وأنت رجل جبان فلا يغني عنك شيئاً.

فبعض الناس بمجرد أن يرى الدم يرتجف, ولو كان معه الصواريخ وغيرها فلن تغني عنه شيئاً؛ بل لا بد من قلب عامر بالإيمان, ولا بد من أخذ بأسباب التدرب على هذا السلاح.

ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم شحذ روح أصحابه بعدما صفهم قال: ( والذي نفسي بيده! لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة ), وكما قال ابن القيم رحمه الله: لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم إلا في مواطن قليلة, ربما تبلغ الثمانين موطناً, منها هذا الموطن: ( والذي نفسي بيده! لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً- هذه هي الشروط- مقبلاً غير مدبر, إلا أدخله الله الجنة ), فهذه الكلمات فعلت فعلها في نفوس الصحابة رضوان الله عليهم، حتى إن عميراً رضي الله عنه كان معه تمرات يأكلهن؛ فألقاهن وقال: بخ! بخ! إنها لحياة طويلة إن بقيت حتى آكل هذه التمرات, ودخل رضي الله عنه فقاتل حتى قتل.

رابعاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب القدوة للصحابة بنفسه, قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[الأحزاب:21], وفي قراءة متواترة (إسوة) بالكسر, فإذا سمعت إماماً يقرأ بها فلا تنكر عليه.

أولاً: الدعاء، فقد كان الناس في تلك الليلة ما بين نائم ومستيقظ, أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مكث سائر الليل يرفع يديه إلى السماء، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: ( اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض, اللهم هذه قريش قد أقبلت بخليها وخيلائها تحادك وتكذب نبيك, اللهم نصرك الذي وعدتني. ويدعو صلى الله عليه وسلم ويبالغ في رفع يديه حتى سقط رداؤه, فقال له أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! بعض مناشدتك ربك, فإن الله منجز لك ما وعدك)؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم استعان بالدعاء, فجاءته المكافأة سريعة حيث: ( أخذته صلى الله عليه وسلم سنة, ثم فتح عينية وقال: أبشروا معشر المسلمين, فإني أريت مصارع القوم, هنا يقتل فلان؛ وهنا يقتل فلان, فما جاوز أحد الموضع الذي عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

ثانياً: صف المسلمين وتنظيم الجيش؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم نظم الجيش فقسمه إلى ميمنة وميسرة وقلب، وأعطى راية الأنصار أحدهم, وراية المهاجرين أحدهم, ولبس صلى الله عليه وسلم درعين, وهذا من أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسباب، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما عرفت تأويل قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ[القمر:45] -هذه الآية نزلت في مكة- إلا حين رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يثب في درعه, وهو يقول: ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ[القمر:45] ), فعرفت تأويلها.

ثالثاً: شحذ الروح المعنوية, وقد قيل: السلاح بضاربه. يعني لو أعطوك سلاحاً وأنت رجل جبان فلا يغني عنك شيئاً.

فبعض الناس بمجرد أن يرى الدم يرتجف, ولو كان معه الصواريخ وغيرها فلن تغني عنه شيئاً؛ بل لا بد من قلب عامر بالإيمان, ولا بد من أخذ بأسباب التدرب على هذا السلاح.

ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم شحذ روح أصحابه بعدما صفهم قال: ( والذي نفسي بيده! لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة ), وكما قال ابن القيم رحمه الله: لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم إلا في مواطن قليلة, ربما تبلغ الثمانين موطناً, منها هذا الموطن: ( والذي نفسي بيده! لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً- هذه هي الشروط- مقبلاً غير مدبر, إلا أدخله الله الجنة ), فهذه الكلمات فعلت فعلها في نفوس الصحابة رضوان الله عليهم، حتى إن عميراً رضي الله عنه كان معه تمرات يأكلهن؛ فألقاهن وقال: بخ! بخ! إنها لحياة طويلة إن بقيت حتى آكل هذه التمرات, ودخل رضي الله عنه فقاتل حتى قتل.

رابعاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب القدوة للصحابة بنفسه, قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[الأحزاب:21], وفي قراءة متواترة (إسوة) بالكسر, فإذا سمعت إماماً يقرأ بها فلا تنكر عليه.

المبارزة التي وقعت في بداية المعركة

مما وقع في يوم بدر أنه خرج ثلاثة من المشركين يطلبون المبارزة، وهم صناديد الكفر, خرج عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة, فخرج لهم ثلاثة من الأنصار, فأبى أولئك الكفار, وقالوا: أكفاء كرام, لكنا نريد من بني عمومتنا, قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( قم يا حمزة , وقم يا علي , وقم يا عبيدة بن الحارث ), فقام الثلاثة رضي الله عنهم. أما علي فقد كر على الوليد فقتله, وأما حمزة فقد كر على شيبة فقتله أيضاً, واختلف عتبة و عبيدة ضربة لكل واحد منهما, فكر علي و حمزة فأجهزا على الثالث, والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، قال تعالى: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الأنعام:45].

وفي هؤلاء -والعلم عند الله تعالى- نزلت: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ[الحج:19-20].

وبعد ذلك دارت رحى الحرب, اشتد الأمر وحمي الوطيس, واحمرت الحدق.

وأشجع الناس في ذلك الموقف هو رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة رجل من أشجع الناس وهو علي رضي الله عنه حيث قال: ( ما رأيت أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم, كنا إذا حمي الوطيس واحمرت الحدق واشتدت الحرب نتقي به؛ فلا يكون أحد أقرب إلى العدو منه, وإن الشجاع منا للذي يحاذيه)؛ فالشجاع الذي يكون محاذياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا يوجد أحد يتقدم عليه صلى الله عليه وسلم.

قتل معاذ ومعوذ لأبي جهل

ظهرت ضروب من الشجاعة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أذكر واحدة منها: يقول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه -والحديث في البخاري ومسلم-: ( إني لفي الصف يوم بدر, إذ رأيت نفسي بين غلامين صغيرين، فقلت: يا ليتني كنت بين أضلع منها ).

دائماً في المحافل يتمنى الإنسان أن يكون معه أناس مثله أو أفضل منه, لكن أن يكون عن يمينه صغار السن وعن شماله مثل ذلك، فهذا يكرهه البعض, وعبد الرحمن في نفسه كأنه تضايق, فقال: ( فغمزني أحدهما في غفلة من صاحبه وقال لي: يا عمي! أتعرف أبا جهل قلت: نعم, وما شأنك به؟ قال له: لقد علمت أن أبا جهل يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم, والذي نفسي بيده! لو رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا)، يعني: لو رأيت أبا جهل الساب للنبي صلى الله عليه وسلم إما أن أقتله وإما أن يقتلني.

(قال: ثم غمزني الآخر فقال لي مثلما قال الأول, قال: فرأيت أبا جهل يجول بين الصفوف؛ فقلت: هذا صاحبكما -أي هذا أبو جهل - قال: فوثب عليه الغلامان وما تركاه حتى أثبتاه ).

هذا الكلب عدو الله الذي كان يستأسد على سمية رضي الله عنها, والذي كان يعذب المستضعفين من المسلمين, جعل الله هلاكه على يدي هذين الغلامين, مثلما جعل الله هلاك فرعون على يد موسى الذي كان غلاماً في بيته.

كما قال ابن كثير رحمه الله: كأن الله يقول لفرعون: يا هذا الملك المتسلط المغرور! إني جعلت هلاكك على يد غلام ينشأ في بيتك, ويتغذى من طعامك, والله يفعل ما يشاء.

فالمقصود بأن هذين الغلامين أثبتا عدو الله، وهذه رواية البخاري .

وزاد البيهقي في دلائل النبوة: فلحق عكرمة بن أبي جهل بأحدهما فضربه في ذراعه، وهو معاذ بن عفراء رضي الله عنه.

يقول معاذ: فمكثت سائر اليوم أقاتل وأنا أجرها خلفي؛ فلما أثقلتني -أي: عاقتني عن القتال- وضعتها تحت قدمي وتمطيت حتى خلعتها, ثم بعدما انجلى غبار المعركة جاء الغلامان كلاهما يقول: ( يا رسول الله! أنا قتلت أبا جهل قال: هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا, قال: أرياني, فجاء كل منهما بسيفه, فقال صلى الله عليه وسلم: كلاكما قتله - يعني: الدم شركة بينكما- وخر صلى الله عليه وسلم لله ساجداً وقال: هذا فرعون هذه الأمة. وأما الغلام الذي قطعت ذراعه فشكى للرسول صلى الله عليه وسلم أنها قطعت في سبيل الله قال: فبصق عليها ثم لصقها فلصقت ), أي رجعت كما كانت, ولا نستغرب فهذه من المعجزات الحسية لرسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا تنسوا كيف رد رسول الله صلى الله عليه وسلم عين قتادة وقد قيل:

عين قتادة لا تنساها صارت تنظر حين وسم

( حيث إن قتادة بن النعمان جاء يوم أحد وعينه قد سالت على كفه، قال: فأخذها صلى الله عليه وسلم ووضعها فكانت أحسن من الأخرى ).

وذلك لما جاء حفيده عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان فقال له عمر بن عبد العزيز : من أنت؟ قال:

أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد

فعادت كما كانت لأول عهدها فيا حسن ما عين ويا حسن ما خد

فقال عمر بن عبد العزيز :

تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

ومعنى كلام عمر بن عبد العزيز أي أن هذه هي المكارم, وليست المكارم أن يتحدث الإنسان أنه يشرب كذا من اللبن أو يمدح أكله وأنه مع السمن أو مع اللحم, فهذا كله سيصير بولاً وغائطاً.

وكما قال بعضهم: إني لأكره للمرء أن يكون وصافاً لبطنه ولفرجه، وهكذا بعض الناس ليس عنده حديث إلا عن البطن والفرج أجاركم الله.

ونعود هنا لذكر الآيات التي كانت يوم بدر، وأيد الله بها المسلمين إجمالاً.

أولاً: نزول الملائكة.

ثانياً: نزول الغيث.

ثالثا: النعاس.

رابعاً: تقليل المشركين في أعين المسلمين, وتقليل المسلمين في أعين المشركين.