اللقاء الشهري [30]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثلاثون الذي يتم كل شهر في ليلة الأحد الثالث من كل شهر إلا أن يكون هناك سبب يقتضي التأخير أو التقديم، لقاؤنا هذه الليلة يكون في الكلام عن النصارى، ومدى ما يكنونه للمسلمين.

عقيدة النصارى في نبينا محمد

نقول: إن النصارى هم الذين ينتسبون إلى عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، ويسمون أنفسهم بالمسيحيين نسبة إليه، والمسيح عيسى بن مريم بريء منهم؛ لأنهم أنكروا بشارته ورفضوها، وأنكروا دعوته إلى التوحيد، وأشركوا بالله، ووصفوا الله تعالى بما لا يليق به.

أما إنكارهم بشارة عيسى، فإن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام قال: يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وهذا باعتبار الرسالة السابقة على رسالته.. وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6] وهذا باعتبار الرسالة التي تلت رسالته، ولا نبي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، هل قبلوا هذه البشارة؟

لا، بل رفضوها وأنكروها وكذبوا بها، وقالوا زاعمين وملبسين: إن عيسى بن مريم إنما بشر برسول اسمه أحمد، ورسول العرب اسمه محمد، ونحن في انتظاره.

فيقال لهم: هذا تلبيس وتشبيه على السذَّج من الناس، وإلا فإن الله تعالى قال في نفس الآية: فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6] جاءهم الفاعل من؟ المبشر به، لما جاءهم بالبينات الدالة على أنه رسول الله، وعلى أنه الذي بشر به عيسى عليه السلام قالوا: هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6] فإذا كان قد جاء فكيف ينتظر؟!

وأما تسميته بأحمد فيما أنطق الله به عيسى بن مريم، فلا يعني هذا ألا يكون له اسم آخر، فله أسماء متعددة: اسمه أحمد، ومحمد، والعاقب، والحاشر، وأسماء كثيرة له عليه الصلاة والسلام، ولكن أنطق الله عيسى أن يقول: أحمد دون محمد؛ لأن أحمد أدل على الكمال حيث إنه اسم تفضيل مشتق من الحمد، وهو مبني مما لم يسم فاعله ومما سمي فاعله، فباعتبار الأول يكون هو أكثر وأحق من يحمد، وبالاعتبار الثاني يكون هو أكثر وأحق من يحمد الله، والرسول عليه الصلاة والسلام له هذا وهذا، فلذلك أنطق الله عيسى بن مريم أن يقول: أحمد حتى يُعلم أن هذا الرسول عليه الصلاة والسلام أحمد الناس لربه، وأن هذا الرسول أكثر ما يحمده الناس.

كفر النصارى بعيسى وموالاتهم اليهود

ثم إن هؤلاء النصارى كفروا بما دعا إليه عيسى، عيسى بن مريم ماذا قال لهم؟

يقول الله عز وجل: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:116-117] لكنهم قالوا: لا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73] ويعبدون ثلاثة، فقد كفروا بما جاء به عيسى من الحق، فكيف يصح أن ينتسبوا إلى عيسى عليه الصلاة والسلام وهم يكفرون بما جاء به؟!

وهؤلاء النصارى وإن كانوا أعداء لليهود فيما سبق؛ لأن اليهود كذبت عيسى، وادعت أنه ولد زنا، وأن أمه بغي، وقتلوا من شبه لهم به، وقالوا: قتلنا المسيح عيسى بن مريم وصلبناه، فقال الله تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] ولكن لما جاء الإسلام صار هؤلاء المتعاديان بعضهم لبعض ولياً ضد الإسلام، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] فإذا كان بعضهم أولياء بعض ضد المسلمين، فلا بد أن يتناصروا على المسلمين ويتعاونوا، فاليهود والنصارى كلهم أعداء للمسلمين، كلهم أعداء لنا، كلهم أعداء لمولانا وربنا عز وجل.

هل تظنون أن الولاية بين اليهود والنصارى مقتصرة على اليهود والنصارى فقط؟

لا، كل الكفار مع اليهود والنصارى، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73] وهذه شهادة من الله عز وجل الذي يعلم ما في صدورهم، ويعلم ما في قلوبهم، ويعلم ما يكنونهم لحزبه المسلمين، لذلك لا غرابة أن ترحب دول النصارى بما جرى من الصرب على إخواننا المسلمين، وأن يقفوا ساكتين متفرجين على ما حصل من المآسي العظيمة: من القتل والتشريد والتمثيل، وانتهاك الأعراض، وإجلاء الناس عن منازلهم، والقتل العشوائي.

جرائم أهل الكفر تجاه المسلمين في يوغسلافيا

لقد أتانا أخبار عن طريق الفاكس أنهم جمعوا (700) شاب من خيرة الشباب في ملعب رياضي، وجعلوا يذبحونهم كما يذبحون الغنم -أعوذ بالله- قلوبهم قاسية؛ لأنها حاقدة على الإسلام والمسلمين، ولأنها لم تر من يقول لها: مه، إذ أن الأمم الكافرة كلها معها، لا نستثني شيئاً، والدليل: أنهم كانوا يماطلون وعداً من بعد وعد، ونجتمع في المكان الفلاني وفي المكان الفلاني ولم يرفعوا رأساً ولم يروا بأساً بما جرى على المسلمين.

ولما حصل ما حصل من الكروات على النصارى في هذه الأيام الأخيرة، صاروا يتحدثون عن السلام، يتحدثون عن حقوق الإنسان، مع أن النصارى الكروات لم يفعلوا بالنصارى الصرب كما فعل الصرب بالمسلمين ولا قريباً منه، بل فتحوا لهم الخط وجعلوهم يسيرون من ديارهم، ولم يحصل ما حصل للمسلمين.

ثم لما وصلوا إلى البلاد التي كان فيها الكروات وهي من بلاد الصرب أجلوا الكروات من ديارهم، واستقبلوا هؤلاء الذين فروا من القتال، ومع ذلك لم يتكلم أحد في هذا، بل إنهم يحاولون الآن أن يقسموا بلاد يوغسلافيا على ما يروق لهم، وعلى ما يرون أنه يقضي على حركة المسلمين هناك، ولكننا بحول الله واثقون بالله عز وجل، وأنه ينطبق عليهم قول الله عز وجل: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] القلوب بيد الله عز وجل، وهو سبحانه وتعالى قادر على أن يصرف هذه القلوب ويلقي العداوة بينها حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] ونحن نؤمن بأن هذا بقضاء الله وقدره، وأنه أمر مكتوب قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأنه لا بد أن يكون له حكماً بالغة عظيمة، ولكننا نستعجل؛ لأن الإنسان خلق من عجل وكان عجولاً، إلا أننا كلما رجعنا إلى أنفسنا نقول: وانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ [السجدة:30] لا تعجل كما قال الله تعالى: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].

واجبنا تجاه نصرة إخواننا المجاهدين

علينا أن نقوم بمساعدة إخواننا بما نستطيع من بذل المال والدعاء في كل وقت ترجى فيه الإجابة؛ لأن هذا أدنى ما يجب لهم علينا، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل كيد أعدائنا في نحورهم، وأن يشتت شملهم ويفرق جمعهم ويهزم جندهم إنه على كل شيء قدير.

وهذه الأيام كانت الحملة المباركة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين وفقه الله لجمع التبرعات، وجمعوا ولله الحمد أموالاً كثيرة، نسأل الله تعالى أن ينفع إخواننا المسلمين بها، وأن تكون عوناً لهم على قتال أعدائهم، وتبرع المسلمون، مقل ومستكثر، كل بحسب حاله، حتى إن بعض النساء تبرعت بحليها، بالخاتم .. بالسوار .. بالخرص .. بالقلادة؛ لأن الناس والحمد لله معهم حياة، لكنهم يحتاجون إلى من يوقظ هممهم، ويشجعهم على الخير، والباب مفتوح إلى الآن لمن أراد أن يتبرع إما من الزكاة وإما من الصدقات، ولكنه يخبر من يتلقى هذه التبرعات بأن هذه زكاة أو صدقة تبرع؛ لأن كل شيء له باب معين وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39].

ونقتصر على هذا القدر من الكلام على هذه القضية المفجعة التي نرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعل العاقبة حميدة للمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين.

نقول: إن النصارى هم الذين ينتسبون إلى عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، ويسمون أنفسهم بالمسيحيين نسبة إليه، والمسيح عيسى بن مريم بريء منهم؛ لأنهم أنكروا بشارته ورفضوها، وأنكروا دعوته إلى التوحيد، وأشركوا بالله، ووصفوا الله تعالى بما لا يليق به.

أما إنكارهم بشارة عيسى، فإن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام قال: يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وهذا باعتبار الرسالة السابقة على رسالته.. وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6] وهذا باعتبار الرسالة التي تلت رسالته، ولا نبي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، هل قبلوا هذه البشارة؟

لا، بل رفضوها وأنكروها وكذبوا بها، وقالوا زاعمين وملبسين: إن عيسى بن مريم إنما بشر برسول اسمه أحمد، ورسول العرب اسمه محمد، ونحن في انتظاره.

فيقال لهم: هذا تلبيس وتشبيه على السذَّج من الناس، وإلا فإن الله تعالى قال في نفس الآية: فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6] جاءهم الفاعل من؟ المبشر به، لما جاءهم بالبينات الدالة على أنه رسول الله، وعلى أنه الذي بشر به عيسى عليه السلام قالوا: هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6] فإذا كان قد جاء فكيف ينتظر؟!

وأما تسميته بأحمد فيما أنطق الله به عيسى بن مريم، فلا يعني هذا ألا يكون له اسم آخر، فله أسماء متعددة: اسمه أحمد، ومحمد، والعاقب، والحاشر، وأسماء كثيرة له عليه الصلاة والسلام، ولكن أنطق الله عيسى أن يقول: أحمد دون محمد؛ لأن أحمد أدل على الكمال حيث إنه اسم تفضيل مشتق من الحمد، وهو مبني مما لم يسم فاعله ومما سمي فاعله، فباعتبار الأول يكون هو أكثر وأحق من يحمد، وبالاعتبار الثاني يكون هو أكثر وأحق من يحمد الله، والرسول عليه الصلاة والسلام له هذا وهذا، فلذلك أنطق الله عيسى بن مريم أن يقول: أحمد حتى يُعلم أن هذا الرسول عليه الصلاة والسلام أحمد الناس لربه، وأن هذا الرسول أكثر ما يحمده الناس.