خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/162"> الشيخ محمد بن صالح العثيمين . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/162?sub=8856"> اللقاء الشهري
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
اللقاء الشهري [50]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فنحن في هذه الليلة نلتقي بإخواننا اللقاء المعتاد الشهري الذي يتم ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذا هو شهر جمادى الآخرة من عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف، نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم أن ينفعنا بملاقاتنا بإخواننا، وأن يجعل أيامنا سعيدة وآخرتنا أسعد وأسعد إنه على كل شيء قدير.
لا أجد شيئاً أتحدث عنه إلا ما يسره الله عز وجل من تفسير السورة التي قرأناها في صلاة العشاء هذه الليلة، لأنني أود من إخواننا جميعاً أن يعتنوا بكتاب الله حفظاً وتدبراً وفهماً وعملاً؛ لأن هذا القرآن الكريم هو الذي به عزة الأمة الإسلامية وبه نجاتها وسعادتها، وقد قال الله عز وجل: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] وقال عز وجل: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ [المؤمنون:68] وقال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، وقال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].
علينا -أيها الإخوة- أن نقرأ القرآن فنتقنه لفظاً، وأن نقرأ القرآن فنتدبره معنى، وأن نقرأ القرآن فنعمل به حكماً، هكذا يريد الله تبارك وتعالى منا، لا يريد منا أن نقرأ القرآن مجرد قراءة لفظ؛ لأن مجرد قراءة اللفظ بدون تدبر للمعنى لا فرق بينها وبين رجل أمي لا يقرأ، والدليل على هذا قوله تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] أي: إلا قراءة، فوصف الله هؤلاء القوم بأنهم أميون، كالذي لا يقرأ تماماً.
أي فرق بين إنسان يقرأ القرآن ولا يدري ما معناه وإنسان لا يقرأ؟ لا يفترق هذا عن هذا من حيث المعنى، لكن نعم الذي يقرأ القرآن يكون له أجر القراءة ولا إشكال، لكن من حيث المعنى والانتفاع بالقرآن لا فرق بين الأمي وبين الذي يقرأ القرآن بلا تدبر.
بناءً على ذلك: أحث إخواننا أن يتدبروا كلام الله عز وجل، ولا سيما المفصل، الذي يبدأ من (ق) إلى آخر القرآن، لأن هذا المفصل هو الذي يقرأ في الصلوات الخمس، يعني: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، لكن الظهر والعصر القراءة فيهما سر، والمغرب والعشاء والفجر القراءة فيهن جهر.
في هذه السورة التي قرأناها هذه الليلة قال الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1] ويل: ترد في القرآن كثيراً، فما معنى هذه الكلمة؟ قيل: إنها اسم واد في جهنم، وعلى هذا فتكون اسماً لشيء محسوس، وقيل: إنها كلمة وعيد، فمعنى ويل: أي وعيد شديد لهؤلاء، في القرآن: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:15].. وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1].. فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79] والكلمة هذه ترد كثيراً في القرآن الكريم، ومعناها على القول الراجح: أنها كلمة وعيد يتوعد الله تبارك وتعالى بها من أسندت إليه.
معنى (المطففين) وصفاتهم
لو سألنا سائل: من المطففون؟
هل نرجع إلى القاموس المحيط الذي يفسر الكلمات العربية أو إلى لسان العرب أو إلى غيرها من كتب اللغة العربية؟
لا نحتاج إلى أن نرجع؛ لأن الذي قال: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1] هو الذي فسرها فقال: الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:2-3] هنا صفتان:
الصفة الأولى: إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [المطففين:2] يعني: إذا طلبوا حقهم من الناس استوفوا، اشترى شخص من آخر عشرة أصواع فأراد أن يقبضها ويستوفيها بالكيل، وهذا ليس فيه لوم على الإنسان أن يستوفي حقه، لكن اللوم أن يستوفي حقه كاملاً ولكنه لا يعطي الحق الذي عليه كاملاً، ولهذا قال: وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:3] وهذه هي الصفة الثانية، معنى كالوهم: أي كالوا لهم، كقول باعوهم أي: باعوا عليهم.
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ [المطففين:3] أي: وزنوا لهم يُخْسِرُونَ [المطففين:3] أي: ينقصون، هل هذا عدل أو جور؟
الإنسان الذي يطلب حقه كاملاً ويعطي الحق الذي عليه ناقصاً فهذا جور لا شك، هذا خلاف العدل، والله تعالى لا يحب الجائرين، يحب المقسطين العادلين.
شمول معنى التطفيف المراد في الآية
الجواب: في جميع الحقوق، وإنما ذكر الله الكيل والوزن لأنه معروف، كل الباعة الذين يبيعون ويشترون يعرفون الكيل والوزن، لكنها عامة في كل الحقوق.
ولننظر: رجل استأجر أجيراً، فاستوفى الحق منه تاماً لكنه لم يعطه الأجرة كاملة، هل يكون مثل الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون؟
الجواب: نعم. ولا فرق.
ومن هذا الرجل يكون موظفاً، ويطلب الراتب كاملاً، لكنه لا يوف الوظيفة حقها، يتأخر في المجيء، أو يتقدم في الخروج، أو يتلهى عن الشغل بما لا مصلحة للشغل فيه.
التقصير الآن في الموظف من وجوه ثلاثة: إما أن يتأخر في المجيء، وإما أن يتقدم في الخروج، وإما أن يتلهى في حال الدوام بما لا مصلحة للعمل فيه، يعني: هو يأتي مبكر، أو من أول الناس ويخرج من آخر الناس لكن يتلهى عن العمل بما لا مصلحة للعمل فيه ويطلب الراتب كاملاً، هل يدخل في الآية؟
نعم؛ لأنه يطلب حقه كاملاً ولكنه لا يعطي الحق الذي عليه كاملاً.
ومن هذا التعامل بين الزوجين، رسم الله تبارك وتعالى له خطة عادلة من أحسن .. بل هي أحسن الخطط قال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] عاشروهن، المعاشرة مفاعلة من الطرفين، عاشروهن: أي ليعاشر كل واحد منكم الآخر بالمعروف، وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].
المعاشرة بين الزوجين: بعض الرجال يريد من الزوجة أن تعطيه حقه كاملاً وهو قد بخسها حقها، إن طلبت النفقة ماطل بها أو منعها، وإن طلبت الذهاب إلى أهلها أو إلى أقاربها أو إلى صاحباتها بالمعروف قال: لا، وهو يريد منها أن تعطيه حقه كاملاً، هذا نقول: إنك داخل في الآية: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3].
الحقوق بين الأصحاب أيضاً يدخل فيها التطفيف، بعض الناس يريد من صاحبه أن يكون له مثل العسل، لكنه يعامل صاحبه بما هو مر كالحنظل، هل هذا تطفيف أو عدل؟ تطفيف، إذا كنت تريد أن يعاملك صاحبك بالمعاملة الطيبة فعامله أيضاً بالمعاملة الطيبة؛ لأن له حقاً عليك ولك حق عليه، أما أن تريد أن يعاملك المعاملة الطيبة وأنت لا تعامله كذلك فإن هذا من التطفيف.
التطفيف الحاصل بين المعلم وتلاميذه
يكونون أمامه بمنزلة المتلقي الذي يقبل ما يعطى له، كالعطشان أمام الساقي، أو الجائع أمام المُطعِم، بمعنى: أن يشعر التلميذ أنه بحاجة إلى تعليم المدرس حتى يقبله وينتفع به، أما إذا كان أمامه وهو يرى أنه مثله أو أحسن منه أو أن المعلم ناقص فإنه لن ينتفع منه، لا يمكن أن تنتفع من المعلم إلا حيث تجعل نفسك بمنزلة العطشان بين يدي الساقي وإلا فلن تنتفع، وهذا شيء مجرب، نحن إذا جلسنا إلى قوم يتكلمون بأفصح ما يكون من كلام ونحن لا نريد أن ننتفع منهم وإنما نريد أن نعلم ما عندهم فإننا لا ننتفع بعلمهم، حتى لو مسكنا شيئاً في أثناء الإلقاء فإنه يذهب بسرعة، لكن إذا جلسنا إلى قوم نريد أن نتعلم منهم فإننا ندرك ما عندهم من العلم ويرسخ في نفوسنا، هذا حق للمعلم على تلاميذه.
كذلك العكس التلاميذ لهم حق على المعلم، فيجب عليه أن يسلك أقرب الطرق إلى إفهام الطلبة، لا يأتي لهم بعبارات معقدة أو يتجاوز في الكتاب الشيء المعقد، بل يجب أن يوصل العلم إلى التلاميذ بأقرب وسيلة، والوسائل -والحمد لله- كثيرة، أما أن يأتي مثلاً ويلقي الدرس ويا ويلك لو تسأله عن شيء، فهذا غلط، بعض الأساتذة يلقي الدرس ثم إذا رفع التلميذ إصبعه يستفهم عن مسألة قال: اجلس.
يا أستاذ! ما فهمت!
قال: اجلس.
فإذا أورد التلميذ عليه مسألة وهو لا يعرفها وهذا يقع كثيراً من بعض الأساتذة، يأتي إلى الدرس وهو ما حضَّر ومعلوماته قليلة، لا يستطيع أن يعلم إلا بعد التحضير وهو لا يحضر، ثم إذا قام التلميذ يسأله وإذا هو ليس عنده علم، ماذا يصنع في التلميذ؟ يقول: اجلس.. اجلس يا ولد، ما بقي وقت للمناقشة.. هذا غلط، من حق التلاميذ عليك أن تعاملهم بلطف، وأن تسلك أقرب الطرق إلى إفهامهم.
وأيضاً ناقشهم، أحيهم بالمناقشة، قل: يا فلان قم، يا فلان قم، يا فلان ما عندك؟ حتى تحيي المجلس، أما بعض الأساتذة تجده من حين يدخل الدرس إلى أن ينتهي وهو يقرأ يقرأ يقرأ يقرأ.. هذا غلط، هذا نقص.
فإذا كان المعلم يريد من التلاميذ أن يكونوا له على أعلى ما يكون من الآداب وهو لا يتأدب معهم أيدخل في الآية؟ نعم يدخل في الآية.
التطفيف بين الرعاة والرعية
كثير من الناس يريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون -ولا شك أننا نريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون- لكننا لا نعطيهم في المعاملة أكمل ما يكون.
بمعنى أن بعض الرعية يقول: يجب أن يكون الراعي على أكمل ما يكون، ومع ذلك تجد الرعية على أنقص ما يكون.. أهذا عدل؟ لا والله ما هو بعدل، إذا كنت تريد أن تعطى الحق كاملاً فأعط الحق الذي عليك كاملاً وإلا فلا تطلب.
ومن حكمة الله عز وجل أن المولَّى على حسب المولَّى عليه.. وهذه من الحكمة أن يكون المولى -ولي الأمر- على حسب من ولي عليه، إن صلح هذا صلح هذا وإن فسد هذا فسد هذا، وفي الأثر: [كما تكونوا يول عليكم] يعني: أن الله يولي على الناس على حسب حالهم، وهذا الأثر وإن لم يكن صحيحاً مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه صحيح المعنى، اقرأ قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً [الأنعام:129] أي: نجعل الظالم فوق الظالم، بماذا؟ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام:129] فإذا ظلمت الرعية سلطت عليها الرعاة، وإذا صلحت الرعية صلح الرعاة، وكذلك بالعكس: إذا صلح الراعي صلحت الرعية.
ذكروا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رجلاً من الخوارج الذين قاتلوا علياً -وتعلمون الخوارج أنهم كانوا أولاً يقاتلون مع علي ضد معاوية رضي الله عنهما جميعاً- ثم إنه لما رضي علي رضي الله عنه بالتحكيم لإطفاء الفتنة انقلبوا على علي، وكفروا علياً وكفروا معاوية ، واستحلوا دماء المسلمين، ولذلك ففتنة الخوارج من أعظم الفتن وأقبحها؛ لأنهم كما قال عنهم شيخ الإسلام رحمه الله: يقتلون المسلمين ويسالمون الكفار.. وإذا تأملت وجدت هذا هو الواقع في الخوارج ، مع أن الخوارج لو نظرنا إلى عبادتهم القاصرة -يعني: المقصورة عليهم- لرأيناهم من أكمل الناس، يقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم: (إنكم -ويخاطب الصحابة- تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وقراءتكم عند قراءتهم) يعني: هم أكمل منكم في اللفظ؛ لكن يقول عليه الصلاة والسلام: (إنهم يقرءون القرآن لا يتجاوز حناجرهم) أعاذنا الله وإياكم من ذلك، اللهم أدخل الإيمان في قلوبنا وثبته فينا يا رب العالمين.
يقول: (إن القرآن لا يتجاوز حناجرهم، وإنهم ليمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية) السهم إذا طرب الرمية مرق منها بسرعة وخرج، هم يمرقون من الإسلام كذلك.
أقول: إن رجلاً من الخوارج جاء إلى علي بن أبي طالب وقال: يا علي.. انظر ما قال: يا أمير المؤمنين لأنه لا يعتقد أنه أمير المؤمنين قال: يا علي.. ما بال الناس اختلفوا عليك ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر ؟ سؤال محرج! لكنه وجه إلى أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، منذ قتل عثمان حصلت فتن عظيمة بين الصحابة أنفسهم، لكن هذه الفتن التي حصلت زاد الناس فيها ونقصوا، وكذبوا -أيضاً- ووضعوا، فالكثير من التاريخ في هذه المسألة بالذات -أي: في ما وقع بين الصحابة- في صفين والجمل وغيرها كثير منها كذب، وكثير منها ضعيف، والصحيح فيها كما قال شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية : الصحيح منها هم فيه معذورون متأولون، من أخطأ منهم فله أجر، ومن أصاب فله أجران.
ولا يحل لنا أن نميل مع واحد منهم أبداً، وإن كنا نعتقد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الخليفة الرابع، وأن خلافته لم تنته إلا بموته، وأنه أقرب إلى الحق من غيره، هذا لا شك عندنا فيه، لكن كوننا نبغض هذا ونحب هذا غلط، ولذلك قال العلماء: يجب علينا -وهو مذهب أهل السنة والجماعة - أن نمسك عما جرى بين الصحابة. وعبر بعضهم بقوله:
ونسكت عن حرب الصحابة فالذي جرى بينهم كان اجتهاداً مجرداً |
أي: نسكت، ولا نتكلم فيه، ولا ننشره بين الناس؛ لأنك إذا نشرت هذا بين الناس فلا بد أن ينقدح في قلب أحدهم الميل إلى هذا أو إلى هذا فيهلك، فالأولى أن ندع الحديث عما جرى بين الصحابة، ولهذا لما سئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي اعتبره بعض العلماء الخليفة الخامس لما سئل عما وقع بين علي ومعاوية قال كلمةً هي جديرة أن تكتب بماء الذهب، قال للذي سأله: [هذه دماء طهر الله أسيافنا منها، فيجب أن نطهر ألسنتنا منها] يعني: تلك أمة قد خلت، ولا ينبغي لنا أن نقرأ ما جرى بينهم؛ لأن هذا لا بد أن يوقع في قلب الإنسان الميل مع أحدهم، وما ذهب إليه أهل السنة والجماعة هو الحق، وهو الخير؛ أن نمسك عما جرى بينهم كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية وغيره من العلماء، وأن نقول: هؤلاء أمة قد خلت لها ما كسبت ولنا ما كسبنا، ولا نسأل عما كانوا يعملون.
الذي نريد من الحكومة أن تصنع كل ما يريد، وأن تكون حكومات الخلفاء الراشدين، ولكننا إذا نظرنا أنفسنا وإذا نحن مفرطون، مفرطون أولاً في حق الله عز وجل، فعندنا كذب، خيانة، تقصير في الواجب، أليس كذلك؟ نشهد على أنفسنا بهذا، عندنا هذا كله، عندنا -أيضاً- تقصير في حق الدولة، فما أكثر الذين يخدعون الدولة ويلبسون الأمور عليها، ويكتمون ما تطلب الدولة إظهاره! وهذا شيء يعرفه كل واحد منكم ولا يخفى عليكم.
هل هذا عدل أن نريد من الحكومة أن تبذل كل ما في وسعها من الاستقامة حتى تكون كالخلفاء ونحن على العكس؟ لا، هذا داخل في قوله: الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:2-3] ونحن نرجو الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا ودولتنا الاستقامة على الحق، وأن يصلح أمورهم، ونحن نعلم أنه لا يوجد اليوم على ظهر الأرض أحد من الولاة مثل ولاة أمورنا على ما فيهم من التقصير، وأنه لا يوجد شعب يمثل الإسلام والتوحيد حقيقةً مثلما يمثله الشعب السعودي على ما فيه من التقصير.
نحن لا نقول هذا تحيزاً أو تعصباً، لكننا نسمع ونقرأ عن البلاد الأخرى، فإذاً يجب العدل، اطلب وأعطا، أما أن تطلب بلا عطاء فإن هذا لا شك من الحيف والجور.
التطفيف الواقع في تقسيم الأشخاص
يأتي إلى عالم من العلماء أخطأ في مسألة قد يكون معذوراً فيها، ثم ينشر هذه المسألة التي أخطأ فيها وينسى محاسن هذا العالم الذي نفع العباد بكثير من علمه، هذا لا شك أنه تطفيف وجور وظلم.
إذا كنت تريد أن تقوِّم الشخص فلا بد أن تذكر محاسنه ومساوئه، أما إذا كنت تريد أن تتكلم على خطأ معين لتحذر الناس منه؛ فنعم اذكر الخطأ لكن بقطع النظر عن قائله، وقل مثلاً: سمعنا أن بعض الناس يقول كذا وكذا وهو خطأ، ثم تُبين الخطأ، أما أن تريد أن تنشر مساوئ الآخرين دون محاسنهم فهذا ظلم وجور.
كذلك -أيضاً- بعض الناس يتكلم مثلاً في واحد من التجار، هذا التاجر قد نفع الناس بتجارته، بإقراض المحتاجين والصدقة عليهم، وبناء المساجد، وأشياء كثيرة، لكن عنده معاملة أخطأ فيها في نظر هذا القائل، فيذهب يسبه بناءً على هذا الخطأ الذي قد يكون هذا التاجر استند فيه على فتوى ربما يكون معذوراً؛ والخطأ على من قال بالخطأ لكنه معذور.
هناك الآن تجار لهم خيرات كثيرة، ومحاسن ونفقات، وصدقات، وغير ذلك من المحاسن، لكن أخطئوا في معاملة من المعاملات، وربما يكون هذا الخطأ غير واقعي ولكنه في نظر القائل والمتكلم فيذهب بعض الناس ويضفي ظلالاً على هذه المحاسن ويذهب يتكلم فيه: فلان يبيع في الربا، فلان يتحيل على الربا، فلان يقول كذا وكذا.. ما هو صحيح هذا، العدل والميزان أن تذكر هذا وهذا، اسمع إلى قول الله تعالى في الأعراب: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة:102] فالعدل والموازنة أمر مطلوب وإلا لكنت من المطففين الذين يريدون الحق لهم كاملاً ولكنهم يهضمون غيرهم.
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1]
لو سألنا سائل: من المطففون؟
هل نرجع إلى القاموس المحيط الذي يفسر الكلمات العربية أو إلى لسان العرب أو إلى غيرها من كتب اللغة العربية؟
لا نحتاج إلى أن نرجع؛ لأن الذي قال: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1] هو الذي فسرها فقال: الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:2-3] هنا صفتان:
الصفة الأولى: إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [المطففين:2] يعني: إذا طلبوا حقهم من الناس استوفوا، اشترى شخص من آخر عشرة أصواع فأراد أن يقبضها ويستوفيها بالكيل، وهذا ليس فيه لوم على الإنسان أن يستوفي حقه، لكن اللوم أن يستوفي حقه كاملاً ولكنه لا يعطي الحق الذي عليه كاملاً، ولهذا قال: وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:3] وهذه هي الصفة الثانية، معنى كالوهم: أي كالوا لهم، كقول باعوهم أي: باعوا عليهم.
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ [المطففين:3] أي: وزنوا لهم يُخْسِرُونَ [المطففين:3] أي: ينقصون، هل هذا عدل أو جور؟
الإنسان الذي يطلب حقه كاملاً ويعطي الحق الذي عليه ناقصاً فهذا جور لا شك، هذا خلاف العدل، والله تعالى لا يحب الجائرين، يحب المقسطين العادلين.
هذه الآية كما ترون وردت في شيء محسوس، فكل يعرف العدل فيه والجور وهو الكيل والوزن، لكن هل هي خاصة بالكيل والوزن أم هي عامة في جميع الحقوق؟
الجواب: في جميع الحقوق، وإنما ذكر الله الكيل والوزن لأنه معروف، كل الباعة الذين يبيعون ويشترون يعرفون الكيل والوزن، لكنها عامة في كل الحقوق.
ولننظر: رجل استأجر أجيراً، فاستوفى الحق منه تاماً لكنه لم يعطه الأجرة كاملة، هل يكون مثل الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون؟
الجواب: نعم. ولا فرق.
ومن هذا الرجل يكون موظفاً، ويطلب الراتب كاملاً، لكنه لا يوف الوظيفة حقها، يتأخر في المجيء، أو يتقدم في الخروج، أو يتلهى عن الشغل بما لا مصلحة للشغل فيه.
التقصير الآن في الموظف من وجوه ثلاثة: إما أن يتأخر في المجيء، وإما أن يتقدم في الخروج، وإما أن يتلهى في حال الدوام بما لا مصلحة للعمل فيه، يعني: هو يأتي مبكر، أو من أول الناس ويخرج من آخر الناس لكن يتلهى عن العمل بما لا مصلحة للعمل فيه ويطلب الراتب كاملاً، هل يدخل في الآية؟
نعم؛ لأنه يطلب حقه كاملاً ولكنه لا يعطي الحق الذي عليه كاملاً.
ومن هذا التعامل بين الزوجين، رسم الله تبارك وتعالى له خطة عادلة من أحسن .. بل هي أحسن الخطط قال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] عاشروهن، المعاشرة مفاعلة من الطرفين، عاشروهن: أي ليعاشر كل واحد منكم الآخر بالمعروف، وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].
المعاشرة بين الزوجين: بعض الرجال يريد من الزوجة أن تعطيه حقه كاملاً وهو قد بخسها حقها، إن طلبت النفقة ماطل بها أو منعها، وإن طلبت الذهاب إلى أهلها أو إلى أقاربها أو إلى صاحباتها بالمعروف قال: لا، وهو يريد منها أن تعطيه حقه كاملاً، هذا نقول: إنك داخل في الآية: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3].
الحقوق بين الأصحاب أيضاً يدخل فيها التطفيف، بعض الناس يريد من صاحبه أن يكون له مثل العسل، لكنه يعامل صاحبه بما هو مر كالحنظل، هل هذا تطفيف أو عدل؟ تطفيف، إذا كنت تريد أن يعاملك صاحبك بالمعاملة الطيبة فعامله أيضاً بالمعاملة الطيبة؛ لأن له حقاً عليك ولك حق عليه، أما أن تريد أن يعاملك المعاملة الطيبة وأنت لا تعامله كذلك فإن هذا من التطفيف.