اللقاء الشهري [60]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء المتمم للستين من اللقاءات الشهرية التي تتم في الجامع الكبيرة في عنيزة ، وهذه الليلة هي ليلة التاسع عشر من شهر رجب عام (1419هـ).

أسأل الله تعالى أن يجعل لقاءاتنا خيراً وعاقبتها خيراً؛ إنه على كل شيء قدير.

وقبل أن نشرع في موضوع هذا اللقاء نتكلم عن صلاة الاستسقاء..

صلاة الاستسقاء سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، والاستسقاء يعني: طلب السقيا، ومن المعلوم أن الذي ينـزل الغيث هو الرب عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ [لقمان:34] وقال الله عز وجل: أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ [الواقعة:68-69].

الجواب: أنت يا ربنا، أنت الذي أنزلته وجعلته مباركاً تنبت به من كل زوج بهيج.

هذا المطر يصرفه الله تبارك وتعالى حيث شاء كيف شاء على قدر ما شاء عز وجل، ولذلك تجد بعض البلاد يكون فيها أمطار كثيرة، وبعض البلاد تكون قاحلة، وبعض البلاد تكون بين هذا وهذا، واستمع إلى قول الله تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً [الفرقان:50].

استسقاء الخطيب يوم الجمعة

الاستسقاء له صفات متعددة:

منها: أن يستسقي الخطيب يوم الجمعة في خطبة الجمعة، ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس بن مالك رضي الله: (أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل -فبدأ رضي الله عنه بسبب السؤال قبل السؤال- قال: هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم معه، وقال: اللهم أغثنا -ثلاث مرات- قال أنس -وهو راوي الحديث- فوالله ما في السماء من سحاب ولا قزعة -القزعة: قطعة من السحاب إذاً: السماء صحو تماماً- وما بيننا وبين سلع -وهو جبل معروف في المدينة إلى الآن بهذا الاسم- من بيت ولا دار -وإنما ذكر ذلك لأن السحاب تأتي من جهة هذا الجبل- يقول: فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس -والترس: ما يتوقى به المجاهد من الرماح، وهو يشبه التبس- فارتفعت في السماء، فلما توسطت انتشرت ورعدت وبرقت، فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته) لا إله إلا الله! أمطرت وخر السقف من المسجد، وساح على رأس الرسول عليه الصلاة والسلام، وجعل المطر يتحادر على لحيته، والمدة قصيرة؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] ويقول تعالى: وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:50] وبدأ المطر ينـزل أسبوعاً كاملاً ما رأوا الشمس ليلاً ونهاراً، فلما كانت الجمعة الأخرى دخل رجل أو الرجل الأول وقال: (يا رسول الله! تهدم البناء وغرق المال فادع الله يمسكها عنا) تهدم البناء من كثرة الأمطار، وغرق المال من كثرة الأمطار، فادع الله يمسكها عنا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يدع أن يمسكها الله إنما دعا بدعاء نافع غير ضار، قال: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) وجعل يشير هكذا بيده، يقول أنس: (فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت) بأمر من؟ بأمر الله عز وجل، ليس بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما يقول: حوالينا ويتفرق السحاب، نقول بأمر الله، ومن المعلوم أنه يمكن أن تكون بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ويكون الله سخر له الغمام كما سخر الريح لسليمان، سليمان سخر الله له الريح؛ يضع البساط ويجلس هو وحاشيته، ثم يأمر الريح فتهب عاصفة قوية لكن بدون قلق: فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ [ص:36] حيث أراد .. غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ [سبأ:12] لكن محمد عليه الصلاة والسلام لم يقل للسحاب: تفرقي؛ حتى نقول: إن هذا بأمره، إنما دعا الله وقال: (حوالينا ولا علينا) فالذي فرقها هو الذي جمعها وهو الله عز وجل، وخرج الناس يمشون في الشمس -تعالى الله- وسال الوادي (قناة) شهراً، وقناة واد في المدينة بهذا الاسم إلى اليوم، سال شهراً كاملاً من الأمطار، فسبحان الله عز وجل!

الدعاء في أي مكان يحصل فيه الدعاء

ومن أنواع الاستسقاء: أن يدعو الإنسان في أي مكان يمكن فيه الدعاء .. في المسجد أو في البيت، وعلى أي حال .. في السجود، في التشهد، بين الأذان والإقامة، يدعو الله تعالى بالغيث، ولقد استسقى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ ودعا الله أن ينـزل المطر حتى يقوم فلان فيسد ثعلب حائطه بردائه، والثعلب: هو الشق في الجدار تدخل منه السيول، فنزل المطر ونزل المطر وخاف الناس من الغرق، وقالوا للرجل: لا يمكن أن تمسك السماء حتى تقوم أنت وتسد ثعلب حائطك بردائك، فقام الرجل وسد الثعب وهو: الشق في الجدار الذي يدخل السيل إلى الحائط، فلما سده بردائه أمسك المطر .. سبحان الله! آية من آيات الله، وآية من آيات الرسول عليه الصلاة والسلام.

الخروج إلى المصلى

ومن ذلك: أن يخرج الناس إلى مصلى العيد، ويصلي الإمام صلاة الاستسقاء كما يصلي في العيد، ويخطب خطبة واحدة، وإن شاء قدم الخطبة على الصلاة؛ لأن كلا الأمرين ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بالدعاء المناسب.

وفي هذا الأسبوع ستقام -إن شاء الله- صلاة الاستسقاء بعد غدٍ بأمر ولي الأمر، وتعلمون أن بلادنا واسعة الأرجاء، حتى لو فرض أننا في وسط المملكة لم يكن هناك حاجة إلى المطر؛ لأن موسم المطر بدأ قريباً، لكن هناك أماكن شاسعة تحتاج إلى مطر، والعلماء يقولون: يستسقي ولو كان القحط في غير أرضه، فالأمر واضح والحمد لله، فينبغي لنا أن نخرج مع المسلمين في هذا اليوم؛ لدعاء الله عز وجل والتقرب إليه بالصلاة، وليعلم الناس أنه لا ملجأ لهم عند الشدائد إلا الله عز وجل القادر على إزالتها تبارك وتعالى.

هذا ما أردنا أن نقدمه بين يدي موضوع اللقاء الذي ابتدأناه في الشهر الماضي.

الاستسقاء له صفات متعددة:

منها: أن يستسقي الخطيب يوم الجمعة في خطبة الجمعة، ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس بن مالك رضي الله: (أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل -فبدأ رضي الله عنه بسبب السؤال قبل السؤال- قال: هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم معه، وقال: اللهم أغثنا -ثلاث مرات- قال أنس -وهو راوي الحديث- فوالله ما في السماء من سحاب ولا قزعة -القزعة: قطعة من السحاب إذاً: السماء صحو تماماً- وما بيننا وبين سلع -وهو جبل معروف في المدينة إلى الآن بهذا الاسم- من بيت ولا دار -وإنما ذكر ذلك لأن السحاب تأتي من جهة هذا الجبل- يقول: فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس -والترس: ما يتوقى به المجاهد من الرماح، وهو يشبه التبس- فارتفعت في السماء، فلما توسطت انتشرت ورعدت وبرقت، فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته) لا إله إلا الله! أمطرت وخر السقف من المسجد، وساح على رأس الرسول عليه الصلاة والسلام، وجعل المطر يتحادر على لحيته، والمدة قصيرة؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] ويقول تعالى: وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:50] وبدأ المطر ينـزل أسبوعاً كاملاً ما رأوا الشمس ليلاً ونهاراً، فلما كانت الجمعة الأخرى دخل رجل أو الرجل الأول وقال: (يا رسول الله! تهدم البناء وغرق المال فادع الله يمسكها عنا) تهدم البناء من كثرة الأمطار، وغرق المال من كثرة الأمطار، فادع الله يمسكها عنا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يدع أن يمسكها الله إنما دعا بدعاء نافع غير ضار، قال: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) وجعل يشير هكذا بيده، يقول أنس: (فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت) بأمر من؟ بأمر الله عز وجل، ليس بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما يقول: حوالينا ويتفرق السحاب، نقول بأمر الله، ومن المعلوم أنه يمكن أن تكون بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ويكون الله سخر له الغمام كما سخر الريح لسليمان، سليمان سخر الله له الريح؛ يضع البساط ويجلس هو وحاشيته، ثم يأمر الريح فتهب عاصفة قوية لكن بدون قلق: فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ [ص:36] حيث أراد .. غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ [سبأ:12] لكن محمد عليه الصلاة والسلام لم يقل للسحاب: تفرقي؛ حتى نقول: إن هذا بأمره، إنما دعا الله وقال: (حوالينا ولا علينا) فالذي فرقها هو الذي جمعها وهو الله عز وجل، وخرج الناس يمشون في الشمس -تعالى الله- وسال الوادي (قناة) شهراً، وقناة واد في المدينة بهذا الاسم إلى اليوم، سال شهراً كاملاً من الأمطار، فسبحان الله عز وجل!

ومن أنواع الاستسقاء: أن يدعو الإنسان في أي مكان يمكن فيه الدعاء .. في المسجد أو في البيت، وعلى أي حال .. في السجود، في التشهد، بين الأذان والإقامة، يدعو الله تعالى بالغيث، ولقد استسقى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ ودعا الله أن ينـزل المطر حتى يقوم فلان فيسد ثعلب حائطه بردائه، والثعلب: هو الشق في الجدار تدخل منه السيول، فنزل المطر ونزل المطر وخاف الناس من الغرق، وقالوا للرجل: لا يمكن أن تمسك السماء حتى تقوم أنت وتسد ثعلب حائطك بردائك، فقام الرجل وسد الثعب وهو: الشق في الجدار الذي يدخل السيل إلى الحائط، فلما سده بردائه أمسك المطر .. سبحان الله! آية من آيات الله، وآية من آيات الرسول عليه الصلاة والسلام.

ومن ذلك: أن يخرج الناس إلى مصلى العيد، ويصلي الإمام صلاة الاستسقاء كما يصلي في العيد، ويخطب خطبة واحدة، وإن شاء قدم الخطبة على الصلاة؛ لأن كلا الأمرين ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بالدعاء المناسب.

وفي هذا الأسبوع ستقام -إن شاء الله- صلاة الاستسقاء بعد غدٍ بأمر ولي الأمر، وتعلمون أن بلادنا واسعة الأرجاء، حتى لو فرض أننا في وسط المملكة لم يكن هناك حاجة إلى المطر؛ لأن موسم المطر بدأ قريباً، لكن هناك أماكن شاسعة تحتاج إلى مطر، والعلماء يقولون: يستسقي ولو كان القحط في غير أرضه، فالأمر واضح والحمد لله، فينبغي لنا أن نخرج مع المسلمين في هذا اليوم؛ لدعاء الله عز وجل والتقرب إليه بالصلاة، وليعلم الناس أنه لا ملجأ لهم عند الشدائد إلا الله عز وجل القادر على إزالتها تبارك وتعالى.

هذا ما أردنا أن نقدمه بين يدي موضوع اللقاء الذي ابتدأناه في الشهر الماضي.

آخر ما وصلنا إليه قوله تبارك وتعالى في وصف عباد الرحمن: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:63-67].

توحيد الدعاء والعبادة

ثم قال -وهو ابتداء هذا اللقاء-: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ [الفرقان:68] أي: لا يدعون مع الله إلهاً آخر لا دعاء مسألة ولا دعاء عبادة، وإنما يدعون الله وحده، وهذا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل واتفقت عليه، كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] كل الرسل أجمعوا على هذا، وحق لهم أن يجمعوا؛ لأن الله تعالى أمرهم بذلك، وقال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

فهم لا يدعون مع الله إلهاً آخر لا دعاء مسألة ولا دعاء عبادة .. دعاء العبادة كالركوع والسجود وجميع أنواع العبادة، فهم لا يذبحون لصنم، ولا ينذرون لصنم ولا لقبر ولا لشمس ولا لقمر، وإنما يجعلون العبادة لله الذي خلقهم.

ولا يدعون غير الله دعاء مسألة؛ فلا يأتون إلى صاحب القبر ويقولون: يا سيدي! يا مولاي! يا ولي الله! أعطني كذا وكذا، لا يقولون هذا؛ لأنهم يعلمون أن غير الله لا يملك نفعاً ولا ضراً لا لنفسه ولا لغيره، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أمره الله أن يقول ويعلن: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ [الأعراف:188] وإذا كان الله أمره أن يعلن: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الجن:21-22] فإذا كنت أنا لا أدفع عن نفسي لو أرادني الله تعالى بسوء فكيف أملك ذلك لكم؟!!

وإذا كان الله أمره أن يعلن: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50] فكيف يُتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلهاً مع الله يدعى ليكشف الضر؟!! هذا لا يمكن، والنبي صلى الله عليه وسلم نعلم علم اليقين أنه لو خرج لهؤلاء لقاتلهم واستباح دماءهم وأموالهم ونساءهم؛ لأنهم مشركون. فعباد الرحمن لا يدعون مع الله إلهاً آخر.

أنواع الشرك

والشرك نوعان: أكبر وأصغر، فمن دعا غير الله لكشف الكربات فقد أشرك شركاً أكبر، حتى لو صلى وصام ولو تصدق وحج، ولا يحل له أن يحج؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28] وإذا علمنا أنه يشرك بالله ويدعو غير الله منعناه من دخول المسجد الحرام.

والشرك الأصغر أنواعه كثيرة، وهو خفي جداً، قد يحصل في القلب من غير أن يعلم الرجل .. الرياء شرك أصغر، مثال ذلك: رجل تصدق بدراهم أمام الناس من أجل أن يقولوا: فلان جواد متصدق، فهذا شرك أصغر، هو يريد التقرب إلى الله، لكن يريد من الناس أن يمدحوه لأنه يتقرب إلى الله .. انتبهوا! هو لم يرد أن يتقرب إلى الناس بهذا، لو كان يريد هذا لكانت المسألة خطيرة ربما نقول: شرك أكبر، لكنه يريد أن يتقرب إلى الله فيمدحه الناس بأنه جواد يتقرب إلى الله تعالى بالصدقات.

كذلك إنسان قام يصلي وحوله أناس؛ فصار يطمئن في صلاته ولا يتحرك، وقد طمأن رأسه من أجل أن يقال: إن فلاناً يتقن صلاته، هو لا يريد التقرب إلى الناس بالصلاة أبداً، وإنما يريد التقرب إلى الله لكنه حسنها من أجل أن يقول الناس: إن الرجل يتقن صلاته لله عز وجل، وهذا رياء.

حكم الرياء إذا خالط العبادة

ما حكم الرياء إذا خالط العبادة ؟ حكم الرياء إذا خالط العبادة:

أولاً: أن الإنسان يأثم.

ثانياً: أن عبادته مردودة لا يقبلها الله عز وجل؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي الصحيح: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) فاحذر الرياء، واجعل نيتك لله خالصة، لا يهمك الناس مدحوك أو ذموك.

بقي مسألة: لو قال قائل: أنا سأترك الصدقة خوفاً من الرياء. وهذا يقع، كأن وجد فقيراً يسأل وظاهر حاله أنه فقير حقاً، فقال: لن أتصدق عليه خوفاً من الرياء، فماذا نقول؟

نقول: هذا تخاذل وغلط، هذا يعني: أن الشيطان غلبك حتى منعك من الصدقة، تَصدقْ ولا تبالِ، فأنت إن تصدقت من أجل أن يمدحك الناس كان رياء، وإن تركت الصدقة خوفاً من الرياء فإن ذلك خذلان ونصرٌ للشيطان عليك والعياذ بالله، فلا يهمنك هذا.

كذلك بعض الناس يحب أن يصوم، فيترك الصوم مخافة أن يقال: إنه صائم، فيخشى من الرياء، وهذا غلط.

ثم إن الإنسان إذا أظهر العبادة من أجل أن يتأسى الناس به كان إماماً فيها -انتبه إلى هذه النقطة- أحياناً يقول الإنسان: لا أحب أن يطلع الناس أني صائم، لكن لو اطلع الناس عليه من أصحابه وأصدقائه تأسوا به وصاموا، فهل الأفضل الإخفاء أم الإعلان؟ الإعلان أفضل؛ لماذا؟ ليكون إماماً يتأسى به في الخير ويُقتدى به، ولهذا امتدح الله عز وجل الذين ينفقون سراً وعلانية، لم يمتدح الذين ينفقون سراً فقط بل سراً وعلانية؛ لأن العلانية قد تكون أفضل من السر حسب ما يترتب عليها من المصالح.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
اللقاء الشهري [24] 3288 استماع
اللقاء الشهري [34] 3024 استماع
اللقاء الشهري [41]رقم2 2981 استماع
اللقاء الشهري [25] 2939 استماع
اللقاء الشهري [29] 2935 استماع
اللقاء الشهري [58] 2833 استماع
اللقاء الشهري [33] 2801 استماع
اللقاء الشهري [7]1،2 2669 استماع
اللقاء الشهري [50] 2643 استماع
اللقاء الشهري [2] 2589 استماع