حديث: ... ذلك رجل بال الشيطان في أذنيه
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
51- عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: ذُكِر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل نام ليلة حتى أصبح، فقال: «ذلك رجل بال الشيطان في أُذنيه»؛ (متفق عليه) .فإن من الظواهر السيئة والبوادر الخطيرة التي تُنذر بالخطر والعقوبة، وتَبعث على الخوف وتستدعي منا الوقوف والتأمُّل، ومعرفة الأسباب والعلاج، ما نراه من تخلُّف كثيرٍ من المصلين عن صلاة الفجر ، وأدائها في غير وقتها، ولعل السبب في ذلك الغفلة عن أهمية الصلاة عمومًا، ومنها صلاة الفجر، وكذلك السهر الطويل والعكوف على أجهزة اللهو الساعات الطوال، ولقد كان آباؤنا وأجدادنا إلى زمن ليس بالبعيد، يحرصون أشد الحرص على النوم مبكرًا، فيُغلقون بيوتهم بعد صلاة العشاء، ويتخففون من الطعام، فيقوم الواحد منهم لصلاة الفجر وهو طيِّب النفس ؛ لذلك عاشوا عيشة هنيئة مليئة بالاستقرار النفسي والصحي، وأحسُّوا بطعم الحياة، ولَما دخَلت علينا المدنية الحديثة، أفسَدت علينا ديننا ودنيانا، فكان من نتيجة ذلك أنْ دبَّ الكسل والخمول في النفوس، وترهَّلت الأجسام، وتراكَمت الشحوم عليها، وقلَّت البركة والحركة، وكثُر نوم الإنسان، وعجَز عن القيام ببعض الأعمال اليسيرة، فيا تُرى ما هي الأسباب والوسائل التي تُعين العبد على الاستيقاظ لصلاة الفجر؟!
من هذه الأسباب أولًا: استشعار فضل صلاة الفجر، وما ورد في أدائها من الأجر العظيم والثواب الجزيل، وما ورد في ذمِّ تاركها مع الجماعة، ومُؤخرها عن وقتها من الزجر والتوبيخ؛ من ذلك ما رواه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَن صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما قام الليل كله»؛ (رواه مسلم) ، ولا يخفى علينا الحديث الذي رواه الإمام البخاري من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: ذُكر عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجل نام ليلة حتى أصبح، قال: «ذلك رجل بال الشيطان في أُذنيه».
والبول حقيقي كما قال الإمام القرطبي، فهو يبول ويَنكِح ويتناسل بكيفية لا يعلمها إلا الله - عز وجل.
ومن الأسباب التي تدفع الإنسان لحضور صلاة الفجر: العلم ُ بأن المتخلف عن صلاة الفجر ربما يوصَف بالنفاق، فعلى المسلم أن يَحرص على أن ينفيَ عن نفسه صفة المنافقين، فإن حضور صلاة الفجر مع الجماعة، دليلٌ على قوة الإيمان والبراءة من النفاق لمشقَّة هذا الوقت على النفس؛ لذلك قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم: «إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما، لأتوهما ولو حَبوًا».
ويُقسم الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود، فيقول: "ولقد رأيتنا وما يتخلَّف عنها إلا منافق معلوم النفاق".
وإذا أردت أن تزِن إيمان الرجل ومدى صدقه وإيمانه، فانظر إلى حاله مع صلاة الفجر، فإن كان ممن يَشهد صلاة الفجر مع الجماعة، فذلك مؤشر على قوة إيمانه، وإذا كان لا يشهدها مع الجماعة، فهذا برهان على خللٍ في إيمانه وقسوة قلبه، واستسلامه لنفسه وهواه، وانهزامه أمام نفسه، وإذا كان الرجل يشهد صلاة الفجر، فلنَشهد له بالإيمان؛ فهي المحك على صدق إيمان العبد؛ لأنه حقَّق أكبر انتصار وهو انتصاره على نفسه، وتغلُّبه على لذة النوم والفراش.
ومن الأسباب المُعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر: الحرص على النوم مبكرًا، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، وقد استثني من ذلك حالات؛ منها: ما ذكره الإمام النووي في شرحه على مسلم، فقال - رحمه الله -: سبب كراهة الحديث بعدها أن يؤدي إلى السهر، ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل ، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز، أو في وقتها المختار، أو الأفضل، والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء هو: ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها، أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه؛ كمُدارسة العلم، وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس، ومحادثة الرجل أهلَه وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين بحِفظ متاعهم أو أنفسهم، والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خيرٍ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك، فكل هذا لا كراهة فيه.
اللهم وفِّق المسلمين للمحافظة على صلاة الفجر؛ إنك سميع مجيب الدعاء .
والحمد لله رب العالمين.