اللقاء الشهري [58]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ثم إني أشكر الله سبحانه وتعالى أن يسر العودة إلى هذا اللقاء المبارك بعد الإجازة، وهو اللقاء الذي يتم كل شهر في الجامع الكبير بـعنيزة في مساء ثالث سبت من الشهر، وهذه الليلة ليلة الأحد الثاني والعشرين من شهر جمادى الأولى عام تسعة عشر وأربعمائة وألف.

وأنبه إخواني أنه سيوزع إن شاء الله بعد نهاية اللقاء كتيب صغير فيه الأصول الثلاثة وأدلتها، والدروس المهمة لعامة الأمة، وصفة الحج والعمرة، وأذكار اليوم والليلة بعد انتهاء اللقاء إن شاء الله تعالى.

أقول: إنه كان من المقرر أن نستمر في الكلام على المعاملات، لكن نظراً لاستقبال العام الدراسي الجديد لعل من الأحسن أن نتكلم حول هذا الموضوع.

فأقول: إن الله سبحانه وتعالى جعل أهلينا أمانةً عندنا، وأوجب علينا رعايتهم، وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] وقال نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته) ومن السائل له؟ السائل له هو الله عز وجل، وذلك يوم القيامة حين لا يجد مفراً من السؤال.

وإن الواجب على الرجل في أهله من زوجات وبنين وبنات وغيرهم أن يتفقد أحوالهم، لأنهم مهما كانوا فهم معرضون للخطر والإهمال والغفلة، ولأنه إذا صار يراقبهم ويتابع أحوالهم حصلت بينه وبينهم الألفة والتقارب، وأكثر الناس اليوم -وأستغفر الله إن قلت أكثر- مهملون لأولادهم من البنين والبنات، لا يسأل الابن: أين ذهب؟ ولا من صاحبه ولا من صديقه؟ ولا ماذا عمل في واجباته الدراسية؟ وهذا خطأ.

حث الطلاب على الاجتهاد وعدم الإهمال

وعلى الطالب أن يجتهد في ابتداء الدراسة من أول العام؛ لأنه إذا ترك الاجتهاد في أول العام تراكمت عليه المعلومات وعجز عن هضمها في المستقبل، لكن إذا كان يأخذ كل درس في حينه، ويراجعه، ويتمهل فيه؛ سهل عليه في آخر العام أن يراجعه؛ لأن الدرس قد رسخ في ذهنه فتسهل عليه المراجعة وتكون النتيجة طيبة.

أما إذا أهمل وتمنى على الله الأماني وقال: الوقت أمامي طويل ونحن في أول السنة؛ فإنه سيضيع عليه الوقت، وسيعجز في آخر الأمر عن هضم العلوم.

وليعلم أنه ليس المقصود من التعلم أن يحمل الإنسان بطاقة شهادة، المقصود من التعلم: هو إدراك العلم، أما هذه البطاقة فهي وإن كانت ميزاناً ظاهراً في عصرنا لكنها لا تفيد الإنسان شيئاً.. هذه واحدة خلاصتها: أني أحث الشباب المتعلمين على أن يتداركوا أمرهم من أول السنة، وأحث أولياء أمورهم على مراقبتهم والنظر في أحوالهم ومن أصدقاؤهم؟ وإلى أين يذهبون؟ ومتى يرجعون؟

معرفة الطالب أن ثمرة العلم العمل

ثانياً: ما هي ثمرة العلم؟ ثمرة العلم العمل، وعلم بلا عمل فالجهل خير منه، فلا بد من العمل بما علم الإنسان وإلا أصبح الجاهل خيراً منه، فمثلاً: إذا علمنا أنه يجب على الإنسان أن يصلي الصلوات مع الجماعة إن كان رجلاً، وأن يكون أداء الصلاة بحضور قلبه وتدبره لما يقوله ويفعله وجب علينا أن نطبق هذا؛ لأن ذلك هو الثمرة، إذا علمنا أن بر الوالدين واجب -الأم والأب- فالواجب أن نقوم ببرهما، بالإحسان إليهما بالقول والفعل والمال، وبكل ما يسمى براً؛ لأن بر الوالدين بعد حق الله تعالى كما قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء:36] وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23] وقال الله تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14].

وليعلم أن العقوق من أكبر الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور. وما زال يكررها حتى قالوا: ليته سكت).

ثم ليعلم -أيضاً- أن الإنسان إذا بر بوالديه برَّ به أبناؤه وبناته لأن البر -كما يقول العامة- أسلاف، من بر بوالديه بر به أولاده، وهذا جزاء عاجل، والجزاء الآجل عند الله أعظم وأبقى.

احترام المدرسين وتوقيرهم

ثالثاً: إذا علمنا أن الواجب القيام بحقوق المدرس فلنطبق هذا، لنحترم المدرس حتى يحترمنا، وكثير من الطلاب لا يحترمون الأساتذة، ويسخرون منهم، وتجد المدرس يدرس والطالب غافل يعبث في دفتره، يعبث في الماسة، يكلم صاحبه، يضع رأسه على الماسة وينام.. كل هذا ينافي الأدب، فالواجب على الإنسان أن يحترم المعلم؛ لأنه مربٍّ موجه، كما أن الواجب على المدرس -أيضاً- أن يراعي شعور الطلاب، بحيث يتنزل معهم ويناقشهم، ولا يعنف عليهم، ويبذل لهم صدق المقال، ولا يظهر أمامهم إلا بالأخلاق الفاضلة لأن التلميذ يكتسب من أخلاق معلمه أكثر مما يكتسب من أخلاق أمه وأبيه.

وإن بعض المدرسين يهمل هذا الجانب، فتجده يحضر إلى الطلاب ولا يبالي بهم وكأنهم أمامه بَهْمٌ، وإذا قام أحد يسأل سؤال استرشاد قمعه وقال: اجلس. ولا يمكن الطلاب من المناقشة معهم؛ لأنه يخشى إن ناقشوه أن يكون فاشلاً إذ أنه لم يُحضِّر ولم يهتم، وهذا خطأ وخيانة للوظيفة التي هو فيها، فالواجب أن يكون أمام الطلاب على وجه مرضي مقبول حتى ينتفعوا من علمه إذا كان لديه علم.

مراقبة الوالد لابنته عند الذهاب إلى المدرسة

وإن من المهم -أيضاً- ولا سيما بالنسبة للبنات أن يراقب الإنسان كيف تذهب ابنته إلى المدرسة؛ فإن بعض البنات تجدها تطلب من أمها أحسن الثياب وأجملها، وكلما ظهرت موضة قالت لأمها: اشتريها لي؛ حتى تماري بذلك زميلاتها.. وهذا خطأ عظيم، وكنت أظن أن نظام الرئاسة توحيد اللباس، وإذا كان هذا نظامها فالواجب الأخذ به ولا يجوز أن يتعداه الإنسان؛ لأن ولاة الأمور إذا أمروا بأمر ليس فيه معصية لله ورسوله فالواجب على الأمة اتباعه لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].

ومن المهم أن ينظر من الذي يذهب بابنته أو بأخته إلى المدرسة، فإنه لا بد في ركوب المرأة مع السائق أن يكون معهما إما امرأة وإما محرم، فلا يجوز للسائق أن يخلو بالمرأة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وما ظنك باثنين الشيطان ثالثهما؟

بعض الناس يتهاون في هذا الأمر تهاوناً كثيراً، حتى إني سمعت أن بعضهم يركب ابنته الشابة مع السائق الذي ليس بمحرم لها، ثم إذا قارب باب المدرسة نزلت وذهبت وكأنها لم تأت وحدها مع السائق: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ [النساء:108] يخافون الناس ولا يخافون الله..! وخطر هذا عظيم لا تستهن به، لا تقل: نحن في أمان، لا تقل: هذا الرجل -الذي ليس من محارمها- رجل مأمون، فاثنان ثالثهما الشيطان ليس بينهما أمان.

لذلك أرى: أنه إذا كان هناك من يحمل البنات أو المدرسات لا يركب معه امرأة وحدها أبداً لأن ذلك خلوة محرمة، ولكن تركب اثنتان فلا بأس، فإذا قال: كل امرأة في بيتها كيف تركب امرأتان؟ نقول: الحمد لله.. إذا كانت المرأتان متقاربتين في البيوت فلتأت إحداهما إلى الأخرى وتركبان مع السائق اثنتين.. هذا إذا لم يكن مع السائق أحد من النساء من محارمه، فإن كان معه أحد من النساء من محارمه فهذا كاف.

أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العام عام خير ورشد، وهدى وصلاح للآباء والأمهات، والأبناء والبنات، إنه على كل شيء قدير.

ونأتي الآن إلى دور الأسئلة ونرجو الله أن يوفق فيها للصواب.

وعلى الطالب أن يجتهد في ابتداء الدراسة من أول العام؛ لأنه إذا ترك الاجتهاد في أول العام تراكمت عليه المعلومات وعجز عن هضمها في المستقبل، لكن إذا كان يأخذ كل درس في حينه، ويراجعه، ويتمهل فيه؛ سهل عليه في آخر العام أن يراجعه؛ لأن الدرس قد رسخ في ذهنه فتسهل عليه المراجعة وتكون النتيجة طيبة.

أما إذا أهمل وتمنى على الله الأماني وقال: الوقت أمامي طويل ونحن في أول السنة؛ فإنه سيضيع عليه الوقت، وسيعجز في آخر الأمر عن هضم العلوم.

وليعلم أنه ليس المقصود من التعلم أن يحمل الإنسان بطاقة شهادة، المقصود من التعلم: هو إدراك العلم، أما هذه البطاقة فهي وإن كانت ميزاناً ظاهراً في عصرنا لكنها لا تفيد الإنسان شيئاً.. هذه واحدة خلاصتها: أني أحث الشباب المتعلمين على أن يتداركوا أمرهم من أول السنة، وأحث أولياء أمورهم على مراقبتهم والنظر في أحوالهم ومن أصدقاؤهم؟ وإلى أين يذهبون؟ ومتى يرجعون؟