خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/162"> الشيخ محمد بن صالح العثيمين . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/162?sub=8856"> اللقاء الشهري
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
اللقاء الشهري [33]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، وحجة على من أرسله إليهم أجمعين، آتاه من البينات ما على مثله يؤمن البشر، هدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوبناً غلفاً، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا اللقاء في هذه الليلة ليلة الأحد السادس عشر من شهر شعبان عام (1416هـ) وهو اللقاء الذي لا يأتي دوره إلا في رمضان المبارك وبما أننا في استقبال شهر رمضان فإنه يحسن أن نتحدث عن ذلك الشهر الفاضل.
هذا الشهر -أعني: شهر رمضان- خصه الله بخصائص:
منها: أنه أنزل فيه أشرف وأعظم كتابٍ أنزله على أي رسول من الرسل، ألا وهو القرآن، كما قال الله تبارك وتعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185] ونعم هذه الفضيلة لهذا الشهر الفضيل.
ومنها: أنه الشهر الذي فيه ليلة القدر التي قال الله عنها: إنها مباركة، وقال: إنها خير من ألف شهر، فقال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر:1-2] أي: أن شأنها عظيم، وهذا الاستفهام للتفخيم والتعظيم كما قاله علماء اللغة .. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [القدر:3-4] الملائكة ملائكة الرب عز وجل ينزلون إلى الأرض ومعهم الروح الأمين وهو جبريل عليه السلام تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ [القدر:4-5] أي: أنهم ينزلون بإذن الله، لأنه لا أحد يعمل عملاً لا في السماوات ولا في الأرض إلا بإذن الله عز وجل وبمشيئة الله، فإن الله تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وربك هو الخلاق العليم: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص:68] فينـزلون وهي سلام إلى مطلع الفجر، إذا طلع الفجر انتهت الليلة، وقال الله تعالى في هذه الليلة: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:3-4] (يفرق) يفصل ويبين؛ لأنه يكتب فيها ما يكون في تلك السنة، (كل أمر حكيم) أي: كل شأن فيه حكمة؛ لأن كلما يرتبه الله عز وجل وكلما يخلقه ويقدره فإنه حكمة، لا تظن أن شيئاً يفعله الله إلا وله حكمة، إن نزل الفقر بالعباد فلحكمة .. إن نزل الغنى بالعباد فلحكمة .. وإن أجدبت الأرض وقحطت السماء فلحكمة .. إن أخصبت الأرض وأمطرت السماء فلحكمة، كل شيء يفعله الله فإنه لحكمة .. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4] محكم متقن، كل شيء في موضعه أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الدخان:5-6] ففي رمضان هذه الليلة المباركة.
- في رمضان تصفد مردة الشياطين، الأشداء منهم، أي: من الشياطين يصفدون ويغلون، ولا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من قبل، ولهذا تجد المعاصي تقل جداً من المؤمنين، ويقبل المؤمنون على ربهم إقبالاً لا يجدون مثله في غير رمضان، لماذا؟ لأن الشياطين مردتهم تغل -توثق- لا يستطيعون الخلاص إلى ما كانوا يخلصون إليه من قبل.
- في رمضان خصائص منها ما سبق ومنها: أن صومه فرضٌ على جميع العباد، بل ركن من أركان الإسلام، لا يتم الإسلام إلا بصيام شهر رمضان.
لو صام الإنسان أحد عشر شهراً من السنة إلا رمضان هل يتم إسلامه؟ لا يتم إسلامه، لماذا؟ لأن الله عين الصيام المفروض في رمضان، وهذا من خصائص هذا الشهر.
- ومن خصائصه: أن من قام ليله إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، إيماناً بالله عز وجل .. إيماناً بوعده وتصديقاً بخبره واحتساباً لثوابه وأجره يغفر الله ما تقدم من ذنبه، ولو قام الليل كله في غير رمضان لم ينل هذا الأجر، بل من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، القيام كل الليل، أو بعض الليل، أو ماذا؟
نقول: الأمر -والحمد لله- واسع، قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة بأصحابه إلى نصف الليل، قالوا: (يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -أي: لو قمت فينا بقية الليلة؛ لأنهم نشطاء على الخير- قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) الحمد لله، لو كان قيام الإمام مقدار ساعة فقط من ليلٍ طوله اثني عشرة ساعة كتب للإنسان قيام ليلة كاملة، ولهذا ينبغي لنا أن نحرص إذا قمنا مع إمام ألا نفارقه حتى ينصرف، خلافاً لبعض العامة مساكين يضيعون أوقاتهم ولياليهم بغير فائدة، يصلون مع هذا تسليمة أو تسليمتين ثم يذهبون إلى مسجدٍ آخر يصلون معه كذلك، ثم مسجد ثالث، وهذا خطأ، إذا دخلت مع إمام في صلاة العشاء اثبت حتى ينصرف من التراويح من أجل أن يكتب لك قيام ليلة وأنت نائم على فراشك، وأنت تلهو مع أهلك يكتب لك القيام، ولله الحمد.
- ومن خصائصه أيضاً: أنه مع كون صومه فرضاً وركناً من أركان الإسلام: (من صامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) كالقيام تماماً، يغفر له ما تقدم من ذنبه، كلما تقدم يغفره الله، ويستره عليه، ويعفو عنه.
ومن فرائض رمضان: أن الإنسان إذا صام .. هل يصوم عن الأكل والشرب والنكاح فقط؟
لا، هذا عذاب، والله لا يعذب أحداً، ولا يريد أن يعذبنا، لكن إذا أمسكنا عن هذه الشهوات -الأكل والشرب والجماع- ابتغاء فضل الله فإنه يكون سبباً لتقوى الله؛ لأن من اتقى الله تعالى بترك محبوباته كان تقواه فيما دون ذلك أولى، ولهذا قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] هذه الحكمة، ليست حكمة الله عز وجل من الصيام أن يحرمنا الأكل والشرب والنكاح، بل الحكمة أن نتقي الله، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكداً ذلك: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) الله غني عنك، عن أكلك وشربك وعبادتك وعن كل شيء.. لا يحتاج الله إليك، لكن من أجل التقوى فرض الله علينا الصيام.
فرض الله علينا الصيام بأن نتقيه، بأن نفعل ما أمر به ونترك ما نهى عنه خوفاً منه عز وجل.
بما أننا في استقبال رمضان أحب أن أتكلم كلاماً يسيراً في بيان من يجب عليه أداء الصوم:
الصوم يجب أداءً على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خالٍ من الموانع، إذا تمت هذه الشروط الستة وجب أداء الصوم في رمضان:
الشرط الأول: مسلم. أي: لا كافر، الكافر لا نقول له: صم، ماذا نقول له؟
نقول: أسلم أولاً ثم صم، فالكافر لا يؤمر بالصوم، لكن هل يعاقب عليه في الآخرة؟
الجواب: نعم يعاقب عليه في الآخرة، لكن إذا أسلم في منتصف رمضان هل يجب عليه قضاء النصف الماضي؟
لا؛ لأنه كان كافراً، لكن يجب عليه أن يصوم ما بقي؛ لأنه الآن مسلم إذا تمت الشروط.
الشرط الثاني: بالغ. ضده من ليس ببالغ وهو الصغير، فالصغير لا يجب عليه الصوم؛ لأن القلم مرفوع عنه، لكن كان الصحابة رضي الله عنهم يصومون أولادهم الصغار، حتى إن الطفل ليبكي ويعطونه لعبة يتلهى بها إلى الغروب، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يجب على ولي كل صبي أن يأمره بالصوم إذا أطاقه ليألفه، ويتمرن عليه، ويسهل عليه بعد البلوغ، لكن لو فرض أننا صومنا الصبي وفي أثناء النهار أفطر، قلنا: أكمل الصوم، قال: لا، أنا سوف آكل وأشرب، هل نلزمه بالإمساك أم لا؟
لا نلزمه بالإمساك؛ لأنه لا يجب عليه الصوم.
الشرط الثالث: عاقل. وضد العاقل المجنون الذي لا عقل له كالذي سُلِبَ العقل -والعياذ بالله- وصار مشدوهاً، أو من بلغ من الكبر عتياً حتى صار لا يميز، هذا أيضاً ليس عليه صوم، المجنون ليس عليه صوم، والذي لا يميز لكبره ليس عليه صوم، والذي لا يميز لكبره لا يطعم عنه؛ لأنه لا يجب عليه الصوم، فلا صوم ولا إطعام.
الشرط الرابع: أن يكون قادراً، وضد القادر العاجز، والعاجز نوعان: عاجزٌ لا يرجى أن يزول عجزه، وعاجزٌ يرجى أن يزول عجزه، العاجز الذي لا يرجى عجزه لا صوم عليه، ولكن يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، مثل: الكبير الذي يعجز عن الصوم لكبره لا يرجى زوال عجزه، لماذا؟ لأن الكبير لا يمكن أن يعود شاباً فيقدر على الصوم وهو الآن لا يستطيع، هذا نقول: أطعم عن كل يومٍ مسكيناً وتبرأ ذمته، وأيضاً مثل أصحاب المرض الذي لا يرجى زوال مرضهم، مثل: السرطان نسأل الله العافية، وأصحاب الكلى الذين عندهم مرض في كلاهم، وأصحاب السكر الذين لا يستطيعون أن يصبروا عن الماء .. ومن أشبههم، هؤلاء أيضاً عجزهم لا يُرجى زواله، نقول: أطعموا عن كل يوم مسكيناً، وتكونون كالذين صاموا.
أما العجز الذي يُرجى زواله فهو النوع الثاني فهذا نقول له: انتظر حتى يزول عجزك ثم اقض ما فاتك، كالمريض مرضاً عادياً، نقول: انتظر حتى يشفيك الله ثم اقض؛ لقوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].
الشرط الخامس: أن يكون مقيماً، وضده المسافر، فالمسافر لا يجب عليه الصوم، أي: لا يجب عليه أداءً لكن يبقى في ذمته، لقوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، ولكن هنا نسأل: الأفضل للمريض أن يصوم أو يفطر؟
نقول: إن كان يشق عليه الصوم فالصوم في حقه مكروه، وإن كان يضره الصوم مثل أن يقول الطبيب: لا بد أن تتناول هذه الحبوب كل أربع ساعات وإلا انتقض مرضك. فهنا يحرم عليه الصوم ويجب أن يفطر، وإن كان لا يشق عليه الصوم ولا يضره وجب عليه؛ لأنه إنما رخص للمريض من أجل التيسير عليه، وإذا كان كله واحد سواءً صام أو أفطر قلنا: يجب عليك أن تصوم.
المسافر لو سألنا: هل الأفضل الإفطار أو الصوم؟
نقول: فيه التفصيل: أما إذا كان يشق عليك الصوم مشقة شديدة فالصوم في حقك حرام، وأما إن كان يشق عليك مشقة يسيرة فالصوم في حقك مكروه، وأما إن كان لا يشق عليك فهنا اختلف العلماء؛ قال بعضهم: الصوم أفضل، وقال بعضهم: الفطر أفضل، ونحن نقول: الصوم أفضل ما دام الكل سواء عندك سواءً أفطرت أم صمت، فالصوم أفضل .. لماذا؟
أولاً: لأن الإنسان إذا صام مع الناس صار أسهل؛ يتسحر مع الناس ويفطر مع الناس، فيجد كل من عن يمينه وشماله كلهم صوَّام، فيكون أسهل عليه بلا شك.
ثانياً: أنه إذا عيَّد عيَّد مع الناس، لأنه الآن أتم صومه، لكن إذا عيَّد ثم ذكر أن عليه صياماً يكون العيد في فطره ناقصاً لا يفرح به ذاك الفرح.
ثالثاً: أنه إذا صام فإنه أسهل عليه من جهة أنه لو قضى، أو قلنا: اقض، يكون صعباً عليه القضاء، حتى إن بعضهم يماطل: هذا الأسبوع .. الأسبوع الثاني .. الثالث، وإذا برمضان الثاني قد جاء، فالقضاء صعب على الإنسان.
رابعاً: أنه لا يدري فلعله يموت ويكون الصوم ديناً عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) وسألته امرأة قالت: (إن أمي نذرت أن تصوم فلم تصم حتى ماتت، قال: أرأيت لو كان على أمك دينٌ أكنت قاضيته؟).
خامساً وهو ختام المسك: أنه أكمل اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر ولم يفطر إلا من أجل أصحابه، ودليل ذلك: قال أبو الدرداء : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في يوم شديد الحر وأكثرنا ظلاً صاحب الكساء. تصور الحالة الآن، أكثرهم ظلاً صاحب الكساء لا يوجد خيام، ومنا من يتقي الشمس بيده -ما عنده شيء، يتقيه بيده من شدة الحر- قال: وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة .
إذاً .. الأسوة التامة بالرسول صلى الله عليه وسلم هو أن يصوم الإنسان مع الفوائد الأربع التي ذكرناها قبل، ولكن -الحمد لله- الأمر ميسر لو قال: أنا أفطر وأقضي، قلنا: لا بأس، هذا كلام الله عز وجل.
الشرط السادس: الخلو من الموانع، ونعني بذلك: الحيض والنفاس؛ لأن المرأة إذا كانت حائضاً يحرم عليها الصوم بإجماع المسلمين، وبالنص عن سيد المرسلين، قال النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) الله أكبر! وصفهن بأنهن ناقصات عقل ودين، وقال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل) اللب: العقل الكميل؛ لأن اللب داخل القشور محصن بها، فاللب: العقل (أذهب للب الرجل) من الرجل؟ الحازم وليس الرخو (أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) فكيف بالرجل الرخو، ضعيف النفس، ضعيف الدين، هل يذهب عقله وراء النساء، أم لا يذهب؟ يذهب عقله وماله (أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) انظر كلام الرسول عليه الصلاة والسلام!
فتباً لقوم يريدون الآن أن يظهروا النساء المحجبات إلى الشوارع سافرات، قاتلهم الله وأفسد عليهم أمرهم، إن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بمصالح الأمة، ولا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام إلا تحذيراً للأمة أن يقعوا في شَرَكَ الشر: (أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قالوا: يا رسول الله، كيف ينقص دينها؟ -لأن المرأة لا تحب أن ينقص دينها- قال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلنا: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها) المسلمون يصومون وهنَّ مفطرات، المسلمون يصلون وهن لا يصلين، (قالوا: ونقص العقل؟ قال: أليس شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد؟ قلنا: بلى. قال: ذلك من نقصان عقلها) الرجل أضبط للشهادة تحملاً وأداءً، لا عند التحمل والمشاهدة، ولا عند الأداء عند القاضي، الرجل أحفظ للشهادة من المرأة، المرأة يأتي يشهد واحد من الرجال وآخر معه تقبل الشهادة.
فلو قال زيد: أنا أطلب عمراً ألف ريال، فقال له القاضي: هات الشهود، قال: عندي شهود فلان وفلان، هل يثبت الحق على عمرو أم لا؟ يثبت، قال آخر: عندي رجل وامرأة يثبت أو لا يثبت؟ لا يثبت؛ لأن شهادة المرأتين عن شهادة رجل واحد.
المهم أن المرأة إذا حاضت أو نفست فإنها لا تصوم بالإجماع، ولكن: هل هي حين صبرت على قضاء الله وشرع الله هل هي مأجورة؟
نعم مأجورة، لكنها ليست كأجر الفاعل، بدليل: رجل غني يتصدق ويعتق ويحج، وآخر فقير لا يقدر على الحج ولا على الصدقة ولا على العتق، أيهما أعظم أجراً؟
الأول، ولهذا شكا الصحابة رضي الله عنهم للرسول صلى الله عليه وسلم، قالوا: (يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور -راحوا بها- يتصدقون ويعتقون فكيف بنا؟ -فعلمهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يسبحوا الله ويحمدوا الله ويكبروا الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين- وقال: إنكم تدركون من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم) لكن ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إنكم مثلهم في الأجر، فالفاعل ليس كغير الفاعل، وإن كان من لم يفعل غير قادرٍ شرعاً أو غير قادرٍ حساً.
أقول: هل المرأة تثاب على صبرها على حبسها عن الصلاة والصيام في أيام الحيض؟
الجواب: نعم. ولهذا لا ينبغي للمرأة أن تتكلف في رمضان وتستعمل الحبوب المانعة من الحيض حتى لا تفطر وحتى لا تترك القيام.
نقول: لا، احمدي الله، أبقي الأمر على طبيعته، فهذا أسلم للبدن وأسلم من العواقب، وهو شيء كتبه الله على بنات آدم.
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أفضل زوجات هذه الأمة، لو سئلنا: من أفضل زوجات هذه الأمة؟ قلنا: عائشة وخديجة رضي الله عنهما. كانت مع النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع معتمرة متمتعة بالحج إلى العمرة كسائر نساء النبي عليه الصلاة والسلام، ففي أثناء الطريق أتاها الحيض، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي؛ لأنها تعرف أن الحائض لا يمكن أن تطوف ولا تسعى، قال: (ما يبكيك؟ فأخبرته أنها حاضت، قال لها: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)تسلية وعزاء: (شيء كتبه الله على بنات آدم) أي: ليس خاصاً بك، ومعلوم أن الإنسان يتسلى إذا رأى غيره مثله، ويتأسى به، ثم أرشدها ماذا تفعل.
الشاهد: أننا نقول للمرأة: إذا أتاها الحيض في رمضان لا تأسفي ولا تحزني ولا تبكي هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، فدعي البدن على طبيعته أسلم وأقل خطراً من الأمراض، ثم إذا أفطرتِ فاقض بعد ذلك.
إذاً.. الشرط السادس هو الخلو من الموانع، والمانع هو الحيض والنفاس، فالمرأة لو كانت صحيحة قوية قادرة على الصوم في حال الحيض لا تصوم، وكذلك في النفاس حتى تطهر.
إذا طهرت في أثناء اليوم، امرأة حائض فطهرت أثناء النهار واغتسلت وصلت هل يلزمها أن تمسك بقية يومها، أو لها أن تأكل وتشرب في بقية ذلك اليوم؟
للعلماء في ذلك قولان: وهما روايتان عن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، الإمام أحمد مرة قال: تمسك، ومرة قال: لا تمسك، أما القضاء فلا بد من القضاء، قضاء هذا اليوم الذي طهرت في أثنائه، ولكن من تدبر الأدلة وجد أن القول الراجح: أنه لا يلزمها الإمساك، وأن لها أن تأكل وتشرب بقية يومها؛ لأن الإمساك لا يفيدها شيئاً، هل سيحسب لها نصف يوم؟ لا. إذاً .. ما الفائدة؟ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً [النساء:147] فلا يلزمها إمساك، ولكن من الحسن أن يكون أكلها وشربها خفية عمن في بيتها؛ لأنه ربما يظن الصبيان والصغار أن رمضان بالخيار من شاء أفطر ومن شاء صام.
وبالمناسبة أقول: إن من خطر الخادمات غير المسلمات أن في وجودهن في البيت ضرراً على العائلة؛ لأن الصغار يشاهدون أهليهم يصلون .. يتوضئون .. يصومون، وهذه الخادمة النجسة لا تصوم ولا تصلي، سيبقى في أذهانهم؛ لأن الصغير لا ينسى، ما رآه في صغره ينطبع في مخيلته، فيبقى يتساءل: الصلاة هي هي واجبة أم غير واجبة؟!! ما الذي حمله على هذا التساؤل؟
أن الخادمة لا تصلي، ولا يعرف أن هناك فرقاً بين الكافر والمسلم، لكن إذا كان كل من في البيت يصلي ما بقي عنده إشكال، وكذلك كل من في البيت يصوم ما بقي عنده إشكال، إنما الإشكال إذا رأى هذه الخادمة تأكل وتشرب وتمرح والأهل صائمون، وهذا من خطر الخادمات غير المسلمات، مع أن الإنسان العاقل كيف يرضى أن يكون عدو الله، وعدو رسوله، وعدو المؤمنين، وعدو صاحب البيت موجوداً في البيت يأكل ويشرب عنده؟!! والله عز وجل حرَّم على المشركين أن يقربوا المسجد الحرام، والمسجد الحرام جماد؛ تعظيماً لله عز وجل، فكيف ترضى أن يكون النجس عندك في البيت؟!!
لكن القلوب قست، وأبعدت عن ذكر الله، وصار الناس يقلد بعضهم بعضاً جهراً وعمىً والعياذ بالله، ولا يبالون، المهم أن طبخها ممتاز، وشويها اللحم ممتاز، وغسيلها الثياب جيد، وفي الصباح والمساء تغسل البيت هذه درة! ولكنها في الواقع بلاء وفتنة.
فالحاصل أن هذه شروط من يجب عليه الصوم أداءً.
قد يقول قائل: ما تقول في رجل يلحقه الضرر في الصوم؟
الجواب: لا يجوز عليه الصوم ولا يلزمه القضاء.
لا يجوز له الصوم لماذا؟
لأنه يتضرر، واعلموا أن من قواعد الشريعة: أنه لا يجوز للإنسان أن يتناول شيئاً مضراً في بدنه؛ لأن الشريعة جاءت لحماية الأبدان فلا يجوز للإنسان أن يتناول شيئاً يضر ببدنه إطلاقاً، حتى لو رضي وقال: أنا راضٍ بالضرر، قلنا: الأمر ليس إليك، أنت مربوب وربك الله عز وجل هو الذي قال: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29] والنهي عن قتل النفس ليس معناه: أن رجلاً يأخذ سكيناً ويذبح نفسه، لا. هو لا شك يتناول هذا، لكن أيضاً يتناول كل ضرر يصيب الإنسان فإن الإنسان منهي عنه، والدليل على هذا: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه كان في سرية طائفة تقاتل لكنها ليست جيشاً- فأجنب ذات ليلة -أصابته جنابة، والإنسان إذا أجنب يجب عليه أن يغتسل، لكن الماء بارد، خاف على نفسه إذا اغتسل- فتيمم وصلى بأصحابه، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29] فتيممت، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه أو أنيابه) إقراراً، ولهذا جاء في الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا ضرر ولا ضرار) فإذا كان المريض يضره الصوم فإنه لا يجوز له أن يصوم، حتى لو قال: أنا ضاغط على نفسي وسوف أصوم، وقال: لست جالساً من بين عباد الله.. نقول: اجلس، الذي أوجب عليك أن تصوم في حال الصحة أوجب عليك أن تفطر في حال الضرر.
نسأل الله أن يوفقنا جميعاً للصواب، وأن يجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً واحتساباً إنه على كل شيء قدير.
نصيحة لمن يفرط في شهر رمضان
الجواب: واقع هذا السؤال مؤلم، أن يفني الإنسان عمره في مثل هذه الأمور، سواء في رمضان أو في غير رمضان.
إنني أقول: لو أن إنساناً فقد درهماً واحداً من ماله لصار يبكي عليه ويطلبه ... ولو أنه ضاع عليه في الحساب خطأً درهم واحد لذهب يكرر الحساب مرة بعد أخرى حتى يعرف أين كان هذا الدرهم، لا شك أن هذا هو الواقع عند كثير من الناس أو أكثرهم، وهؤلاء مساكين يضيعون ساعات العمر واللحظة منها أفضل من الدنيا كلها، اللحظة منها إذا لم يصرفها الإنسان في طاعة الله فهي خسارة لا تعوض، المال يمكن أن يعوض بأن يتجر الإنسان ويربح، أو يموت له قريب غني ويرث، لكن العمر لا يعوض أبداً، إذا فات منه لحظة أبعدتك من الدنيا وأقربتك من الآخرة، ويدلك على أن العمر أغلى من المال كله: أن الله قال في كتابه: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100] هذا المال الذي أفنى عمره به يطلب من الله أن يرجع ليعمل بهذا المال صالحاً، ولكن أنَّى ذلك، قال الله تعالى: كَلَّا [المؤمنون:100] أي: لن ترجع، ثم أكد عز وجل أنها كلمة حق: إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [المؤمنون:100] الله أكبر! يقولها الإنسان وإن لم يسمع، يمكن أن من عنده لا يسمعونه لكنه قائلها، ولهذا جاءت الجملة اسمية، لم يقل: إنها كلمة يقولها، قال: كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [المؤمنون:100] بالتأكيد، ولكن لا تنفع وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى متى؟ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100] ولا يمكن أن يعودوا إلى الدنيا، هؤلاء الذين يمضون أوقاتهم في هذه المقولات -في السؤال- هم أعظم الناس خسارة وأفدحهم -والعياذ بالله- هذا في غير رمضان فما بالك في رمضان! الذي ساعته غرر، وأوقاته درر، والإنسان لا يدري هل يدركه بعد عامه أو لا يدركه، كم من إنسان استقبله فلم يدركه، وكم من إنسان أدرك أوله ولم يدرك آخره؟ وكم من إنسان أدركه كله ولم يستفد منه شيئاً؛ لأنه أمضاه في المعصية؟
الله أكبر! السلف الصالح يقال عنهم: إنهم يسألون الله ستة أشهرٍ أن يبلغهم رمضان، فإذا أتى سألوا الله ستة أشهر أن يقبل منهم رمضان، وهؤلاء يفرطون في هذا الشهر هذا التفريط -والعياذ بالله- الشيوخ والعجائز يمضون الليالي في المسلسلات واللغو من القول، بل والمنكر من القول أحياناً، ولست أقول هذا معمماً لكل الشيوخ والعجائز بل في الشيوخ والعجائز -ولله الحمد- من يبيتون لربهم سجداً وقياماً في رمضان وفي غيره، لكن الناس ابتلوا الآن بفتنة دخلت عليهم في البيوت، ولم يستطع أن يتخلص منها إلا من شاء الله هدايته.
فنصيحتي لإخواني: أن يتقوا الله تعالى في هذا الشهر، وأن يقبلوا على العبادة، وإني ليغلب على ظني أن قوماً انقطعوا إلى الله عز وجل شهراً كاملاً في عبادته صياماً في النهار، وقياماً في الليل، وصدقات، وقرآن، وذكر لله عز وجل، أعتقد أنهم سيجدون تربية، وأن هذا سيؤثر على قلوبهم حتى يستقيموا على أمر الله.
الله الله يا إخوان، أوصي نفسي قبلكم وأوصيكم أيضاً: بأن ننتهز هذه الفرصة العظيمة.
حكم الجمع بين صلاتي الظهر والعصر للمطر
الجواب: أولاً أقول: إن الله تعالى فرض الصلاة على العباد فرضاً مؤقتاً محدداً، فقال جل وعلا: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] لكن هذه الآية دلت عليه إجمالاً لا تفصيلاً، لكن فصلها رسوله عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ [النساء:170] جاءنا بالحق عليه الصلاة والسلام وجزاه الله عنا خيراً، قال عليه الصلاة والسلام: (وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر إلى أن تصفر الشمس، ووقت المغرب إلى مغيب الشفق الأحمر، ووقت العشاء إلى نصف الليل، ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) وقتها الرسول .. بينها .. حددها حداً واضحاً يتميز به كل وقت صلاة عن الآخر.
فإذا قدم الإنسان صلاة قبل وقتها، ولنقل: إنه كبر للظهر وصلى ركعة قبل أن تزول الشمس .. هل تصح صلاته؟ لا تصح، لماذا؟ لأنه ما دخل الوقت فصلاها قبل أمر الله ورسوله بها، وقد ثبت عن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود غير مقبول، الله عز وجل يقول: صل لي بعد زوال الشمس، وأنت تصلي قبل زوال الشمس!!
العصر متى يأتي وقتها؟
إذا صار ظل الرجل كطوله دخل وقتها، هذا رجل صلاها مع الظهر هل تقبل؟
لا تقبل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) لا تقبل بأي حال من الأحوال إلا بعذر شرعي قام عليه الدليل.
ومن العذر الشرعي: إذا كان الإنسان مريضاً، ويشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها نقول: اجمع الظهر مع العصر جمع تقديم أو تأخير حسب المتيسر لك، واجمع المغرب مع العشاء.
المطر: اختلف العلماء رحمهم الله: هل يجوز الجمع للمطر أو لا يجوز؟
فمنهم من قال: لا يجوز أبداً، لا في صلاة الظهرين ولا في صلاة العشائين.
ومنهم من قال: يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء دون الظهر والعصر. وهذا هو مذهب الحنابلة الذي عليه عامة علماء هذه البلاد، يقولون: الجمع بين الظهر والعصر حرام، ولا تقبل صلاة العصر، وإنما الجمع بين المغرب والعشاء فقط؛ لأنه الذي يحصل به المشقة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة الذي عليه عامة علماء أهل هذه البلاد.
وقال بعض العلماء: يجوز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إذا وجد السبب الشرعي. وهذا القول أصح وأرجح؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر) هذا كلام ابن عباس ، وابن عباس من فقهاء الأمة وحفاظها.
فالصحيح: أنه يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إذا وجد السبب الشرعي.
ابن عباس عندما حدث بهذا الحديث لم يتركه الناس، لأننا لو أخذنا بهذا الحديث على إطلاقه لفاتت الفائدة من تحديد وقت الصلاة، فلو قلنا: اجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء لعذر أو لغير عذر، صار تحديد الرسول عليه الصلاة والسلام لوقت الصلاة لا عبرة به، ولهذا ناقشه الناس، قالوا: يا ابن عباس! ما أراد إلى ذلك؟ لماذا يفعل هذا؟ قال: (أراد ألا يحرج أمته) والمعنى: ألا يلحق الأمة حرجٌ إذا لم يجمعوا.
فنقول لمن جمع بين الظهر والعصر: هل أنت حين جمعت ترى أن الناس يلحقهم حرج ومشقة لو حضروا لصلاة العصر، أم لا؟
الغالب أنه لا يلحقهم، هذا هو الغالب، وقد قال العلماء رحمهم الله: لا يجوز الجمع للمطر، إلا لمطر يبل الثياب وبللها معناه: أنه لو عصرت الثياب لخرج منها المطر، ليس مجرد النقطة والنقطتين، إلا لمطر يبل الثياب، وتوجد معه مشقة احترازاً مما لو جاء المطر في أيام الصيف، أيام الصيف يفرح الواحد إذا جاء ثوبه ماء يبرده، ما في مشقة، لكنهم قالوا: لا بد من مطر يبل الثياب، وتوجد معه مشقة.
وليسأل هذا الإمام الذي شاور الناس وسكتوا ثم في المرة الثالثة أجابه شخص يمكن لا يعرف الحكم، وقال: توكل على الله اجمع.
نقول له: هل بربك تعتقد أن المطر يبل الثياب ويشق على الناس أن يأتوا إلى العصر؟
لا بد أن يتحقق الإنسان هذا، وأما التلاعب بدين الله، وبعض الناس أدنى نقطة يقول: (من غير خوف ولا مطر) هكذا قال ابن عباس ، هكذا في صحيح مسلم، طيب، لا تكن كالذي قال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4] وسكت لم يقل بعدها: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5] ابن عباس رضي الله عنه لما حدث بهذا الحديث ناقشه الصحابة قالوا: لماذا؟ قال: (أراد ألا يحرج أمته) أنت إذا فعلت مثلما يدل عليه حديث ابن عباس فعلى العين والرأس، أما مجرد نقطة مطر أو بلل في الأرض والسماء واقفة فهذا لا يجوز، يب هذا تلاعب بدين الله، أن يقدم الصلاة عن وقتها بدون عذر شرعي مثل من فعل أكبر كبيرة، مع أننا لو شاهدنا أحداً يزني أو يشرب الخمر أنكرنا عليه، الصلاة قبل وقتها بدون عذر شرعي أكبر من هذه .. لماذا؟
لأن إضاعة الصلاة ركن من أركان الإسلام، ليست هينة، المسألة ليست لعباً، وفقه الشرع ليس إلى المبتدئين في العلم، بل إلى العلماء الذين رسخوا في العلم، وعلموا موارد الشريعة ومقاصدها، ليس إذا عرف الإنسان حديثاً واحداً يقول: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا، ليس بصحيح هذا، اتق الله -يا أخي- بنفسك، واعلم أنك مسئول يوم القيامة، يسألك الله عز وجل: لماذا تعديت حدودي؟ لماذا أذنت للناس بصلاة قبل دخول وقتها بدون عذر؟ لا بد للإنسان أن يتقي الله عز وجل في عباد الله وفي نفسه أولاً.
ولقد حدثت أن قوماً صلوا الجمعة -لكن في غير عنيزة - وصلوا معها العصر، انظر الجهل المركب، جهل مركب إلى أبعد الحدود، من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين العصر والجمعة؟
ائتوا لنا بحديث صحيح أو ضعيف أنه جمع بين العصر والجمعة، وقياس الجمعة على الظهر خطأ؛ لأن بينهما من الفروق ما يمتنع معه القياس، الفروق بين الجمعة والظهر أكثر من عشرين فرقاً، الجمعة صلاة مستقلة بوقتها وشروطها وأحوالها ومكانها، كل البلاد يمكن أن تصلي الظهر في كل مسجد، بل يمكن أن يصلي أهل المكاتب في مكاتبهم على قول بعض العلماء، لكن الجمعة يجب أن تكون في مكان واحد في البلد إلا للضرورة كتباعد الأحياء، أو ضيق المكان، أو ما أشبه ذلك، فكيف يقاس هذا على هذا؟!
أليست الشريعة حدوداً حدها الله؟!
هل أنزل في كتابه، أو على لسان رسوله، أو بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام أنه جمع بين العصر والجمعة؟!
أنا أتحدى أي واحد، أي إنسان يقف على حديث صحيح أو ضعيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين العصر والجمعة فليتفضل بإرشادنا إليه، وإلا فليتق الله في أمة محمد، لا يتلاعب، ولهذا قيل لي: إنه صدرت فتوى من لجنة الإفتاء في الرياض بأن على هؤلاء القوم أن يعيدوا صلاة العصر؛ لأنهم تعدوا حدود الله، قدموا العصر قبل دخول وقته، وكذلك يقال أيضاً في العصر مع الظهر: إذا لم يكن هناك سبب شرعي يبيح الجمع.
كيفية أداء أذكار صلاتي المغرب والعشاء ورواتبهما عند الجمع بينهما
الجواب: أما الراتبتان فتصليان، راتبة المغرب أولاً ثم راتبة العشاء ثانيا، وأما الأذكار فالظاهر أنه يكتفى بذكر واحد، لكن أيهما أكثر: ذكر المغرب أو ذكر العشاء؟ ذكر المغرب، فإذا اقتصر عليه الإنسان فأرجو أن يكون كافياً.
تقديم قضاء الدَّين على النافلة
الجواب: إنني أسأل سؤالاً: هل الصدقة أفضل أو الزكاة الواجبة؟ الزكاة الواجبة.
هل التطوع أفضل أو الواجب؟
الواجب.
هل العقل أن أبدأ بالواجب قبل التطوع أو بالعكس؟
يقتضي أن أبدأ بالواجب قبل التطوع، فلا يجوز للإنسان أن يذهب إلى مكة للتطوع بالعمرة وعليه دين، الدين يجب عليه الوفاء به، والتطوع في العمرة هل يجب عليه؟ لا يجب، حتى الفريضة تسقط مع وجود الدين.
يا إخواني: الدين ليس عاطفة، الفرض الذي فرضه الله على العباد وهو حج البيت والعمرة إذا كان الإنسان مديناً سقط عنه، ولقي ربه بغير ذنب، إنسان مدين ولم يحج لم يؤدِ الفريضة، نقول: كلمة: (لم يؤد الفريضة) غلط، لماذا غلط؟ لأن ما عليه فريضة، حتى الآن ما عليه فريضة، لكن لا يكون الحج فريضة إلا لمن سلم من الدين.
ولذلك نقول لهذا الأخ: هون على نفسك، أمسك عليك مالك، ابق في بلدك، وفِّر الدرهم لقضاء دينك، ولا تكن كالذي عمر قصراً وهدم مصراً.
فنرى لهذا الأخ: أنه يجب عليه البقاء في بلده، نعم لو فرض أن أحداً من الناس تبرع له بكل النفقات، وقال: لا تعطني ولا درهماً واحداً. فهنا نقول: إذا كان سفره إلى العمرة لا يعطل شغلاً يحصل به على المال فليذهب؛ لأنه في هذه الحالة هل يضر غريمه أو لا يضره؟ لا. قال له شخص: أنا أعلم أن عليك عشرة آلاف ريال، وأعلم أن الدين يجب تقديمه على التطوع، لكن تفضل معي أنت وأهلك مجاناً من حين تركب حتى ترجع، هل له أن يذهب معه؟
هنا نقول: إذا كان صاحب عمل، وكان غيابه عن عمله ينقص من تحصيله فلا يذهب، أما إذا لم يكن صاحب عمل، وأن ذهابه معه لا ينقصه شيئاً، فلا بأس أن يذهب معه.
السائل: هل يفرق إذا كان الدين حالاً أو غير حال؟
الشيخ: نعم. لا يفرق بين كون الدين حالاً ولا مؤجلاً، إلا إذا كان مؤجلاً وهو يعرف من نفسه أنه إذا حلَّ الأجل فهو قادر على الوفاء فلا بأس، كرجلٍ موظف عليه دين يحل بعد شهرين مثلاً، ويعرف أنه إذا حل الدين فهو قادر على الوفاء، فحينئذٍ نقول: اذهب، لأن بقاءه في بلده لا يغني الغريم شيئاً.
مسئولية رعاية الأب لأبنائه مقدمة على النوافل
الجواب: أقول عن عقيدة مبنية على أصل: إنه آثم وليس بمأجور؛ لأنه أهمل أمراً حمله الله إياه لأمرٍ ليس بواجب، ما الذي حمله الله؟
رعاية أهله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) أين تحذير الله عز وجل أن نقي أنفسنا وأهلينا ناراً؟ وأين الرعاية التي حملنا إياها رسوله صلى الله عليه وسلم والإنسان يجلس في المسجد الحرام مع ما فيه من الشدة والضيق ومشاهدة النساء وغير ذلك، وأولاده الذكور والإناث يتسكعون في الأسواق، أين الرعاية؟ أين الأمانة؟
فأقول: إنه آثم، فإذا قال: إذا أثمتموني بذهابي وأهلي معي أبقي أهلي في البلد وأذهب أنا، قلنا: لا بأس، هل إذا أبقيت أهلك في البلد هل لهم راعٍ يرعاهم؟
إن قال: نعم. قلنا: لا بأس اذهب؛ لأنه لا يترتب على ذهابه شيء، ولا نقص رعاية، ولا إخلال بأمانة، أما إذا قال: إذا ذهبت لم يبق أحد يرعاهم، وسفروا في البلد، وحصل إهمال، فنقول: لا تذهب ولا للعمرة، اللهم إلا أن تذهب في أول النهار بالطائرة وترجع في آخر النهار بالطائرة، حتى لا يضيع الوقت عليك بالنسبة لرعاية أهلك.
وإني أقول وأكرر أمانة أبلغها لمن شاء الله: إن الدين ليس بالعاطفة، الدين حدود وتشريعات من الله عز وجل، انظر عملك قبل أن تفعل ما تهوى نفسك، هل عملك مطابق للشريعة أم لا؟
إن كان مطابقاً للشريعة فذلك من فضل الله، فافعل ما تقتضيه الشريعة، لو كان الدين بالعاطفة لكان جميع أهل البدع على حق؛ لأن هذا هو الذي تمليه عليهم عاطفتهم، الصوفية يقولون: هذا أعلى رتب الإيمان، والمعطلة لأسماء الله وصفاته يقولون: هذا أعلى رتب التنزيه، والممثلة يقولون: هذا أعلى رتب الامتثال، وهلم جراً، لكن الدين شرع محدد من قبل الله ورسوله، فإذا كان كذلك فليس كلما يروق لي ويدخل مخي ويتحلاه ذوقي يكون شرعاً، ليس بصحيح، المشركون حينما يشركون هل هذا ذوق لهم أو اتباع؟ ذوق. هم يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] ولَكُنَّا نقول: هذا حق أيضاً، فكون الإنسان يعمل بهواه وبما يتذوقه ويقول: هذا هو الشرع ويعرض عما أوجب الله عليه فهذا خطأ عظيم، يقول الله عز وجل: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:71].
حكم تكفير صوم رمضان للكبائر وحقوق الآدميين
الجواب: الحديث هكذا جاء عاماً: (غفر له ما تقدم من ذنبه) و(ما) اسم موصول من صيغ العموم، تقتضي أن جميع الذنوب مغفورة، ولكن هذا العموم مخصص بأدلة أخرى، وهي أنه لا بد من اجتناب الكبائر، والدليل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان -صيامه وقيامه- مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) وعلى هذا فيكون هذا العموم مخصوصاً بالسنة بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (رمضان إلى رمضان مكفر لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) فلا تطمع -يا أخي- فيما ليس لك، ولا تيئس مما هو لك، أنت صم رمضان إيماناً واحتساباً وقم رمضان إيماناً واحتساباً وأبشر بالخير.
حكم صوم المصاب بمرض السكر
الجواب: هذا حسب القاعدة التي ذكرناها وهي: هل الصوم يشق عليه؟ هل الصوم يضره؟
إن كان الصوم يشق عليه فالصوم في حقه مكروه، وإن كان يضره فالصوم في حقه حرام، فإذا قال الأطباء: إنك إذا تركت أكل الحبوب في الساعات المقررة فإن السكر ربما يؤدي إلى هلاكك، فإن الواجب عليه أن يفطر، والحمد لله: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) بل إن الفطر في حال الضرر بالصوم عزيمة وليس رخصة.
حكم الاهتمام بالنافلة دون الفريضة
ومن ذلك: الأذان للعشاء قبل الوقت المحدد بربع ساعة لكي يخرج مبكراً.
ثانياً: ترك الاستعاذة من عذاب القبر وفتنة الدجال في صلاة التراويح، لكي يخرج أيضاً مبكراً.
ثالثاً: التخفيف في صلاة العشاء مع أنها فريضة وهي أحب العمل إلى الله، وإطالته لصلاة التراويح.
رابعاً: الاقتصار في التسبيح بعد الصلاة -أعني: الفريضة- على أقل القليل، والاستمرار على ذلك طيلة الشهر.
خامساً: عدم الاطمئنان في الركوع والسجود، حتى ولو قرأ وجهاً في الركعة فإنه لا يزيد على ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود. إلى غير ذلك، فما نصيحتك للأئمة في هذه النقاط بالتفصيل؟
الجواب: وأزيده أيضاً: ترك الاستفتاح في أول كل صلاة.
نقول: أولاً: ولي الأمر قرر أن أذان العشاء بعد مضي ساعتين من غروب الشمس، فهل أمر بمحرم؟ لا. لأن تأخير صلاة العشاء أفضل من تقديمها، ثم إن تأخيرها إلى مضي ساعتين بعد غروب الشمس أرفق بالناس، حتى يجلس بعد صلاة المغرب من يتعشى منهم ويتعشى بهدوء ومن يتقهوى ويتوضأ كذلك، فهو أرفق بالناس، وطاعة ولي الأمر في غير المعصية طاعة لله، ومعصية ولي الأمر في غير المعصية معصية لله، ولهذا إذا قرر ولي الأمر أن الأذان في العشاء في الساعة الثانية أي: بعد مضي ساعتين من الغروب فأرى أن يجب امتثاله، وهل فاتنا شيء؟ حتى الفضيلة يا إخواني ما فاتتنا؛ لأن صلاة العشاء الأفضل فيها التأخير، لو قال قائل: ولي الأمر لو قال: أخروا نصف ساعة عن الوقت العادي، هذا أمر بترك الفضيلة؟ نقول: هذا غير صحيح، أنت لا تفهم الفضيلة، الفضيلة كلما أخرت فهو أفضل، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج وقد ذهب عامة الليل في صلاة العشاء قال: (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) وليس على الأمة بمشقة إذا أخر أذان العشاء إلى الساعة الثانية، أي: إلى بعد ساعتين بعد الغروب.
ثانياً: يقول: إنه يعجل في صلاة العشاء، يقرأ فيها سور قصيرة، ويمكن الركوع والسجود أيضاً يقصره، وهذا خطأ، أيهما أفضل: الفريضة أو النافلة؟ الفريضة.
الشيخ: الفريضة أفضل؟ النافلة زيادة خير هداكم الله إذا قلت: السلام عليكم، وقال الثاني: عليك السلام، أيهما أفضل: قولي أنا: السلام، أو قوله: وعليك السلام؟ أنا أفضل منه، مع أن رده واجب وسلامي سنة.
إذاً .. الآن نسأل: هل السنة أفضل في قيام رمضان أو الفريضة؟ الفريضة أفضل، والدليل: نقلي وعقلي:
الدليل النقلي: قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال: (وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) هذا كلام رب العالمين، رواه عنه أصدق الخلق عليه الصلاة والسلام. إذاً .. الفريضة أفضل من النوافل، فهي أحق بأن يتأنى فيها الإنسان أكثر من التأني في التراويح.
والدليل العقلي: أن الواجب أفضل من التطوع، أنه لولا تأكده ما أوجبه الله، فلم يوجبه الله على عباده إلا لأنه أحب إليه ولأنه أوكد، فلم يجعل للإنسان خياراً في الواجب بل جعله حتماً عليه، وهذا يدل على أن الواجب أفضل من التطوع، وأن الإنسان ضرورته إلى الواجب أعظم من ضرورته إلى التطوع.
بقي الإشكال الذي أوردته: ابتداء السلام أفضل من رده، لماذا؟ لأن أصل رد السلام مبني على ابتداء السلام، فلولا أني ابتدأت بالسلام ما رد عليَّ، فمن ثم صار ابتداؤه أفضل؛ لأنه يترتب عليه الرد الذي هو الواجب، فصار الابتداء فيه تطوع وواجب؛ تطوع لأنه ابتداء، وواجب لأنه ذريعة إلى الرد الذي هو واجب.
هذا محظور كونه يقصر في صلاة العشاء ويتأنى في التراويح خطأ.. خطأ في الأول، أما التأني في التراويح فنحن نحمده على ذلك.
ثانياً: ترك الاستفتاح.
أكثر الذين يصلون التراويح يستفتحون في أول تسليمة فقط، والباقي لا، سبحان الله!! لماذا تترك الاستفتاح؟
أليست التسليمة الثانية مستقلة عن الأولى؟ بلى. لو بطلت الثانية لم تبطل الأولى، مستقلة عنها تماماً، فإذا كانت مستقلة عنها فإن المشروع في الأولى يكون مشروعاً في الثانية، فكما أن الاستفتاح مشروع في التسليمة الأولى فهو مشروع في التسليمة الثانية.
ثالثاً: يتركون الاستعاذة؛ وهي: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال). وأزيد على ذلك: أن بعضهم يترك بقية الصلاة الإبراهيمية، إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمد. السلام عليكم. فقط، لا يتمون حتى الصلاة الإبراهيمية، سبحان الله!! نحن جئنا نتعبد الله، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16] تركنا الأهل والفرش لأجل أن نتقي الله، تقتصر بنا على: اللهم صلِّ على محمد، وربما يكون الإمام سريع القراءة فينتهي من: اللهم صلِّ على محمد قبل أن يقول ذاك: السلام عليك أيها النبي. وهذا غلط عظيم.
أما ترك الاستعاذة من الأربع: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال). فإن مذهب الإمام أحمد رحمه الله في أحد الوجهين: أن الاستعاذة من هذه الأربع واجبة، مثل التشهد الأول، لا بد أن تستعيذ بالله من هذه الأربع، وهذا القول له وجهة قوية من النظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تشهد أحدكم التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع) فأمر بالاستعاذة، ولأن الاستعاذة وقاية عظيمة للإنسان إذا استجاب الله له.
فترك الاستعاذة يرى بعض العلماء من التابعين وغير التابعين أن من تركها وجب عليه إعادة الصلاة، ولهذا لما أمر طاوس وهو أحد التابعين المشهورين، أمر ابنه لما ترك الاستعاذة -من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال- أمره أن يعيد الصلاة؛ لأنه خالف أمر النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (إذا تشهد أحدكم التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع).
رابعاً: وهذه قاصمة الظهر وهي عدم الاطمئنان في الركوع والسجود، حتى كأنه ملحوق، كأن ناراً لحقته، أو وادياً لحقه، أو عدواً لحقه، لا يطمئن في ركوعه، ولا في سجوده ولا في قيامه بعد الركوع، ولا في جلوسه بين السجدتين، كأنه ملحوق، لماذا يا أخي؟ ألست تناجي الله عز وجل في صلاتك؟ ألست بين يدي الله؟ لماذا تفر من الله؟ أنت الآن ما أتيت للصلاة إلا للتقرب إلى الله، كيف تفر من الله وأنت تريد التقرب إليه؟
إن ركعتين متقبلتان من عند الله أفضل من ألف ركعة من هذا النوع، لو أن الأئمة اقتصروا في التراويح على ما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقتصر عليه على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة مع التأني والطمأنينة لكان -والله- أفضل لهم، لا من جهة مقامهم بين يدي الله ولا من جهة اتباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أم المؤمنين وهي من أخص الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلم الناس بحياته سئلت: كيف كانت صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: [ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة] فأما كونه يحافظ على ثلاث وعشرين ركعة ولكن يسرع هذه السرعة، فهذا غلط عظيم.
رابعاً: الاقتصار في التسبيح بعد الصلاة -أعني: الفريضة- على أقل القليل والاستمرار على ذلك.
كذلك أيضاً يهضمون الفرائض حقها من التسبيح بعد الصلاة، وهذا لو كان هناك حاجة لا بأس؛ لأنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في التسبيح بعد الصلاة أربعة أوجه:
الأول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. خمساً وعشرين مرة، تكون الجميع مائة مرة.
ثانياً: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. جميعاً ثلاثاً وثلاثين مرة، فالجميع تسع وتسعون، وكمال المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
ثالثاً: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة سرداً، الحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة سرداً، الله أكبر أربعاً وثلاثين مرة، كم هذه؟ مائة.
والفرق بين هذه والتي قبلها:
الفرق الأول: أن التي قبلها يجعل: سبحان الله والحمد لله والله أكبر عدداً واحد، وهذه يجعلها: سبحان الله وحدها، والحمد لله وحدها، والله أكبر وحدها.
الفرق الثاني: ختم الصفة الأولى: بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأما الثانية: فيختمها بزيادة التكبير أربعاً وثلاثين.
الصفة الرابعة: أن يقول: سبحان الله عشر مرات، والحمد لله عشر مرات، والله أكبر عشر مرات، وتكفي. لأن كل هذا ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام.
حكم استعمال جهاز صدى الصوت في المساجد
الجواب: نعم أفتيت بأن الصدى حرام، وأرجو ممن سمع مقالي هذا أن يبلغه؛ لأن الصدى كما سمعت يردد الحرف ولا سيما الحرف الأخير، هو يردد كل الحروف لكن الحروف التي قبل الأخير تدخل في الحرف الثاني ولا يبين التردد لكن في الحرف الأخير يبين، ولا شك أن هذا زيادة في كلام الله عز وجل.
وإلحاق للقرآن الكريم بالأغاني المطربة، وهذا مما نهي عنه وذمه السلف، السلف ليس عندهم هذا لكن يقولون: إن الإنسان إذا جعل نغماته في القرآن الكريم كنغمات الأغاني فإن ذلك منهي عنه ومذموم، فكيف إذا جعلت هذه الآلة التي تزيد في القرآن ما ليس منه، يجعل الراء كم مرات؟ عدة راءات، والنون عدة نونات وهكذا بقية الآية، ونحن ما جئنا لنطرب، الذي يريد الطرب يذهب إلى محلٍ آخر.
وأما كونه أزيد في الخشوع فهذا ليس عند من يرى أن ذلك حراماً، عند إنسان جاهل سمع هذا الإطراب والتغني وتلذذ به، لكن عند من يرى أن ذلك حراماً وأنه زيادة في كلام الله ما ليس منه، فلا يمكن أن يخشع، بل لا يزداد إلا نفوراً عن المكان والمسجد والإمام.
وأرى أن الإمام الذي يفعل هذا يجب أن ينصح ويقال: يا أخي! الناس يتعلقون بذمتك، وهذا أمر ليس جائزاً فلا تفعل، لا بأس إن اكتفى بالميكرفون الداخلي خاصة دون المنارة، لا بأس إذا كان هذا أبين لصوتك وأهون لك أنت؛ لأن الإنسان في التراويح إذا لم يكن صوته قوياً جداً ربما يزداد في رفع الصوت فيتكلف ويشق عليه، فإذا جعل مكبر الصوت مكبراً عادياً أعانه على ذلك، هذا لا بأس لكن بشرط: ألا يكون في المنارة، وبشرط أن يكون مكبر الصوت بلا صدى، الصدى يقطع سلكه على طول ويبعد في الحال.
حكم الأذان على ما في التقويم
الجواب: أما الإمساك فليحتط الإنسان فيه بمعنى: لا يؤذن قبل الوقت، إذا قال: دخل الوقت أو لم يدخل؟ نقول: انتظر حتى يغلب على ظنك، أو تتيقن أن الوقت دخل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن
يقال للمؤذن: تأن يا أخي، لا تحرم عباد الله ما أحل الله لهم، الإنسان قد أحل الله له أن يأكل ويشرب حتى يتبين الفجر، فلا تحرم عباد الله ولا تؤذن قبل الوقت بخمس دقائق احتياطاً، ثم إنك إذا احتطت من جهة الصيام أخللت بالاحتياط من جهة الصلاة، والصلاة أهم، الصيام أباح الله لنا أن نأكل حتى يتبين الفجر، والصلاة نهانا أن نصلي حتى يتبين الفجر، فأنت لو احتطت للصيام وقعت في الخطأ بالنسبة للصلاة، والصلاة أهون؛ لأنه كم من امرأة أو مريض في البيت ينتظر الأذان وبمجرد ما يؤذن يقوم ويصلي، فربما يصلي قبل الوقت، وتكون أنت الذي تحملت هذا الإثم.
في الغروب يحتاط أيضاً، لا يؤذن حتى يرى الشمس قد غابت، أو يغلب على ظنه أن الشمس قد غابت، ليس لازماً أن يتيقن غروب الشمس، إذا غلب على ظنه أن الشمس قد غابت فلا بأس، وأظن أن التقويم مع الساعة المضبوطة أظنه في الغروب لا بأس به، لكن في الفجر مقدم خمس دقائق بالتأكيد، خمس دقائق لا إشكال عندنا أن فيه تقديماً، لكن في الغروب الظاهر أنه على الصواب، ولكن لا بد أن تكون ساعة المؤذن مضبوطة، بعض المؤذنين ساعاتهم غير مضبوطة، تغره، ربما تقدم من حين ينظر الساعة فيؤذن، وهذا لا بد أن يحتاط، فيحتاط الإنسان في الفجر ويحتاط في الغروب، ويضبط ساعته تماماً، والحمد لله الآن ضبط الساعة سهل، أنا سمعت أن التليفون فيه رقم معين تضغطه فيبين لك الساعة، فالظاهر أن ساعة الإذاعة وساعة التوقيت كلها مضبوطة ولا شك أنها أضبط من الساعة التي في يد الإنسان.
نصيحة لاستغلال عطلة الربيع
الجواب: الواقع أن الأمر كما قال السائل: ستصادف إجازة نصف السنة هذا العام في رمضان، ولكن هل الخير أن أخرج إلى البر للنزهة وإضاعة الوقت، وربما يحصل من الكلام واللغو ما لا ينبغي في هذا الشهر المبارك، أو الأفضل أن أكون في بلدي أتعبد لله وأنتهز هذه الفرصة؟ لا شك أن الثاني أفضل، ولكن الأول مباح مع الإتيان بما لا بد منه من الواجبات وترك المحرمات.
وفي هذه الحالة ينبغي لإخوتنا الدعاة إلى الله عز وجل: أن يختاروا بعض الرسائل القصيرة، أو الملفات التي يسمونها مطويات، أو الشرائط التي تدعوا إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، حتى يوزعوها على هؤلاء، فلعل الله أن يفتح عليهم.