تعريف الجهاد وأقسامه [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى, وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه, عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار, وعدد ما اختلف الليل والنهار, وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى. أما بعد:

الجهاد بالمال

النوع الثاني: جهاد الكفار بالمال.

وهذا الجهاد قد مارسه الصحابة الكرام عليهم من الله الرضوان، فـعثمان رضي الله عنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم لتجهيز جيش العسرة قال: ( يا رسول الله! علي مائة من الإبل بأقتابها وأحلاسها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض. قال: وعلي مائة أخرى. قال: اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ، قال: وعلي مائة ثالثة. فقال: اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض. فذهب رضي الله عنه فجاء بألف دينار فصبهن في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعل يقلبها صلى الله عليه وسلم ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ), هذا الجهاد بالمال.

الجهاد بالنفس

النوع الثالث: الجهاد بالنفس.

ومثاله: أنه عليه الصلاة والسلام يوم أحد شارك في الجهاد بنفسه حتى هشمت البيضة على رأسه, وكسرت رباعيته, بفتح الراء، ودخلت حديدتان في وجنتيه صلى الله عليه وسلم, وشجت جبهته, وجحشت ركبتاه عليه الصلاة والسلام, هذا كله فقط في يوم أحد.

وكذلك في يوم حنين فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما انكشف عنه الناس يقول العباس: (كنت آخذاً بلجام دابته وهو يركض نحو العدو ويقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ), عليه الصلاة والسلام.

وقس على ذلك ما كان منه في مغازيه صلوات ربي وسلامه عليه.

جهاد الشبهات والافتراءات

النوع الرابع من جهاد الكفار: جهادهم لدفع شبهاتهم, ودحض افتراءاتهم.

ومن عادة الكفار أنهم يثيرون الشبهات, وقد حكى ربنا جل جلاله في القرآن كثيراً منها, كما في قوله سبحانه: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَهمْ يَرْجِعُونَ[آل عمران:72], وكما في قول الله عز وجل: قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ[المؤمنون:82], وغير ذلك, وهذه لا يستطيع أن يجاهد فيها إلا من آتاه الله علماً.

والنوع الأول الذي هو الجهاد باللسان فربما يكون هذا الجهاد لمواجهة سخريتهم بمثلها، كما قال تعالى: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ[هود:38], أو لمواجهة شتائمهم بمثلها, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لــحسان : ( اهجهم وروح القدس معك )؛ ولذلك قال لـأبي سفيان بن الحارث :

ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء

بأن سيوفنا تركتك عبداً وعبد الدار سادتها الإماء

هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء

أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

هذا جهاد باللسان, لكن جهاد دفع الشبهة يحتاج مع اللسان إلى علم دقيق لتزييف الشبهات.

النوع الثاني: جهاد الكفار بالمال.

وهذا الجهاد قد مارسه الصحابة الكرام عليهم من الله الرضوان، فـعثمان رضي الله عنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم لتجهيز جيش العسرة قال: ( يا رسول الله! علي مائة من الإبل بأقتابها وأحلاسها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض. قال: وعلي مائة أخرى. قال: اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ، قال: وعلي مائة ثالثة. فقال: اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض. فذهب رضي الله عنه فجاء بألف دينار فصبهن في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعل يقلبها صلى الله عليه وسلم ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ), هذا الجهاد بالمال.

النوع الثالث: الجهاد بالنفس.

ومثاله: أنه عليه الصلاة والسلام يوم أحد شارك في الجهاد بنفسه حتى هشمت البيضة على رأسه, وكسرت رباعيته, بفتح الراء، ودخلت حديدتان في وجنتيه صلى الله عليه وسلم, وشجت جبهته, وجحشت ركبتاه عليه الصلاة والسلام, هذا كله فقط في يوم أحد.

وكذلك في يوم حنين فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما انكشف عنه الناس يقول العباس: (كنت آخذاً بلجام دابته وهو يركض نحو العدو ويقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ), عليه الصلاة والسلام.

وقس على ذلك ما كان منه في مغازيه صلوات ربي وسلامه عليه.

النوع الرابع من جهاد الكفار: جهادهم لدفع شبهاتهم, ودحض افتراءاتهم.

ومن عادة الكفار أنهم يثيرون الشبهات, وقد حكى ربنا جل جلاله في القرآن كثيراً منها, كما في قوله سبحانه: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَهمْ يَرْجِعُونَ[آل عمران:72], وكما في قول الله عز وجل: قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ[المؤمنون:82], وغير ذلك, وهذه لا يستطيع أن يجاهد فيها إلا من آتاه الله علماً.

والنوع الأول الذي هو الجهاد باللسان فربما يكون هذا الجهاد لمواجهة سخريتهم بمثلها، كما قال تعالى: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ[هود:38], أو لمواجهة شتائمهم بمثلها, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لــحسان : ( اهجهم وروح القدس معك )؛ ولذلك قال لـأبي سفيان بن الحارث :

ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء

بأن سيوفنا تركتك عبداً وعبد الدار سادتها الإماء

هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء

أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

هذا جهاد باللسان, لكن جهاد دفع الشبهة يحتاج مع اللسان إلى علم دقيق لتزييف الشبهات.

وإذا سألنا وقلنا: لماذا شرع الإسلام الجهاد؟ ونعني بذلك الجهاد بالسنان وبالقتال؟

فالجواب: شرعه الله لحكم عظيمة:

الحكمة الأولى: انتصاراً للمظلوم وانتقاماً من الظالم، قال تعالى: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا[النساء:75].

الحكمة الثانية: لإقامة الدين, قال الله عز وجل: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ[البقرة:193].

الحكمة الثالثة: لإعلاء كلمة الله في الأرض, كما قال الله عز وجل: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا[التوبة:40].

الحكمة الرابعة: لحماية الدولة الإسلامية؛ لأنه لا يقوم حق إلا وتحميه قوة؛ ولذلك تجدون أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما هاجر إلى المدينة اهتم بثلاث قضايا كبيرة: أولها: العلاقة بين المؤمنين وربهم، فبنى المسجد قبل أن يبني لنفسه بيتاً عليه الصلاة والسلام, بناه وهو لا يزال ضيفاً على بعض أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.

ثانيها: توثيق علاقة المؤمنين فيما بينهم, وذلك بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.

ثالثها: تنظيم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، وذلك بكتابة المعاهدات بينه وبين اليهود, ثم شرع صلى الله عليه وسلم مباشرة في إنشاء مؤسسة عسكرية تكون معنية بحماية الدولة الإسلامية الوليدة.

ولذلك غزا النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعاً وعشرين غزوة, معظمها في السنة الثانية من الهجرة, وقد وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ربيع الأول, ومعنى ذلك: أن السنة الأولى من الهجرة فقط كان فيها تسعة أشهر, وبمجرد ما بدأت السنة الثانية بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل البعوث ويوجه السرايا ويشارك في الغزوات صلوات ربي وسلامه عليه.

الحكمة الخامسة: من الحكم التي شرع الجهاد من أجلها: نشر الأمان في الأرض, فإذا كان المسلمون هم السادة, فإنهم سيضمنون الأمان للجميع, للمؤمن والكافر, للموحد والمشرك؛ ولذلك تقرءون في القرآن قول ربنا الرحمن: وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا[الحج:40], فذكر المساجد بعد ذكر الصوامع التي لغير المسلمين.

ولذلك نقول: بأنه ليس في ديننا إكراه, ليس في ديننا إجبار, ونحن نقرأ في القرآن قوله تعالى في الآية المحكمة: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ[البقرة:256], ونقرأ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يجبر أحداً على الدخول في دينه صلوات ربي وسلامه عليه، فشرع الله الجهاد من أجل نشر الأمان في الأرض, وأن يأمن كل ذي دين على دينه, مع يقيننا أنه دين باطل, فنحن على يقين بأنه ليس على وجه الأرض دين حق إلا الإسلام، قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[آل عمران:85] وقال سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ[آل عمران:19], ومع ذلك لا نكره غيرنا على ترك دينه.

وقد شرع الجهاد في السنة الثانية من الهجرة، وأما في مكة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مأموراً بالصبر، قال تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا[المزمل:10] وقال تعالى: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا[الإنسان:24].. وغير ذلك من الآيات.

فلما هاجر إلى المدينة وصار للمسلمين دولة شرع الله عز وجل لهم الجهاد على مراحل:

المرحلة الأولى: جاء ذكرها في قول ربنا جل جلاله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا[الحج:39], فبداية كان مجرد إذن.

ثم جاءت المرحلة الثانية في قول الله عز وجل: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ[البقرة:190].

ثم جاءت المرحلة الثالثة وهي التي يسمونها آية السيف، قال تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[التوبة:29].

فمر تشريع الجهاد بهذه المراحل كلها.

الجهاد في سبيل الله له أحكام كثيرة, فهناك أحكام تتعلق بالشروط, فيذكر أهل العلم بأن المجاهد لا بد أن تتوافر فيه شروط ثمانية: إسلام وبلوغ وعقل وحرية وذكورة وسلامة أعضاء وسلامة من الدين, وإذن الوالدين. هذه ثمانية شروط.

أما حكم الجهاد فإنه تارة يكون فرض عين, وتارة يكون فرض كفاية, ولا يتعين إلا في حالات، منها: لو دهم العدو بلداً للمسلمين, أو لو التقى الصفان, أو عين الإمام نفراً, أو كان النفير عاماً, كما قال الله عز وجل في شأن غزوة تبوك: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ[التوبة:41].

وهناك أحكام تتعلق بطاعة الأمير, وأحكام تتعلق بالغنائم والفيء, وأحكام تتعلق بمقاتلة الكفار, ونجد بأن تعاليم الإسلام تنص على أن المجاهدين لا يجوز لهم أن يقتلوا شيخاً كبيراً, ولا طفلاً وليداً, ولا امرأة, ولا راهباً, ولا يقطعون شجراً مثمراً, ولا يعقرون بعيراً إلا لمأكلة, ولا يخربون عامراً, ولا يمثلون؛ لأن المثلة منهي عنها، قال صلى الله عليه وسلم: ( لا أمثل به فيمثل الله بي, وإن كنت نبياً ).

وهناك أحكام تتعلق بتقسيم الكفار إلى حربي ومعاهد ومستأمن وذمي.

وهناك أحكام تتعلق بعقد الأمان, وأحكام تتعلق بمعاملة الأسرى, وذلك بأنه يجوز للإمام أن يعامل الأسير بواحد من خيارات أربعة: الخيار الأول والثاني في قول الله تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا[محمد:4]؛ فهذان خياران إما المن, وهو إطلاق سراح الأسير, مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع ثمامة بن أثال الحنفي, وإما الفداء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ببعض أسرى بدر.

وأما الخيار الثالث فقد نزل في قول الله عز وجل: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ[الأنفال:67], أي: القتل، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بـعقبة بن أبي معيط و النضر بن الحارث .

أما الخيار الرابع فهو: الاسترقاق كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ببني قريظة.