أمة معذبة مرحومة منصورة - إبراهيم بن محمد الحقيل
مدة
قراءة المادة :
14 دقائق
.
الخطبة الأولىالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ؛ فَضَّلَ أُمَّةَ الإِسْلاَمِ عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ، وَاخْتَصَّهَا بِخَصَائِصَ لَيْسَتْ لِسِوَاهَا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى آلاَئِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ رَحِمَ أُمَّةَ الإِسْلاَمِ فَجَعَلَ عَذَابَهَا فِي الدُّنْيَا؛ لِيُخَفِّفَ عَنْهَا عَذَابَ الآخِرَةِ، وَأَعْطَاهَا مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُعْطِ غَيْرَهَا: «فمَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ رَحِمَ أُمَّتَهُ فَحَرَصَ عَلَيْهَا، وَرَفَعَ العَنَتَ عَنْهَا، وَادَّخَرَ دَعْوَتَهُ شَفَاعَةً لَهَا، وَأَلَحَّ عَلَى اللهِ -تعالى- يَسْأَلُهُ نَجَاتَهَا: «وَقَالَ: اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ - عز وجل -: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عليه الصلاة والسلام -، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ»، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ، وَعَلِّقُوا بِهِ قُلُوبَكُمْ، وَأَصْلِحُوا لَهُ أَعْمَالَكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَا قَدْ خُبِّئَ لَكُمْ، وَلاَ تَدْرُونَ مَا يَحِلُّ بِكُمْ فِي يَوْمِكُمْ، فَضْلاً عَنْ غَدِكُمْ؛ {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزُّمر: 55].
أَيُّهَا النَّاسُ: أُمَّةُ الإِسْلاَمِ أُمَّةٌ ذَاتُ تَارِيخٍ طَوِيلٍ عَرِيقٍ، بَذَلَتْ فِي سَبِيلِ اللهِ -تعالى- مَا لَمْ تَبْذُلْهُ أُمَّةٌ قَبْلَهَا، وَذَاقَتْ مِنَ الابْتِلاَءِ مَا لَمْ يَذُقْهُ أَحَدٌ سِوَاهَا، وَعَالَجَتْ مِنَ الأَعْدَاءِ مَا لَمْ تُعَالِجْهُ أُمَّةٌ سَبَقَتْهَا؛ وَلِذَا حَظِيَتْ بِمَنْزِلَةٍ لَمْ يَحْظَ بِهَا أُمَّةٌ غَيْرُهَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهَا أُمَّةٌ تَارِيخُهَا طَوِيلٌ، وَدَعْوَةُ نَبِيِّهَا كَانَتْ لِلنَّاسِ كَافَّةً، وَهِيَ أُمَّةٌ تَبْقَى إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ؛ لِتُخْتَمَ دَارُ الدُّنْيَا بِهَا، وَهِيَ خَيْرُ الأُمَمِ وَأَزْكَاهَا فَكَانَ ابْتِلاؤُهَا مُوَازِيًا لِاصْطِفَائِهَا.
وَكُلُّ ابْتِلاءٍ وَتَعْذِيبٍ وَقَتْلٍ وَصَلْبٍ وَحَرْقٍ وَتَمْزِيقٍ لِلْأَجْسَادِ أَصَابَ نَفَرًا مِنَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ، فَإِنَّهُ أَصَابَ أَضْعَافَهُمْ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَكُلُّ كَيْدٍ أُصِيبَتْ بِهِ الأُمَمُ السَّابِقَةُ عَلَى أَيْدِي الكَافِرِينَ نَالَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً مِمَّا نَالَ السَّابِقِينَ، وَزَادَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى الأُمَمِ السَّابِقَةِ بِمَكْرٍ كَبِيرٍ مِنَ المُنَافِقِينَ لَمْ يُوجَدْ فِي أُمَّةٍ خَلَتْ قَبْلَهَا.
وَكُلُّ هَذَا الابْتِلاَءِ الَّذِي يُصِيبُهَا هُوَ تَخْفِيفٌ عَنْهَا فِي الدَّارِ الآخِرَةِ؛ فَابْتِلاءَاتُ الدُّنْيَا كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّة مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْلُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ]، وَالمَعْنَى: أَنَّ غَالِبَ عَذَابِهِمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا بِالمِحَنِ وَالأَمْرَاضِ وَأَنْوَاعِ البَلاَيَا وَالهُمُومِ.
إِنَّ مَنْ اسْتَعْرَضَ تَارِيخَ هَذِهِ الأُمَّةِ يَجِدُ أَنَّهُا عُذِّبَتْ بِأَيْدِي الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ عَذَابًا لَمْ يُعَذَّبْهُ أَحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ، وَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ تَارِيخَ الصَّليِبِيِّينَ وَمَا فَعَلُوهُ بِالمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ وَسَائِرِ الشَّامِ وَمِصْرَ، وَاقْرَؤُوا تَارِيخَ الزَّحْفِ التَّتَرِيِّ مِنْ خَوَارِزْمَ إِلَى بَغْدَادَ، وَمَا فَعَلُوهُ بِالمُسْلِمِينَ مِنَ التَّعْذِيبِ وَالقَتْلِ وَهَتْكِ الأَعْرَاضِ، وَاقْرَؤُوا تَارِيخَ سُقُوطِ الأَنْدَلُسِ وَمَحَاكِمِ التَّفْتِيشِ الَّتِي تَفَنَّنَ الرُّهْبَانُ وَأَتْبَاعُهُمْ فِي تَعْذِيبِ المُسْلِمِينَ فِيهَا، حَتِّى إِنَّ أَدَوَاتَ التَّعْذِيبِ وَأَسَالِيَبَهُ الَّتِي لاَ تَخْطُرُ عَلَى بَالِ أَحَدٍ مَحْفُوظَةٌ فِي المَتَاحِفِ الأُورُبِيَّةِ، وَاقْرَؤُوا تَارِيخَ الاسْتِعْمَارِ وَمَا فَعَلَهُ المُسْتَعْمِرُونَ بِالمُسْلِمِينَ لَمَّا احْتَلُّوا بُلْدَانَهُمْ، وَأَخْضَعُوهَا تَحْتَ الانْتِدَابِ أَوِ الوِصَايَةِ، وَاقْرَؤُوا تَارِيخَ النَّكْبَةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ وَمَا فَعَلَهُ اليَهُودُ بِأَهْلِهَا مِنَ القَتْلِ وَالتَّعْذِيبِ وَالتَّهْجِيرِ!.
وَأَمَّا ابْتِلاءُ الأُمَّةِ بِالفِرَقِ وَالطَّوَائِفِ البَاطِنِيَّةِ الخَائِنَةِ، فَهُوَ ابْتِلاَءٌ خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الأُمَّةُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الأُمَمِ، وَاسْتَبَاحَ الخُرَّمِيَّةُ دِمَاءَ المُسْلِمِينَ وَأَعْرَاضَهُمْ، وَفَعَلُوا بِهِمُ الأَفَاعِيلَ فِي القَرْنَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ الهِجْرِيَّيْنِ، وَخَلَفَهُمُ العُبَيْدِيُّونَ فِي القَرْنِ الرَّابِعِ، فَاسْتَبَاحُوا بِلاَدَ المَغْرِبِ وَالشَّامِ، وَمَا فَعَلُوهُ بِالمُسْلِمِينَ فِيهَا يُضَاهِي فِعْلَ الصَّلِيبِيِّينَ، وَفِي القَرْنِ الرَّابِعِ قَتَلَ القَرَامِطَةُ الحَجَّاجَ فِي حَرَمِ اللهِ - تعالى -، وَعَطَّلُوا الحَجَّ ذَاكَ العَامَ، وَأَسَالُوا الدِّمَاءَ فِي صَحْنِ الكَعْبَةِ، وَمَا فَعَلَهُ غَيْرُهُمْ مِنَ الإِمَامِيَّةِ وَالإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالدُّرُوزِ وَغَيْرُهُمْ كَثِيرٌ، وَكَثِيرٌ جِدًّا.
هَذِهِ النَّوَازِلُ العَظِيمَةُ نَزَلَتْ بِأَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي مُخْتَلَفِ الأَزْمَانِ وَالأَقْطَارِ، وَجُلُّ المُسْلِمِينَ عَلَى الحَقِّ ثَابِتُونَ، لَمْ يُغَيِّرُوا دِينَهُمْ لِأَجْلِ مَا أَصَابَهُمْ فِيهِ؛ بَلْ كَانُوا يَهْرَعُونَ إِلَى اللهِ - تعالى -بِالضَّرَاعَةِ وَالدُّعَاءَ، أَحْدَاثٌ جِسَامٌ، وَنَوَازِلُ كَبِيرَةٌ، وَابْتِلاَءٌ عَظِيمٌ، دَوَّنَهُ المُؤَرِّخُونَ المُسْلِمُونَ فِي تَوَارِيخِهِمْ وَقُلُوبُهُمْ تَتَقَطَّعُ، وَمَدَامِعُهُمْ تَسِيلُ، فَأَكْثَرُوا الحَوْقَلَةَ وَالاسْتِرْجَاعَ، وَالدُّعَاءَ لِأُمَّةِ الإِسْلاَمِ.
ذَكَرَ المُؤَرِّخُ ابْنُ الأَثِيرِ - رحمه الله - تَعَالَى- بَعْضَ أَفْعَالِ التَّتَرِ فِيمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَأَفْعَالِ الصَّلِيبِيِّينَ فِي الشَّامِ وَدُمْيَاطَ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يُدَوِّنُ ذَلِكَ: وَتَاللَّهِ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ يَجِيءُ بَعْدَنَا، إِذَا بَعُدَ الْعَهْدُ، وَيَرَى هَذِهِ الْحَادِثَةَ مَسْطُورَةً يُنْكِرُهَا، وَيَسْتَبْعِدُهَا، وَالْحَقُّ بِيَدِهِ، فَمَتَى اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ أَنَّنَا سَطَّرْنَا نَحْنُ، وَكُلُّ مَنْ جَمَعَ التَّارِيخَ فِي أَزَمَانِنَا هَذِهِ فِي وَقْتٍ كُلُّ مَنْ فِيهِ يَعْلَمُ هَذِهِ الْحَادِثَةَ، اسْتَوَى فِي مَعْرِفَتِهَا الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ لِشُهْرَتِهَا، يَسَّرَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالإِسْلاَم مَنْ يَحْفَظُهُمْ وَيَحُوطُهُمْ، فَلَقَدْ دُفِعُوا مِنَ الْعَدُوِّ إِلَى عَظِيمٍ، وَمِنَ الْمُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَنْ لَا تَتَعَدَّى هِمَّتُهُ بَطْنَهُ وَفَرْجَهُ، وَلَمْ يَنَلِ الْمُسْلِمِينَ أَذًى وَشِدَّةٌ مُذْ جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى هَذَا الْوَقْتِ مِثْلَ مَا دُفِعُوا إِلَيْهِ الْآنَ.
ا هـ.
رَحِمَكَ اللهُ يَا ابْنَ الأَثِيرِ، تَظُنُّ أَنَّنَا نَسْتَبْعِدُ مَا قَدْ دَوَّنْتَ مِنْ أَفْعَالِ التَّتَرِ وَالصَّلِيبِيِّينَ بِالمُسْلِمِينَ، وَتَلْتَمِسُ العُذْرَ لَنَا فِي اسْتِبْعَادِنَا لَهُ؛ لِفَدَاحَةِ مَا قَدْ دَوَّنَ يَرَاعُكَ وَفَظَاعَتِهِ؛ فَدَعْنَا نُخْبِرُكَ بِأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا فِي زَمَنِنَا هَذَا بَعْدَ زَمَنِكَ بِقُرُونٍ ثَمَانِيَةٍ مَا يَجُلُّ عَنِ الوَصْفِ، وَيَسْتَعْصِي عَلَى العَدِّ مِنْ مَذَابِحِ المُسْلِمِينَ!.
رَأَيْنَا أَفْغَانِسْتَانَ يَحْتَلُّهَا الشُّيُوعِيُّونَ فَيَقْتُلُونَ فِيهَا مِلْيُونَيْ مُسْلِمٍ، وَرَأَيْنَاهَا تُحْتَلُّ بَعْد ذَلِكَ مِنْ عُبَّادِ الصَّلِيبِ فَيَقْتُلُونَ وَيُفْسِدُونَ، وَرَأَيْنَا دُوَلَ البَلْقَانَ يَفْتَرِسُهَا الصِّرْبُ وَالكُرْوَاتُ فَيَسْتَبِيحُونَ حَرِيمَ المُسْلِمِينَ وَأَطْفَالَهُمْ، وَيُبِيدُونَ رِجَالَهُمْ، وَرَأَيْنَا العِرَاقَ وَقَدْ دَكَّتْهُ قُوَّاتُ الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ فَأَرْجَعَتْهُ إِلَى الوَرَاءِ مِئَاتِ السِّنِينَ، ثُمَّ سَلَّمَتْهُ لِلْبَاطِنِيِّينَ، وَرَأَيْنَا اليَهُودَ يَعِيثُونَ فِي فِلَسْطِينَ فَيَقْتُلُونَ وَيُدَمِّرُونَ، وَرَأَيْنَا الهِنْدُوسَ فِي الهِنْدِ يَهْدِمُونَ مَسَاجِدَ المُسْلِمِينَ، وَيَبْنُونَ عَلَى أَنْقَاضِهَا مَعَابِدَهُمْ، وَيَسْتَبِيحُونَ دِمَاءَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ، وَرَأْينَا الْبُوذِيِّينَ يُرْهِبُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي تُرْكِسْتَانَ، وَيُضَيِّقُونَ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَيُهَجِّرُونَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَرَأَيْنَا إِخْوَانَهُمْ فِي مَانِيمَارِ يُعَذِّبُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَرَاكَانَ، وَيُقَطِّعُونَ أَجْسَادَهُمْ، وَيَحْرِقُونَ أَطْفَالَهُمْ، وَيَهْدِمُونَ مَنَازِلَهُمْ، وَيَبُثُّونَ الرُّعْبَ فِيهِمْ؛ لِيُهَجِّرُوهُمْ عَنْ دِيَارِهِمْ، وَلَا زَالُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ، وَرَأَيْنَا النُّصَيْرِيَّةَ قَدِ اسْتَبَاحُوا بِلَادَ الشَّامِ، فَمَزَّقُوا الْأَطْفَالَ، وَاغْتَصَبُوا النِّسَاءَ، وَعَذَّبُوا الرِّجَالَ، وَفَعَلُوا الْأَفَاعِيلَ بِأَهْلِ السُّنَّةِ، كَمَا يَفْعَلُ إِخْوَانُهُمْ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ بِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْأَحْوَازِ!.
لَقَدْ عُذِّبَتْ أُمَّةُ الإِسْلاَمِ عَلَى دِينِهَا فِي تَارِيخِهَا الطَّوِيلِ عَذَابًا لَمْ يُعَذَّبْهُ أَحَدٌ قَبْلَهَا، وَحَاوَلَ الْأَعْدَاءُ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ إِبَادَتَهَا، وَإِنْهَاءَ وُجُودِهَا، وَطَيَّ صَفْحَةِ تَارِيخِهَا، لَكِنْ خَابَ سَعْيُهُمْ، وَبَطَلَ كَيْدُهُمْ؛ وَكَمَا أَنَّ الابْتِلَاءَ بِالْأَعْدَاءِ قَدَرُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَسُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ اللهِ - تعالى -فِيهَا؛ فَإِنَّ قَدَرَهَا أَيْضًا وَسُنَّةَ اللهِ - تعالى -فِيهَا أَنْ تَبْقَى إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَنْ تَكُونَ الْعَاقِبَةُ لَهَا، وَلَنْ يُفْلِحَ الْأَعْدَاءُ أَنْ يُنْهُوا وُجُودَهَا؛ وَدَلِيلُ هَذِهِ السُّنَّةِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
لَقَدْ هُجِّرَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَنْدَلُسِ، وَتَمَّ تَنْصِيرُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَتَّى ظَنَّوُا أَنَّ الْإِسْلاَمَ قَدِ انْتَهَى مِنْ إِسْبَانْيَا، لَكِنَّهُ عَادَ بِقُوَّةٍ لِيَنْتَشِرَ فِي أُورُبَّا بِأَكْمَلِهَا وَلَيْسَ فِي إِسْبَانْيَا فَقَطْ، وَهُوَ الْآنَ يُهَدِّدُ أُورُبَّا بِتَغْيِيرِ دِيمُغْرَافِيَّتِهَا لِصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَنْتَشِرُ فِيهَا انْتِشَارًا كَبِيرًا أَفْزَعَ الْمَلَاحِدَةَ وَالصَّلِيبِيِّينَ وَالْمُنَافِقِينَ.
وَهَجَّرَ الزَّعِيمُ الدَّمَوِيُّ الشُّيُوعِيُّ سَتَالِينُ مُسْلِمِي الْقُوقَازِ إِلَى سَيْبِيرْيَا لِيَمُوتُوا تَحْتَ الْجَلِيدِ، فَنَقَلُوا الْإِسْلاَمَ إِلَى قَبَائِلِ سَيْبِيرْيَا الْوَثَنِيَّةِ، وَانْتَشَرَ دِينُ اللهِ -تعالى- فِيهَا انْتِشَارًا كَبِيرًا مَعَ بَقَائِهِ فِي دُوَلِ الْقُوقَازِ وَانْتِهَاءِ الشُّيُوعِيَّةِ إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ! وَحَاوَلَ الصِّرْبُ الْأَرْثُوذُكْسُ إِبَادَةَ مُسْلِمِي الْبَلْقَانِ بِإِقْرَارِ إِخْوَانِهِمْ فِي النِّيتُو، لَكِنْ فَشِلُوا وَهَلَكَ صَاحِبُ مَشْرُوعِ صِرْبِيَا الْكُبْرَى، وَتَشَبَّثَ مُسْلِمُو الْبَلْقَانِ بِدِينِهِمْ، وهَجَّرَ الْيَهُودُ فِي النَّكْبَةِ ثُمَّ النَّكْسَةِ مَلَايِينَ الْفِلَسْطِينِيِّينَ مِنْ دِيَارِهِمْ؛ لِيَجْلِبُوا لَهَا الْيَهُودَ مِنْ شَتَّى الْأَقْطَارِ؛ فَزَادَ النَّسْلُ الْفِلَسْطِينِيُّ، حَتَّى كَانَ أَعْلَى نَسْلٍ فِي الْعَالَمِ، وَانْخَفَضَ النَّسْلُ الْيَهُودِيُّ حَتَّى كَانَ أَقَّلَ نَسْلٍ فِي الْعَالَمِ، وَالْيَهُودُ يُعَانُونَ بِشِدَّةٍ مِنْ تَكَاثُرِ الْفِلَسْطِينِيِّينَ، وَغَرَسَتِ العَلْمَانِيَّةُ أَنْيَابَهَا وَمَخَالِبَهَا فِي مِصْرَ وَتُونُسَ زُهَاءَ مِئَةِ سَنَةٍ وَزِيَادَةٍ حَتَى ظَنُّوا أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِلدِّينِ فَعَادَ النَّاسُ إِلَى دِينِ الله - تعالى -، وَطَوَّحُوا بِمَنْ يُحَارِبُ الدِّينَ إِلَى مَزْبَلَةِ التَّارِيخِ، وَصَوَتُوا لِمَنْ يَرْفَعُ رَايَةَ الإِسْلَامِ، وَللهِ - تعالى - تَدْابِيرُ لَا يَرُدُّهَا أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ، وَقَدَرُهُ - سبحانه - أَنْ تَبْقَى أُمَّةُ الإِسْلاَمِ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَنْ تَمْلِكَ الْأَرْضَ كُلَّهَا، وَتَكُونَ الْعَاقِبَةُ لَهَا؛ {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ} [ التوبة : 33].
بَارَكَ اللهِ لِي وَلَكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 102-103].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَا دَامَ أَنَّ الابْتِلَاءَ بِالْأَعْدَاءِ قَدَرٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مَحْتُومٌ، وَسُنَّةٌ مَاضِيَةٌ، وَمَا دَامَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَبْقُونَ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ قَضَاءً عَامًّا حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ؛ فَإِنَّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاجِبًا تُجَاهَ كُلِّ سُنَّةٍ مِنْ هَاتَيْنِ السَّنَتَيْنِ الرَّبَّانِيَّتَيْنِ:
فَأَمَّا وَاجِبُهُ تُجَاهَ سُنَّةِ بَقَاءِ الإِسْلاَمِ فَهِيَ التَّمَسُّكُ بِهِ، وَالدَّعْوَةُ إِلَيْهِ، وَعَدَمُ الْحَيدَةِ عِنْهُ، مَهْمَا عَظُمَ الابْتِلَاءُ، وَاشْتَدَّتِ الْمِحْنَةُ؛ ذَلِكَ أَنَّ دِينَ اللهِ - تعالى -مَنْصُورٌ، وَإِنْ تَخَاذَلَ الْمُتَخَاذِلُونَ، وَارْتَدَّ الْمُرْتَدُّونَ.
وَأَمَّا وَاجِبُهُ تُجَاهَ سُنَّةِ الابْتِلَاءِ بِالْأَعْدَاءِ فَمُقَارَعَتُهُمْ وَمُدَافَعَتُهُمْ، وَعَدَمُ الاسْتِسْلَامِ لَهُمْ، وَمَعُونَةُ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ كَلَبُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَذَرُ مِنْ خِذْلَانِهِمْ، وَالتَّخَلِّي عَنْهُمْ أَوْ إِسْلَامِهِمْ لِأَعْدَائِهِمْ؛ فَإِنَّ المْسُلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَخْذُلُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.
وَإِنَّ إِخْوَانًا لَكُمْ يَزِيدُونَ عَلَى سَبْعَةِ مَلَايِينَ مُسْلِمٍ فِي مَانِيمَارِ، قَدْ تَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْبُوذِيُّونَ بِالْقَتْلِ وَالتَّهْجِيرِ، يُرِيدُونَ خُلُوصَ الْبِلَادِ لِلْبُوذِيَّةِ الْوَثَنِيَّةِ، وَمَحْوَ أَنْوَارِ الْإِسْلاَمِ مِنْهَا، وَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ هُمْ فِي إِقْلِيمِ أَرَاكَانَ الَّذِي كَانَ خاَلِصًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَظَلَّ يُحْكَمُ بِالْإِسْلاَمِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَنِصْفَ قَرْنٍ حَتَّى احْتَلَّهُ الْبُوذِيُّونَ قَبْلَ قَرْنَيْنِ؛ خَوْفًا مِنَ انْتِشَارِ الْإِسْلاَمِ إِلَى الْأَقَالِيمِ الْأُخْرَى، وَقَبْلَ سَبْعِينَ سَنَةً عَزَمَ الْبُوذِيُّونَ عَلَى إِبَادَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مِئَةَ أَلْفِ نَفْسٍ، وَلَمْ يَتَوَرَّعُوا عَنْ قَتْلِ الشُّيُوخِ وَالنِّسَاءِ وَذَبْحِ الْأَطْفَالِ، وَتَشْرِيدِ عَشَرَاتِ الْآلَافِ مِنَ الْأُسَرِ؛ لِأَنَّ مَحْوَ الْإِسْلاَمِ مِنَ الْإَقَلِيمِ ظَلَّ حُلْمًا يُرَاوِدُ الْبُوذِيِّينَ مُنْذُ احْتِلَالِهِمْ لَهُ إِلَى الْيَوْمِ، وَكَانَ الاسْتِعْمَارُ الْبِرِيطَانِيُّ لِشِبْهِ الْقَارَّةِ الْهِنْدِيَّةِ مُعِينًا لِلْبُوذِيِّينَ فِي أَرَاكَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَمَا كَانَ مُعِينًا لِلْهُنْدُوسِ عَلَيْهِمْ فِي الْهِنْدِ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلاَمِ.
وَابْتِلَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَانِيمَارَ بِالْبُوذِيِّينَ عَظِيمٌ، وَتَسَلُّطُهُمْ عَلَيْهِمْ كَبِيرٌ؛ حَتَّى إِنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُمْ مِنَ الزَّوَاجِ إِلَّا بِإِذْنٍ حُكُومِيٍّ مُعَقَّدٍ، وَبِرُسُومٍ مَالِيَّةٍ تُثْقِلُهُمْ، وَيَسْجُنُونَهُمْ عَلَى الزَّوَاجِ بِلَا إِذْنٍ حُكُومِيٍّ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ، وَهِيَ سَابِقَةٌ مِنَ الاضْطِهَادِ لَا نَعْلَمُ لَهَا وُقُوعًا فِي غَيْرِ هَذَا الْإِقلِيمِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمْ، بِمَنْعِ نَسْلِهِمْ، وَقَتْلِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ، وَتَهْجِيرِهِمْ، حَتَّى يُفْرِغُوا الْإِقْلِيمَ مِنْهُمْ، وَزَادُوا عَلَى ذَلِكَ بِمَنْعِهِمْ مِنَ التَّعْلِيمِ وَالْعَمَلِ الْحُكُومِيِّ!.
وَمِنْ قَوَانِينِهِمُ الْجَائِرَةِ أَنَّهُ لَا يُسْمَحُ لِلْمُسْلِمِينَ بِاسْتِضَافَةِ أَحَدٍ فِي بُيُوتِهِمْ، وَلَوُ كَانُوا أَشِقَّاء أَوْ أَقَارِبَ إِلَّا بِإِذْنٍ مَسْبُقٍ، أَمَّا الْمَبِيتُ فَيُمْنَعُ مَنْعًا بَاتًّا، وَيُعْتَبَرُ جَرِيمَةً كُبْرَى رُبَّمَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا بِهَدْمِ مَنْزِلِهِ أَوِ اعْتِقَالِهِ أَوْ طَرْدِهِ مِنَ الْبِلَادِ هُوَ وَأُسْرَتُهُ! وَيُحْرَمُ كَذَلِكَ أَبْنَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مُوَاصَلَةِ التَّعْلُّمِ فِي الْكُلِّيَّاتِ وَالْجَامِعَاتِ، وَمَنْ يَذْهَبُ لِلْخَارِجِ يُطْوَى قَيْدُهُ مِنْ سِجِلَّاتِ الْقَرْيَةِ، أَمَّا إِذَا عَادَ فَيُعْتَقَلُ عِنْدَ عَوْدَتِهِ، وَيُرْمَى بِهِ فِي غَيَاهِبِ السُّجُونِ! وَلَا يُسْمَحُ لِلْمُسْلِمِينَ بِالانْتِقَالِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخِر دُونَ تَصْرِيحٍ، وَهُوَ مَا يَصْعُبُ الْحُصُولُ عَلَيْهِ، كَمَا يَتِمُّ حَجْزُ جَوَازَاتِ السَّفَرِ الْخَاصَّةِ بِالْمُسْلِمِينَ لَدَى الْحُكُومَةِ، وَلَا يُسْمَحُ لَهُمْ بِالسَّفَرِ لِلْخَارِجِ إِلَّا بِإِذْنٍ رَسْمِيٍّ، وَيُعْتَبَرُ السَّفَرُ إِلَى عَاصِمَةِ الدَّوْلَةِ (رانغون)، أَوْ أَيْةِ مَدِينَةٍ أُخْرَى جَرِيمَةً يُعَاقَبُ عَلَيْهَا! هَذَا غَيْرُ هَدْمِ مَسَاجِدِهِمْ وَمَدَارِسِهِمُ الدِّينِيَّةِ.
وَإِزَاءَ هَذَا الاضْطِهَادِ وَصَفَتْهُمُ الْأُمَمُ الْمُتَّحِدَةُ بِأَنَّهُمْ إِحْدَى أَكْثَرِ الْأَقَلِّيَّاتِ تَعَرُّضًا للاضْطِهَادِ فِي الْعَالَمِ، لَكِنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا لِأَجْلِهِمْ.
كُلُّ هَذَا وَأَشَدُّ مِنْهُ يُفْعَلُ بِإِخْوَانِنِا الْمُسْلِمِينَ فِي مَانِيمَارَ، وَالْمُسْلِمُونَ فِي الْأَرْضِ يُقَارِبُونَ مِلْيَارَ مُسْلِمٍ وَنِصْفَ الْمِلْيَارِ، وَلَا يَنْصُرُونَهُمْ! فَأَيْنَ ابْنُ الْأَثِيرِ يَنْظُرُ إِلَى حَالِهِمْ، وَيُدَوِّنُ ذَلِكَ فِي تَارِيخِهِ، وَيَعْجَبُ مِنَّا أَكْثَرَ مِنْ عَجَبِهِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ ؟!
فَلْنَتَّقِ اللهَ عِبَادَ اللهِ فِي إِخْوَانِنَا، وَلَنَنْصُرْهُمْ بِمَا نَسْتَطِيعُ مِنْ نُصْرَةٍ، فَإِنَّ مَنْ نَصَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَآسِيهِمْ فَإِنَّمَا يَنْصُرُ نَفْسَهُ، وَيُطِيعُ رَبَّهُ، وَمَنْ خَذَلَهُمْ فَإِنَّمَا يَخْذُلُ نَفْسَهُ، وَيُغْضِبُ رَبَّهُ؛ {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
وَ«تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِر جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى» [رَوَاهُ الشَّيْخَانِ].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا.