خطب ومحاضرات
شرح العقيدة الطحاوية [61]
الحلقة مفرغة
من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله، وبما أخبرت به رسل الله، فالإيمان بالرسل داخل في الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر داخل في الإيمان بالله؛ لأنه خبر الله، الله هو الذي أرسل الرسل، فمن آمن بالله آمن برسله، والله أخبر باليوم الآخر فمن آمن بالله آمن بخبره، واليوم الآخر يراد به ما بعد الموت، كلما يكون بعد الموت فهو من اليوم الآخر؛ ولذلك يقولون: من مات فقد قامت قيامته، فأول الآخرة وأول مراحلها خروج الروح، وبعدها يبدأ الإنسان في الجزاء، قبل خروج الروح هو في العمل، وبعدها يدخل في الجزاء، ويلقى جزاءه من حين تخرج الروح حيث يلقى مقدمات الجزاء على الأعمال إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وقد عرفنا ما يحصل لروح المؤمن ولروح الكافر عند خروجها، وإن كنا لا نراها، وكذلك ما يحصل من عذاب القبر ونعيمه، ومن سؤال منكر ونكير، فذلك كله داخل في الإيمان باليوم الآخر، وإذا آمن العبد بما بعد الموت فإن من آثار الإيمان الاستعداد، وهو أن يعمل لما بعد الموت كما في الحديث: (الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت) والكيس: هو الحازم الفطن، الذي دان نفسه يعني: حاسبها وعمل لما بعد الموت، فإن ما قبل الموت قد ضمنه الله لمن عمل عملاً صالحاً، بل لكل الخلق، وإنما الذي لم يضمن هو ما بعد الموت، فليجتهد العبد حتى إذا قامت قيامته وجد جزاءه أحوج ما يكون إليه.
مستقر الأرواح بعد الموت
وقالت فرقة: مستقرها بعد الموت أبدان أخر تناسب أخلاقها وصفاتها التي اكتسبتها في حال حياتها، فتصير كل روح إلى بدن حيوان يشاكل تلك الروح، وهذا قول التناسخية منكري المعاد، وهو قول خارج عن أهل الإسلام كلهم، ويضيق هذا المختصر عن بسط أدلة هذه الأقوال والكلام عليها، ويتلخص من أدلتها أن الأرواح في البرزخ متفاوتة أعظم تفاوت، فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهم متفاوتون في منازلهم، ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وهي أرواح بعض الشهداء لا كلهم، بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه، كما في المسند عن محمد بن عبد الله بن جحش أن رجلاً جاء إلى النبي فقال: (يا رسول الله! ما لي إن قتلت في سبيل الله؟ قال: الجنة، فلما ولى قال: إلا الدين، سارني به جبرائيل آنفاً).
ومن الأرواح من يكون محبوساً على باب الجنة، كما في الحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت صاحبكم محبوساً على باب الجنة)، ومنهم من يكون محبوساً في قبره، ومنهم من يكون في الأرض، ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة، كل ذلك تشهد له السنة، والله أعلم].
الأرواح باقية بعد الموت، والفناء يكون على الأجساد، فإذا عرفنا أن الأرواح باقية فأين تكون هذه الأرواح؟
سمعنا هذه الأقوال الكثيرة في مستقر الأرواح، وهذه الأقوال الغالب أنها مبنية على الظن، وقد يكون بعضها له دليل، ولكن يظهر أن الأرواح تتفاوت بحسب الأعمال، والله تعالى قد ذكر بعض هذه الأقوال أو أشار إليها، وكذلك الأحاديث، فقد ثبت في الحديث الصحيح: (أرواح الشهداء في جوف طير خضر تعلق من شجر الجنة)، ومعناه: أن أرواحهم تكون في الجنة، وثبت في القرآن أن أرواح آل فرعون تعرض على النار: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً [غافر:46] وعلى هذا فأرواح آل فرعون في النار تعرض عليها غدواً وعشياً.
وورد في القرآن قول الله تعالى: كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ [المطففين:7] وإِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18] وسجين فسر بأنه في الأرض السابعة، وعليون فوق السماء السابعة، ومعنى أن كتابهم في عليين أي: كتاب أعمالهم وقيل: وأرواحهم كذلك، وقد مر بنا في حديث البراء الطويل أن الله يقول: (اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وردوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم)، ويقول في الكافر: (اكتبوا كتاب عبدي في سجين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم)، وذكر فيه أن روح الكافر تطرح طرحاً، وقرأ قول الله تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31] فدل على أنه يطرح من السماء، ويتألم بذلك الطرح.
الروح لا تدركها الأبصار في الدنيا
وكذلك القول الذي هو أبشع منه -وهو قول الفلاسفة- أنها تكون في أجساد تلائمها، فروح الكافر إذا مات جعلت في كافر آخر، وروح المؤمن إذا مات جعلت في مؤمن آخر جديد، إذا مات هذا وولد هذا أخذت روح هذا ونفخت في هذا، ويسمى هؤلاء أهل التناسخ أو التناسخيين؛ وذلك لأنهم يقولون: نسخت روح هذا وجعلت في هذا.
وينكرون أيضاً بعث الأجساد، وهذه عقيدة الفلاسفة، يقولون: الأجساد لا تعود، وكذلك ينكرون بدء الخلق، ويقولون: الخلق ليس له مبدأ.
وينكرون أيضاً فناء الدنيا، ويقولون: هذه الدنيا مستمرة وليس لها نهاية، بل تستمر هكذا إلى غير نهاية، وينكرون الحشر والجزاء في الآخرة ويوم القيامة والنفخ في الصور وما أشبه ذلك، هؤلاء هم التناسخيون والفلاسفة.
أما الذين يقولون: هذه في الجنة وهذه في النار، أو يقولون: إن أرواح المؤمنين على أبواب الجنة، وأرواح الكافرين على أبواب النار، أو يقولون مثلاً: إن أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم، وكذلك أرواح الكافرين، أو يقولون: إنها في داخل القبور، أو يقولون مثلاً: إن أرواح المؤمنين في بئر زمزم، وإن أرواح الكافرين في بئر برهوت، وهي بئر منتنة كما يذكر بعضهم، وهي في بلاد حضرموت؛ كل هذه أقوال ظنية ليس لها دليل قطعي، ونحن تحققنا أن الأرواح تخرج من الأبدان، وأن أرواح المؤمنين منعمة، وأرواح الكافرين معذبة، وأما مقرها فلا علم لنا به.
كيفية تعارف الأرواح
ورد في الحديث: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، فهي أرواح ومع ذلك يلقى بعضها بعضاً، فكيف يعرف هؤلاء أن هذه روح فلان؟
لابد أنهم يعرفون الروح بميزة تتميز بها، حتى ولو كانت روحاً، والأجساد فيها علامة ظاهرة يتميز بها الناس، في صورته في طوله في قصره في شعره في وجهه في بياضه في سواده، والروح لابد أن لها هناك ميزة يعرفونه بها ويميزونه، فالصحيح أنها باقية، وأنها تتعارف، وتتآلف، وأنهم يلقى بعضهم بعضاً، جاء في بعض الأحاديث: (إذا مات الميت وخرجت روحه تلقاه الأموات الذين سبقوه، وقالوا: ما فعل فلان؟ فإذا قال: إنه قد جاءكم، يعني: قد مات، قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية)، إذا كان مات ولم يأتهم عرفوا أنه بعد موته شقي، وأنه ذهب به إلى دار غير دارهم، فدل على أن أرواح المؤمنين تجتمع، ويأتي بعضهم بعضاً، ويعرف بعضهم بعضاً، ويتفقد بعضهم بعضاً، ويفرحون بمن مات وجاءهم، وصار معهم في أرواح المؤمنين، ويحزنون إذا مات أحد ولم يأتهم، ويعرفون أنه ذهب به إلى غير موضعهم ومحلهم، وهو الهاوية التي هي دار العذاب، فكل ذلك دليل على أنهم يتلاقون، وأما مقرهم فالله أعلم هل هو في السماء أم في الأرض أم على أفنية القبور أو في الجنة أو في النار أو في بئر برهوت أو في بئر زمزم أو أي مكان؟ كل ذلك ليس عليه دليل يقيني، والذي تحقق بقاؤهم وتلاقيهم.
أرواح الشهداء
فإنهم لما بذلوا أبدانهم لله عز وجل حتى أتلفها أعداؤه فيه، أعاضهم منها في البرزخ أبداناً خيراً منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون تنعمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من تنعم الأرواح المجردة عنها؛ ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير، وتأمل لفظ الحديثين: ففي الموطأ أن كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله قال: (إن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه)، فقوله: (نسمة المؤمن) تعم الشهيد وغيره، ثم خص الشهيد بأن قال: (هي في جوف طير خضر)، ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صدق عليها أنها طير فتدخل في عموم الحديث الآخر بهذا الاعتبار، فنصيبهم من النعيم في البرزخ أكمل من نصيب غيرهم من الأموات على فرشهم، وإن كان الميت على فراشه أعلى درجة من كثير منهم، فله نعيم يختص به لا يشاركه فيه من هو دونه، والله أعلم.
وحرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما روي في السنن، وأما الشهداء فقد شوهد منهم -بعد مدد من دفنه- كما هو لم يتغير، فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم محشره، ويحتمل أنه يبلى مع طول المدة والله أعلم، وكأنه -والله أعلم- كلما كانت الشهادة أكمل، والشهيد أفضل، كان بقاء جسده أطول].
البحث الذي تقدم هو على الأرواح عموماً، وهذا الكلام على أرواح الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، فقد أخبر الله بحياتهم فقال تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171]، وكونهم أحياء هي حياة برزخية، ومعلوم أنهم أموات، أي: أن أرواحهم قد خرجت من أبدانهم، ومعلوم أن أبدانهم بقيت لا إحساس فيها ولا حياة فيها كحياة أهل الدنيا، ومعلوم أنهم ليسوا كحياتهم قبل أن يموتوا أو يقتلوا، فلا يحتاجون إلى أكل، ولا شرب، ولا تخل، ولا تنقل، فهي حياة برزخية، وقد فارقوا الدنيا، وقسمت أموالهم على الورثة، وحلت نساؤهم لغيرهم.
فحياتهم -كما ذكر الله- عند ربهم، فهم أحياء عند ربهم، وهذه العندية تفيد مزية، وتفيد فضيلة، فهم عند ربهم يرزقون، ولو كانوا في الجنة فهم عند ربهم، ولو كانوا في قبورهم فأرواحهم عند ربهم، وأخبر بأنهم يرزقون، والرزق قد يكون حسياً، وقد يكون معنوياً، فإذا كان حسياً فمعناه أنهم يحتاجون إلى ما يحتاج إليه أهل الدنيا من الأكل والشرب، ولكن معلوم أن ذلك ليس للأجساد، وإنما هو للأرواح، ففي هذه الأحاديث أن أرواحهم نقلت إلى أجساد طير خضر تعلق في شجر الجنة، وتأوي إلى قناديل معلقة في الجنة، ومعلوم أن الطير تشاهد بالعين؛ ولهذا وصفها بأنها خضر، فكأن روح الشهيد أدخلت في هذا الطير، فأصبح حياً يطير ويتقلب ويدخل الجنة، ويعلق في شجرها يعني: يأكل، ويأوي إلى قناديل، والقناديل هي السرج التي فيها أنوار معلقة في الجنة، فهذه هي أرواحهم، وذكر الله أنهم يستبشرون بأصحابهم الذين يأتونهم، كلما جاءهم شهيد فرحوا به، يستبشرون بمن جاءهم من الأحياء، ويستبشرون أيضاً بنعمة الله التي أنعم عليهم.
لا شك أن الشهداء لهم هذه المزية، وهي أن أرواحهم باقية، وأنها في أجساد، وأنها تتنعم، أما أرواح غيرهم فلم يذكر أنها في أجساد، بل تكون بدون جسد، أرواحهم كأرواح الشياطين وأرواح الجن ليس لها أجساد تقوم بها.
كذلك أيضاً معلوم أن أبدانهم تدفن في الأرض، وقد يكون بعضها لا يستطاع دفنه، فإن كثيراً من الوقائع التي وقعت بين المسلمين والمشركين يقتل فيها مثلاً خمسون ألفاً، أو مائة ألف، ويصعب أن يدفنوا، فيبقون على الأرض، إما أن تطول مدتهم وهم باقون على الأرض وإما ألا تطول مدتهم، وبلا شك أنهم يفنون بالعيان، تأكلهم الأرض وتأكلهم الطيور، وما أشبه ذلك، أما الذين يدفنون فقد ورد ما يدل على أنهم يبقون مدة، فذكر جابر رضي الله عنه أن أباه لما قتل في أحد دفن هو ورجل آخر في قبر واحد، يقول: فلم تطب نفسي أن أتركه ومعه غيره، فحفرت قبراً مستقلاً، وذلك بعد ستة أشهر أو نحوها، يقول: فاستخرجته فإذا هو كما هو، لم يتغير بعد ستة أشهر إلا شعرات في قفاه قد أكلتها الأرض، تغير الشعر فقط، أما بدنه فإنه متصلب وباقٍ لم تأكله الأرض، هذا والد جابر بن عبد الله.
وذكر لنا قبل سنوات، أن بعض الإخوان ذكروا أنهم حفروا في بعض الأماكن فعثروا على جثة أحد الإخوان الذين قتلوا في سنة سبع وثلاثين في الوقعة التي تسمى تربة وإذا هو لم تأكله الأرض. أي: بعد أكثر من خمسين أو ستين سنة لم تأكله الأرض، ولا يزال بدنه باقياً.
وذكر لنا أيضاً عن القتلى الذين قتلوا في أفغانستان أن كثيراً منهم نبشوا بعد أيام، ووجدوا لم تأكلهم الأرض، ويذكرون أنهم يجدون القتلى من الشيوعيين ورائحتهم نتنة، بعد اليوم الثاني لا يستطيع أحد أن يقربهم، والقتلى من المسلمين الشهداء يدفنون بعد خمسة أيام ولا يحس برائحتهم، بل يكون منهم رائحة المسك، فهذا دليل على هذه الحياة، وأن الحياة يصل أثرها إلى البدن: أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]؛ ولأجل ذلك قال الله: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة:154]، فحياتهم ولو كانت حياة برزخية، ولو كانت حياة على الأرواح، لكن يصل أثرها إلى الأجساد، ولو أنها فنيت بعد مدة، ولو تمزقت وصارت أشلاء، لكن لابد أن أثر هذه الحياة ونعيمها ينال البدن كما ينال الروح، وهذه من كرامة الله لأوليائه الذين بذلوا أنفسهم في سبيل الله، لما رخصت عندهم هذه الحياة، وآثروا الحياة الآخرة على الحياة الدنيا، وقدموا رضا الله تعالى على شهوات نفوسهم؛ عجل لهم الثواب عاجلاً، فيرى أثره في الدنيا، يراه أهل الدنيا، ولعل في ذلك ما يحمل أهل الدنيا على المنافسة، وعلى بذل المهج في سبيل الله، وعلى بذل كل شيء فيه إعزاز دين الله ونصره، فهذا معنى الحياة التي وصف الله بها الشهداء من عباده، وقد سماهم شهداء في قوله تعالى: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران:140]، والشهداء هم الذين يقتلون في سبيل الله، سموا بذلك، قيل: لأنهم يشاهدون الآخرة كرأي العين، وقيل: لأنهم شهداء على الأمة كقوله تعالى: وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [الحج:78] هذا بالنسبة لأرواح الشهداء.
أرواح الأنبياء
ومن العلماء من يقول: إنهم يرفعون؛ ولذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء في السماء، فرأى آدم في السماء الدنيا، ورأى يحيى وعيسى في السماء الثانية، ورأى يوسف في السماء الثالثة، ورأى إدريس في السماء الرابعة، ورأى هارون في السماء الخامسة، وموسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة، ولكن الصحيح أن الذي رآه أرواحهم، وأنها مثلت في أجساد حتى رأوه وعرفوه وسلموا عليه، وقالوا: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح، أما أجسادهم فيمكن أنها رفعت، ويمكن أنها دفنت في الأرض، وهو المتبادر.
وبكل حال فلا شك أنهم أكمل من الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، وبلا شك أن بعض الشهداء قد يكون عليه شيء من الذنوب التي لا تكفرها الشهادة، كما في الحديث أن رجلاً قال: (يا رسول الله! هل تكفر الشهادة ما علي من الذنوب؟ قال: نعم، ثم قال: إلا الدين، أسره إلي جبريل)، أو قال: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله هل يغفر لي؟ قال: نعم، ثم قال: كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أيغفر الله لي؟ فقال: نعم إلا الدين)، فهذا دليل على أن الذي عنده شيء من حقوق الآدميين لا تغفر له، بل لابد فيها من المحاقة والمقاصة في الآخرة، فإذا لم يوف له أولياؤه في الدنيا فإنها تؤخذ من أعماله في الآخرة، وأما خطاياه التي بينه وبين ربه فإن القتل في سبيل الله يمحوها كلها، ولا يبقى عليه ذنب.
استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العقيدة الطحاوية [87] | 2715 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [60] | 2631 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [1] | 2591 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [79] | 2565 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [93] | 2472 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [77] | 2408 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [53] | 2387 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [99] | 2373 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [71] | 2336 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [31] | 2301 استماع |