شرح العقيدة الطحاوية [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فهذه العقيدة هي على مذهب أهل السنة والأئمة كلهم، ولكن الطحاوي ذكر أن هذا مذهب أبي حنيفة وصاحبيه؛ وذلك لأنه كتبها لتلاميذه المختصين به الذين في قلوبهم وقع وقدر لهؤلاء الأئمة الثلاثة، الذين هم أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأبو يوسف ، وهما صاحباه اللذان دونا مذهبه، وهما اللذان كتبا المسائل التي سئل عنها ونشراها، فلأجل ذلك أصبحا مختصين به، فيقول: إن هذه العقيدة هي معتقد هؤلاء الثلاثة. ولا ينافي هذا أن فيها معتقد الأئمة الآخرين كـالشافعي ومالك وأحمد وبقية الأئمة؛ لأن العقيدة سالمة من الخلافات إلا خلاف المبتدعة، والمبتدعة لا يعتد بخلافهم.

قال الطحاوي رحمه الله:

[نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له.

قال الشارح رحمه الله تعالى: اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل، قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] ، وقال هود عليه السلام لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65] ، وقال صالح عليه السلام لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:73] ، وقال شعيب عليه السلام لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85] ، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] ، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر، ولا القصد إلى النظر، ولا الشك، كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم].

اتفاق دعوة الرسل على التوحيد

هذا الكلام يدل على أهمية التوحيد، والتوحيد الذي ذكره هو توحيد العبادة فإنه الذي دعت إليه الرسل واتفقت عليه دعوتهم، يقول: إن التوحيد هو أول ما يكلف به العباد. فالتوحيد هو الذي تسأل عنه في الحشر في يوم المعاد، والتوحيد هو الذي يسأل عنه في القبور يسأل عنه المقبور، والتوحيد هو أول دعوة الرسل، التوحيد اتفقت عليه الرسالات، فنأخذ من هذه الأدلة أهميته، فشيء اتفقت عليه دعوة الرسل يدل على أهميته، شيء بدأ به كل رسول دعوته يدل على أهميته، فالرسل من أولهم إلى آخرهم بدؤوا دعوتهم بنوع من أنواع التوحيد وهو توحيد العبادة كما في هذه الآيات، فإن كل نبي يقول لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، وهذا هو توحيد العبادة، وجمعهم تعالى في قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وهذا توحيد العبادة، يعني: نوحي إلى كل رسول ونقول له: لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] يعني: افعل ذلك وأمر أمتك وادعهم إلى ذلك. وكذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وهذا هو توحيد العبادة.

ويقول تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45]، والجواب: لو سأل لقيل: ما جعل الله ولا أذن الله لرسول أن يدعو إلى عبادة إله مع الله.

أول واجب على المكلفين

يذكر الشارح أن أول واجب على المكلف أن يأتي بالشهادتين، ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام مكث بمكة عشر سنين لا يدعو إلا إلى الشهادتين، يدعو إلى تحقيق لا إله إلا الله وإلى تصديقه أنه رسول من الله، عشر سنين وهو لا يدعو إلا إلى توحيد العبادة، أليس ذلك دليل أهميته؟

ما فرضت عليه العبادات حينئذ؛ لأنها متفرعة عن أصل وهو التوحيد، فالعبادات كلها ما تقبل إلا بهذا الأصل، فلو تعبد المشركون فصلوا وتصدقوا وحجوا وأنفقوا وجاهدوا وقرؤوا وهم لم يوحدوا الله بل يدعون غيره معه ما قُبلت منهم عباداتهم ولن تنفعهم؛ لأنهم فقدوا شرطها.

وأهل الكلام الذين نهى علماؤنا عن الخوض في كلامهم من المعتزلة ونحوهم يقولون: إن أول واجب النظر. وبعضهم يقول: أول واجب قصد النظر. وبعضهم يقول: أول واجب الشك. وهذه أقوال باطلة، فصحيح أن الله تعالى أمرنا بالنظر لأجل الاعتبار، والآيات في ذلك كثيرة، كقوله تعالى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ [ق:6] أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:17-18]، أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأعراف:185]، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا [يوسف:109]

فالنظر هنا لأجل الاقتناع، فمثلاً: إذا دعوت مسلماً وقلت له: أدعوك إلى الشهادتين. فإذا توقف فادعه إلى النظر، قل له: انظر إلى هذه المخلوقات، انظر إلى هذه الأفلاك الثابتة وهذه الأفلاك الجارية وهذه المخلوقات المنبثة، هل خلقت عبثاً؟ انظر إلى نفسك وتقلب أحوالك، هل خلقت من غير خالق؟ فإذا نظر وتفكر فإنه عند ذلك يعتبر ويرجع إلى ما تدعوه إليه، فالنظر والقصد إلى النظر وسيلة ودلالة وحجة للمعاند، لا أن أول واجب هو النظر، بل يدعى من شك وتوقف إلى أن ينظر حتى يستيقن.

وأما معنى قولهم: إن أول واجب الشك فهم يقولون: إن أول ما يجب على الإنسان عندما يعقل أن يشك ثم يعمل بعد ذلك في إزالة ذلك الشك. وهذا قول باطل، بل الواجب أولاً قبل كل شيء أن يأتي بالشهادتين، ثم بعد ذلك يعمل بمقتضاهما، والأعمال متفرعة عن الشهادتين.

اتفاق السلف على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان

قال رحمه الله: [بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب بلوغه، بل يؤمر بالطهارة والصلاة إذا بلغ أو ميز عند من يرى ذلك، ولم يوجب أحدٌ منهم على وليه أن يخاطبه حينئذٍ بتجديد الشهادتين، وإن كان الإقرار بالشهادتين واجباً باتفاق المسلمين، ووجوبه يسبق وجوب الصلاة، لكن هو أدى هذا الواجب قبل ذلك].

معنى هذا الكلام أن الأطفال ينشئون بين آبائهم، ويلقنهم الأب معالم التوحيد من حين يميز، يلقنه معرفة ربه، ومعرفة نبيه، واستحقاق الله للعبادة، ووجوب العبادة، فينشأ على الإسلام وعلى قول (لا إله إلا الله) ويسمع ذلك من أبويه وهو صغير ما وجبت عليه الأحكام، فإذا بلغ استمر في العمل، ولا يحتاج عند البلوغ أن تقول له: الآن انطق الشهادتين. الآن أصبحت مكلفاً فإنه يكفيه نطقه فيما سبق بتشهده في صلاته، وفي إجابته للمؤذن وما أشبه ذلك، فلا حاجة بعد ذلك عند البلوغ إلى تلقينه، ولا إلى تجديد إسلامه، بل هو مسلم بين أبويه المسلمين، ومن حين يعقل وهو يلقن.

والصحيح أيضاً أنه لو بلغ بعدما صلّى لا يؤمر بإعادة الصلاة، خلافاً لبعض العلماء، فبعضهم يقول: لو صلى الظهر قبل أن يبلغ ثم بلغ بعدها باحتلام أو نحوه فنأمره بإعادة الظهر؛ لأنه صلاها قبل أن يبلغ وهي في حقه غير واجبة، فبعدما بلغ تصير واجبة عليه، والصحيح أنه لا يؤمر؛ لأن الله ما أمر بالصلاة مرتين، وقد أداها ولو قبل البلوغ، فتصبح مجزئة، فكما لا يؤمر بإعادة الصلاة بعد البلوغ ولو كان الوقت باقياً فكذا لا يؤمر بعد البلوغ بتجديد الشهادتين، بل يكفيه أنه على الفطرة، وأنه قد تلقن وتعلم وفهم.

قال الشارح رحمه الله: [وهنا مسائل تكلم فيها الفقهاء، فمن صلى ولم يتكلم بالشهادتين، أو أتى بغير ذلك من خصائص الإسلام ولم يتكلم بهما هل يصير مسلماً أم لا؟ والصحيح أنه يصير مسلماً بكل ما هو من خصائص الإسلام، فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه: (لا إله إلا الله) دخل الجنة) وهو أول واجب وآخر واجب، فالتوحيد أول الأمر وآخره، أعني توحيد الإلهية].

هذه مسألة نظرية ليست بصحيحة، وهي قولهم: قد يوجد من ينشأ ولم يتكلم بالشهادتين من أول أمره إلى أن يبلغ، فهل تصح عبادته؟

فنقول: هذا محال. وذلك لأن النطق بالشهادتين قد يكون ركناً كما في التشهد، فالصلاة فيها تشهد، وفي آخره يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. ثم يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسلم، ولا تصح الصلاة إلا بهذا التشهد، فهو ركن من أركانها، فكيف يُتصور أن إنساناً يولد بين أبوين مسلمين ويبلغ وهو ما تكلم بكلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؟ هذا غير واقع، وذلك لأن المسلم دائماً يسمع كلمة (لا إله إلا الله) في الأذان وفي الخطب وفي التشهد وعند الذكر وفي القرآن، فقد ذكرت في القرآن في عدة مواضع كقوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ [آل عمران:18]، فلا بد أن الصبي يقرأ من القرآن أو يسمع، وينطق بذلك، فيكون بذلك مسلماً، فلا بد أنه قد أتى بالشهادتين.

أهمية توحيد العبادة

التوحيد الذي ذكرت أهميته هو توحيد العبادة، وهو أول ما يدخل به في الإسلام، فالكافر أول ما يدعى إليه، وأول ما ينطق به، يقال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة ...) إلى آخره، فإذا أسلم كافر يلقن الشهادتين، ويبين له معناهما، ويؤمر بالعمل بمقتضاهما، فأول ما يدخل العبد في الإسلام هو نطقه بالشهادتين واعتقاده مدلولهما.

وآخر ما يخرج العبد من هذه الدنيا يؤمر أن يختم حياته بـ(لا إله إلا الله)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (من كان آخر كلامه (لا إله إلا الله) دخل الجنة) يعني: ختم له بالتوحيد، أو بما يدل على هذا المعنى، ففي هذه الحالة يكون مختوماً له بخاتمة حسنة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) يعني: يكون آخر ما ينطقون به كلمة (لا إله إلا الله) حتى يختم لهم بما ابتدؤوا به، فيختم لهم بعقيدة سليمة وهي اعتقاد أن الله هو الإله الحق، وأن إلهية ما سواه باطلة، فبذلك يكون أول الأمر وآخره هو هذا التوحيد الذي هو توحيد العبادة.

هذا الكلام يدل على أهمية التوحيد، والتوحيد الذي ذكره هو توحيد العبادة فإنه الذي دعت إليه الرسل واتفقت عليه دعوتهم، يقول: إن التوحيد هو أول ما يكلف به العباد. فالتوحيد هو الذي تسأل عنه في الحشر في يوم المعاد، والتوحيد هو الذي يسأل عنه في القبور يسأل عنه المقبور، والتوحيد هو أول دعوة الرسل، التوحيد اتفقت عليه الرسالات، فنأخذ من هذه الأدلة أهميته، فشيء اتفقت عليه دعوة الرسل يدل على أهميته، شيء بدأ به كل رسول دعوته يدل على أهميته، فالرسل من أولهم إلى آخرهم بدؤوا دعوتهم بنوع من أنواع التوحيد وهو توحيد العبادة كما في هذه الآيات، فإن كل نبي يقول لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، وهذا هو توحيد العبادة، وجمعهم تعالى في قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وهذا توحيد العبادة، يعني: نوحي إلى كل رسول ونقول له: لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] يعني: افعل ذلك وأمر أمتك وادعهم إلى ذلك. وكذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وهذا هو توحيد العبادة.

ويقول تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45]، والجواب: لو سأل لقيل: ما جعل الله ولا أذن الله لرسول أن يدعو إلى عبادة إله مع الله.

يذكر الشارح أن أول واجب على المكلف أن يأتي بالشهادتين، ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام مكث بمكة عشر سنين لا يدعو إلا إلى الشهادتين، يدعو إلى تحقيق لا إله إلا الله وإلى تصديقه أنه رسول من الله، عشر سنين وهو لا يدعو إلا إلى توحيد العبادة، أليس ذلك دليل أهميته؟

ما فرضت عليه العبادات حينئذ؛ لأنها متفرعة عن أصل وهو التوحيد، فالعبادات كلها ما تقبل إلا بهذا الأصل، فلو تعبد المشركون فصلوا وتصدقوا وحجوا وأنفقوا وجاهدوا وقرؤوا وهم لم يوحدوا الله بل يدعون غيره معه ما قُبلت منهم عباداتهم ولن تنفعهم؛ لأنهم فقدوا شرطها.

وأهل الكلام الذين نهى علماؤنا عن الخوض في كلامهم من المعتزلة ونحوهم يقولون: إن أول واجب النظر. وبعضهم يقول: أول واجب قصد النظر. وبعضهم يقول: أول واجب الشك. وهذه أقوال باطلة، فصحيح أن الله تعالى أمرنا بالنظر لأجل الاعتبار، والآيات في ذلك كثيرة، كقوله تعالى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ [ق:6] أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:17-18]، أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأعراف:185]، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا [يوسف:109]

فالنظر هنا لأجل الاقتناع، فمثلاً: إذا دعوت مسلماً وقلت له: أدعوك إلى الشهادتين. فإذا توقف فادعه إلى النظر، قل له: انظر إلى هذه المخلوقات، انظر إلى هذه الأفلاك الثابتة وهذه الأفلاك الجارية وهذه المخلوقات المنبثة، هل خلقت عبثاً؟ انظر إلى نفسك وتقلب أحوالك، هل خلقت من غير خالق؟ فإذا نظر وتفكر فإنه عند ذلك يعتبر ويرجع إلى ما تدعوه إليه، فالنظر والقصد إلى النظر وسيلة ودلالة وحجة للمعاند، لا أن أول واجب هو النظر، بل يدعى من شك وتوقف إلى أن ينظر حتى يستيقن.

وأما معنى قولهم: إن أول واجب الشك فهم يقولون: إن أول ما يجب على الإنسان عندما يعقل أن يشك ثم يعمل بعد ذلك في إزالة ذلك الشك. وهذا قول باطل، بل الواجب أولاً قبل كل شيء أن يأتي بالشهادتين، ثم بعد ذلك يعمل بمقتضاهما، والأعمال متفرعة عن الشهادتين.




استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة الطحاوية [87] 2708 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [60] 2626 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [79] 2557 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [93] 2467 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [77] 2403 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [53] 2382 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [99] 2367 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [71] 2330 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [31] 2295 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [20] 2293 استماع