خطب ومحاضرات
شرح العقيدة الطحاوية [93]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
[وقوله: (ونؤمن بأشراط الساعة: من خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها).
عن عوف بن مالك الأشجعي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم فقال: (اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر؛ فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً) وروي: (رايغ) بالراء والغين، وهما بمعنى. رواه البخاري، وأبو داود، وابن ماجة، والطبراني.
وعن حذيفة بن أسيد قال: (اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر الساعة، فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، فقال: إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم) رواه مسلم .
وفي الصحيحين -واللفظ للبخاري - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور، وأشار بيده إلى عينه، وإن المسيح الدجال أعور عينه اليمنى، كأن عينة عنبة طافية).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي إلا وأنذر قومه الأعور الدجال، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه: ك ف ر) فسره في رواية : (أي: كافر).
وروى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة خيراً من الدنيا وما فيها)، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرءوا إن شئتم: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:159]، وأحاديث الدجال وعيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ينزل من السماء ويقتله، ويخرج يأجوج ومأجوج في أيامه بعد قتله الدجال، فيهلكهم الله أجمعين في ليلة واحدة؛ ببركة دعائه عليهم، ويضيق هذا المختصر عن بسطها].
نزول عيسى عليه الصلاة والسلام
أنه يقتل الخنزير؛ وذلك لأن لحمه حرام، والنصارى يبالغون في أكله.
ويكسر الصليب؛ لأن النصارى يعبدونه، ويدعون أن عيسى قتل وصلب عليه، فيعظمونه لأنه صلب عليه ربهم أو ابن ربهم! تعالى الله عن قولهم.
وأنه يضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، وفي هذه الشريعة معلوم أن الكتابيين تقبل منهم الجزية ويبقون على دينهم، لكن عيسى في آخر الزمان لا يقبل الجزية، بل يقاتلهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا، وينصره الله ويظهره، ويفيض المال في زمانه حتى لا يقبله أحد، أي: يكثر المال بأيدي الناس، وذلك ببركة ينزلها الله تعالى، ففي بعض الأحاديث: (أن الله تعالى يبارك في الرسل -يعني: في اللبن- حتى تكفي اللقحة الفئام من الناس، ويبارك في الثمار، حتى يأكل الجماعة من الرمانة ويستظلون بقحفها) يجعلون قحفها -يعني: غلافها- كخيمة يستظلون به، وذلك من آثار البركة.
خروج الدجال
ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات -وذكر منها- خروج الدجال) وهو الأعور الكذاب الذي يخرج في آخر الزمان، ويدعي أنه الرب، ويفتن به خلق، فيأتي إلى القرية فإذا عصته أصبحوا ممحلين، وإذا أطاعته أصبحوا منعمين، عقوبة وفتنة، ويدعو القرية الخربة فيتبعه ذهبها كيعاسيب النحل، واليعسوب هو: ذكر النحل الذي يتبعه بقية النحل.
وأخبر عليه الصلاة والسلام أن هذا الدجال يبقى أربعين يوماً، ولكنها مختلفة، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وباقي الأيام كأيامكم، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك اليوم الطويل هل يكفيهم فيه خمس صلوات، فقال: (لا، اقدروا له) أي: اقدروا لكل صلاة ما بينها وبين الأخرى ثم صلوا.
وكذلك أخبر أن الدجال يقتله المسيح ابن مريم بباب لد، وهو موضع في الشام، فإذا رأى المسيحُ ابن مريم الدجالَ ذاب كما يذوب الملح في الماء، فيقتله ويزول بذلك أثره، بعدما يفسد في الأرض.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستعاذة من الشيطان، ويكثر أن يستعيد من أعوان الشياطين ومنهم هذا الدجال الذي هو المسيح الدجال المنتظر، فيقول: (إذا تشهد أحدكم فليعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال) أي: تقول: أعوذ بالله، أو: اللهم إني أعوذ بك وتذكر هذه الأربع في آخر التشهد، ومن جملتها المسيح الدجال، من شر فتنته ومن شر أذاه.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ذكر له علامة، وهي: أنه أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، ومعروف أن العنبة إذا أخذ ماؤها بقيت ملتصقة قشرتها بعضها ببعض، فعينه حدقتها منطفئة، فهي ملتصق جلدها بعضه ببعض، مثل العنبة إذا أخذ ماؤها. وكذلك أخبر أنه مكتوب بين عينه: كافر، حروف مقطعة منفصلة: (ك) و(ف) و(ر)، يقرأها كل من نظر إليه من أهل الإيمان، وإن لم يكن قارئاً؛ حتى لا ينخدع به. ولكثرة الأحاديث التي وردت في الاستعاذة منه، وفي بيان شره؛ جعله العلماء من أشراط الساعة، وصاروا يحذرون من شره، ولكن مع الأسف أن بعض المعاصرين أنكروه لما رأوا أن الواقع لا يساعد عليه، فصاروا يتأولون الأحاديث التي وردت فيه، ويصرفونها عن ظاهرها، حتى قال بعضهم: إن المراد بالدجال الشرور التي تحصل في آخر الزمان، والمنكرات، وغفلوا عن قوله عليه السلام: (إنه أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية)، وغفلوا عن أنه يدعو الناس ويفتنهم، وأنه يسلط على البلاد كلها، ما عدا مكة والمدينة، فإن الله يجعل عليهما ملائكة يحمونهما منه، ولكن المدينة ترجف ثلاث رجفات، فيخرج إليه من كان منافقاً، وغفلوا أيضاً عن أوصافه التي وصف بها، من أن بين عينيه كافر، ومن أنه إنسان يجول ويتقلب في البلاد، وأنه يسير بسرعة السحاب، فيقطع الأرض بسرعة.
هذا وكثير مما يكون معه من الخوارق هي من الأحوال الشيطانية، فإن هذه التي تجري على يديه أحوال شيطانية، حتى إنه يقطع الرجل قطعتين ثم يقول له: قم، فيقوم، وأنه إذا عصته أهل قرية أصبحوا ممحلين، قد جفت بلادهم، وإذا أطاعته بلدة أصبحوا في رفاهية ونعمة، وذلك دليل على أنه فتنة يخرجها الله للناس حتى يفتن بها العباد، فمن ثبته الله ورزقه علماً وبصيرة لم يزدد بأمره إلا بصيرة، ومن أراد الله فتنته فإنه ينخدع به.
وقد أكثر العلماء من الكلام عن المسيح الدجال، وعن المسيح ابن مريم، وذكروا عليهما أدلة كثيرة، وقد تكلم ابن كثير رحمه الله عن ذلك في آخر تفسير سورة النساء عند قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]، فأطال الكلام في ذكر المسيح ابن مريم ونزوله، والآيات التي تدل على خروجه، وذكر الأحاديث، واستقصى غالباً ما ورد في ذلك.
وأما ذكر المسيح الدجال فذكره رحمه الله في النهاية التي في آخر تاريخه، أي: في ذكر أشراط الساعة، وأطال في ذلك، وكذلك ألفت كتب في ذلك كثيرة من العلماء المتقدمين والمتأخرين، ومن أوفى من كتب في ذلك الشيخ حمود التويجري في كتابه المشهور الذي يسمى: إتحاف الجماعة في أشراط الساعة، فإن الجزء الثاني كله يتعلق بالأشراط المذكورة في هذه الكلمات، وقد توسع فيها، وأورد كل ما وقف عليه أو يصله من إيراد، وهكذا غيره، فنؤمن بهذه الأشياء وإن لم نرها.
خروج دابة الأرض
طلوع الشمس من مغربها
الدخان
وبكل حال يحتمل أنه الذي ذكره ابن مسعود ، وأنه ما حصل لقريش من الجهد حتى رءوا بينهم وبين السماء مثل الدخان، أو أنه شيء منتظر، والآية محتملة لذلك.
كذلك أيضاً من أشراط الساعة ما ذكر في بعض الأحاديث من البطشة، ولكن قيل: إنها مضت، وقوله تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى [الدخان:16] الصحيح أنها قد وقعت، وأنها غزوة بدر.
وقيل: إن من أشراط الساعة اللزام المذكور في آخر سورة الفرقان: (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77]، وقيل: إن هذا اللزام هو القحط والعذاب الذي وقع بقريش لما لم يطيعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه عذاب مستمر مستقبل، وسوف يحصل، ولعل الأقرب ما ذكر أنه ما نزل بهم من القحط الذي نزل بهم مدة طويلة، حتى هرعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبوا منه أن يدعو لهم، فدعا لهم، فرحمهم الله، وأزال عنهم القحط الذي نزل بهم.
بعثة النبي عليه الصلاة والسلام وموته
أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في الأحاديث عن أشياء قد حصلت أو سوف تحصل ولا بد، فإخباره بالفتنة والهرج والخلاف الذي حصل بين المسلمين أمر قد وقع، وكذلك إخباره بالموتان قد حصل، وهو ما حصل في صدر الإسلام من الموت الذريع إما بسبب الفتن وإما بسبب الأمراض التي حصلت، فمات فيها خلق كثير، وهذا معنى قوله: (موتان)، يعني: موت ذريع كبير كثير.
فتح بيت المقدس
الخسوفات الكبيرة
نار تخرج من المدينة
نار تخرج من قعر عدن
وبكل حال فإن المسلم يصدق بما ورد في هذه الأحاديث من أشراط الساعة ويؤمن بها، وإن أنكرها بعض من استبعد وقوع ذلك، وادعى أن هذه أمثلة ضربت للتقريب أو تأولها بتأويلات بعيدة، فلا عبرة بقول المتأولين.
أول الآيات خروجاً
وروى البخاري عند تفسير الآية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل).
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً) أي: أول الآيات التي ليست مألوفة، وإن كان الدجال، ونزول عيسى عليه الصلاة السلام من السماء قبل ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج، كل ذلك أمور مألوفة؛ لأنهم بشر مشاهدة مثلهم مألوفة، وأما خروج الدابة بشكل غريب غير مألوف، ثم مخاطبتها الناس، ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر؛ فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية، وقد أفرد الناس في أحاديث أشراط الساعة مصنفات مشهورة، يضيق على بسطها هذا المختصر].
الدابة من الآيات التي ذكرت في الأحاديث التي مرت، وورد ذكرها في القرآن في هذه الآية في آخر سورة النمل: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [النمل:82]، ووصف الدابة، وطولها، وما معها وارد في أحاديث.
وأما طلوع الشمس من مغربها فذكر في الآية التي في آخر سورة الأنعام وهي قوله تعالى : هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، فذكرت أن هذه الآية إذا خرجت وحصلت لم ينفع أحداً إيمانه، وفي الحديث أن هاتين الآيتين: الدابة وطلوع الشمس متقاربتان، إذا حصلت إحداهما تبعتها الأخرى.
خروج يأجوج ومأجوج
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سوف يحفرون هذا السد ويخرجون، وفي بعض الأحاديث عن زينب رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً فقال: (ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بين أصبعيه السبابة والإبهام، قالت
هذه الأحاديث ثابتة في الصحاح، ورواها الأئمة بأسانيد ثابتة؛ ولذا اعتقد أهل السنة صحتها، وآمنوا بها، وإن قصرت العقول عن إدراك معانيها، فيفوضون كيفياتها كما يفوضون كيفيات الإيمان بجميع المغيبات.
استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العقيدة الطحاوية [87] | 2711 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [60] | 2629 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [1] | 2589 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [79] | 2559 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [77] | 2407 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [53] | 2385 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [99] | 2372 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [71] | 2335 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [31] | 2299 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [20] | 2296 استماع |