الخصائص النبوية [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

الخصائص النبوية، دائماً إذا فتحت كتاباً من كتب الفقه تجد باباً يسمى باب: الخصائص، ولكن كتب الفقه ينحصر كلامها في الخصائص التشريعية, وهي ما يحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون أمته أو ما يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته أو ما يجب عليه دونه أمته.

وسنذكر في هذا المقام الخصائص التشريعية، والخصائص الرسالية، سواء في ذلك ما أكرمه الله به لذاته أو ما أكرم به أمته، وسواء ما كان ذلك من الخصائص الدنيوية أو ما كان من الخصائص الأخروية.

وقد أفرد بعض أهل العلم لذلك مؤلفات كالإمام الجلال السيوطي في كتابه: الخصائص الكبرى، ومن قبله القاضي عياض بن موسى اليحصبي والإمام أبي عيسى الترمذي وغيرهم.

أول هذه الخصائص: الخصائص التشريعية، وهي على أقسام:

وجوب صلاة الضحى وذبح الأضحية في الحضر

القسم الأول: ما يجب عليه صلى الله عليه وسلم دون أمته, هناك بعض الأمور التشريعية الواجبة عليه صلى الله عليه وسلم دون أمته.

بخلاف الواجب على أمته، فقد ورد في الحديث: ( أن أعرابياً سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! آلله افترض علينا خمس صلوات في كل يوم وليلة؟ آلله افترض علينا صيام شهر في كل عام؟ آلله افترض علينا صدقة تؤخذ من أغنيائنا فترد على فقرائنا؟ )، فسأله عن شرائع الإسلام، ثم قال: ( والله لا أزيد عليها ولا أنقص, فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: أفلح إن صدق )، أو قال: ( دخل الجنة إن صدق )، فهذه الواجبات التي افترضها الله علينا، خمس صلوات في كل يوم وليلة, صيام شهر في كل عام, زكاة مرة في العام, حج مرة في العمر, ما زاد على ذلك فهو تطوع.

أما النبي عليه الصلاة والسلام فتجب عليه أشياء لا تجب على الأمة، ومن ذلك:

أولاً: صلاة الضحى في الحضر، ثانياً: الأضحية في الحضر، فقد جاء في الحديث وفي سنده كلام، ولكن يذكره فقهاؤنا وهو في مسند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه: ( كتب علي الأضحى.. )، أي: الأضحية، ( ولم يكتب عليكم، وأمرت بصلاة الضحى، ولم تؤمروا بها ).

صلاة التهجد

ثالثاً: التهجد في الحضر, قال الله عز وجل: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا[الإسراء:79]، فقيام الليل في حقنا تطوعاً، وقد قال بعض أهل التفسير: بأنه كان في أول الإسلام واجباً، ثم بعد ذلك نسخ هذا الوجوب، وفي حق النبي صلى الله عليه وسلم بقي الوجوب قائماً, فالتهجد بالليل في حقه عليه الصلاة والسلام واجب؛ ولذلك: ( كان إذا نام عليه الصلاة والسلام عن حزبه بالليل فإنه يصليه ما بين طلوع الشمس إلى زوالها شفعاً )، فكان معتاداً أن يوتر بالليل بإحدى عشرة ركعة، سواء في رمضان أو في غير رمضان: ( فإذا نام عليه الصلاة والسلام عن تلك الركعات كان يصليهن في وقت الضحى شفعاً ).

تخيير نسائه صلى الله عليه وسلم

رابعاً: تخيير نسائه في الإقامة معه أو مفارقته؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:28-29].

فالنبي عليه الصلاة والسلام لما طلب نساؤه النفقة، حيث كن يعانين من شظف العيش وشدة الحياة، يمر عليهن الهلال والهلال والهلال وما توقد في بيوتهن نار وما لهن من طعام إلا الأسودان: التمر والماء، فطلبن من النبي صلى الله عليه وسلم النفقة، فاعتزلهن عليه الصلاة والسلام شهراً في علية, وبعد تمام الشهر -تسعاً وعشرين ليلة- نزلت آية التخيير قال تعالى: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [الأحزاب:28] فالتي تريد الدنيا وتريد الذهب والفضة تأتي لأمتعها, أي: متعة المطلقة، قال الله عز وجل: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241], بمعنى: أنك إذا طلقت.. فإن الله يأمرك بأن تمتعهن أيضاً فتعطهن شيئاً جبراً لقلوبهن وتعويضاً لهن، وإظهاراً للتقدير للأيام الطيبة التي عشناها سوياً, قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]، فهذا هو معنى المتعة.

إذاً: التي تريد الدنيا فالرسول صلى الله عليه وسلم يمتعها، أي: يعطيها ما تريد من الدنيا ثم يسرحها، والتي تريد الله ورسوله والدار الآخرة فإنها تصبر على شظف العيش، وبدأ النبي عليه الصلاة والسلام بأمنا عائشة وهي أحب أزواجه إليه، فقال لها: ( إني سأعرض أمراً فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك )، يعني: لا تستعجلي حتى تشاوري أبا بكر و أم رومان, تقول عائشة من باب الفخر: وكان يعلم أن أبوي لا يأمراني بفراقه، يعني: كأنها تريد أن تقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل أبا بكر و أم رومان واسطة؛ لكي لا أختار الفراق, فالرسول صلى الله عليه وسلم تلا عليها الآية فرضي الله عنها وأرضاها وجزاها عن نبيه خيراً: قالت له: ( يا رسول الله! فيك أستأمر أبوي؟! ) يعني: أنا أشاور فيك؟! ( بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة )، فما احتاجت إلى أن تستشير أبويها، لكن رجعت إليها طبيعة النساء: فقالت: ( يا رسول الله! أتخير الأخريات؟ )، يعني: نساءه الباقيات، هل ستخيرهن أو ستسرحهن مباشرة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بل سأخيرهن, قالت: فلا تخبرهن بما اخترت )، أي: لا تخبرهن أني اخترت البقاء، فلعل بعضهن يخترن الدنيا فأنفرد بك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( والله لأخبرهن، فإن الله بعثني معلماً ميسراً، ولم يبعثني معنتاً ولا معسراً )، فالتخيير واجب على النبي عليه الصلاة والسلام، أما بقية الأمة فلا يجب عليها التخيير وإنما يبقين معنا.

مشاورة أصحابه

قضاء دين الميت من المسلمين

سادساً: قضاء دين الميت المسلم المعسر, فالنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا وضعت الجنازة يسأل: ( هل على صاحبكم دين؟ )، فإن قالوا: لا, صلى عليه, وإن قالوا: عليه دين، قال: ( صلوا على صاحبكم )، إلى أن يلتزم أحد الصحابة بالدين، ويقول: يا رسول الله! صلِ وعلي دينه, كما فعل أبو قتادة رضي الله عنه, ولكن لما فتح الله عليه وجاءت الغنائم والأنفال قال عليه الصلاة والسلام: ( أيها الناس! من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعلي، فأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم )، فيجب عليه صلى الله عليه وسلم قضاء دين الميت المسلم المعسر.

عدم الفرار من الزحف

سابعاً: الصبر على مقاتلة الجمع الكثير من العدو ولو كانوا جميع أهل الأرض، فلو أن مجموعة دخلوا في الجهاد فيجب عليهم أن يصبروا أمام العدو إذا كان ضعفاً؛ قال تعالى: فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ [الأنفال:66]، وهذا تخفيف من الله، وإلا ففي أول الإسلام كان الواحد يقابل العشرة، قال تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الأنفال:65].

أما الرسول عليه الصلاة والسلام فيجب عليه أن يصبر أمام العدو ولو كانوا مائة ألف، وهو وحده عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله وعده فقال له: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67]؛ ولذلك في غزوة أحد هشمت البيضة على رأسه من كثرة الضربات، وشجت جبهته، وكسرت رباعيته، وجحشت ركبتاه، ودخلت حلقتان من المغفر في وجنتيه، وهو ينزف الدم صلى الله عليه وسلم وقد فر من فر من أصحابه وهو ثابت كالجبل الأشم، وكذلك في يوم حنين فر الناس، كما قال الله عز وجل: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة:25]، والنبي صلى الله عليه وسلم يركض ببغلته نحو العدو وهو يقول:( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ).

فهذه أمور سبعة:

أولها: صلاة الضحى، ثانيها: الأضحية، ثالثها: التهجد، رابعها: تخيير أزواجه بين البقاء معه أو تسريحهن, خامسها: مشاورة أصحابه في الحروب وغيرها تطييباً لخواطرهم، سادسها: قضاء دين الميت المسلم المعسر، سابعها: الصبر على مقاتلة الجمع الكثير من العدو.

القسم الأول: ما يجب عليه صلى الله عليه وسلم دون أمته, هناك بعض الأمور التشريعية الواجبة عليه صلى الله عليه وسلم دون أمته.

بخلاف الواجب على أمته، فقد ورد في الحديث: ( أن أعرابياً سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! آلله افترض علينا خمس صلوات في كل يوم وليلة؟ آلله افترض علينا صيام شهر في كل عام؟ آلله افترض علينا صدقة تؤخذ من أغنيائنا فترد على فقرائنا؟ )، فسأله عن شرائع الإسلام، ثم قال: ( والله لا أزيد عليها ولا أنقص, فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: أفلح إن صدق )، أو قال: ( دخل الجنة إن صدق )، فهذه الواجبات التي افترضها الله علينا، خمس صلوات في كل يوم وليلة, صيام شهر في كل عام, زكاة مرة في العام, حج مرة في العمر, ما زاد على ذلك فهو تطوع.

أما النبي عليه الصلاة والسلام فتجب عليه أشياء لا تجب على الأمة، ومن ذلك:

أولاً: صلاة الضحى في الحضر، ثانياً: الأضحية في الحضر، فقد جاء في الحديث وفي سنده كلام، ولكن يذكره فقهاؤنا وهو في مسند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه: ( كتب علي الأضحى.. )، أي: الأضحية، ( ولم يكتب عليكم، وأمرت بصلاة الضحى، ولم تؤمروا بها ).

ثالثاً: التهجد في الحضر, قال الله عز وجل: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا[الإسراء:79]، فقيام الليل في حقنا تطوعاً، وقد قال بعض أهل التفسير: بأنه كان في أول الإسلام واجباً، ثم بعد ذلك نسخ هذا الوجوب، وفي حق النبي صلى الله عليه وسلم بقي الوجوب قائماً, فالتهجد بالليل في حقه عليه الصلاة والسلام واجب؛ ولذلك: ( كان إذا نام عليه الصلاة والسلام عن حزبه بالليل فإنه يصليه ما بين طلوع الشمس إلى زوالها شفعاً )، فكان معتاداً أن يوتر بالليل بإحدى عشرة ركعة، سواء في رمضان أو في غير رمضان: ( فإذا نام عليه الصلاة والسلام عن تلك الركعات كان يصليهن في وقت الضحى شفعاً ).




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
بداية نزول الوحي 2555 استماع
النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة [2] 2402 استماع
عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل 2174 استماع
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم 2146 استماع
النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة [2] 2130 استماع
النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة [1] 2106 استماع
إرهاصات النبوة [2] 2071 استماع
الإسراء والمعراج 2012 استماع
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم 1874 استماع
عام الحزن وخروج النبي إلى الطائف 1827 استماع