سورة المائدة - الآية [54]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء الخامس والثلاثين في الآية الرابعة والخمسين من سورة المائدة، قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54].

معاني مفردات الآية

قول الله عز وجل: مَنْ يَرْتَدَّ [المائدة:54]، قرأها نافع و أبو جعفر يزيد بن القعقاع : (يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه).

والردة هي: الرجوع عن دين الإسلام -والعياذ بالله!- إما إلى دين آخر أو إلى غير دين؛ لأن المرتد إما أن يرتد إلى يهودية أو نصرانية، أو يرتد إلى إلحاد ودهرية.

قوله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ [المائدة:54]، الإتيان هنا: الإيجاد، أي: فسوف يوجد الله أقواماً لاتباع هذا الدين بقلوب تحبه وتجلب له وللمؤمنين به الخير وتذود عنهم أعداءه.

وقوله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ [المائدة:54]، هذا إخبار عن مستقبل، وهذه الآية لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الإسلام في المدينة، وبعض القبائل حول المدينة، قال الله عز وجل: من يرتد من هؤلاء فسوف يأتي الله بدلاً منهم بقوم، قال أهل التفسير: يدخل في ذلك جميع الأقوام الذين دخلوا في الإسلام بعد ذلك كعرب الشام من الغساسنة، وعرب العراق ونبطهم، وأهل فارس، والقبط، والبربر، وفرنجة إسبانيا، وصقلية، وتخوم فرنسا، والترك، والمغول، والتتر، والهند، والصين، والإغريق، وبلاد الروم من الأمم التي كان لها شأن عظيم في خدمة الإسلام وتوسيع مملكته.

وقوله تعالى: يُحِبُّهُمْ ))، أي: الله عز وجل يحبهم محبة تليق بجلاله سبحانه وتعالى، ومن لوازم هذه المحبة رضاه عنهم، وتيسيره أمورهم، وتيسير الخير لهم.

وقوله تعالى: وَيُحِبُّونَهُ ))، أي: هم يحبون الله عز وجل، ومن لوازم محبتهم لربهم: طاعتهم له، وانقيادهم لأمره، وعملهم بما يرضيه.

وقوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة:54]، (أذلة) جمع ذليل، كناية عن لين الجانب والتواضع كما يقال: هذا البعير بعير ذلول إذا كان منقاداً لصاحبه مواتياً له.

وقوله: أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، (أعزة) جمع عزيز، وهو: المتصف بالقوة والاستقلال والأنفة.

وقوله: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54] أي: يجاهدون بأنفسهم وأموالهم وألسنتهم، بأقوالهم وأفعالهم.

وقوله: وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] أي: لا يردهم عن طاعة الله عز وجل وإقامة حدوده وقتال أعدائه وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر راد، ولا يصدهم عنه صاد.

قوله: ذَلِكَ ))، أي: هذه الصفات.

فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54] أي: واسع الفضل جل جلاله، عليم بمن يستحق ذلك ممن يحرمه إياه.

وقوع الردة المخبر عنها في القرآن بعد وفاة النبي عليه السلام

إن هذه الآية دليل على أن القرآن من عند الله، وأنه كلام الله، فهذه الآية يهدد الله عز وجل فيها المنافقين الذين مضى ذكرهم في الآية السابقة الذين اتخذوا اليهود والنصارى أولياء، فالله عز وجل يقول لهم: من يصر منكم على تولي هؤلاء الكفار والسير في ركابهم، والانقياد لأمرهم، والتحالف معهم، والانتصار لهم فالله عز وجل قادر على أن يبدل بهم قوماً خيراً منهم.

يقول أهل التفسير: ولم تحصل الردة إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما في حياته المباركة فكانت الردة يسيرة تمثلت في مسيلمة بن حبيب في اليمامة و عبهلة بن كعب الأسود العنسي في اليمن، وأمور هنا وهناك، ارتد عبد الله بن خطل وارتدت امرأة يقال لها: أم مروان ، أما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت الردة جماعية، ارتدت قبائل العرب وما أقيمت صلاة الجمعة إلا في المسجدين: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، ومسجد جؤاثى أيضاً في أرض البحرين، ارتدت العرب عن بكرة أبيها، هذا الذي حدث بعد وفاة نبينا صلى الله عليه وسلم.

أنواع الردة بعد وفاة رسول الله

وكانت ردة هؤلاء على قسمين: كما يقول القرطبي رحمه الله:

قسم نبذ الشريعة كلها، كفر بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم.

وقسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها، فقالوا: نصوم ونصلي ولا نزكي، فقاتل الصديق رضي الله عنه جميعهم، قاتل المرتدين ومدعي النبوة، وقاتل كذلك من منعوا الزكاة، وبعث خالد بن الوليد رضي الله عنه في جيوش كثيرة حتى أخضع أولئك المرتدين جميعاً.

قال ابن عطية رحمه الله: فكان أبو بكر وأصحابه ممن صدق فيهم الخبر في ذلك العصر، وكذلك هو عندي أمر علي مع الخوارج.

نماذج من المرتدين عن دين الإسلام

كان في العرب الذين ارتدوا من نبذ الشريعة كلها، بل وصل به عرام الكفر أن يأتي بأمور مضحكة كـمسيلمة الكذاب عليه لعنة الله، هذا الذي ادعى النبوة، وكانت امرأة نصرانية من تميم يقال لها: سجاح أيضاً ادعت النبوة، فتحالف معها مسيلمة ، وكان واحد من قوم سجاح يسخر ويقول:

أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها وأصبحت أنبياء الناس ذكراناً

يعني: الأنبياء جميعاً ذكور وقد صار حظنا أن تكون النبية فينا أنثى.

تزوج مسيلمة سجاح ، النبي تزوج النبية! ثم بعد ذلك دخل عليها بغير مهر، وهذا من خفة عقلها وشدة كفرها، فقال لها قومها: ما أصدقك؟ يعني: ما هو مهرك؟ قالت: ما أعطاني شيئاً، قالوا لها: والله ما مثلك ينكح بغير مهر، ارجعي إليه، فرجعت إليه وطالبته بالمهر، فأمر منادياً ينادي: إن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما جاء به محمد: الفجر والعشاء وهذا مهر سجاح ! يعني: أصعب صلاتين أراح الناس منهما: الفجر والعشاء. وهكذا الكفر ليس له حدود في خفة العقل والسخافة.

الصفات التي ذكرها الله لمن سيستبدله إن ارتد الناس

فحذر الله عز وجل الذي يقع في الردة بأنه عز وجل قادر على أن يبدل به خيراً منه، وسيأتي بقوم فيهم ستة صفات:

الصفة الأولى: أنه جل جلاله يحبهم.

الصفة الثانية: أنهم يحبونه.

الصفة الثالثة: أنهم مع المؤمنين أذلة متواضعين هينين لينين يغضون الطرف ويسكتون عن الأذى.

الصفة الرابعة: أنهم أعزة على الكافرين، أهل شدة وغلظة وقوة.

الصفة الخامسة: أنهم يجاهدون في سبيل الله بكل أنواع الجهاد.

الصفة السادسة: أنهم لا يخافون لومة لائم.

إن هذه الصفات أجلى ما تكون في شخص محمد صلى الله عليه وسلم، الذي خاطبه ربه بقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة:73]، وخاطبه ربه بقوله: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:215]، فهو مع المؤمنين عليه الصلاة والسلام هين لين، ومع الكفار شديد غليظ، وقد قال الله عز وجل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، وقال الشاعر في مدحه صلوات ربي وسلامه عليه:

وما حملت ناقة فوق رحلها أبر وأوفى ذمة من محمد

وأعطى إذا ما طالب بالعرف جاءه وأمضى بحد المشرفي المهند

هذه صفته صلوات ربي وسلامه عليه.

وهذه الصفات الست كان نبينا صلى الله عليه وسلم يأمر بها ويحث عليها كما في مسند أحمد من حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: ( أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني ألا أسأل أحداً شيئاً، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مراً، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش ).

وصف الله عز وجل هؤلاء الطيبين بأنهم يقولون بالحق ولا يخافون في الله لومة لائم.

يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم )، رواه الإمام أحمد .

وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة حتى إنه ليسأله يقول له: أي عبدي! رأيت منكراً فلم تنكره؟ فإذا لقن الله عبداً حجته قال: أي ربي! وثقت بك وخفت الناس ).

قول الله عز وجل: مَنْ يَرْتَدَّ [المائدة:54]، قرأها نافع و أبو جعفر يزيد بن القعقاع : (يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه).

والردة هي: الرجوع عن دين الإسلام -والعياذ بالله!- إما إلى دين آخر أو إلى غير دين؛ لأن المرتد إما أن يرتد إلى يهودية أو نصرانية، أو يرتد إلى إلحاد ودهرية.

قوله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ [المائدة:54]، الإتيان هنا: الإيجاد، أي: فسوف يوجد الله أقواماً لاتباع هذا الدين بقلوب تحبه وتجلب له وللمؤمنين به الخير وتذود عنهم أعداءه.

وقوله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ [المائدة:54]، هذا إخبار عن مستقبل، وهذه الآية لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الإسلام في المدينة، وبعض القبائل حول المدينة، قال الله عز وجل: من يرتد من هؤلاء فسوف يأتي الله بدلاً منهم بقوم، قال أهل التفسير: يدخل في ذلك جميع الأقوام الذين دخلوا في الإسلام بعد ذلك كعرب الشام من الغساسنة، وعرب العراق ونبطهم، وأهل فارس، والقبط، والبربر، وفرنجة إسبانيا، وصقلية، وتخوم فرنسا، والترك، والمغول، والتتر، والهند، والصين، والإغريق، وبلاد الروم من الأمم التي كان لها شأن عظيم في خدمة الإسلام وتوسيع مملكته.

وقوله تعالى: يُحِبُّهُمْ ))، أي: الله عز وجل يحبهم محبة تليق بجلاله سبحانه وتعالى، ومن لوازم هذه المحبة رضاه عنهم، وتيسيره أمورهم، وتيسير الخير لهم.

وقوله تعالى: وَيُحِبُّونَهُ ))، أي: هم يحبون الله عز وجل، ومن لوازم محبتهم لربهم: طاعتهم له، وانقيادهم لأمره، وعملهم بما يرضيه.

وقوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة:54]، (أذلة) جمع ذليل، كناية عن لين الجانب والتواضع كما يقال: هذا البعير بعير ذلول إذا كان منقاداً لصاحبه مواتياً له.

وقوله: أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، (أعزة) جمع عزيز، وهو: المتصف بالقوة والاستقلال والأنفة.

وقوله: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54] أي: يجاهدون بأنفسهم وأموالهم وألسنتهم، بأقوالهم وأفعالهم.

وقوله: وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] أي: لا يردهم عن طاعة الله عز وجل وإقامة حدوده وقتال أعدائه وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر راد، ولا يصدهم عنه صاد.

قوله: ذَلِكَ ))، أي: هذه الصفات.

فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54] أي: واسع الفضل جل جلاله، عليم بمن يستحق ذلك ممن يحرمه إياه.