أرشيف المقالات

أهمية المحافظة على الشباب من الأفكار المنحرفة - محمد بن إبراهيم السبر

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن نعمة الأبناء من أعظم نعم الله -عز وجل- على عباده وهي نعمة تستحق شكر المنعم الواهب، قال -تعالى-: (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور).
إن الشباب هم وقود الأمة في حاضرها وأملها في مستقبلها، قال -تعالى- ممتناً على بني إسرائيل: (وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً).
والمحافظة على الأبناء ورعايتهم واجب شرعي، قال -تعالى-: (يا أيها الذين آمنوا قووا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع، ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، فكلكم راع، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته))[متفق عليه]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت))[رواه أبو داود]، وقال أيضاً: ((ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ))[متفق عليه].
والمحافظة على الأبناء أمرٌ ذو بال خاصة في هذه الأيام أيام الفتن والمحن، والتي اختلط فيها الحابل بالنابل، وفسدت فيها بعض المفاهيم، وامتلأت عقولٌ بلوثات فكرية أضرت بالعقيدة والسلوك، وشَطَتْ أفهامٌ بأصحابها عن سواء السبيل فأخلت بالأمن وشقت عصا الطاعة وفرقت الجماعة وحملت على أهلها وبلدها السلاح.
وإن من المؤسف حقاً أن يتولى كبر هذه الأفعال أناس من بني جلتنا ويتكلمون بألسنتنا يسوغون هذه الأعمال بأفكار مضللةٍ خارجةٍ عن الجماعة ليقع في أتون فتنتهم الشباب الأغرار..
وهذا يستدعي دورا ًكبيراً من المجتمع بشتى طبقاته وفئاته لعلاج هذه الظاهرة وحماية الشباب منها ومن ذلك: تربيتهم على المنهج الحق وهو منهج الوسطية والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفاء قال - تعالى -: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس..
)
الآية.
وقال -صلى الله عليه وسلم -: ((يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا))[متفق عليه].
فلابد من توجيه الناشئة على اعتناق هذه العقيدة الوسطية والبعد عن الغلو والتطرف وكذلك تحذيرهم من الخروج عن جادة الشرع والتحلل من أحكامه وقيمه، قال -تعالى -: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
ومن الأمور التي تحفظ الشباب من الأفكار الهدامة العلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة وفهم علماء الأمة وانتهاج منهج السلف الصالح في التعامل مع القضايا والمستجدات لأن العلم عاصمٌ من الضلالة وحامٍ من الغواية والفتنة، قال -تعالى -: (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها...
)
الآية.
وقال الحسن البصري -رحمه الله-: " الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها الجاهل".
فأحوج ما يحتاج إليه الناشئةُ وشبابُ الأمة في هذه الأزمنة هو العلمُ الشرعي الصحيح فبالعلم يميز المرء بين الحق والباطل ويثبت عند انقلاب المفاهيم ويتبصر عند تشعب الطرق، يقول حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: "لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك إنما الفتنة إذا التبس عليك الحق بالباطل".
فينبغي للآباء توجيه أبنائهم لطلب العلم الصحيح؛ لأن الشاب إذا ابتعد عن العلم الصحيح والعلماء الراسخين ولم يتبين له رؤية واعية تتزاحم في ذهنه خطرات نفسية وسوانحُ فكرية يختلط عنده فيها الخطأ بالصواب والحق بالباطل فتنتج أمور وتصرفات لا تحمد عقباها، ويكون فريسةً سهلةً للأعداء ومَنْ في قلوبهم مرض.
كما ينبغي على الآباء توجيه أبنائهم للأخذ عن العلماء المعتبرين المعروفين بسلامة المنهج والرأي السليم، والصدور عنهم، قال -تعالى-: (وإذا جاءَهم أمرٌ من الأمن أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم..
)
الآية..
وكذلك تحذيرهم من المتعالمين والمتسرعين في الأمور أو المتجاسرين على الفتيا خاصةً فيما يتعلق بالأمور العامة ومصير الأمة.
كما بتحتم تعريفهم أن التلقي والحكم على الأشخاص وتشخيص الأحداث لا يتلقى من المجاهيل أو من الإنترنت فهي ليست مصدراً موثوقاً به للتلقي، ومع ذلك نجد بعض الشباب يجعله مصدراً للحكم على الأشخاص وتشخيص الواقع..
والإنترنت وسيلةٌ يجب أن نتعامل معها بحذر وبقدر، فهو يجمع الصالح والطالح والسيئ والحسن، فمتابعته مطلب هام من الآباء والأمهات حتى تستخدم الاستخدام الرشيد.
كما ينبغي تحذير الناشئة من الحماس غير المنضبط، وأن يكون الحكم على الأشياء بعيداً عن العواطف ومجانباً للتشنجات، وأخذ الحقوق ورفع الظلم إنما يكون بالطرق المشروعة والخطأ لا يعالج بالخطأ وكما قيل:
أورها سعد وسعد مشتمل *** ما هكذا ياسعدُ تورد الإبل
وقال الآخر:
رام نفعاً فضر من غير قصد*** ومن البر ما يكون عقوقا
وأيضاً: يجبُ تقوية جانب التوجيه والتثقيف بالحوار مع الشباب وعلى العلماء والدعاة والآباء كفلٌ كبيرٌ من ذلك فلابد من النزول إلى الساحة بقوة عن طريق المحاضرات والدروس واللقاءات ولا بد أن تتسع صدور العلماء والآباء للحوار الهادف وقبول النقد البناء واستيعاب الآراء واحترامها.
إن دور الأسرة دور مهم في هذا الجانب فمسؤولية حماية النشء من الناحية العقدية والفكرية تقع على الوالدين قال -تعالى- عن لقمان وهو يعظ ابنه: (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)، فواجب الأبوين المحافظة على فطرة النشء وحمايتها من كل شيء يتعارض معها، قال - تعالى -: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم).
وعلى الوالدين والمربين تربية الأولاد على الرفق واللين في التعامل مع الأمور صغيرها وكبيرها وإشاعة هذا الخلق العظيم في جو المنزل والمدرسة فهاهو لقمان يجسد هذا المعنى وهو يعظ ابنه: (ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور * واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير).
لابد من معاملتهم بالرفق واللين والمعاملة الحسنة فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شي إلا شانه.
وإذا كانت البيئة متسمة بالتعقل والهدوء والسكينة وعدم العجلة اندرج ذلك وانطبع على خلق الأبناء فالآباء مطالبون بالتطبيق العملي لمفهوم الرفق...
ومن الأمور المهمة التي ينبغي العناية بها من قبل الآباء تجاه الأبناء انتقاء الصحبة فالصحبة لها أثر كبير في تكوين فكر النشء والمرء على دين خليله..
وأخيراً: شغل فراغ النشء بالمفيد وما يعود عليهم بالنفع ديناً ودنيا، وكما قال القائل:
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
حفظ الله شباب المسلمين من كل سوء وجعلهم قرة عين لوالديهم، ورد ضالهم إليه رداً جميلاً.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣