أرشيف المقالات

{ ولا تكونوا أول كافر به }

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
﴿ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ [البقرة: 41]
 
قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ [البقرة: 41].
 
﴿ وَآمِنُوا ﴾ شروع في دعوة بني إسرائيل إلى الإسلام وهدى القرآن، وهذا هو المقصود من خطابهم، ولكن قدَّم بين يديه ما يُهيِّئ نفوسهم إلى قَبوله، كما تتقدم المقدَّمة على الغرض، والتَّخْلِيَة على التَّحْلِيَة.
 
﴿ بِمَا أَنزَلْتُ ﴾ بالذي أنزلته؛ وهو القرآن، وقوله: ﴿ أَنزَلْتُ ﴾ دون التصريح باسمه إيماء إلى تعليل الأمر بالإيمان به؛ وهو أنه مُنْزَلٌ من الله.
 
وإن كان الإيمان بالقرآن من جملة العهد الذي أُخِذَ عليهم، إلا أنه لم يلتفت إليه هنا من تلك الجهة؛ لأنهم عاهدوا الله على أشياءَ كثيرة كما تقدم، ومن جملتها الإيمان بالرسل والكتب التي تأتي بعد موسى عليه السلام، إلا إن ذلك مُجْمَلٌ في العهد، فخصَّه هنا لمزيد من الاهتمام والتحريض.
 
﴿ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ﴾ التوراة والإنجيل والزبور، اختِير التعبير بـ﴿ لِمَا مَعَكُمْ ﴾ دون التوراة، مع أنها عبَّر بها في مواضعَ غير هذا؛ لأن في كتب الأنبياء من بعد موسى عليه السلام بشاراتٍ ببَعثة محمد صلى الله عليه وسلم أصرحَ مما في التوراة، فكان التنبيه إليها أوقعَ.
 
والمراد من كون القرآن مصدقًا لِما معهم أنه يشتمل على الهدى الذي دَعَتْ إليه أنبياؤهم؛ من التوحيد، والأمر بالفضائل، واجتناب الرذائل، وإقامة العدل، ومن الوعد والوعيد، والمواعظ والقصص، فما تماثل منه بها، فأمره ظاهر، وما اختلف، فإنما هو لاختلاف المصالح والعصور، مع دخول الجميع تحت أصل واحد.
 
فالإيمان بالقرآن لا ينافي تمسُّكَهم القديم بدينهم، ولا ما سبق من أخذ رسلهم عليهم العهدَ باتباعه، ومما يشمله تصديق القرآن لِما معهم أن الصفات التي اشتمل عليها القرآن ودين الإسلام والجائي به موافِقةٌ لِما بشَّرت به كتبهم، فيكون وروده معجزة لأنبيائهم، وتصديقًا آخر لدينهم، وهو أحد وجهين.
 
وهذا الخطاب لمن كان بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وجعل كونه مصدقًا لما في التوراة علامةً على أنه من عند الله، وهي «العلامة الدينية» المناسبة لأهل العلم من أهل الكتاب، فكما جعل «الإعجاز اللفظي» علامة على كون القرآن من عند الله لأهل الفصاحة والبلاغة من العرب؛ كما أشير إليه بقوله: ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23]، كذلك جعل «الإعجاز المعنوي» وهو اشتماله على الهدى الذي هو شأن الكتب الإلهية، علامةً على أنه من عنده لأهل الدين والعلم بالشرائع، ثم الإيمان بالقرآن يستلزم الإيمان بالذي جاء به وبالذي أنزله.
 
وفي الآية أن الكافر مخاطَب بالإسلام، وهذا مجمَع عليه، لكن هل يخاطَب بفروع الإسلام؟
 
الجواب: فيه تفصيل؛ إن أردت بالمخاطبة أنه مأمور أن يفعلها فلا؛ لأنه لا بد أن يُسلم أولًا، ثم يفعلها ثانيًا؛ فروى مسلم عن ابن عباس أن معاذًا قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادْعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعْلِمْهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تُؤخَذ من أغنيائهم فتُرَدُّ في فقرائهم))، إذًا هم لا يخاطبون بالفعل؛ يعني لا يُقال: افعلوا، فلا نقول للكافر: تعال صلِّ، بل نأمره أولًا بالإسلام.
 
وإن أردت بالمخاطبة أنهم يُعاقَبون عليها إذا ماتوا على الكفر فهذا صحيح؛ ولهذا يُقال للمجرمين: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾ [المدثر: 42 - 47]؛ يعني: هذا دأبهم حتى ماتوا، ووجه الدلالة من الآية أنه لولا أنهم كانوا مخاطبين بالفروع، لكان قولهم: ﴿ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴾ [المدثر: 43، 44] عبثًا لا فائدة منه، ولا تأثير له.
 
﴿ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ جمع الضمير في ﴿ تَكُونُوا ﴾ مع إفراد لفظ ﴿ كَافِرٍ ﴾ يدل على أن المراد من الكافر «فريق» ثبت له الكفر لا فرد واحد، فإضافة ﴿ أَوَّلَ ﴾ إلى ﴿ كَافِرٍ ﴾ بيانية تفيد معنى «فريق» هو أول فرق الكافرين.
 
والنهي عن أن يكونوا أول الكافرين يستلزم أن يكونوا أول المؤمنين، فذِكْرُ الأولية تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أول مؤمن به، لمعرفتهم به وبصفته، ولأنهم كانوا هم المبشِّرين بزمانه، والمستفتحين على الذين كفروا به، فلما بُعِثَ، كان أمرهم على العكس.
 
والتَّكَنِّي عن الاتصاف بالنقيض بلفظ النهي عن أن يكون أول في نقيضه طريقة عربية، ورد عليها قول أبي العاص الثقفي لقومه ثقيف حين همُّوا بالارتداد مع من ارتدَّ من العرب، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر ثقيف، كنتم آخر العرب إسلامًا، فلا تكونوا أولهم ارتدادًا"؛ أي: دوموا على الإيمان، وهو عكس الآية، وليس المراد كونوا آخر الناس ارتدادًا.
 
وقد يُقال: أنه قد سبقهم أهل مكة للكفر؛ لأن آية البقرة في خطاب اليهود نزلت في المدينة، فقد تحقَّق أن اليهود لم يكونوا أول الكافرين، فالنهي عن أن يكونوا أول الكافرين تحصيل حاصل.
 
ووجه الاندفاع أن المقصود الأهم هو التعريض بالمشركين الذين هم أشد من اليهود كفرًا؛ أي: لا تكونوا في عِدادهم، أو: لا تكونوا مثل أول كافر به من أهل مكة؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ﴾ [الزخرف: 81]؛ أي: مع أول المبادرين والعابدين.
 
وبهذا كله يتضح أن قوله: ﴿ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ لا يُتوهَّم منه أن يكون النفي منصبًّا على القيد، بحيث يفيد عدم النهي عن أن يكونوا ثاني كافر أو ثالث كافر؛ بسبب القرينة الظاهرة، وأن أول كافر ليس من قبيل الوصف اللازم.
 
وقد يكون "أول" كناية عن القدوة في الأمر؛ لأن الرئيس وصاحب اللواء ونحوهما يتقدمون القوم؛ قال القشيري: "لا تسنُّوا الكفر سُنَّة، فإن وزر المبتدئين فيما يسنون أعظم من وزر المقتدين فيما يتبعون".
 
﴿ وَلَا تَشْتَرُوا ﴾ الاشتراء هنا مجاز يُراد به الاستبدال، وهذا النهي موجَّه إلى علماء بني إسرائيل؛ وهم القدوة.
 
﴿ بِآيَاتِي ﴾ جمع آية، وأصلها في اللغة العلامة على المنْزِل أو على الطريق، ثم أُطلقت الآية على الحُجَّة؛ لأن الحجة علامة على الحق؛ ولذلك سُمِّيَتْ معجزة الرسول آية؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ﴾ [النمل: 12]، ﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ ﴾ [الأعراف: 203]، وأُطلقت أيضًا على الجملة التامة من القرآن؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ﴾ [آل عمران: 7]؛ لأن جمل القرآن حُجَّة على صدق الرسول؛ لأن بلاغتها معجزة.
 
﴿ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ لا تستبدلوا آياتي العظيمة بأشياءَ حقيرة خسيسة، والمناسبة أن الذي صدهم عن قبول دعوة الإسلام هو خشيتهم أن تزول رئاستهم في قومهم، فكانوا يتظاهرون بإنكار القرآن؛ ليلتفَّ حولهم عامة قومهم، فتبقى رئاستهم عليهم؛ روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو آمن بي عشرةٌ من اليهود - من أحبارهم وزعمائهم - لآمن بي اليهود))؛ أي: اتباعًا لهم، وفي رواية لمسلم: ((لو تابعني عشرةٌ من اليهود لم يبقَ على ظهرها يهوديٌّ إلا أسلم)).
 
ووصف الثمن بالقليل؛ لأن ما حصل عوضًا عن آيات الله كائنًا ما كان لا يكون إلا قليلًا، وإن بلغ ما بلغ، فليس المراد به «التقييد» بحيث يفيد النهي عن أخْذِ عِوَضٍ قليل، دون أخذ عوض له بال، وإنما هو وصف ملازم للثمن المأخوذ عوضًا عن استبدال الآيات، فإن كل ثمن في جانب ذلك هو قليل، فذكر هذا القيد مقصود به تحقيرُ كلِّ ثمن في ذلك.
 
وإضافة آيات إلى ضمير الجلالة للتشريف؛ قال الشيخ محمد بن عرفة: "عظَّم الآيات بشيئين الجمع والإضافة إلى ضمير الجلالة، وحقَّر العوض بتحقيرين التنكير والوصف بالقلة"؛ أي: وفي ذلك تعريض بغَبْنِ صفقتهم؛ إذ استبدلوا خسيسًا بنفيس.
 
وقد أجمل العِوَضَ الذي استبدلوا الآيات به، فلم يبين أهو الرئاسة أو الرُّشا التي يأخذونها؛ ليشمل ذلك اختلاف أحوالهم، فإنهم متفاوتون في المقاصد التي تصدهم عن اتباع الإسلام على حسب اختلاف هِمَمِهم.
 
والخطاب وإن كان لبني إسرائيل غير أن خطابات القرآن وقصصه المتعلقة بالأمم الأخرى، إنما يُقصَد منها الاعتبار والاتعاظ، فنحن محذَّرون من مثل ما وقعوا فيه بطريق الأولى؛ لأننا أولى بالكمالات النفسية، فعلماؤنا مَنْهِيُّون على أن يأتوا ما نُهيَ عنه بنو إسرائيل من الصَّدَف عن الحق لأغراض الدنيا، وكذلك كانت سيرة السلف رضي الله عنهم.
 
وفي الآية: أن من اشترى بآيات الله ثمنًا قليلًا، ففيه شَبَهٌ من اليهود؛ فالذين يقرؤون العلم الشرعي من أجل الدنيا يكون فيهم شبه باليهود؛ لأن اليهود هم الذين يشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا؛ وفي الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تعلَّم علمًا مما يُبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عَرَضًا من الدنيا، لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة))؛ يعني: ريحها.
 
﴿ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ [البقرة: 41]؛ أي: لا تتقوا إلا إياي.
و«التقوى» اتخاذ وقاية من عذاب الله عزَّ وجلَّ بفعل أوامره، واجتناب نواهيه؛ ففي الآية الأولى: ﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة: 40] أمر بالتزام الشريعة، وألَّا يخالفوها عصيانًا؛ وفي هذه الآية: ﴿ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ [البقرة: 41] أمر بالتزام الشريعة، وألَّا يخالفوها لا في الأمر، ولا في النهي.
 
فالتعبير في الأول بـ"ارهبون"، وفي الثاني بـ"اتقون"؛ لأن الرهبة مقدمة التقوى؛ إذ التقوى رهبة معتبر فيها العمل بالمأمورات، واجتناب المنهيات، بخلاف مطلق الرهبة، فإنها اعتقاد وانفعال دون عمل.
 
ولأن الآية المتقدمة تأمرهم بالوفاء بالعهد، فناسبها أن يخوَّفوا من نَكْثِهِ، وهذه الآية تأمرهم بالإيمان بالقرآن الذي منعهم منه بقية دهمائهم، فناسبها الأمر بألَّا يتقوا إلا الله.
 
وفُرِضت هنا مسألة جعلها المفسرون متعلقة بهاته الآية - وإن كان تعلقها بها ضعيفًا - وهي مسألة: «أخذ الأجرة على تعليم القرآن والدين»، ويتفرع عنها أخذ الأجرة على تعليم العلم، وعلى بعض ما فيه عبادة؛ كالأذان والإمامة.
 
وحاصل القول فيها أن الجمهور من العلماء أجازوا أخذ الأجر على تعليم القرآن، فضلًا عن الفقه والعلم، فقال بجواز ذلك الحسنُ وعطاء، والشعبي وابن سيرين، ومالك والشافعي، وأحمد وأبو ثور، والجمهور، وحجتهم في ذلك الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مَرُّوا بماء فيهم لديغ، فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكم من راقٍ، إن في الماء رجلًا لديغًا؟ فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاءٍ - مجموعة من الغنم - فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرِهوا ذلك، وقالوا: أخذتَ على كتاب الله أجرًا؟ حتى قدِموا المدينة فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله))؛ [رواه البخاري ومسلم].
 
وقد بوَّب عليه النووي رحمه الله في شرحه لمسلم بقوله: «باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار».
 
وقال النووي في شرحه للحديث: "هذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية، بالفاتحة والذكر، وأنها حلال لا كراهة فيها، وكذا الأجرة على تعليم القرآن؛ وهذا مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وآخرين من السلف، ومن بعدهم".
 
وعليه فلا محل لهاته الآية على هذا المعنى عندهم بحال؛ لأن المراد بالاشتراء فيها معناه المجازي وليس في التعليم استبدال ولا عدول ولا إضاعة.
 
وقد نقل ابن رشد إجماع أهل المدينة على الجواز، ولعله يريد إجماع جمهور فقهائهم، وفي المدونة: لا بأس بالإجازة على تعليم القرآن.
 
ومنع ذلك ابن شهاب من التابعين من فقهاء المدينة، وأبو حنيفة، وإسحاق بن راهويه، وتمسكوا بالآية، وبأن التعليم لذلك طاعة وعبادة كالصلاة والصوم، فلا يُؤخَذ عليها كذلك، وبما روى ابن ماجه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ((علَّمتُ ناسًا من أهل الصُّفَّة القرآن والكتابة، فأهدى إليَّ رجل منهم قوسًا، فقلت: ليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: إن سَرَّك أن تُطوَّق بها طوقًا من نار فاقبلها))؛ [حسن].
 
وأجاب عن ذلك القرطبي بأن الآية محملها فيمن تعين عليه التعليم فأبى إلا بالأجر، ولا دليل على ما أجاب به القرطبي، فالوجه أن ذلك كان في صدر الإسلام وبث الدعوة، فلو رخَّص في الأجر فيه، لتعطَّل تعليم كثيرٍ؛ لقلةِ من ينفق في ذلك؛ لأن أكثرهم لا يستطيعه، ومحمل حديث ابن عباس على ما بعد ذلك حين شاع الإسلام، وكثُر حُفَّاظ القرآن، وأقول لا حاجة إلى هذا كله؛ لأن الآية بعيدة عن هذا الغرض.
 
وقد أفتى متأخرو الحنفية بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والفقه؛ قال في الدرر وشرحه: "ويُفتى اليوم بصحتها - أي الإجارة - لتعليم القرآن والفقه"، فلما وقع الفتور في الأمور الدينية جوَّزها المتأخرون.

شارك الخبر

المرئيات-١