أرشيف المقالات

من نواقض الإسلام - (1) الشرك في عبادة الله (3)

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
ثانياً: الشرك الأصغر:وهو ما ورد في الشرع أنه شرك ولم يصل إلى الشرك الأكبر، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر وهو بلا شك ينقص التوحيد ولا يخرج مرتكبه من الإسلام فلا يخلد في النار.• وهو أيضاً يقع في الربوبية كلبس حلقة أو خيط لرفع البلاء ودفع الضر ويقع في الألوهية كالحلف بغير الله ويقع في الأسماء والصفات كقول (ما شاء الله وشئت) وسيأتي توضيح ذلك.
وللشرك الأصغر دلائل وعلامات يعرف بها من نصوص الشرع منها: 
- تحديده بالنص أنه أصغر: كما جاء في مسند أحمد من حديث محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر».
قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء».
- أن يأتي لفظ الشرك منكراً من غير تعريف ب- (أل): كما جاء عند أحمد وأبي داود والترمذي من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الطيرة شرك ثلاثاً، وما منَّا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل».• فهم الصحابة له بأنه شرك أصغر لا أكبر مخرج من الملة.• ما يعرف عند جمع النصوص ومقارنتها أنه شرك أصغر.والشرك الأصغر على قسمين:
الأول: شرك أصغر ظاهر.وهو ما يقع في الأقوال والأفعال، فالنوع الأول وهو شرك الألفاظ أو الأقوال مثاله الحلف بغير الله تعالى.
ويدل على ذلك ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث سعد بن عبيدة قال: سمع ابن عمر رجلاً يحلف لا والكعبة فقال له ابن عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حلف بغير الله فقد أشرك».
وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت»، لأن الحلف لا يكون إلا بالله أو صفاته، ولا يجوز الحلف بغيره، وإن اعتقد أن المحلوف به بمنزلة الله في العظمة فهذا شرك أكبر كما سبق وإلا فهو شرك أصغر.
قال الألباني في (السلسلة الصحيحة) [5/71] بعدما نقل كلاماً للطحاوي في إثبات أن الحلف بغير الله شرك أصغر: "يعني والله أعلم أنه شرك لفظي وليس شركاً اعتقادياً، والأول تحريمه من باب سدّ الذرائع، والآخر محرم لذاته، وهو كلام وجيه متين" ا.
هـ.
ومن الشرك الأصغر في الألفاظ كذلك قول (ما شاء الله وشئت) ويدل على ذلك ما رواه أحمد وابن ماجه والنسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال: ما شاء الله يعني وشئت، فقال: «ويلك أجعلتني والله عِدلاً، قل: ما شاء الله وحده»، وفي رواية «أجعلتني لله نداً، قل: ما شاء الله وحده»، فالحق أن يقول: ما شاء الله وحده أو ما شاء الله ثم شئت، ومثله لولا الله ثم فلان، ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم «أجعلتني لله نداً» دليل على أن قول ما شاء الله وشئت، شرك أصغر إذ أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، قال تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29].
والأصل في هذا الشرك أنه شرك أصغر وقد يصل إلى الشرك الأكبر وذلك إذا اعتقد أنه يساوي الله تعالى في المشيئة.
قال شيخنا ابن عثيمين في (القول المفيد) [2/378]: "فإن اعتقد أنه يساوي الله تعالى في التدبير والمشيئة فهو شرك أكبر، وإن لم يعتقد ذلك واعتقد أن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء فهو شرك أصغر.
وهناك من الألفاظ ما يشابه ذلك ويوقع في الشرك الأصغر، وما أروع ما قاله الإمام ابن القيم في (الجواب الكافي) ص [199] بعدما ذكر الحديث السابق حيث قال: "فكيف من يقول: أنا متوكل على الله وعليك، وأنا من حِسْب الله وحسبك، وما لي إلا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وهذا من بركات الله وبركاتك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض، ويقول: والله وحياة فلان، أو يقول: نذراً لله ولفلان، وأنا تائب لله ولفلان، أو أرجو الله وفلاناً، ونحو ذلك؟ فوازن بين هذه الألفاظ وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت، ثم انظر أيهما أفحش؟ يتبين لك أن قائلها أولى بجواب النبي صلى الله عليه وسلم لقائل تلك الكلمة، وأنه إذا كان قد جعله نداً لله بها، فهذا قد جعل من لا يداني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الأشياء، بل لعله أن يكون من أعدائه، نداً لرب العالمين " ا.هـ.وأما النوع الثاني وهو الشرك في الأفعال والأعمال.
فمثاله: من يعلق التمائم والقلائد خوفاً من العين أو لرفع البلاء أو دفع الضر أو يلبس حلقة أو خيطاً لرفع البلاء ودفع الضر، فيجعل هذه القلائد والتمائم ولبس الخيط والحلقة أسباباً ظاهرة لدفع العين والضر ورفع البلاء التي لم يثبت كونها سبباً لا شرعاً ولا حساً وهذا نوع من الشرك الأصغر، ويدل على ذلك ما رواه أحمد من حديث عقبة مرفوعاً: «من تعلق تميمة فقد أشرك»، فقد جعل هذه أسباباً لرفع البلاء ودفع الضر ولم يجعلها أسباباً في شرعه ولم يثبت ذلك لنا بالحس الظاهر فقد وقع في الشرك الأصغر بفعله هذا وأما إن اعتقد أنها تدفع الضر وترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر لأنه ساواها بالله في دفع الضر ورفع البلاء.
قال الشيخ ابن عثيمين في (القول المفيد) [1/165]: "ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره، وإن اعتقد في شيء أنه سبب، ولكنه ليس مؤثراً بنفسه، فهو مشرك شركاً أصغر، لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسبب سبباً، فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سبباً.
وطريق العلم بأن الشيء سبب:
إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل {فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ}  [النحل من الآية:69]، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء من الآية:82].وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعاً في هذا الألم أو المرض، ولكن لابد أن يكون أثره ظاهراً مباشراً كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلاً، فهذا سبب ظاهر بيّن".ومن أمثلة الشرك الأصغر بالأعمال أيضاً من يتمسح بشيء لم يجعل الله فيه البركة، كتقبيل أبواب المساجد، والتمسح بأعتابها، والاستشفاء بتربتها، ومثله التمسح بجدران الكعبة ومقام إبراهيم طلباً للبركة، لأن طلب البركة لا تكون إلا بأمر شرعي معلوم.القسم الثاني: شرك أصغر خفي.
وهو الشرك في النيات والمقاصد والإرادات، وهو على نوعين:
النوع الأول: ما يكون رياء.
والرياء قسمان:
1- شرك أكبر: وهو رياء المنافقين كما قال تعالى:  {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 142].2- شرك أصغر: كأن يعمل عملاً مما يتقرب به إلى الله - عز وجل - فيُحسن عمله من صلاة أو قراءة لأجل أن يمدح ويثنى عليه، ويدل على ذلك ما رواه أحمد في مسنده من حديث محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء».
وهذا النوع من الشرك وهو الرياء قلَّ من يسلم منه نسأل الله السلامة والعافية وللشيطان فيه مداخل خفية حتى على أهل العبادة والزهادة والعلم.• قال ابن القيم رحمه الله: "فذلك البحر الذي لا ساحل له وقلّ من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئاً غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته" ا.
هـ.
وقال بعض أهل المعرفة في هذا الباب: "هو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها، يبتلى به العلماء والعباد والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة، فإنهم مهما قهروا أنفسهم وفطموها عن الشهوات، وصانوها عن الشبهات، عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة، وطلبت الاستراحة إلى إظهار العلم والعمل، فوجدت مخلصاً من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق، ولم تقنع باطلاع الخالق، وفرحت بحمد الناس، ولم تقنع بحمد الله وحده، فأحبت مدحهم وتبركهم بمشاهدته وخدمته وإكرامه وتقديمه في المحافل، فأصابت النفس بذلك أعظم اللذات وأعظم الشهوات وهو يظن أن حياته بالله وبعبادته، وإنما حياته هذه الشهوة الخفية التي تعمى عن دركها العقول النافذة، وقد أثبت اسمه عند الله من المنافقين وهو يظن أنه عند الله من عباده المقربين" أ - هـ.• ولما كثر هذا النوع من الشرك بين الناس وهو الرياء فقدت حلاوة الإيمان في كثير من العبادات ولا حول ولا قوة إلا بالله لأن الرياء ضد الإخلاص الذي هو روح العبادة ولبُّها بل شرطها الذي لابد منه مع المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، بل ربما وجد من الناس من هو أشد حرماناً من ذلك فأصبح يرائي بما لا يعمل ولذا قال أحد السلف: "أدركنا أقواماً يراءون بما يعملون فما لنا نرى أقواماً يراءون بما لا يعلمون" ولما دبّ هذا الداء في قلوب الكثير كان لزاماً على من ابتلي بذلك أن يتدارك نفسه ويجاهدها على الإخلاص والنجاة من الضد وهو الرياء، ولقد سأل خير القرون وهم الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجاة من هذا الداء فأجابهم بأبي هو وأمي عليه أفضل الصلاة والتسليم.قال ابن القيم رحمه الله في معرض كلامه عن الشرك في العبادة: "ولكن لا يخص الله في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة، فلله من عمله وسعيه، ولنفسه وحظه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخلق نصيب، وهذا حال أكثر الناس.
وهو الشرك الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان في صحيحه ": «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة».
قالوا: كيف ننجو منه يا رسول الله؟! قال: «قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم».
فالرياء كله شرك." أ - هـ.النوع الثاني: ما يكون سمعة.
كأن يعمل عملاً لله ثم يحدث الناس ويسمع بعمله، فيعمل العمل ليسمعه الناس فيكون القصد لغير الله، ويدل على ذلك ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سمَّع سمّع الله به ومن يراءي يراءي الله به».العمل إذا خالطه الرياء لا يخلو من حالات:
الحالة الأولى: أن ينشئ العبد العمل من أصله لغير الله، كأن لا يريد بعمله إلا الدنيا، فهذا العمل عمل المنافقين الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء:142]، فهذا العمل لا يشك مسلم بأنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت والعقوبة من الله عز وجل.الحالة الثانية: أن يكون العمل لله ويشاركه الرياء من أصله.
فهذا عمله باطل كما هو ظاهر النصوص الصريحة فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه».الحالة الثالثة: أن يكون أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فهذا ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يدافعه فهذا لا يضره.مثاله: رجل صلى ركعة واحدة، ثم جاء أناس في الركعة الثانية، فحصل في قلبه شيء بأن أطال الركوع أو السجود أو تباكى وما أشبه ذلك، فإن دافعه فإنه لا يضره لأنه قام بمجاهدته.الثاني: أن يسترسل معه فهو باطل، ولكن هذا البطلان هل يمتد لجميع العبادة أم لا؟ لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون آخر العبادة مبنياً على أولها، بحيث لا يصح أولها مع فساد آخرها، فهذه كلها فاسدة كالصلاة مثلاً فحينئذٍ تبطل الصلاة كلها إذا طرأ عليها الرياء في أثناءها ولم يدافعه.الثانية: أن يكون آخر العبادة منفصلاً عن أولها، بحيث يصح أولها دون آخرها، فما كان قبل الرياء فهو صحيح وما كان بعده فهو باطل، كمن عنده مائة ريال، فتصدق بخمسين بنية خالصة، ثم تصدق بخمسين بقصد الرياء، فالأولى مقبولة والثانية غير مقبولة (انظر: (جامع العلوم والحكم) لابن رجب، وانظر: (القول المفيد) لشيخنا ابن عثيمين [1/117]).


شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير