بين حياة البيوت وموتها!
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
بين حياة البيوت وموتها!اعتاد الناسُ في إقامة صلواتهم وتلاوة أورادِهم، وما تيسَّر من القرآن - أن تكون في المساجد، وهذا مندوبٌ له وخيرٌ، ومن دلائل الإيمان، وفي حديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلُّه: "ورجل قلبه معلَّق بالمساجد"؛ رواه البخاري ومسلم، وهي من عمارة المساجد الذي امتدح الله أهلها في قوله تعالى: ﴿ إِنَّما يَعمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَم يَخشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَن يَكونوا مِنَ المُهتَدينَ﴾ [التوبة: ١٨].
ولكن ثمةٌ فضيلةٌ أخرى لا تقلُّ عن ذلك، وهو إحياء البيوت والمساكن، وإقامة ذكر الله فيها بالنوافل وتلاوة القرآن.
فأقول: إن اعتياد إقامة النوافل وتلاوة القرآن، وشتى العبادات في المسجد، أمرٌ حسن، ولكن لا يقتصر عليه ويحصر العبد نفسَه وأهله عن الخير لذلك، إذ البيت أيضًا مندوب إقامة الذكر فيه وإحيائه بالعبادة على أي حال؛ روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "اجْعَلُوا في بُيُوتِكُمْ مِن صَلَاتِكُمْ ولَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا"، وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "صلُّوا في بيوتِكُم، ولا تتَّخِذوها قُبورًا"؛ رواه البخاري ومسلم، وجاء في الصَّحيحَينِ مِن حديثِ زَيدِ بنِ ثابتٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "فإنَّ أفضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ المَرءِ في بَيتِه إلَّا المَكتوبةَ"، وعند مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قَضَى أحَدُكُمُ الصَّلاةَ في مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِن صَلاتِهِ، فإنَّ اللَّهَ جاعِلٌ في بَيْتِهِ مِن صَلاتِهِ خَيْرًا".
وكلُّ ذلك عن الصلاة النافلة، فربما قام العبد في بيته زيادةً على صلاته في المسجد وتنفَّل، وكان في ذلك خيرًا وتأمَّل، "فإنَّ اللَّهَ جاعِلٌ في بَيْتِهِ مِن صَلاتِهِ خَيْرًا"، والخير هنا دلالته واسعة، فالخير في نشر الخير بعمل الصالحات، وإدخال الطُّمأنينة على أهل البيت، ومنه كذلك تأسِّيهم بمن يرون فهم يرونه مصليًا تاليًا ذاكرًا لله، وعلى هذا لن يكون ذلك غريبًا ومستوحشًا منه، وخاصة عند الأطفال، بل سينالهم الخير ولو لم يعمَلوه؛ لأنها بذرة زُرعت وتُسقى على مرآك منهم، وتأتي ثمارها ولو بعد حين.
ومثل الصلاة تلاوة القرآن، روى مسلم من حديث أبي هريرة: "لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ".
إن المتأملَ في النصوص النبوية يُدرك أن دورانَ التشبيه قائمٌ على البيت الذي لا يُتنفل فيه، ولا يُقرأ فيه القرآن بالمقبرة، وهي في حقيقتها مكان للأموات التي انتفت عنهم الحياة، فأَحْيُوا البيوت ولا تَجعلوها قبورًا!