لقاء مع الشيخ سعيد بن مسفر


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي يرفع بالعلم أقواماً ويضع بالجهل آخرين، والصلاة والسلام على من حثنا على الأخذ بالعلوم الشرعية، وأمر بتوقير أهلها وإجلالهم، وانطلاقاً من محبة العلماء وطلبة العلم والرغبة في الاستفادة منهم ومن علمهم، دأبت أسرة ثابت بن قيس إحدى أسر جمعية التوعية الإسلامية بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم بـأبها لهذا العام الدراسي (1408)هـ على زيارة بعض العلماء وطلبة العلم من هذه المنطقة، وهذه هي الزيارة الثالثة من سلسلة هذه الزيارات، والتي نتشرف فيها بزيارة فضيلة الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله ونفع بجهده وعلمه، ونطلب من فضيلته أن يتفضل بتعريفنا ببطاقته الشخصية على الاسم كاملاً، ومراحل الدراسة وطلب العلم، والعمل الحالي.

الشيخ:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

أولاً: أرحب بكم، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجزل لكم المثوبة والأجر على هذه الزيارة المباركة التي تقومون بها لأخ لكم في الله عز وجل، والكل يعرف أن من أعظم الفرص ومن أرفع الدرجات التي تحصل للعبد هي الزيارة في الله عز وجل، فحياكم الله وأثابكم الله.

أما البطاقة الشخصية:

فالاسم: أخوكم في الله سعيد بن مسفر بن مفرح .

مراحل الدراسة: تخرجت من معهد إعداد المعلمين في أول دفعة نظام قديم سنة (1379)هـ، وعملت مدرساً لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقلت إلى إدارة التعليم وعملت بها موجهاً للتربية الرياضية والتربية الكشفية لمدة خمس سنوات، وفي عام (1387)هـ، وبعد حصول التحول في حياتي من اللهو واللعب والحياة الجاهلية إلى الحياة الإسلامية التي أسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتني عليها حتى ألقاه، انتقلت من التربية الرياضية والكشفية لأعمل في التوعية الإسلامية والتربية الإسلامية بإدارة التعليم، ومكثت فيها حتى عام (1396)هـ حينما افتتحت أول مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة عسير ؛ حيث عملت مديراً لها حتى عام (1400)هـ، وبعد ذلك عملت بكهرباء المنطقة الجنوبية، ولا أزال حتى هذا التاريخ، والعمل الحالي هو مدير إدارة شئون العاملين بالنيابة بكهرباء الجنوب.

أما طلب العلم ومراحل الدراسة؛ فكما قلت: تخرجت من معهد إعداد المعلمين، وحاولت الدراسة بالمرحلة الليلية في الثانوي، ولكني اصطدمت ببعض المدرسين الذين كانوا يقدمون العلم في صورة مجردة عن الإيمان، وأذكر على سبيل المثال أن مدرس الطبيعة كان يدرسنا كيف تكونت الأرض؟ فكان يقول: إن الأرض كانت جزءاً من الشمس، وإنها انفصلت عنها، وإن هذه الكتلة التي كانت ملتهبة، ثم تكونت الجبال، وتكونت السهول وصارت بحاراً، وتكون اثنين هيدروجين مع واحد أكسجين وصار ماء؛ فقلت له: من سوى هذا الكلام؟! قال: هكذا صار، فقلت له: يقول الله عز وجل: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف:51] ثم ذكرت له قول الله عز وجل: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ [فصلت:9] وذكرت له مراحل الخلق التي حصلت للأرض والسماوات وفق ما أخبرنا به القرآن والسنة، ولكنه كان بعيداً عن الكتاب والسنة المطهرة؛ فكان يقف لي بالمرصاد، حتى اضطررت إلى ترك الدراسة في أول ثانوي، ولم أتمكن من مواصلة دراستي في المرحلة الثانوية.

وفي عام (1397)هـ حينما افتتحت كلية الشريعة بمنطقة الجنوب، وقابلنا مدير الجامعة الدكتور عبد الله التركي ، وطلبنا منه أن يسمح لنا بالقبول في كلية الشريعة رغم أننا لا نحمل الثانوية العامة، فقال: على شرط أن نجري لكم امتحاناً يعادل امتحان الثانوية العامة، فقبلنا، وفعلاً تقدمنا للامتحان بفضل الله، وحققنا نتائج طيبة، وحصلنا على معدل (82%) في القبول، ودخلت كلية الشريعة مع أول دفعة، وتخرجت سنة (1400)هـ من كلية الشريعة بتقدير جيد جداً (منتسب)، هذه هي المراحل التي مررت بها في طلب الدراسة والعلم.

السؤال: لكل هداية بداية، ونريد أن تحدثنا عن بداية الهداية لفضيلتكم، لعلنا نسترشد بها في مسالك الحياة، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: حقيقة لكل هداية بداية، بفطرتي كنت أؤمن بالله، وحينما كنت في سن الصغر كنت أمارس العبادات وكان ينتابني شيء من الضعف والتسويف على أمل أن أكبر وأبلغ مبلغ الرجال حينما أكون مكلفاً، فكنت أتساهل في فترات معينة في الصلاة، فإذا ما حضرت جنازة أو مقبرة أو سمعت موعظة في مسجد ازدادت عندي نسبة الإيمان؛ فأحافظ على الصلاة فترة معينة مع السنّة، وبعدما أستمر أسبوعاً أو أسبوعين أترك السنّة، وبعد أسبوعين أو ثلاثة أترك الفروض، حتى تأتي مناسبة أخرى تدفعني إلى أن أصلي.

وبعد أن بلغت مبلغ الرجال وسن الحلم، لم أستفد من ذلك المبلغ شيئاً، وإنما بقيت على وضعي في التمرد وعدم المحافظة على الصلاة بدقة؛ لأن من شب على شيء شاب عليه، حتى تزوجت، وكنت أصلي أحياناً وأترك أحياناً، فليس هناك التزام قوي بالدين، رغم أنه كان عندي إيمان قوي بالله، حتى شاء الله تبارك وتعالى في مناسبة من المناسبات كنت فيها مع أخ لي في الله لعلكم تعرفونه، وهو فضيلة الشيخ سليمان بن محمد بن فايع بارك الله فيه، وهذا كان سنة (1387)هـ، نزلت من مكتبي وأنا مفتش تربية رياضية وكنت ألبس الزي الرياضي، والتقيت به على باب إدارة التعليم وهو نازل من قسم الشئون المالية، فرحبت به؛ لأنه زميل الدراسة، ولكن أنا في اتجاه وهو في اتجاه، أنا في الكرة وهو في العلم وطلب العلم، فلما رحبت به وأردت أن أودعه، قال لي: إلى أين؟ وكان هذا في رمضان سنة (1387)هـ؛ أي: قبل إحدى وعشرين سنة، قلت له: إلى البيت لأنام، وكانت عادتي أن أذهب بعد نهاية الدوام إلى البيت فأنام إلى المغرب دون أن أصلي العصر، إلا إذا استيقظت قبل المغرب، وأنا صائم.

فقال لي: يا أخي! لم يعد هناك فرصة، فالعصر قريب، دعنا نتمشى، فقلت له: طيب، فمشيت أنا وهو على أقدامنا، وصعدنا إلى سد وادي أبها ولم يكن آنذاك سداً ولا يزال المكان فارغاً، وكان فيه غدير وحشائش ورياحين وروائح طيبة، فجلسنا هناك حتى أذن العصر وتوضأنا وصلينا ثم نزلنا، وفي الطريق ونحن نازلين ويده في يدي، قرأ علي حديثاً كأنما أسمعه لأول مرة، وأنا قد سمعت هذا الحديث؛ لأنه من الأحاديث المشهورة، لكن حينما كان يقرأه كان قلبي ينفتح له، حتى لكأني اسمعه لأول مرة، هذا الحديث هو حديث البراء بن عازب رضي الله عنه رواه الإمام أحمد في مسنده ورواه أبو داود في السنن ، قال رضي الله عنه: (خرجنا في جنازة رجل من الأنصار؛ فجئنا إلى القبر ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوجدنا القبر لمّا يلحد، فجلس عليه الصلاة والسلام على شفير القبر وقال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزلت عليه ملائكة من الجنة ومعها حنوط من الجنة وكفن من الجنة، فيجلسون للميت على مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا أيتها الروح الطيبة اخرجي إلى روح وريحان وإلى رب غير غضبان ...).

المهم ذكر لي الحديث كله من أوله إلى آخره، وانتهى من قراءة الحديث حينما دخلنا أبها في ساحة البحار، وهناك سنفترق سأذهب أنا إلى مقر سكني وهو سيذهب إلى مقر سكنه، فقلت له: يا أخي! هذا الكلام من أين أتيت به؟ قال: هذا في رياض الصالحين ، قلت: وأي كتاب تقرأ أنت؟ قال: أقرأ كتاب الكبائر للذهبي، فودعته وذهبت إلى المكتبة مباشرة، وكانت آنذاك مكتبة واحدة بـأبها اسمها مكتبة التوفيق، صاحبها إدريس الحازمي ، فاشتريت منه كتاب الكبائر وكتاب رياض الصالحين ، وهذان الكتابان هما أول كتابان أكتنفهما، وفي الطريق وأنا ماضٍ إلى البيت أقول لنفسي: أنا الآن على مفترق الطرق، وأمامي الآن طريقان: الطريق الأول: طريق الإيمان ويوصل إلى الجنة، والطريق الثاني: طريق الكفر والنفاق والمعصية ويوصل إلى النار، وأنا الآن واقف؛ فأي الطريقين أختار؟ العقل يتحكم ويتدخل ويقول: الطريق الأول طريق الإيمان، والنفس الأمّارة بالسوء المغمورة بالشبهات، المدفونة بالشهوات تقول لي وأنا ماض إلى البيت: لا. امشِ الآن وسأخبرك بعد ذلك، إذا كبرت يمكن أن تتوب ويهديك الله، أما الآن فأنت لا تزال شاباً وصغيراً، فأستشير العقل، فيقول العقل: لا تطع هذه، هذه غدارة.

كل هذه الأفكار وهذه الصراعات كانت تدور في ذهني وأنا ماضٍ إلى البيت، حتى وصلت إلى البيت وأفطرنا، وبعد صلاة المغرب، صلينا العشاء تلك الليلة وصلاة التراويح، ولم أذكر أنني صليت التراويح كاملة إلا تلك الليلة، كنت قبلها أصلي ركعتين وأذهب، وأحياناً إذا رأيت أبي أصلي أربع ركعات وأذهب.

وفي تلك الليلة صليت التراويح كاملة، وانصرفنا من الصلاة، ورأساً توجهت إلى الأخ سليمان في بيته، فوجدته خارجاً من المسجد، فذهبت معه إلى البيت وقرأنا تلك الليلة في أول كتاب الكبائر أربع كبائر:

الكبيرة الأولى: الشرك بالله، والكبيرة الثانية: السحر، والكبيرة الثالثة: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والكبيرة الرابعة: ترك الصلاة، وحينما قرأناها وانتهينا منها كان ذلك قبل السحور، قلت في نفسي: أين نحن من هذا الكلام؟! فقال لي: هذا في كتب العلم ونحن غافلون عنه، قلت: والناس أيضاً في غفلة عنه، الناس الآن في غفلة لا بد أن نقرأ عليهم هذا الكلام، قال: ومن يقرأ؟ قلت: أنت. فقال: بل أنت فالقراءة سهلة ولكن من يقف، وأخيراً استقر الرأي على أن اقرأ أنا هذا الكلام.

فأتينا بدفتر وكتبنا فيه الكبيرة الرابعة: كبيرة ترك الصلاة، ومن الأسبوع نفسه في يوم الجمعة، وفي أول مناسبة وقفت في أحد المساجد وهو الذي يصلي فيه الآن الشيخ مداوي الجابر ، الذي بجوار مركز الدعوة ولعلكم تعرفونه، وكان في أبها مسجدين فقط للجمعة: الجامع الكبير وهذا المسجد، فوقفت فيه بعد صلاة الجمعة، وقرأت على الناس هذه الموعظة المؤثرة التي من يراجعها منكم يجد فيها فائدة كبيرة، وكانت السبب بفضل الله عز وجل في هدايتي واستقامتي، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يقيمني وإياكم على الصراط حتى نلقاه إنه على كل شيء قدير.

السؤال: يتأرجح كثير من الشباب بين الشرة والفترة، وبين النهوض والنكوص، فما نصيحتكم لأولئك؟

الجواب: نصيحتي للشباب: هو الثبات على دين الله؛ لأن التأرجح والتقدم تارة والتأخر أخرى هذا يدل على عدم استقرار اليقين في النفس البشرية؛ لأن المؤمن حينما يدخل في طريق الله يجب أن يدخل دخول الجازم الصادق الذي لا ينتابه أدنى شك في صحة الطريق الذي هو عليه، وفي صحة الغاية التي يسعى إليها، وأنه على الحق ولو خالفه أهل الأرض، هذا الشعور إذا توفر في بداية الطريق؛ فإن هذا كفيل بإذن الله أن يستمر الشاب على الطريق المستقيم.

لكن هناك عقبات وعوائق تقف في طريق الشاب، وعليه ألا يتوقف عندها؛ لأن التوقف هو بداية الانهزام، بل عليه أن يأتي إلى كل عقبة بقوة وعزيمة، شأنه في ذلك شأن العربة أو المركبة أو السيارة التي يقودها قائدها، فيرى أن أمامه عقبة أو طلعة؛ فإنه إن صعد بعزم أسفل الطلعة تمكن من الصعود، لكن لو أخذ بعزم ثم في منتصف الطلعة توقف فإنه لن يستطيع المواصلة، وطريق الله عز وجل طريق فيه صعوبة، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فلا بد من القوة، وخير ما أوصي به الشاب لئلا يتأرجح: ما ذكره الإمام سيد قطب شهيد الإسلام رحمه الله في أول كتابه العظيم معالم الطريق ، حينما تحدث عن الجيل القرآني، وقال: إن القرآن هو القرآن، وإن السنّة هي السنّة، وإن مقومات هداية الجيل القرآني لا تزال موجودة إلى الآن وفي كل يوم إلى قيام الساعة، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياته ضرورية لبقاء الدين لما اختاره الله إلى جواره، ولكن الدين باقٍ رغم موته صلى الله عليه وسلم.

ولكن ما هي الميزة التي تميز بها الجيل القرآني الفريد الذي عاش في عهد الإسلام، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الميزة تنقسم إلى ثلاث ميزات:

أول ميزة: وحدة التلقي.

وهي: عدم تلقي أي شيء إلا من القرآن ومن السنّة؛ لأن الشاب إذا أخذ من القرآن والسنّة، وأخذ من مصادر أخرى حصل عنده خلط في التلقي، وتشويش في الفكر، وانحراف، لكن حينما يقصر نفسه على أن يتلقى فقط من الكتاب والسنّة ومن أخيه في الله الذي يجلس معه، فهذا لا شك أنه يجنبه الخلط في التلقي، ولهذا لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم نسخة من التوراة بيد عمر يقرأها غضب عليه عليه الصلاة والسلام وقال: (أفيّ شك يا ابن الخطاب، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) يقول: موسى الذي أنزلت عليه التوراة كان موجوداً ما نظر في التوراة التي أنزلت عليه، ولا يسعه إلا أن يتبعني، فنحن لا ينبغي لنا إلا أن نتبع المصدر الوحيد الذي جاءنا من الله وهو كتاب الله، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الميزة الثانية من ميزات الجيل القرآني الفريد: أنهم كانوا يدخلون في الهداية والدين، ويقطعون كل صلة لهم بالجاهلية التي كانوا فيها، ما كانوا يدخلون في الإسلام ولهم جذور أو لهم روابط تربطهم بالماضي، كمن يهتدي وهو يحب الغناء، أو يهتدي وهو يحب النظر المحرم، أو يهتدي وهو يحب الكرة، أو يهتدي وهو يحب السهر، لأن هذا سيبقي له روابط بالجاهلية، وهذه الروابط مهما كانت يسيرة إلا أنها تؤثر في سيره، وربما تعيقه وترده، فعلى المسلم إذا أراد السير في طريق الإيمان أن يقطع كل صلته بالجاهلية، وأن يدخل الإسلام وهو منقطع عن كل التصورات الأخرى، وأن يخلع ملابس الجاهلية على عتبة الإسلام.

الميزة الثالثة التي لا بد منها، والتي كانت من أبرز ميزات الجيل القرآني: أنهم كانوا يأخذون القرآن والسنة للعمل والتطبيق، لا يأخذونه للاستزادة أو للمتعة، ولا للمباهاة والرياء، وإنما للتطبيق، ولهذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما كنا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نعيهن، ونتعلمهن، ونعمل بهن، ونطبقهن) عشر آيات! ويروى أن ابن عمر مكث في سورة البقرة ثمان سنوات، قراءة العلم والتدبر والتطبيق والعمل، لكن إذا قرأ الإنسان القرآن لمجرد الحفظ من أجل يأخذ جائزة، أو من أجل أن الحفظ مقرر عليه في مرحلة دراسية معينة، أو من أجل أنه يحوز به مرتبة أو شيئاً ما فلا ينتفع بالقرآن.

ولكن إذا قرأ القرآن آية آية وطبق، وكلما مرت عليه آية من آيات الأوامر سأل نفسه: هل هو ملتزم بهذا الأمر، وكلما مرت عليه آية من آيات النواهي سأل نفسه: هل هو منتهٍ عن هذا النهي، لأن القرآن هو كتاب الله إليك أيها المكلف، فأنت معني بهذا الخطاب أمراً ونهياً، وخبراً وإنشاءً، وقصصاً واعتباراً، وكل ما في القرآن أنت مخاطب به، فتسأل نفسك، فإذا أخذت القرآن على هذا النحو من الأخذ والتلقي بقصد العمل، يحصل للإنسان الهداية، أما إذا أخذه بغير هذا القصد فلا يحصل له المراد، فهذه وصيتي لمن أراد أن يسير في الطريق، وألا يتذبذب ويتأرجح كما نسمع بين مد وجزر، وبين سقوط وصعود؛ لأنه يُخشى على من يسقط ألا يقوم، القلوب تغيراتها عجيبة جداً، والإنسان ضعيف، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ...).

وهذا فيه حث من النبي صلى الله عليه وسلم على أن يستمر الإنسان في عمل أهل الجنة حتى يموت، ولا يعمل بعمل أهل النار لحظة واحدة، فقد يموت وهو يعمل عمل أهل النار؛ فيُكتب من أهل النار، وفي الحديث نفسه قال: (... وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) وفي هذا الحديث أيضاً حث على أن من يعمل بعمل أهل النار عليه أن يسارع بالتوبة إلى الله، وأن يعمل بعمل أهل الجنة، فقد يموت حين يعمل بعمل أهل الجنة، هذا هو مفهوم الحديث ومنطوقه بارك الله فيكم.

السؤال: فضيلة الشيخ هناك ظواهر لدى الشباب أذكر بعضاً منها، ونريد من فضيلتكم التعليق على كل ظاهرة، وسأوردها واحدة واحدة:

العناية الزائدة باللباس والمظهر

السؤال: الظاهرة الأولى: العناية الزائدة باللباس والمظهر؟

الجواب: العناية الزائدة باللباس وبالمظهر تدل على نقص يشعر به الإنسان في نفسه، ويحاول أن يستعيضه عن طريق الشكل العام، وإلا فإن الشكل لا يعطي الدليل الصحيح على قوة المؤمن ويقينه، صحيح إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، والله جميل يحب الجمال، وقد أمرنا الإسلام بالطهارة والنظافة، وأن نلبس جميلاً، وأن نركب جميلاً، وأن نسكن جميلاً، ولكن في حدود المعقول، أما المبالغة في ذلك بحيث لا يخرج الإنسان إلا في ثوب معين، ولا يخرج إلا بغترة مكوية على نمط معين، وفي حذاء معين، أو يشرب شراباً معيناً، فهذه المبالغة تدل على نقص وضعف في الإيمان.

التحمس لمشاهدة المباريات والمسلسلات

السؤال: الظاهرة الثانية: الحماس للكرة ومشاهدة المباريات والمسلسلات؟

الجواب: الكرة وثن من أوثان الجاهلية الحديثة، وإذا كانت بنو إسرائيل فتنتهم في العجل؛ فُفتنت هذه الأمة في هذه الكرة. إن جلد الحمار المنفوخ فتن الناس شيبهم وشبابهم، رجالهم ونساءهم، كبارهم وصغارهم، حتى غدت أمتنا حقيقة أمة الكرة لا أمة القرآن ولا أمة السيف والجهاد، وانشغال طلبة العلم بها، والاهتمام بها، والاهتمام الذي يحدث يدل على ضعف اليقين، وعلى ضعف الإيمان بالله عز وجل، ولا ينبغي للمؤمن أن ينشغل بهذه التراهات والحماقات التي هي أصلاً ليست وليدة المجتمعات الإسلامية، إنها وليدة المجتمعات الضالة التي لا هدف لها ولا رسالة، ولا دور في قيادة البشرية، وإنما مجتمعات كافرة ضالة أوجدت مثل هذه اللعب لتشتغل بها، ثم نقلتها إلينا نحن المسلمين واشتغلنا بها، وظلت هي تشتغل بما هو أهم، فما ينبغي للمسلم أن يعطي هذه الأمور من التفاهات أي شيء من وقته، هذا بالنسبة للكرة وللمباريات.

أما المسلسلات، فهذه أخطر وأشد فتكاً بعقيدة المؤمن وأخلاقه؛ فهي تصل إلى درجة الحرمة، إذ لا ينبغي للمسلم أن يرى امرأة تمثل، ولا ينبغي للمرأة أن ترى رجلاً يمثل، ثم إن التمثيليات والمسلسلات في حقيقتها هي عبارة عن قصص مكذوبة ليست حقيقة، كاتب روائي كذاب يختلق قصة من عقله، ثم يأتي بسبعة أو ثمانية من الممثلين الكذّابين ليؤدوا هذه التمثيلية كلٌ في دور معين، ثم يشغلون بها الناس، هذه كلها من الأشياء التي ينبغي للمسلم أن يتـنـزه عنها، وألا يشغل حياته وفكره بهذه الخزعبلات.

السهر بدون فائدة

السؤال: الظاهرة الثالثة: سهرات الشباب مع بعضهم بدون فائدة؟

الجواب: سهرات الشباب مع بعضهم بدون فائدة ظاهرة مرضية ينبغي أن يتداركها الشاب قبل أن تستفحل فتقضي عليه؛ لأن الوقت هو عمرك أيها الشاب، فإن لم تستدركه وتستغنمه في شيء يعود عليك بالنفع في الدنيا أو في الآخرة، وإلا فإنك تقتل عمرك وتنتحر من حيث لا تدري، ونحن الآن ليس عندنا فراغ حقيقة، بعض الشباب يقول: أنا فاضٍ ليس عندي شيء أبداً، فنقول لهذا: إن لدينا من الأعباء والمسئوليات والواجبات ما لو أن عندنا أضعاف أضعاف الوقت الذي عندنا ما ملأناه، نحن الآن ما فرغنا من حفظ كتاب ربنا، ولم نفرغ من معرفة سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم نفرغ من معرفة تاريخ أمتنا، ولا من سيرة نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وما فرغنا أيضاً من معرفة التفسير، ولا من معرفة مصطلح الحديث، ولا قراءة متون العلم، هذه كلها واجباتنا ومسئولياتنا.

لو سألت طالباً من طلبة العلم عن تفسير آية من كتاب الله ما عرفها، وتجده جالساً، فتقول له: ما بالك؟ قال: فارغ بلا عمل كيف تكون فارغاً وابن كثير جالس بجوارك ما تسأله عن تفسير هذه الآية؟! أنت فارغ وما عرفت تفسير هذا الحديث؟! كيف أنت فارغ وأنت ما عرفت هذه المسألة الفرضية؟!

إن أوقاتنا مليئة لو أردنا أن نملأها، لكن إذا غاب العقل والتفكير عن المسئولية والواجب نبذ الفراغ، لأنه إذا وجد الفراغ استغله الشيطان ليملأه بالباطل.

إهمال الشاب الملتزم لدراسته

السؤال: الظاهرة الرابعة: إهمال الشاب الملتزم لدراسته؟

الجواب: وهذه مشكلة المشاكل حقيقة، إن الدين والالتزام يحث الشاب المؤمن على كل فضيلة، وينهاه عن كل رذيلة، ومن الفضائل التي يحث عليها أن يكون له قدم السبق في كل مجال، سواءً كان هذا المجال علماً شرعياً أو علماً دنيوياً، لنثبت للناس أننا سبَّاقون في كل ميدان، وحتى لا يتصور الناس أنني بمجرد أن اهتديت أصبحت منعزلاً في الزوايا، ولا أقيم للحياة وزناً، فيُتصور للناس أن هذا الدين هو الذي حثني على هذا القصور، لا أبداً، إن الدين يحثك على عمارة الدنيا والآخرة، ويطلب منك أن تكون سبَّاقاً في كل ميدان؛ لأنه بهدايتك والتزامك استطعت أن توفر من وقتك وجهدك، فتصرف الوقت والجهد في المجال الذي أنت فيه؛ فإذا كان ترتيبك متأخراً يوم أن كنت ضالاً فإنه ينبغي لك بعد الهداية أن يكون ترتيبك الأول أو الثاني.

يقول الشاعر:

ونحن أناس لا توسط بيننا     لنا الصدر دون العالمين أو القبر

عدم حضور حلقات العلم في المساجد

السؤال: الظاهرة الخامسة: عدم حضور حلقات العلم في المساجد؟

الجواب: حضور حلقات العلم في المساجد شيء مطلوب للمؤمن وللشاب الملتزم؛ لأنها وجبات روحية يتعب مقدموها في تجهيزها وتحضيرها، وأنت إذا أردت أن تتناول وجبة تعدها أنت بنفسك لزمك أن ترجع إلى عدة مراجع حتى تهيئ لك وجبة متكاملة، لكن العالم أو طالب العلم الذي التزم بأداء درس معين في مسجد معين، فإنه قبل أن يأتي يهيئ لك هذا الدرس، ويجمع لك أطرافه، ويحصر لك مشتقاته، فتأتي على وجبة جاهزة، فحرصك على هذه الجلسة أو على هذا الدرس دليل على حياة قلبك، وعدم حضورك لهذا الدرس أو ضيقك فيه دليل على مرض قلبك، أو على موته والعياذ بالله.

لذا كان من أوجب الواجبات على كل شاب مسلم أن يحرص على مجالس الذكر، وأن يتابع العلماء، وقدوته في ذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وسلف هذه الأمة، الذين كانت حياتهم كلها حلق علم، ومجالس ذكر، ينتقلون من حلقة إلى حلقة، ومن علم إلى علم؛ لأن العلم إذا وجد على يد عالم كان له أثر في النفس، بعكس العلم الذي تأخذه من كتاب فقط، فقد تأخذ من الكتاب وتفهم شيئاً لم يرده صاحب الكتاب، ولكن بالتلقي من عالم أو من طالب علم تفهم العلم على حقيقته، وإذا حصل لديك إشكال يكون بإمكانك بعد الدرس أن تقف معه، وأن تستوضح منه وتستفهم حتى يزول الإشكال، فتبني علمك وثقافتك الإسلامية على أساس متين من الفهم والوضوح.

ضعف القراءة والاطلاع

السؤال: الظاهرة السادسة والأخيرة: ضعف القراءة والاطلاع؟

الجواب: الكتب الإسلامية والمواضيع الشرعية هي بمنزلة وجبات الروح، وعدم الإقبال عليها يدل على مرض الإنسان، مثل وجبات الطعام التي تقدم له، فعدم الإقبال عليها يدل على مرض، فمثلاً الذي لا يأكل الطعام الطيب، فالعلة ليست في الطعام، لكن الرجل هو المريض، معدته مريضة.. جسمه غير قابل للطعام.

وكذلك الكتب الإسلامية والشرعية طيبة، لكن عدم الإقبال على قراءتها يدل على مرض المعرض نفسه، لا على عدم صلاحيتها، فهي صالحة وطيبة، ولكن من أراد الشفاء فعليه أن يُلزم نفسه بالقوة ولو كانت نفسه لا تريد.

فأنت حين تتناول كتاباً من كتب العلم في بدايته تشعر بضيق وانقباض، ولكن ألزم نفسك بالقراءة، حتى ولو شعرت بالانقباض أو عدم الارتياح، وإذا جاءك النوم وأنت تريد أن تقرأ وكنت مستلقياً فاجلس، وإذا جاءك النعاس وأنت جالس؛ فاذهب وتوضأ واغسل وجهك ثم ارجع واقرأ، وألزم نفسك بالمداومة مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً حتى تصبح القراءة خلقاً لك، بحيث لا يمكن أن تجلس إلا على قراءة.

وحاول أن تستفيد من كل لحظة، بحيث يكون عند رأسك عندما تنام كتاب، وعند مقعدك وأنت جالس في غرفة الجلوس مع أهلك بعض الكتب، وتتناول في كل مناسبة كتاباً، ثم لتكن قراءتك واطلاعك قراءةً ذات قيمة ومعنى، فالقراءة ذات القيمة تقتضي أنك إذا حصلت على شيء مفيد لا تذهب عنه بسرعة بل ردده، أي: ارجع إليه مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً حتى تهضمه، ثم بعد ذلك إذا أردت أن تنقله في ورقه فقم بنقله وهذا لا شك أفضل، وإذا نقلت هذه الفائدة في ورقة فانقلها لأول شخص تلقاه من إخوانك، لأنك حينما ترددها ترسخ في ذهنك، وحينما تنقلها تزداد رسوخاً، وحينما تبلِّغ بها أخاك في الله تزداد رسوخاً أيضاً، وحينما تقولها لأهلك في المجلس في مناسبة قادمة تزداد وتزداد.

ولكن مجرد القراءة العابرة لا تجزئ في الثقافة، لأنها عبارة عن معلومة تطرأ على ذهنك وتمسح التي قبلها، لكن القراءة المتيقنة الراسخة تثبت في ذهنك، وبهذه القراءة تستطيع أن تحصِّل العلم، بمعنى: أنه بمجرد أن يمر عليك شهر أو شهران أو ثلاثة إلا وقد أصبح عندك حصيلة علمية وثقافية كبيرة من جراء القراءة الرزينة، أما القراءة التي ليس لها تأكيد فإنك مهما قرأت لا يمكن أن يستقر في الذهن منها شيء؛ لأن كل معلومة جديدة تمسح التي قبلها؛ لأنها لم ترسخ في ذهن الإنسان.

السؤال: الظاهرة الأولى: العناية الزائدة باللباس والمظهر؟

الجواب: العناية الزائدة باللباس وبالمظهر تدل على نقص يشعر به الإنسان في نفسه، ويحاول أن يستعيضه عن طريق الشكل العام، وإلا فإن الشكل لا يعطي الدليل الصحيح على قوة المؤمن ويقينه، صحيح إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، والله جميل يحب الجمال، وقد أمرنا الإسلام بالطهارة والنظافة، وأن نلبس جميلاً، وأن نركب جميلاً، وأن نسكن جميلاً، ولكن في حدود المعقول، أما المبالغة في ذلك بحيث لا يخرج الإنسان إلا في ثوب معين، ولا يخرج إلا بغترة مكوية على نمط معين، وفي حذاء معين، أو يشرب شراباً معيناً، فهذه المبالغة تدل على نقص وضعف في الإيمان.

السؤال: الظاهرة الثانية: الحماس للكرة ومشاهدة المباريات والمسلسلات؟

الجواب: الكرة وثن من أوثان الجاهلية الحديثة، وإذا كانت بنو إسرائيل فتنتهم في العجل؛ فُفتنت هذه الأمة في هذه الكرة. إن جلد الحمار المنفوخ فتن الناس شيبهم وشبابهم، رجالهم ونساءهم، كبارهم وصغارهم، حتى غدت أمتنا حقيقة أمة الكرة لا أمة القرآن ولا أمة السيف والجهاد، وانشغال طلبة العلم بها، والاهتمام بها، والاهتمام الذي يحدث يدل على ضعف اليقين، وعلى ضعف الإيمان بالله عز وجل، ولا ينبغي للمؤمن أن ينشغل بهذه التراهات والحماقات التي هي أصلاً ليست وليدة المجتمعات الإسلامية، إنها وليدة المجتمعات الضالة التي لا هدف لها ولا رسالة، ولا دور في قيادة البشرية، وإنما مجتمعات كافرة ضالة أوجدت مثل هذه اللعب لتشتغل بها، ثم نقلتها إلينا نحن المسلمين واشتغلنا بها، وظلت هي تشتغل بما هو أهم، فما ينبغي للمسلم أن يعطي هذه الأمور من التفاهات أي شيء من وقته، هذا بالنسبة للكرة وللمباريات.

أما المسلسلات، فهذه أخطر وأشد فتكاً بعقيدة المؤمن وأخلاقه؛ فهي تصل إلى درجة الحرمة، إذ لا ينبغي للمسلم أن يرى امرأة تمثل، ولا ينبغي للمرأة أن ترى رجلاً يمثل، ثم إن التمثيليات والمسلسلات في حقيقتها هي عبارة عن قصص مكذوبة ليست حقيقة، كاتب روائي كذاب يختلق قصة من عقله، ثم يأتي بسبعة أو ثمانية من الممثلين الكذّابين ليؤدوا هذه التمثيلية كلٌ في دور معين، ثم يشغلون بها الناس، هذه كلها من الأشياء التي ينبغي للمسلم أن يتـنـزه عنها، وألا يشغل حياته وفكره بهذه الخزعبلات.

السؤال: الظاهرة الثالثة: سهرات الشباب مع بعضهم بدون فائدة؟

الجواب: سهرات الشباب مع بعضهم بدون فائدة ظاهرة مرضية ينبغي أن يتداركها الشاب قبل أن تستفحل فتقضي عليه؛ لأن الوقت هو عمرك أيها الشاب، فإن لم تستدركه وتستغنمه في شيء يعود عليك بالنفع في الدنيا أو في الآخرة، وإلا فإنك تقتل عمرك وتنتحر من حيث لا تدري، ونحن الآن ليس عندنا فراغ حقيقة، بعض الشباب يقول: أنا فاضٍ ليس عندي شيء أبداً، فنقول لهذا: إن لدينا من الأعباء والمسئوليات والواجبات ما لو أن عندنا أضعاف أضعاف الوقت الذي عندنا ما ملأناه، نحن الآن ما فرغنا من حفظ كتاب ربنا، ولم نفرغ من معرفة سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم نفرغ من معرفة تاريخ أمتنا، ولا من سيرة نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وما فرغنا أيضاً من معرفة التفسير، ولا من معرفة مصطلح الحديث، ولا قراءة متون العلم، هذه كلها واجباتنا ومسئولياتنا.

لو سألت طالباً من طلبة العلم عن تفسير آية من كتاب الله ما عرفها، وتجده جالساً، فتقول له: ما بالك؟ قال: فارغ بلا عمل كيف تكون فارغاً وابن كثير جالس بجوارك ما تسأله عن تفسير هذه الآية؟! أنت فارغ وما عرفت تفسير هذا الحديث؟! كيف أنت فارغ وأنت ما عرفت هذه المسألة الفرضية؟!

إن أوقاتنا مليئة لو أردنا أن نملأها، لكن إذا غاب العقل والتفكير عن المسئولية والواجب نبذ الفراغ، لأنه إذا وجد الفراغ استغله الشيطان ليملأه بالباطل.

السؤال: الظاهرة الرابعة: إهمال الشاب الملتزم لدراسته؟

الجواب: وهذه مشكلة المشاكل حقيقة، إن الدين والالتزام يحث الشاب المؤمن على كل فضيلة، وينهاه عن كل رذيلة، ومن الفضائل التي يحث عليها أن يكون له قدم السبق في كل مجال، سواءً كان هذا المجال علماً شرعياً أو علماً دنيوياً، لنثبت للناس أننا سبَّاقون في كل ميدان، وحتى لا يتصور الناس أنني بمجرد أن اهتديت أصبحت منعزلاً في الزوايا، ولا أقيم للحياة وزناً، فيُتصور للناس أن هذا الدين هو الذي حثني على هذا القصور، لا أبداً، إن الدين يحثك على عمارة الدنيا والآخرة، ويطلب منك أن تكون سبَّاقاً في كل ميدان؛ لأنه بهدايتك والتزامك استطعت أن توفر من وقتك وجهدك، فتصرف الوقت والجهد في المجال الذي أنت فيه؛ فإذا كان ترتيبك متأخراً يوم أن كنت ضالاً فإنه ينبغي لك بعد الهداية أن يكون ترتيبك الأول أو الثاني.

يقول الشاعر:

ونحن أناس لا توسط بيننا     لنا الصدر دون العالمين أو القبر

السؤال: الظاهرة الخامسة: عدم حضور حلقات العلم في المساجد؟

الجواب: حضور حلقات العلم في المساجد شيء مطلوب للمؤمن وللشاب الملتزم؛ لأنها وجبات روحية يتعب مقدموها في تجهيزها وتحضيرها، وأنت إذا أردت أن تتناول وجبة تعدها أنت بنفسك لزمك أن ترجع إلى عدة مراجع حتى تهيئ لك وجبة متكاملة، لكن العالم أو طالب العلم الذي التزم بأداء درس معين في مسجد معين، فإنه قبل أن يأتي يهيئ لك هذا الدرس، ويجمع لك أطرافه، ويحصر لك مشتقاته، فتأتي على وجبة جاهزة، فحرصك على هذه الجلسة أو على هذا الدرس دليل على حياة قلبك، وعدم حضورك لهذا الدرس أو ضيقك فيه دليل على مرض قلبك، أو على موته والعياذ بالله.

لذا كان من أوجب الواجبات على كل شاب مسلم أن يحرص على مجالس الذكر، وأن يتابع العلماء، وقدوته في ذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وسلف هذه الأمة، الذين كانت حياتهم كلها حلق علم، ومجالس ذكر، ينتقلون من حلقة إلى حلقة، ومن علم إلى علم؛ لأن العلم إذا وجد على يد عالم كان له أثر في النفس، بعكس العلم الذي تأخذه من كتاب فقط، فقد تأخذ من الكتاب وتفهم شيئاً لم يرده صاحب الكتاب، ولكن بالتلقي من عالم أو من طالب علم تفهم العلم على حقيقته، وإذا حصل لديك إشكال يكون بإمكانك بعد الدرس أن تقف معه، وأن تستوضح منه وتستفهم حتى يزول الإشكال، فتبني علمك وثقافتك الإسلامية على أساس متين من الفهم والوضوح.




استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
كيف تنال محبة الله؟ 2924 استماع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2921 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2800 استماع
أمن وإيمان 2672 استماع
حال الناس في القبور 2671 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2596 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2568 استماع
النهر الجاري 2472 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2464 استماع
مرحباً شهر الصيام 2394 استماع