خطب ومحاضرات
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيها الأحبة في الله! عنوان درسنا هو: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95] هذه الآية الكريمة، تقرر مرجعية الناس كلهم إلى الله بعد أن يتخلوا عن كل إمكانياتهم وقدراتهم، وما كانوا يظنون أنه يمكن أن ينفعهم وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95] بدون مال، وجاه، ومنصب، وولد، وبلا حول، ولا قوة، بل كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94] يُخلق الإنسان ويأتي إلى الدنيا فرداً، ويستقبل في خرقة، ويعيش فترة من العمر إلى أن يموت، ثم يموت ويرجع إلى الله فرداً مودعاً في خرقة أخرى وهي خرقة الكفن، وهو بين الخرقتين حياته تتوقف ومصيره في الآخرة على ضوء سلوكه وعمله فيما بين الخرقتين: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94] ما خولكم الله عز وجل من المال والأولاد والزوجات والدور والقصور والجاه والمكانة والمنصب والرتب كلها تركتموها وراء ظهوركم وجاء الإنسان إلى الله، يخرج من الدنيا كما تخرج الشعرة من العجين، جاء بالعمل: إما حسنات وإما سيئات؛ حسنات اكتسبها من سيره في طريق الله، والتزامه بكتاب الله، وتمسكه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتسب الحسنات.
أو سيئات حملها على ظهره نتيجة وقوعه فيما حرم الله، أو تركه لما أمر الله، وأما تصديقه لما أخبر الله فيحمل إما سيئات أو حسنات يقول الله عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90] ما هو إلا ما كنتم تجمعون وتحتلون من الدنيا هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:90] القضية قضية عمل، عندك عمل تنجو وتفلح، ليس عندك عمل تسقط ولو كنت من كنت، إن الله لا ينظر إلى الصور والأجسام والأشكال، ولكن ينظر فقط إلى القلوب وأعمال القلوب الحية السليمة المطمئنة الرقيقة، المنيبة المخبتة الخاشعة التي تخشع لعظمة الله.
فهذه القلوب الله عز وجل يرفع بها أصحابها يوم القيامة بالعمل الصالح، من جاء بالحسنة.. العملة الدارجة يوم القيامة ليست الريال ولا الدرهم ولا الدينار ولا الدولار وإنما الحسنات فقط.
بعض الناس في الدنيا فقير المال لكنه مليونير حسنات، وبعض الناس في الدنيا غني في المال لكن ليس عنده حسنة، فقير في الآخرة -والعياذ بالله- ولهذا يقال: إذا رأيت أحداً ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة، إذا نافسك في الدنيا يبني بجوارحك أربعة خمسة أدوار، ابن أنت في الجنة واشتغل في القرآن، احفظ كتاب الله، حفظ زوجتك وأولادك وبناتك كتاب الله، اذهب كل يوم إلى المسجد، كل يوم أنت وأهلك، زوجتك مع الأمهات، وبناتك مع التلميذات، وأولادك مع الأولاد، وأنت مع الكبار في المسجد من بعد العصر إلى بعد العشاء في الحلقات؛ تخرجون وعندكم مثل الجبال من الحسنات، لماذا؟ لأن بكل حرفٍ من القرآن تقرءونه عشر حسنات (لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) ما هذه التجارة يا إخواني؟! ولكن ما بال الناس يزهدون فيها؛ لأنهم لا يعرفون قيمة الحسنات، ولا يعرف قيمة الحسنات إلا العالم بالله، مثل الذهب لا يعرفه إلا صاحب الخبرة، ولو أتيت بالذهب عند الفحام، فسوف يرميه لأنه يريد فحماً فقط، وأيضاً لو أتيت عند الذي يجمع البعر والروث كي يفعل به سماداً لرماه لا يعلم أنه ذهب، وكذلك الذي يعرف الله ويعرف دين الله وحقيقة الحياة يعرف قيمة الحسنات، ولهذا يجمع فيها ويحصل منها ويسابق إليها ولا يشبع من خيرٍ حتى تكون نهايته الجنة.
قال تعالى: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95] جاءت الآيات الكريمات في القرآن الكريم لتبين لنا في مواضع ثانية كيف الإتيان على الله؟ وكيف القدوم عليه؟
ذكر ربنا عز وجل هيئات للقدوم عليه سبحانه وتعالى:
الهيئة الأولى: أن تأتي إلى الله مؤمناً يقول عز وجل: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [طه:75] أي: في الجنة.
الهيئة الثانية: أن تأتي إلى الله مجرماً يقول الله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ [طه:74-75] لا يوجد إلا إتيانين على هيئتين، إما إيمان وعمل صالح، أو إجرام، وكلمة إجرام عامة، يدخل فيها الكافر، والمنافق، والفاسق، كل من ليس عنده إيمان وعمل صالح يصنف مع الفريق هذا الذي يدخل النار.
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ [طه:75] وفي كلمة (ربه) هنا نوع من الإشارة إلى أنه ما دام ربك فلماذا تأتي إليه وأنت مجرم؟!
ربك الذي خلقك وأوجدك من العدم، ربك الذي رباك بالنعم وفضله وإنعامه عليك كيف تعصيه؟ كيف تقدم عليه وأنت مجرم؟!
ربك صاحب الفضل عليك الذي خلقك من العدم ويخلقك في بطن أمك خلقاً من بعد خلقٍ في ظلمات ثلاث، فأبوك يضعك نطفة وأمك تستقبلك شهوة، ثم يخلط الله بين ماء الرجل وماء المرأة، ثم يتعهد الله هذه النطفة بتلك المراحل من الأطوار الخلقية أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين يوماً علقة، ثم أربعين يوماً مضغة، ثم بعد المضغة تصير عظاماً، ثم يكسو الله العظام لحماً، ثم ينشأه الله خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين!
فأنت في بطن أمك لا أحد يعلم عنك إلا الله: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [النجم:32] يجري لك الله عز وجل في بطن أمك الغذاء، والهواء، وجميع الإمكانات التي تريدها، ويزودك بكل الأعضاء التي تحتاجها، يجعل لك أقداماً في البطن وأنت لا تسير في البطن لكن من أجل أنك عندما تخرج إلى دنيا تحتاج فيها إلى الأقدام، ويجعل الله في رأسك عيوناً وأنت لا ترى في البطن؛ لكن لأن الله يعلم أنك سوف تخرج إلى الدنيا وتحتاج إلى البصر، يجعل الله لك أيدي، وبعد ذلك إذا جئت إلى الدنيا، الله يربيك وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53] فما دام هو الخالق والمربي والمنعم فكيف تأتيه وأنت مجرم؟
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً [طه:74] كلمة مجرم مفهومها عند الناس مفهوم محدود، بينما هي في الشرع لها مفهوم أوسع، مفهوم الإجرام عند الناس أنها القتل، والسرقة، والزنا، وترويج المخدرات، وقطع السبل، وهذا لا شك إجرام.
هيئة قدوم قاتل النفس على ربه
وإذا قتل نفساً معصومة فكأنما قتل الناس جميعاً، كما قال الله في قصة ابني آدم في المائدة: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً [المائدة:27] إلى آخر الآيات، وقال الله: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32] أي: من أجل هذه الجريمة؛ ولأن هابيل هو الذي سَنَّ سنة القتل وقتل أخاه، رغم أن أخاه كان قادراً على أن يقتله، لكن منعه خوف الله لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ [المائدة:28] لماذا؟ ماذا الذي حدث؟ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:28-30].
وبعد ذلك قال الله في آخر الآيات: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32] أي: من أجل هذه السنة السيئة، ومن أجل هذه الجريمة الشنعاء كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32] فإذا قتلت شخصاً في الدنيا تأتي يوم القيامة وفي رقبتك بعدد كل من خلق الله من آدم إلى يوم القيامة، كأنك قتلتهم كلهم يعني: كأنك قتلت العالم كله، ليس العالم في هذا الزمن فقط، بل العالم منذ خلق الله الأرض إلى يوم القيامة، أجل. جريمة كبيرة، وفاحشة منكرة أن تقتل، ولهذا لا تقتل، ولا تفكر في القتل، ولا تحمل سلاحاً، إلا في معركة، أو مواجهة أعداء، هناك تذهب تقاتل أعداء الله، أما أنك تحمل سلاحاً فإن حملك للسلاح يؤدي إلى استخدامه لأتفه الأسباب، مثل شخص حمل السلاح، لماذا؟ قال: هذا سلاح شخصي، وبعد ذلك يحصل بينه وبين زميله شجار أو مشكلة بسيطة، ولكن الشيطان يشحنه ويصعب المشكلة حتى يستعمل السلاح ثم يهلك، لكن لو أنه ليس عنده سلاح ما كان يعمل هذا العمل.
ولهذا لما سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبر به من القتل في آخر الزمان قال: (يا رسول الله! إن أنا أدركت ذلك الزمان فماذا أصنع؟ قال: اعمد إلى سيفك واضرب به في حجر -يقول: اكسره لا تستخدمه- قال: فإن جاء يقتلني؟ قال: فادخل في بيتك لا تقاتله، قال: فإن دخل علي البيت؟ قال: فخمر وجهك حتى لا ترى بارقة السيف وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل)، لأنك بمجرد أن قتلت فأنت مقتول، وبعد ذلك مقتول مليون قتلة، هذا الذي قتلته قتلته مرة واحدة وأخذها فجأة ومن غير توقع، لكن أنت منذ أن يقبض عليك وأنت مقتول، وكلما دعيت إلى التحقيق أنت مقتول، وكل يوم أنت مقتول، وكلما تسمع أقدام عسكري يدخل تقول لك نفسك: أتوك الآن.
وإذا جاء يوم القتل لا إله إلا الله! كيف تكون نفسية المقتول إذا دعوه وقالوا: تعال اكتب وصيتك الآن ينفذ فيك الحكم، كيف تكون نفسيته يا إخوان؟
لو استطعنا أن نصل إلى نفسيته ونأخذ شريحة كي نحللها سنجد أنه أشقى إنسان على وجه الأرض، بعد ذلك يحمل ثم ينزل إلى الساحة ثم يجلس ثم يسمع الإعلان، وهو: أقدم فلان بن فلان على قتل فلان بن فلان، وبعد ذلك يضرب رأسه إما بالسيف لتقطع رقبته، أو بالبندقية لتنفض ظهره، كم قتل الآن؟ يسمونه قتل الصبر، لا يأتي القتل إلا وقد مات، بعضهم يموت قبل أن يأتي السيف في رأسه، وهل تنتهي المسألة هنا؟ لا. هذا حق الدنيا وبقي حق الآخرة.
فهل تنفع التوبة؟ للعلماء كلام كثير في هذا. قال العلماء: إن القاتل يرتكب ثلاث جنايات، واحدة في حق الله، وواحدة في حق الورثة، وواحدة في حق المقتول.
فأما التي في حق الله: فتسقط بالتوبة إذا تاب قَبِل الله توبته.
وأما التي في حق الورثة: فتسقط بالقود أو بالعفو أو بالعوض أي: الدية، القود يعني: القصاص، أو العفو يعفون عنه، أو الدية يستلمون مالاً.
وأما التي في حق المقتول: فهذه يؤجل النظر فيها إلى الحضور بين يدي الله يوم القيامة؛ لأن المقتول ما استفاد من القتل، لما قتلنا القاتل هل استفاد المقتول؟ لا. استفاد الورثة وبردت قلوبهم؛ لأنهم اقتصوا من قاتل أبيهم، لكن ذاك قتل بغير حق، أما هذا فقتل بحق، ولذا ترفع القضية ويعاد النظر فيها يوم الوقوف بين يدي الله، إذاً: لماذا تقتل يا أخي؟! لا تمارس القتل في أي حالٍ من الأحوال، فالقتل جريمة.
هيئة قدوم الزاني على ربه
وفي حديث سمرة بن جندب في البخاري ، حديث الرؤيا الطويل قال: (ثم أتينا على تنورٍ أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه رجالٌ ونساء عراة، يأتيهم لهبٌ من تحتهم فيرتفعون وينخفضون قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة من أمتك) ولهذا شرع الله للزاني المحصن أشنع قتلة، القاتل يقتل، لكن الزاني المحصن؟ يرجم. كيف يرجم؟ حتى يموت بالتقسيط، وينال كل جزء من جسمه جزءاً من العذاب؛ لأنه تلذذ بالجسم كله، قتلة الرمي من أشنع ما يمكن، وأنا حضرت مرة في حياتي إقامة حد على زاني يرجم، ورجم بالحجارة حتى تغطى بالحجارة وما رأيناه، وكان كلما أتى حجر صاح، حجر يقع في رأسه وظهره حتى تغطى بالحجارة، وبعد ذلك قالوا: خلاص، أتوا بعد رمي الحجارة وكشفوا عليه وإذا به حي، قالوا: زيدوه، تصور هذه القتلة، هل تسوى هذه لذة الزنا؟
يا إخواني! أين عقول الناس، لا حول ولا قوة إلا بالله! بعضهم يقول: يمكن أعملها في الدنيا ولا يرجموني، حسناً.. وإذا ما رجمت في الدنيا فرجم الآخرة أشد. رجم الدنيا ربما يكون كفارة إذا تبت ورجمت في الدنيا فإن شاء الله أن الله عز وجل يتوب عليك كما تاب على ماعز والغامدية اللذين قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن لينغمسون في أنهار الجنة مع التوبة) لكن من لم يقم عليه الحد ويزني في الدنيا لا يلزمه أن يذهب إلى الحاكم من أجل أن يجلد، لا. عليه أن يتوب، والله يتوب عليه، لكن الموت على من يأتيه وهو على الزنا، هذه المصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله!
كذلك السرقة جريمة تأخذ مال المعصوم لماذا؟ (إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم) لا تمد يدك ولو على مسواك، لا تمد يدك ولو على هللة، إلا مالك، أما مال الناس فلا؛ لأنك إن تأخذ شيئاً تأخذ حراماً، والحرام يوم القيامة مأخوذ منك، فأنت مجرم إذا سرقت.
إذا روجت المخدرات فأنت مجرم؛ لأن المخدرات آفة الشعوب وعلة الأمم.. جميع دول الأرض أجمعت على محاربتها لماذا؟ لأنها تعني لا إنسان، هذه معادلة دولية (مخدرات + إنسان= لا إنسان) يبيع الإنسان دينه وعرضه ووطنه وكل شيء في حياته مقابل جرعة مخدرات؛ لأنه لا يتحكم ولا يستطيع التحكم بنفسه، المخدر يتحكم في مخه ويسير في دمائه، فإذا تناوله راق وجلس، وإذا انتهى المخدر يأتيه مثل الجنون في رأسه، يتشنج ويفتح عيونه ويصيح يريد جرعة بأي وسيلة.
أتسمح بهذا وأنت تروجها وتتعاطاها وتهربها وتتستر على صاحبها؟
لو كان ولدك من صلبك بلغ عنه، يجب أن نكون عيوناً ساهرة على المخدرات، ليس فقط إدارة مكافحة المخدرات؛ إدارة مكافحة المخدرات جهة مسئولة أمام الله أن نبلغ، والذي لا يبلغ فهو متستر، وخائن لله ولرسوله ولأمانته، وسوف يبتلى هو ويمكن أن تصير البلية بعد ذلك فيهم؛ لأن الراضي الذي يرضى بهذا المنكر للناس فهو كالفاعل -والعياذ بالله- هذا مفهوم الإجرام عند الناس.
هيئة قدوم السارق ومروج المخدرات على ربه
وفي حديث سمرة بن جندب في البخاري ، حديث الرؤيا الطويل قال: (ثم أتينا على تنورٍ أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه رجالٌ ونساء عراة، يأتيهم لهبٌ من تحتهم فيرتفعون وينخفضون قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة من أمتك) ولهذا شرع الله للزاني المحصن أشنع قتلة، القاتل يقتل، لكن الزاني المحصن؟ يرجم. كيف يرجم؟ حتى يموت بالتقسيط، وينال كل جزء من جسمه جزءاً من العذاب؛ لأنه تلذذ بالجسم كله، قتلة الرمي من أشنع ما يمكن، وأنا حضرت مرة في حياتي إقامة حد على زاني يرجم، ورجم بالحجارة حتى تغطى بالحجارة وما رأيناه، وكان كلما أتى حجر صاح، حجر يقع في رأسه وظهره حتى تغطى بالحجارة، وبعد ذلك قالوا: خلاص، أتوا بعد رمي الحجارة وكشفوا عليه وإذا به حي، قالوا: زيدوه، تصور هذه القتلة، هل تسوى هذه لذة الزنا؟
يا إخواني! أين عقول الناس، لا حول ولا قوة إلا بالله! بعضهم يقول: يمكن أعملها في الدنيا ولا يرجموني، حسناً.. وإذا ما رجمت في الدنيا فرجم الآخرة أشد. رجم الدنيا ربما يكون كفارة إذا تبت ورجمت في الدنيا فإن شاء الله أن الله عز وجل يتوب عليك كما تاب على ماعز والغامدية اللذين قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن لينغمسون في أنهار الجنة مع التوبة) لكن من لم يقم عليه الحد ويزني في الدنيا لا يلزمه أن يذهب إلى الحاكم من أجل أن يجلد، لا. عليه أن يتوب، والله يتوب عليه، لكن الموت على من يأتيه وهو على الزنا، هذه المصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله!
كذلك السرقة جريمة تأخذ مال المعصوم لماذا؟ (إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم) لا تمد يدك ولو على مسواك، لا تمد يدك ولو على هللة، إلا مالك، أما مال الناس فلا؛ لأنك إن تأخذ شيئاً تأخذ حراماً، والحرام يوم القيامة مأخوذ منك، فأنت مجرم إذا سرقت.
إذا روجت المخدرات فأنت مجرم؛ لأن المخدرات آفة الشعوب وعلة الأمم.. جميع دول الأرض أجمعت على محاربتها لماذا؟ لأنها تعني لا إنسان، هذه معادلة دولية (مخدرات + إنسان= لا إنسان) يبيع الإنسان دينه وعرضه ووطنه وكل شيء في حياته مقابل جرعة مخدرات؛ لأنه لا يتحكم ولا يستطيع التحكم بنفسه، المخدر يتحكم في مخه ويسير في دمائه، فإذا تناوله راق وجلس، وإذا انتهى المخدر يأتيه مثل الجنون في رأسه، يتشنج ويفتح عيونه ويصيح يريد جرعة بأي وسيلة.
أتسمح بهذا وأنت تروجها وتتعاطاها وتهربها وتتستر على صاحبها؟
لو كان ولدك من صلبك بلغ عنه، يجب أن نكون عيوناً ساهرة على المخدرات، ليس فقط إدارة مكافحة المخدرات؛ إدارة مكافحة المخدرات جهة مسئولة أمام الله أن نبلغ، والذي لا يبلغ فهو متستر، وخائن لله ولرسوله ولأمانته، وسوف يبتلى هو ويمكن أن تصير البلية بعد ذلك فيهم؛ لأن الراضي الذي يرضى بهذا المنكر للناس فهو كالفاعل -والعياذ بالله- هذا مفهوم الإجرام عند الناس.
هيئة قدوم تارك الصلاة على ربه
لأنه مسلم، القاتل ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ونصلي عليه ونغسله ونكفنه ونقبره مع المسلمين، ويرجى له عند الله المغفرة، لكن تارك الصلاة إذا مات مات مرتداً، لا يُآكل، ولا يشارب، ولا يجالس، ولا يسلم عليه، ولا يزار إذا مرض، ولا تتبع جنازته، ولا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مدافن المسلمين، لماذا ؟ لأنه مرتد كافر -والعياذ بالله- تارك الصلاة مجرم.
قد يقول شخص منكم: ما يدرينا أنه مجرم؟ أقول لك: مجرم بنص القرآن، ليس من رأسي، قال الله عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] يعني: يوم القيامة، كل واحد مرتهن بكسبه، كل نفس أنا وأنت وكل من على وجه الأرض وكل من سيأتي وكل من مات إلى يوم القيامة كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [المدثر:38] أي: بما عملت رَهِينَةٌ [المدثر:38] لا تلم أحداً، لا تلم إلا نفسك، والله لا تأخذ حسنات غيرك ولا يأخذ أحد من سيئاتك شيئاً، والله إنها لك إن هي خير أو شر مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].. كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]* إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ [المدثر:39] -اللهم اجعلنا جميعاً منهم- أين هم هؤلاء؟ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ [المدثر:40].
من ضمن النعيم الذي يعطي الله لأهل الجنة أنهم وهم على الأسرة والأرائك، والنعيم، والقصور، يشرفون والأنهار تجري من تحتهم، والحور والولدان يخدمونهم وهم في نعمة يتساءلون يتحادثون، وقد ذكر الله هذا في القرآن في أكثر من مرة كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ [المدثر:38-41] وهم في النار؟ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:42] ماذا أتى بكم إلى هنا؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:43] نعم. يعني: الذي لا يصلي ماذا يصبح؟ مجرم. ولا يجوز له -أيها الإخوة- أن يتزوج بمسلمة؛ لأنه مرتد ومن شروط زواج المسلمة ألا تتزوج إلا مسلماً: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:114].. (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] لا تحل المسلمة للكافر بأي حالٍ من الأحوال، فلا يجوز أن تزوج شخصاً لا يصلي، وإذا تزوج وهو يصلي ثم ترك الصلاة فيما بعد، انفسخ العقد وبطل النكاح وحرمت الزوجة عليه، وحرم على وليها أن يبقيها في بيته، وحرم عليها أن تبقى ويعاشرها، وإذا جامعها فإنما يجامعها زنا، وأولادها بعد ذلك أولاد سفاح، ولا يحتاج الأمر إلى طلاق، فلا طلاق للكافر، يفسخ العقد عند القاضي فسخاً بالقوة، وهذا يقام عليه الحد، تارك الصلاة مرتد، كافر، مجرم، هل يفهم الناس هذا في هذا الزمان؟ ما أكثر المجرمين -الله المستعان- بل في بيوت بعض الناس تجده يعرف أن أولاده لا يصلون وساكت، لماذا؟ قال: الولد موظف، لا نريد نقول له: صلِّ بعد ذلك يخرج ويذهب بالراتب، ونحن نريده يصرف علينا، يصرف عليك وهو مجرم! من الذي رزقك قبل الولد؟ من الذي خلقك؟ من الذي رزقك بالولد نفسه؟ تحول اعتمادك من الله على هذا؟! لا إله إلا الله! والله يقول: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
هيئة قدوم المستهزئ بأولياء الله على ربه
وكلكم تعرفون حديث الذين كانوا في الغزوة وجلسوا تحت شجرة، فقال واحد منهم: [ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً -يعني: يأكلون كثير- وأجبن عند اللقاء]، وهو يعرف أنه كذاب، بل كانوا أعف الناس بطوناً وأشجع الناس، وهو يقصد بكلامه رسول الله وأصحابه، فسمعه أحد المؤمنين فقال: كذبت يا عدو الله! والله إنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركب حصانه وجاء إلى الرسول يخبره فوجد الخبر قد سبق من السماء، أنزل الله قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، أثبت الله عز وجل كفر هذا الرجل بعد أن أثبت إيمانه، وجعل الاستهزاء بالرسول استهزاء بالله وآياته، قال عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [التوبة:65] يعني: نتكلم، نضحك، نمزح قُلْ أَبِاللَّهِ [التوبة:65] الرجل ما استهزأ بالله أو بالرسول وأصحابه لكن اعتبر هذا الاستهزاء استهزاء بالله قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] كلمة كفرته وأخرجته من الدين والإيمان، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع القرآن، وجاء يتوب، يقول راوي الحديث: [كأني به وهو متعلق بنسعة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والحجارة تركض رجليه، وهو متعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله! والله ما أعنيها، يا رسول الله! والله ما أصدق فيها، يا رسول الله! إنما كنا نتحدث حديث الركب، يا رسول الله أأدخل النار وأنت بين ظهرانينا، توبةً يا رسول الله! كلما قال كلمة قال: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]] ولذا أمسك لسانك، شُدَّ عليه لا تطلقه في أعراض المؤمنين.
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ [المطففين:29-32] سبحان الله! كيف تنعكس الفطر وتنقلب الموازين إذا رأوا الطيبين قالوا: هؤلاء ضالون، وفي بلادنا الحمد لله ليس هذا موجود والحمد لله في هذه البلاد، المؤمن مقدر وموقر ويحترم ويثق الناس فيه، لكن عند غيرنا من بلاد المسلمين إذا رأوا المسلم المتدين يقولون: انظروا المجنون، يسمونه مجنون، أو إرهابي، أو متطرف، أو إنسان في عقله شيء إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ [المطففين:32] قال الله عز وجل: وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ [المطففين:33] أي: ما لهم منهم شغلة، ما هم بحافظين عليهم فَالْيَوْمَ [المطففين:34] يوم القيامة الَّذِينَ آمَنُوا [المطففين:34] وهم في درجات الجنات مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين:34] ضحكة بضحكة لكن ليست سوء، ضحكة في الدنيا بضحكة في الجنة والنار هناك هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين:36] نعم. هل جاءهم الجزاء والثواب؟ نعم. كما ضحكوا ضُحِك عليهم، لا حول ولا قوة إلا بالله!
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً [طه:74] فصور الإجرام -أيها الإخوة- كثيرة، فلا تكن مجرماً فيما بينك وبين الله، ولا تكن مجرماً فيما بينك وبين نفسك، ولا تكن مجرماً فيما بينك وبين الناس، بل عليك أن تكون مؤمناً.
صفة جهنم وما أعد الله فيها للمجرمين
ثم جاء توضيح جهنم، ماذا فيها ؟ قال عز وجل: لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [طه:74] كيف لا يموت ولا يحيا؟ قالوا: لا يموت فيستريح ولا يعيش حياة كريمة وإنما يحيا حياة عذاب وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ [إبراهيم:17] أكبر أمنية عند أهل النار الموت وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ [الزخرف:77] يعني يميتنا لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] فيرد عليهم مالك بعد زمن، ورد في التفسير بعد قدر عمر الدنيا، بعد إذ خلقها الله حتى يفنيها مرتين، ولا يوجد جواب، وبعد ذلك يقول لهم: قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77] يعني: مكانكم جيد، لماذا؟ قال: لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:78-80].. لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [طه:74].
بالله يا إخوة! كيف يحيا من طعامه النار؟
أنت الآن هل تستطيع تعيش عيشة معقولة في درجات الحر الشديد وما عندك مكيف؟ لا. وما عندك مروحة؟ لا. وما عندك ماء بارد؟ لا تستطيع بل تموت، طيب كيف من فراشه نار لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41] بعد ذلك الطعام زقوم لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ [الغاشية:6] ضريع: شجر من شجر جهنم، لا ينزل إلا الزقوم ثم ينشف في الحلق ويلصق مثل الغراء، فيكاد الشخص يموت ويريد أن يموت فلا يموت، ليته يموت! فيذكر أنه كان في الدنيا يجيز الغصة هذه بالماء، فيطلب ماء ويقول: أعطوني ماء، قال الله: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً [محمد:15] الحميم: هو الذي بلغ درجة متناهية في الغليان حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن:44] يعني: حار جداً وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً [محمد:15] ماذا يفعل هذا الماء؟ لا ينزل فقط، لا. ينزل وينزل معه الأمعاء فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15].. وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] تخرج أمعاؤهم من أدبارهم، الماء الحار الذي أحرقها كواها، وبعد ذلك في شراب آخر في جهنم اسمه الغسلين، وهذا الغسلين الذي يخرج من فروج الزناة، هذا شراب أهل الخمر في الدنيا، يقول عليه الصلاة والسلام: (من شرب الخمرة في الدنيا ومات ولم يتب؛ سقاه الله من ردغة الخبال، قالوا: وما ردغة الخبال يا رسول الله؟! قال: عصارة أهل النار) العرق والدم والقيح والصديد الذي يسري من أهل النار يجمع في أواني من نار ويقدم لهم (ومن شرب الخمرة في الدنيا ومات ولم يتب؛ سقاه الله من نهر الغوطة قيل: ما نهر الغوطة يا رسول الله؟! قال: نهر يجري في جهنم من فروج المومسات) المومسات يعني: الزانيات يتحول فرجها إلى نهر يجري بالدم والقيح والصديد، ويقول عز وجل في قضية الشرب: وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ [إبراهيم:15-17] لا يستطيع أن يبلعه؟
وأنا ضربت لهذا مرة بمثال: لو جيء برجل وجيء له بكوب مملوء بالقيح والصديد وقيل له: اشرب وإلا ضربت بالسيف، طبعاً هو يريد الحياة وسيشرب، فإذا بلغ إلى هذا المكان، ثم ذاقه لا يستطيع فيرى السيف فيقول: من أجل السيف اشرب، فإذا شرب شربة واحدة ونزلها إلى بطنه ماذا يحصل له؟ تخرج أمعاؤه كلها وكبده ولهذا يقول: اضربني بالسيف؛ لأن السيف حاصل، الموت موت بالسيف ولا بخروج كبده، لا يتحمل، يقول الله يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ [إبراهيم:17] يأتيه الموت من الطعام الذي يأكله، والشراب الذي يشربه، والفراش الذي يفرش له، وكل شيء.
وبعد ذلك وفوق هذا، هناك حيّات، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن في جهنم حيات كالجمال، وعقارب كالبغال) الحية مثل الجمل والعقرب مثل البغل، تلسع تارك الصلاة على ترك الصلاة، وبعد ذلك السلاسل والأغلال والأنكال والقيود، وبعد ذلك ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:36-37].
بعد ذلك يصيحون يطلبون الله؛ لأنهم لا يرون الله، ومن الذي يرى الله؟ يرونه أهل الجنة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.
أما هؤلاء فما يرون إلا الملائكة الغلاظ الشداد، والزبانية ينقلونهم من غرفة إلى غرفة، ومن طبقة إلى طبقة يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن:44] مرة في جهنم، ومرة في لظى، ومرة في سقر، ومرة في زمهرير، والعياذ بالله.
جهنم ولظى من بعدها حطمة ثم السعير وكل الهول في سقر |
وبعد ذاك جحيم ثم هاوية تهوي بهم أبداً في حرٍ مستعر |
جهنم سبع دركات: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر:44] كل واحد يأتي ويدخل منها، فالمتخصص في النظر الحرام يدخل على دركة الحرام؛ لأن بعض الناس شغلته منذ أن يخرج إلى أن يرجع وهو ينظر في أعراض الناس، والمتخصص في سماع الحرام أيضاً كذلك، والمتخصص في أكل الحرام كذلك، والمتخصص في الزنا كذلك: لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر:44].. فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [طه:74] وقدم الموت؛ لأنه أمنية لأهل النار، الآن وهو في العذاب هذا يتمنى الموت، لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] لكن لا يوجد موت ولا حياة، فهو ليس بحي، كيف يحيا وهو يعيش هذه الحياة! العذاب من فوقه ومن تحته ويأتيه من كل مكان، هل يحق لك بعد هذا أن تأتي مجرماً؟! تضيّع صلاتك، وترتكب مساخط ربك، لا والله يا أخي!
قد تقول: إن الصلاة متعبة، صحيح أن الصلاة متعبة لكن الأتعب منها هذا العذاب، قد تقول: إن التوبة متعبة، صحيح متعبة لكن الأشد تعباً منها هذا العذاب، أجل. قارن بين تعب العبادات وترك المعاصي وبين عقوبات المعاصي، تجد أن لا نسبة ولا تناسب في أي حالٍ من الأحوال، يتمنى الشخص من أهل الأرض أن يرجع إلى الدنيا ليعبد الله وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27].. وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12] لكن لا توجد رجعة، لماذا لا نفعل الآن العمل الصالح؟! لماذا لا نتوب الآن قبل الغد؟ كما نستقيم على خطا الحياة ودرب الإيمان حتى نلقى الله. هذا المجيء الأول.
إن من يقتل النفس بغير حق مجرم؛ لأنه ارتكب معصية كبيرة وهي قتل النفس بغير حق، وسفك الدم الحرام، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) وأول ما يقضى يوم القيامة في الدماء، والله يقول في سورة النساء: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93] ويأتي المقتول يوم القيامة يحمل رأسه على يده، ويمسك بيده الأخرى في تلابيب قاتله وأوداجه تشجب دماً يقول: يا رب! سل هذا فيما قتلني بغير حق؟!
وإذا قتل نفساً معصومة فكأنما قتل الناس جميعاً، كما قال الله في قصة ابني آدم في المائدة: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً [المائدة:27] إلى آخر الآيات، وقال الله: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32] أي: من أجل هذه الجريمة؛ ولأن هابيل هو الذي سَنَّ سنة القتل وقتل أخاه، رغم أن أخاه كان قادراً على أن يقتله، لكن منعه خوف الله لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ [المائدة:28] لماذا؟ ماذا الذي حدث؟ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:28-30].
وبعد ذلك قال الله في آخر الآيات: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32] أي: من أجل هذه السنة السيئة، ومن أجل هذه الجريمة الشنعاء كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32] فإذا قتلت شخصاً في الدنيا تأتي يوم القيامة وفي رقبتك بعدد كل من خلق الله من آدم إلى يوم القيامة، كأنك قتلتهم كلهم يعني: كأنك قتلت العالم كله، ليس العالم في هذا الزمن فقط، بل العالم منذ خلق الله الأرض إلى يوم القيامة، أجل. جريمة كبيرة، وفاحشة منكرة أن تقتل، ولهذا لا تقتل، ولا تفكر في القتل، ولا تحمل سلاحاً، إلا في معركة، أو مواجهة أعداء، هناك تذهب تقاتل أعداء الله، أما أنك تحمل سلاحاً فإن حملك للسلاح يؤدي إلى استخدامه لأتفه الأسباب، مثل شخص حمل السلاح، لماذا؟ قال: هذا سلاح شخصي، وبعد ذلك يحصل بينه وبين زميله شجار أو مشكلة بسيطة، ولكن الشيطان يشحنه ويصعب المشكلة حتى يستعمل السلاح ثم يهلك، لكن لو أنه ليس عنده سلاح ما كان يعمل هذا العمل.
ولهذا لما سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبر به من القتل في آخر الزمان قال: (يا رسول الله! إن أنا أدركت ذلك الزمان فماذا أصنع؟ قال: اعمد إلى سيفك واضرب به في حجر -يقول: اكسره لا تستخدمه- قال: فإن جاء يقتلني؟ قال: فادخل في بيتك لا تقاتله، قال: فإن دخل علي البيت؟ قال: فخمر وجهك حتى لا ترى بارقة السيف وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل)، لأنك بمجرد أن قتلت فأنت مقتول، وبعد ذلك مقتول مليون قتلة، هذا الذي قتلته قتلته مرة واحدة وأخذها فجأة ومن غير توقع، لكن أنت منذ أن يقبض عليك وأنت مقتول، وكلما دعيت إلى التحقيق أنت مقتول، وكل يوم أنت مقتول، وكلما تسمع أقدام عسكري يدخل تقول لك نفسك: أتوك الآن.
وإذا جاء يوم القتل لا إله إلا الله! كيف تكون نفسية المقتول إذا دعوه وقالوا: تعال اكتب وصيتك الآن ينفذ فيك الحكم، كيف تكون نفسيته يا إخوان؟
لو استطعنا أن نصل إلى نفسيته ونأخذ شريحة كي نحللها سنجد أنه أشقى إنسان على وجه الأرض، بعد ذلك يحمل ثم ينزل إلى الساحة ثم يجلس ثم يسمع الإعلان، وهو: أقدم فلان بن فلان على قتل فلان بن فلان، وبعد ذلك يضرب رأسه إما بالسيف لتقطع رقبته، أو بالبندقية لتنفض ظهره، كم قتل الآن؟ يسمونه قتل الصبر، لا يأتي القتل إلا وقد مات، بعضهم يموت قبل أن يأتي السيف في رأسه، وهل تنتهي المسألة هنا؟ لا. هذا حق الدنيا وبقي حق الآخرة.
فهل تنفع التوبة؟ للعلماء كلام كثير في هذا. قال العلماء: إن القاتل يرتكب ثلاث جنايات، واحدة في حق الله، وواحدة في حق الورثة، وواحدة في حق المقتول.
فأما التي في حق الله: فتسقط بالتوبة إذا تاب قَبِل الله توبته.
وأما التي في حق الورثة: فتسقط بالقود أو بالعفو أو بالعوض أي: الدية، القود يعني: القصاص، أو العفو يعفون عنه، أو الدية يستلمون مالاً.
وأما التي في حق المقتول: فهذه يؤجل النظر فيها إلى الحضور بين يدي الله يوم القيامة؛ لأن المقتول ما استفاد من القتل، لما قتلنا القاتل هل استفاد المقتول؟ لا. استفاد الورثة وبردت قلوبهم؛ لأنهم اقتصوا من قاتل أبيهم، لكن ذاك قتل بغير حق، أما هذا فقتل بحق، ولذا ترفع القضية ويعاد النظر فيها يوم الوقوف بين يدي الله، إذاً: لماذا تقتل يا أخي؟! لا تمارس القتل في أي حالٍ من الأحوال، فالقتل جريمة.
إن الزنا جريمة لاشك فيها، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له)، (ومن زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة)، (والذي نفس محمدٍ بيده إن ريح فروج الزناة والزواني في النار ليؤذي أهل النار) أهل النار كل واحد يسد أنفه ماذا هناك؟ قال: ريح، من أين يأتي الريح؟ من فرج الزاني والزانية، من العذاب والإحراق. (والذي نفس محمدٍ بيده إن فروج الزناة والزواني لتشتعل ناراً يوم القيامة) تتحول إلى براكين من لهب؛ لأنها كانت موطن لذة محرمة.
وفي حديث سمرة بن جندب في البخاري ، حديث الرؤيا الطويل قال: (ثم أتينا على تنورٍ أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه رجالٌ ونساء عراة، يأتيهم لهبٌ من تحتهم فيرتفعون وينخفضون قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة من أمتك) ولهذا شرع الله للزاني المحصن أشنع قتلة، القاتل يقتل، لكن الزاني المحصن؟ يرجم. كيف يرجم؟ حتى يموت بالتقسيط، وينال كل جزء من جسمه جزءاً من العذاب؛ لأنه تلذذ بالجسم كله، قتلة الرمي من أشنع ما يمكن، وأنا حضرت مرة في حياتي إقامة حد على زاني يرجم، ورجم بالحجارة حتى تغطى بالحجارة وما رأيناه، وكان كلما أتى حجر صاح، حجر يقع في رأسه وظهره حتى تغطى بالحجارة، وبعد ذلك قالوا: خلاص، أتوا بعد رمي الحجارة وكشفوا عليه وإذا به حي، قالوا: زيدوه، تصور هذه القتلة، هل تسوى هذه لذة الزنا؟
يا إخواني! أين عقول الناس، لا حول ولا قوة إلا بالله! بعضهم يقول: يمكن أعملها في الدنيا ولا يرجموني، حسناً.. وإذا ما رجمت في الدنيا فرجم الآخرة أشد. رجم الدنيا ربما يكون كفارة إذا تبت ورجمت في الدنيا فإن شاء الله أن الله عز وجل يتوب عليك كما تاب على ماعز والغامدية اللذين قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن لينغمسون في أنهار الجنة مع التوبة) لكن من لم يقم عليه الحد ويزني في الدنيا لا يلزمه أن يذهب إلى الحاكم من أجل أن يجلد، لا. عليه أن يتوب، والله يتوب عليه، لكن الموت على من يأتيه وهو على الزنا، هذه المصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله!
كذلك السرقة جريمة تأخذ مال المعصوم لماذا؟ (إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم) لا تمد يدك ولو على مسواك، لا تمد يدك ولو على هللة، إلا مالك، أما مال الناس فلا؛ لأنك إن تأخذ شيئاً تأخذ حراماً، والحرام يوم القيامة مأخوذ منك، فأنت مجرم إذا سرقت.
إذا روجت المخدرات فأنت مجرم؛ لأن المخدرات آفة الشعوب وعلة الأمم.. جميع دول الأرض أجمعت على محاربتها لماذا؟ لأنها تعني لا إنسان، هذه معادلة دولية (مخدرات + إنسان= لا إنسان) يبيع الإنسان دينه وعرضه ووطنه وكل شيء في حياته مقابل جرعة مخدرات؛ لأنه لا يتحكم ولا يستطيع التحكم بنفسه، المخدر يتحكم في مخه ويسير في دمائه، فإذا تناوله راق وجلس، وإذا انتهى المخدر يأتيه مثل الجنون في رأسه، يتشنج ويفتح عيونه ويصيح يريد جرعة بأي وسيلة.
أتسمح بهذا وأنت تروجها وتتعاطاها وتهربها وتتستر على صاحبها؟
لو كان ولدك من صلبك بلغ عنه، يجب أن نكون عيوناً ساهرة على المخدرات، ليس فقط إدارة مكافحة المخدرات؛ إدارة مكافحة المخدرات جهة مسئولة أمام الله أن نبلغ، والذي لا يبلغ فهو متستر، وخائن لله ولرسوله ولأمانته، وسوف يبتلى هو ويمكن أن تصير البلية بعد ذلك فيهم؛ لأن الراضي الذي يرضى بهذا المنكر للناس فهو كالفاعل -والعياذ بالله- هذا مفهوم الإجرام عند الناس.
إن الزنا جريمة لاشك فيها، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له)، (ومن زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة)، (والذي نفس محمدٍ بيده إن ريح فروج الزناة والزواني في النار ليؤذي أهل النار) أهل النار كل واحد يسد أنفه ماذا هناك؟ قال: ريح، من أين يأتي الريح؟ من فرج الزاني والزانية، من العذاب والإحراق. (والذي نفس محمدٍ بيده إن فروج الزناة والزواني لتشتعل ناراً يوم القيامة) تتحول إلى براكين من لهب؛ لأنها كانت موطن لذة محرمة.
وفي حديث سمرة بن جندب في البخاري ، حديث الرؤيا الطويل قال: (ثم أتينا على تنورٍ أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه رجالٌ ونساء عراة، يأتيهم لهبٌ من تحتهم فيرتفعون وينخفضون قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة من أمتك) ولهذا شرع الله للزاني المحصن أشنع قتلة، القاتل يقتل، لكن الزاني المحصن؟ يرجم. كيف يرجم؟ حتى يموت بالتقسيط، وينال كل جزء من جسمه جزءاً من العذاب؛ لأنه تلذذ بالجسم كله، قتلة الرمي من أشنع ما يمكن، وأنا حضرت مرة في حياتي إقامة حد على زاني يرجم، ورجم بالحجارة حتى تغطى بالحجارة وما رأيناه، وكان كلما أتى حجر صاح، حجر يقع في رأسه وظهره حتى تغطى بالحجارة، وبعد ذلك قالوا: خلاص، أتوا بعد رمي الحجارة وكشفوا عليه وإذا به حي، قالوا: زيدوه، تصور هذه القتلة، هل تسوى هذه لذة الزنا؟
يا إخواني! أين عقول الناس، لا حول ولا قوة إلا بالله! بعضهم يقول: يمكن أعملها في الدنيا ولا يرجموني، حسناً.. وإذا ما رجمت في الدنيا فرجم الآخرة أشد. رجم الدنيا ربما يكون كفارة إذا تبت ورجمت في الدنيا فإن شاء الله أن الله عز وجل يتوب عليك كما تاب على ماعز والغامدية اللذين قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن لينغمسون في أنهار الجنة مع التوبة) لكن من لم يقم عليه الحد ويزني في الدنيا لا يلزمه أن يذهب إلى الحاكم من أجل أن يجلد، لا. عليه أن يتوب، والله يتوب عليه، لكن الموت على من يأتيه وهو على الزنا، هذه المصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله!
كذلك السرقة جريمة تأخذ مال المعصوم لماذا؟ (إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم) لا تمد يدك ولو على مسواك، لا تمد يدك ولو على هللة، إلا مالك، أما مال الناس فلا؛ لأنك إن تأخذ شيئاً تأخذ حراماً، والحرام يوم القيامة مأخوذ منك، فأنت مجرم إذا سرقت.
إذا روجت المخدرات فأنت مجرم؛ لأن المخدرات آفة الشعوب وعلة الأمم.. جميع دول الأرض أجمعت على محاربتها لماذا؟ لأنها تعني لا إنسان، هذه معادلة دولية (مخدرات + إنسان= لا إنسان) يبيع الإنسان دينه وعرضه ووطنه وكل شيء في حياته مقابل جرعة مخدرات؛ لأنه لا يتحكم ولا يستطيع التحكم بنفسه، المخدر يتحكم في مخه ويسير في دمائه، فإذا تناوله راق وجلس، وإذا انتهى المخدر يأتيه مثل الجنون في رأسه، يتشنج ويفتح عيونه ويصيح يريد جرعة بأي وسيلة.
أتسمح بهذا وأنت تروجها وتتعاطاها وتهربها وتتستر على صاحبها؟
لو كان ولدك من صلبك بلغ عنه، يجب أن نكون عيوناً ساهرة على المخدرات، ليس فقط إدارة مكافحة المخدرات؛ إدارة مكافحة المخدرات جهة مسئولة أمام الله أن نبلغ، والذي لا يبلغ فهو متستر، وخائن لله ولرسوله ولأمانته، وسوف يبتلى هو ويمكن أن تصير البلية بعد ذلك فيهم؛ لأن الراضي الذي يرضى بهذا المنكر للناس فهو كالفاعل -والعياذ بالله- هذا مفهوم الإجرام عند الناس.
هناك مفاهيم أخرى للإجرام، فمن لا يصلي مجرم، وهذه جريمة من طراز قوي جداً أعظم من جريمة القاتل والزاني والسارق وترويج المخدرات، لماذا؟ لأن القاتل إذا قتلناه نصلي عليه، لماذا؟
لأنه مسلم، القاتل ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ونصلي عليه ونغسله ونكفنه ونقبره مع المسلمين، ويرجى له عند الله المغفرة، لكن تارك الصلاة إذا مات مات مرتداً، لا يُآكل، ولا يشارب، ولا يجالس، ولا يسلم عليه، ولا يزار إذا مرض، ولا تتبع جنازته، ولا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مدافن المسلمين، لماذا ؟ لأنه مرتد كافر -والعياذ بالله- تارك الصلاة مجرم.
قد يقول شخص منكم: ما يدرينا أنه مجرم؟ أقول لك: مجرم بنص القرآن، ليس من رأسي، قال الله عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] يعني: يوم القيامة، كل واحد مرتهن بكسبه، كل نفس أنا وأنت وكل من على وجه الأرض وكل من سيأتي وكل من مات إلى يوم القيامة كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [المدثر:38] أي: بما عملت رَهِينَةٌ [المدثر:38] لا تلم أحداً، لا تلم إلا نفسك، والله لا تأخذ حسنات غيرك ولا يأخذ أحد من سيئاتك شيئاً، والله إنها لك إن هي خير أو شر مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].. كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]* إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ [المدثر:39] -اللهم اجعلنا جميعاً منهم- أين هم هؤلاء؟ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ [المدثر:40].
من ضمن النعيم الذي يعطي الله لأهل الجنة أنهم وهم على الأسرة والأرائك، والنعيم، والقصور، يشرفون والأنهار تجري من تحتهم، والحور والولدان يخدمونهم وهم في نعمة يتساءلون يتحادثون، وقد ذكر الله هذا في القرآن في أكثر من مرة كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ [المدثر:38-41] وهم في النار؟ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:42] ماذا أتى بكم إلى هنا؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:43] نعم. يعني: الذي لا يصلي ماذا يصبح؟ مجرم. ولا يجوز له -أيها الإخوة- أن يتزوج بمسلمة؛ لأنه مرتد ومن شروط زواج المسلمة ألا تتزوج إلا مسلماً: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:114].. (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] لا تحل المسلمة للكافر بأي حالٍ من الأحوال، فلا يجوز أن تزوج شخصاً لا يصلي، وإذا تزوج وهو يصلي ثم ترك الصلاة فيما بعد، انفسخ العقد وبطل النكاح وحرمت الزوجة عليه، وحرم على وليها أن يبقيها في بيته، وحرم عليها أن تبقى ويعاشرها، وإذا جامعها فإنما يجامعها زنا، وأولادها بعد ذلك أولاد سفاح، ولا يحتاج الأمر إلى طلاق، فلا طلاق للكافر، يفسخ العقد عند القاضي فسخاً بالقوة، وهذا يقام عليه الحد، تارك الصلاة مرتد، كافر، مجرم، هل يفهم الناس هذا في هذا الزمان؟ ما أكثر المجرمين -الله المستعان- بل في بيوت بعض الناس تجده يعرف أن أولاده لا يصلون وساكت، لماذا؟ قال: الولد موظف، لا نريد نقول له: صلِّ بعد ذلك يخرج ويذهب بالراتب، ونحن نريده يصرف علينا، يصرف عليك وهو مجرم! من الذي رزقك قبل الولد؟ من الذي خلقك؟ من الذي رزقك بالولد نفسه؟ تحول اعتمادك من الله على هذا؟! لا إله إلا الله! والله يقول: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
كيف تنال محبة الله؟ | 2929 استماع |
اتق المحارم تكن أعبد الناس | 2927 استماع |
أمن وإيمان | 2676 استماع |
حال الناس في القبور | 2676 استماع |
توجيهات للمرأة المسلمة | 2604 استماع |
فرصة الرجوع إلى الله | 2572 استماع |
النهر الجاري | 2476 استماع |
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله | 2466 استماع |
مرحباً شهر الصيام | 2402 استماع |
الشباب والرجولة | 2364 استماع |