شرح العقيدة التدمرية [14]


الحلقة مفرغة

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [والله سبحانه أخبرنا أنه عليم قدير، سميع بصير، غفور رحيم، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته، فنحن نفهم معنى ذلك، ونميّز بين العلم والقدرة، وبين الرحمة والسمع والبصر، ونعلم أن الأسماء كلها اتفقت في دلالتها على ذات الله، مع تنوع معانيها، فهي متفقة متواطئة من حيث الذات، متباينة من جهة الصفات].

أي: أن جميعها تدل على موصوف واحد، لكنها صفات متعددة في المعاني، وهذا أمر مقرر شرعاً وعقلاً وعرفاً، والشيخ قال هذا لأن هناك ممن تأثروا بالفلسفة والفلاسفة واتجاهات العقلانية وغيرها من اعتبروا صفات الله عز وجل معاني مترادفة، ليس بينها اختلاف في الدلالات، وهذا كله هروب من إثبات الذات لله عز وجل.

إذاً: كل أسماء الله عز وجل تدل في دلالاتها على ذات الله سبحانه، فتدل على الحقيقة، لكن كل لفظ منها يدل على معنى ينفرد به من وجه، ويتفق به مع الآخر من وجه آخر.

قال رحمه الله تعالى: [وكذلك أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: محمد، وأحمد، والماحي، والحاشر، والعاقب.

وكذلك أسماء القرآن، مثل: القرآن، والفرقان، والهدى، والنور، والتنزيل، والشفاء .. وغير ذلك].

إن النبي صلى الله عليه وسلم واحد، وهو محمد ، أو أحمد ، أو الماحي، أو الحاشر، أو العاقب كلها صفات تدل على واحد، لكن لكل لفظ معنى ينفرد به، فمحمد هو الذي حمده الله ويحمده الناس، وكذلك أحمد، والماحي هو الذي يمحو الله به الباطل، والحاشر هو الذي يحشر الله الناس على عقبيه، وكذلك العاقب الذي هو آخر الأنبياء، وليس بعده نبي، فهي صفات متعددة المعاني، لكن دلالاتها على واحد، وكذلك بالنسبة لله عز وجل، فصفاته سبحانه متعددة المعاني، لكن دلالاتها تدل على ذات الله سبحانه.

قال رحمه الله تعالى: [ومثل هذه الأسماء تنازع الناس فيها، هل هي من قبيل المترادفة لاتحاد الذات، أو من قبيل المتباينة لتعدد الصفات؟ كما إذا قيل: السيف، والصارم، والمهند، وقصد بالصارم معنى الصرم، وفي المهند النسبة إلى الهند، والتحقيق أنها مترادفة في الذات، متباينة في الصفات].

نعود إلى المقطع السابق فنقول: إن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كلها مترادفة إذا نظرنا أنه يوصف بها ذاته عليه الصلاة والسلام، وإذا نظرنا إلى إطلاقاتها من حيث إنها تدل على معان هي أوصاف للنبي صلى الله عليه وسلم فهي متعددة، ولذلك لا تناقض بين الرأيين، وهذا مما يسهّل الفقرة التي سنقرؤها بعد قليل، كما أن هذا يذكّرنا بأمور كثيرة في الشرع وفي لغة العرب وفي غيرها قد اختلف عليها الناس، فنجد أن أغلب ما يختلف عليه المختلفون في تفسير ألفاظ الشرع أو معانيها أو استنتاجاتها يرجع إلى أنهم لم يتفقوا على المعنى المختلف عليه، فكل واحد في ذهنه عن المعنى المختلف عليه غير ما في ذهن الآخر، فتجد هذا كلامه صحيحاً من وجه وخطأ من وجه، وهذا كلامه صحيحاً من وجه وخطأ من وجه، لاسيما في باب الأسماء والصفات وألفاظ العقيدة، فنجد فيها اشتباهاً كثيراً على الناس، لا سيما في الفرعيات لا في الأصول، واختلافات حتى بين أهل السنة والجماعة في المسائل الجزئية المتفرعة عن العقيدة، ونجد أن أغلب الخلاف راجع إلى أن كل واحد في ذهنه على المختلف عليه غير ما في ذهن الآخر، وكل واحد ينطلق من فهمه ومن تصوره، والتصورات مختلفة، وهذا يشمل كثيراً من القضايا الكبيرة التي يختلف عليها المنتسبون للسنة الآن، ويرجع ذلك إلى أنهم لم يحرروا في أذهانهم مسائل الخلاف، ولو أنهم اتفقوا على عين القضية لخفّت قوة الخلاف بين المختلفين، مثل: مسألة العذر بالجهل، ومسألة الحجة وبلوغها وفهمها، ومثل: قضايا الدعوة، ووسائل الدعوة، ومناهج الدعوة .. وغيرها من القضايا الكثيرة التي أجد أن أكثر الخلاف فيها بين المختلفين من أهل السنة ومن طلاب العلم ومشايخ هذا الوقت راجع إلى أن كل واحد منهم عنده تصور في الحقيقة المختلف فيها غير تصور الآخر، ولو أنهم وحدوا التصور والمفهوم لقلّت مساحة الخلاف.

ثم ذكر أيضاً أسماء السيف، وأسماء السيف إذا نظرنا إليها من حيث إنها دلالات على السيف نفسه، فهي مترادفة، وإذا نظرنا إلى أنها إطلاقات على أوصاف السيف من حيث قوته، ومن حيث جماله، ومن حيث حدّته .. إلى آخر ذلك، نجد أنها من باب غير المترادف.

قال رحمه الله تعالى: [ومما يوضح هذا أن الله وصف القرآن كله بأنه محكم وبأنه متشابه، وفي موضع آخر جعل منه ما هو محكم ومنه ما هو متشابه، فينبغي أن يُعرف الإحكام والتشابه الذي يعمه، والإحكام والتشابه الذي يخص بعضه].

أي: أن الترادف يقع من وجه والتباين يقع من وجه، ومعنى كونه مُحكماً، أي: أنه لا ينقض بعضه بعضاً، وأنه لا يعتريه السهو ولا النقص ولا النسيان ولا الضعف ولا الجهل ولا أي نوع من أنواع النقص التي تعتري كلام البشر، فالقرآن محكم كله.

ومعنى كونه متشابهاً، أي: أنه لا يناقض بعضه بعضاً، فقصصه تتشابه، وأحكامه تتشابه، وألفاظه تتشابه، ومعانيه تتشابه، ووجوه البلاغة فيه تتشابه، ووجوه البيان تتشابه، وأساليبه تتشابه.

إذاً: التشابه العام هنا راجع إلى الإحكام، فمن وجوه كونه محكماً أنه متشابه، وتشابهه أيضاً دليل على إحكامه، هذا من وجه، لكن من وجه آخر أيضاً جعل منه ما هو محكم وليس بمتشابه، ومنه ما هو متشابه وليس بمحكم، ولذا رجعنا إلى المفهوم الآخر للإحكام والتشابه، وهو أن الإحكام هنا المقصود به وجه من وجوه المعاني التي اشتمل عليها القرآن، وهو الإحكام، بمعنى: الوضوح الذي لا يحتاج إلى تفسير، والبيان الذي يكون لجميع الناس ولجميع السامعين .. أو نحو ذلك؛ لأن الإحكام أوسع من المتشابه من هذا الوجه، ومنه متشابه يجهله البعض.

أي: أنه يصعب فهمه على غير العالم، وعلى غير من يفقه العربية، إذ إن تشابه معانيه بمعنى: أنها تشكل على بعض الناس، والإشكال ليس في ذاتها، وإنما الإشكال في فهوم الناس.

إذاً: القسم الآخر من الإحكام والتشابه هو أن من القرآن ما هو بين واضح لا لبس فيه عند جميع الناس، ومنه ما فيه نوع غموض على بعض الخلق وليس على الجميع، أيضاً يرد في التشابه معنى آخر: وهو التشابه الخاص، أن منه ما هو مشتبه على جميع الخلق، فلا يفهمون كيفياته، ومحكم من وجه أن الله عز وجل هو العالم بحقيقة كيفيته.

وعلى هذا تكون هذه الألفاظ تحمل على سياقاتها ومعانيها، فإذا جاء في القرآن متشابه، فيعني به: غير المحكم الذي يخفى على بعض الناس، فيشتبه عليهم فهمه، وليس بذاته، وإنما بفهوم الناس، والمحكم هو البين الواضح، وهذا ينسحب على كثير من ألفاظ الشعر، ويذكرنا هذا بما ينبغي علينا عند الاستدلال أن نتأكد من تطبيق هذه المعاني، وأن نعرف أن القرآن وألفاظ السنة تأتي على وجوه من حيث الخصوص والعموم، من حيث الإحكام والتشابه، من حيث البيان والإجمال وما يفسر، ومن حيث النسخ وعدمه .. إلى آخره، بمعنى: أنه لا يجوز لنا أن نأخذ نصوص الشرع لأول وهلة حتى نردها على النصوص الأخرى وسياقاتها، وقواعد الاستدلال التي يعتمدها السلف في تفسير النصوص، ولذلك لما جاوز أهل الأهواء والبدع هذا المفهوم في التفريق بين التشابه العام والإحكام العام، وبين التشابه الخاص والإحكام الخاص، وخفيت عليهم هذه الحقيقة التي هي من أكبر الحقائق التي يجب العمل بها في تفسير القرآن والنصوص، وجهلوها وتجاهلوها، وقعوا في الخبط والخلط والأهواء والبدع في المقالات التي أدت إلى فرقتهم عن السنة والجماعة.

معنى الإحكام

قال رحمه الله تعالى: [قال الله تعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ [هود:1]، فأخبر أنه أحكم آياته كلها، وقال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزمر:23] فأخبر أنه كله متشابه.

والحكم: هو الفصل بين الشيئين، والحاكم يفصل بين الخصمين، والحكمة فصل بين المتشابهات علماً وعملاً، إذا ميز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، والنافع والضار، وذلك يتضمن فعل النافع وترك الضار، فيقال: حكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يديه، وحكمت الدابة وأحكمتها إذا جعلت لها حكمة وهو ما أحاط بالحنك من اللجام، وإحكام الشيء إتقانه، فإحكام الكلام إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره، وتمييز الرشد من الغي في أوامره.

والقرآن كله محكم بمعنى الإتقان، وقد سماه الله: حكيماً بقوله: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس:1]، فالحكيم بمعنى الحاكم.

كما جعله يقص بقوله: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل:76].

وجعله مفتياً في قوله: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ [النساء:127]، أي: ما يتلى عليكم يفتيكم فيهن.

وجعله هادياً ومبشراً في قوله: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ [الإسراء:9]].

معنى التشابه

قال رحمه الله تعالى: [وأما التشابه الذي يعمه فهو ضد الاختلاف المنفي عنه في قوله: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، وهو الاختلاف المذكور في قوله: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات:8-9].

فالتشابه هنا: هو تماثل الكلام وتناسبه، بحيث يصدق بعضه بعضاً، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، بل يأمر به أو بنظيره أو بملزوماته، وإذا نهى عن شيء لم يأمر به في موضع آخر، بل ينهى عنه أو عن نظيره أو عن ملزوماته إذا لم يكن هناك نسخ.

وكذلك إذا أخبر بثبوت شيء لم يخبر بنقيض ذلك، بل يخبر بثبوته أو ثبوت ملزوماته، وإذا أخبر بنفي شيء لم يثبته، بل ينفيه أو ينفي لوازمه، بخلاف القول المختلف الذي ينقض بعضه بعضاً، فيثبت الشيء تارة وينفيه أخرى، أو يأمر به وينهى عنه في وقت واحد، ويفرق بين المتماثلين فيمدح أحدهما ويذم الآخر، فالأقوال المختلفة هنا هي المتضادة، والمتشابهة هي المتوافقة.

وهذا التشابه يكون في المعاني وإن اختلفت الألفاظ، فإذا كانت المعاني يوافق بعضها بعضاً، ويعضد بعضها بعضاً، ويناسب بعضها بعضاً، ويشهد بعضها لبعض، ويقتضي بعضها بعضاً، كان الكلام متشابهاً بخلاف الكلام المتناقض الذي يضاد بعضه بعضاً.

فهذا التشابه العام لا ينافي الإحكام العام، بل هو مصدق له، فإن الكلام المحكم المتقن يصدق بعضه بعضاً، لا يناقض بعضه بعضاً.

بخلاف الإحكام الخاص، فإنه ضد التشابه الخاص، والتشابه الخاص هو مشابهة الشيء لغيره من وجه مع مخالفته له من وجه آخر، بحيث يشتبه على بعض الناس أنه هو أو هو مثله، وليس كذلك، والإحكام: هو الفصل بينهما بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر، وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما].

التشابه قد يكون أمراً نسبياً

قال رحمه الله تعالى: [ثم من الناس من لا يهتدي للفصل بينهما، فيكون مشتبهاً عليه، ومنهم من يهتدي إلى ذلك، فالتشابه الذي لا يتميز معه قد يكون من الأمور النسبية الإضافية، بحيث يشتبه على بعض الناس دون بعض، ومثل هذا يعرف منه أهل العلم ما يزيل عنهم هذا الاشتباه، كما إذا اشتبه على بعض الناس ما وعدوا به في الآخرة بما يشهدونه في الدنيا فظن أنه مثله، فعلم العلماء أنه ليس مثله وإن كان مشبهاً له من بعض الوجوه.

ومن هذا الباب الشبه التي يضل بها بعض الناس، وهي ما يشبه فيها الحق والباطل، حتى تشتبه على بعض الناس، ومن أوتي العلم بالفصل بين هذا وهذا لم يشتبه عليه الحق بالباطل.

والقياس الفاسد إنما هو من باب الشبهات؛ لأنه تشبيه للشيء في بعض الأمور بما لا يشبهه فيه، فمن عرف الفصل بين الشيئين اهتدى للفرق الذي يزول به الاشتباه والقياس الفاسد].

عامة الضلال من جهة التشابه

قال رحمه الله تعالى: [وما من شيئين إلا ويجتمعان في شيء، ويفترقان في شيء، فبينهما اشتباه من وجه وافتراق من وجه؛ فلهذا كان ضلال بني آدم من قبل التشابه، والقياس الفاسد لا ينضبط، كما قال الإمام أحمد: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس، فالتأويل في الأدلة السمعية والقياس في الأدلة العقلية، وهو كما قال، والتأويل الخطأ إنما يكون في الألفاظ المتشابهة، والقياس الخطأ إنما يكون في المعاني المتشابهة ].

وبهذا يتميز الفرق بين المفهوم العام للإحكام والتشابه، وبين المفهوم الخاص للإحكام والتشابه، يعني: أن القرآن كله محكم وكله متشابه، وتشابهه هو إحكام وإحكامه تشابه، لكن المعنى الخاص للإحكام والتشابه أمر آخر، وهو: أنه يرجع إلى البيان والالتباس، فبعض الناس يلتبس عليه بعض معاني الشرع، حتى الواضحة عند عموم الناس، كما جاء في قصة ذلك الرجل الذي عسر عليه فهم البدهيات، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! لا أعرف دندنتك ولا دندنة معاذ ، وإنما أسأل ربي الجنة، وأعوذ به من النار، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: حولها ندندن).

فهذا اشتبه عليه أغلب كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أصيب في الفهم، وهذا هو الاشتباه النسبي، والشيخ ذكر هذه القضية من أجل الرد على الذين قالوا: إن نصوص الصفات ونصوص القدر ونصوص العقيدة من المشتبهات، وهم يقصدون أنه ليس لها معان ولا حقائق، فهو سيقول لهم: إن قصدتم أننا لا نعلم كيفيتها فهذا حق؛ لأن كيفيتها لا يعلمها إلا الله، وإن قصدتم أنه ليس لها حقائق ولا معان فهذا ليس بصحيح، وهذا ما يريد الشيخ أن يصل إليه فيما بعد.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال رحمه الله تعالى: [قال الله تعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ [هود:1]، فأخبر أنه أحكم آياته كلها، وقال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزمر:23] فأخبر أنه كله متشابه.

والحكم: هو الفصل بين الشيئين، والحاكم يفصل بين الخصمين، والحكمة فصل بين المتشابهات علماً وعملاً، إذا ميز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، والنافع والضار، وذلك يتضمن فعل النافع وترك الضار، فيقال: حكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يديه، وحكمت الدابة وأحكمتها إذا جعلت لها حكمة وهو ما أحاط بالحنك من اللجام، وإحكام الشيء إتقانه، فإحكام الكلام إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره، وتمييز الرشد من الغي في أوامره.

والقرآن كله محكم بمعنى الإتقان، وقد سماه الله: حكيماً بقوله: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس:1]، فالحكيم بمعنى الحاكم.

كما جعله يقص بقوله: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل:76].

وجعله مفتياً في قوله: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ [النساء:127]، أي: ما يتلى عليكم يفتيكم فيهن.

وجعله هادياً ومبشراً في قوله: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ [الإسراء:9]].