خطب ومحاضرات
شرح العقيدة التدمرية [26]
الحلقة مفرغة
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ ومعلوم أن هذه الصفات الثابتة لله لا تثبت له على حد ما يثبت لمخلوق أصلاً، وهو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فلا فرق بين إثبات الذات وإثبات الصفات، فإذا لم يكن في إثبات الذات إثبات مماثلة للذوات لم يكن في إثبات الصفات إثبات مماثلة له في ذلك، فصار هؤلاء الجهمية المعطلة يجعلون هذا توحيداً، ويجعلون مقابل ذلك التشبيه، ويسمون أنفسهم (الموحدين) ].
قولهم: إن الله واحد في ذاته لا قسيم له
هذا كله من التخرصات والقول على الله بغير علم، وكله نتيجة لاستجابة مناهج الفلاسفة في طرائق تفكيرهم، ولذلك الذين وقعوا من المتكلمين في هذه المناهج كلهم تأثروا بالفلاسفة، وهم لا يجحدون ذلك، بل يعترفون ويعتزون بذلك، وهذا مما يدل على أن هذه أمور دخيلة أصلاً، فلا يمكن أن ترد في ذهن إنسان خال من المنهج الفلسفي، أو إنسان ليس عنده اتجاه فلسفي، ولم يتأثر بمناهج المتكلمين، لكن تصوراتهم عن الله عز وجل تصورات ذهنية فقط أوقعهم في هذه الأوهام والتخرصات.
وقد سبق أن أشرت إلى ذلك، وأؤكد في هذا المقام لتعرفوا فعلاً أنهم جروا الأمة إلى هذه المعارك الكلامية، بناء على تصور خاطئ عن الله سبحانه، وهو أنهم لا يرون لله وجوداً ذاتياً، وإنما يرون وجود الله وجوداً ذهنياً عقلياً فكرياً فقط، ومن هنا لما سمعوا بأسماء الله وصفاته وأفعاله صعقوا؛ لأن هذا يتنافى مع ما توهموه، فهم قد توهموا أن وجود الله مجرد وجود ذهني أو وجود عقلي أو وجود في التصور والخيال لا في الواقع، بمعنى: أنه ليس لله وجود ذاتي منفرد منفصل عن المخلوقات؛ ولذا اعتبروا من التوحيد أن الله واحد لا قسيم له، مفروض يصير هذا بديهي أصلاً، وجاءت كلمة (قسيم) لأنهم حينما اعتقدوا أن وجود الله ذهني، ثم سمعوا بالنصوص التي تؤكد أن لله وجوداً ذاتياً، وأن هذا الوجود لابد أن يكون متصفاً بصفات، اعتقدوا أن الصفات الذاتية تعني التبعيض والتجزئة، أي: أن لله أبعاضاً وأجزاء، وبالتالي سحبوا الأمر حتى على العلو والاستواء، وقالوا: هذا حركة، والحركة لا تكون إلا لشيء يتجزأ أو يتبعض أو ينتقل، والله عز وجل منزه عن الانتقال، فنفوا العلو لله عز وجل؛ لأن إثبات العلو يثبت الذات، وإثبات الذات يعني إثبات الأسماء والصفات، وهم أصلاً ينفرون من هذا، وإلا لو اعتقدوا لله وجوداً حقيقياً للزمهم عقلاً وفطرة بأنه لابد أن يتصف بصفات، لكن حينما لم يعتقدوا لله وجوداً ذاتياً صاروا ينفرون من أي شيء يثبت لله الوجود الذاتي، ومن هنا فسروا التوحيد بالتفسيرات التي تنفي أي شيء يدل على الوجود الذاتي الحقيقي، فيقولون: إن الله موجود، لكن وجود ذهني تصوري فقط، لا حقيقي واقع، ولذلك نتجت عنهم عقائد الحلول، وعقائد الاتحاد، وعقائد وحدة الوجود، وعقائد الاقتصار على المعرفة في الدين، كما نتج عنهم التعطيل والتأويل .. إلى آخر ما نتج عن ذلك الاعتقاد الخاطئ.
قال رحمه الله تعالى: [ فقد تبين أن ما يسمونه (توحيداً) فيه ما هو حق, وفيه ما هو باطل، ولو كان جميعه حقاً ].
وجه الحق: هو أنهم حينما عبروا عن الله عز وجل بأنه لا يتبعض ولا يتجزأ، وهذا حق، لكن ليست صفاته وأسماؤه الثابتة في الكتاب والسنة تتبعض وتتجزأ، فهم أصابوا في الأول وأخطئوا في الثاني، لكن خلطوا بين هذا وذاك، وهذا ناتج -كما قلت- عن تصوراتهم الخاطئة في حق الله عز وجل، فلم يقدروا الله حق قدره.
قال رحمه الله تعالى: [ فإن المشركين إذا أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم به في القرآن، وقاتلهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
كل أنواع التوحيد التي قال بها المتكلمون يقر بها المشركون، فهم لا ينكرون أن الله واحد في ذاته وفي أفعاله، وإن كانوا يناقضونها، لكن الإقرار المبدئي الفطري العقلي يقرون به، وتجد هذا في أشعارهم وفي خطبهم، بل يرتبون أمورهم فيما بينهم بهذه الأمور، فينسقون عهودهم وأحوالهم فيما بينهم بالإقرار بتوحيد الربوبية، لكن القضية هي توحيد العبادة، إذ إنهم لا يعبدون الله عز وجل، مع أن هذه هي قضية الأنبياء مع مخالفيهم، أما هذه الأمور التي يدندن حولها أهل الكلام، وتبعوا فيها الفلاسفة، وبذلوا فيها مهجهم وأوقاتهم وقصارى جهودهم، فإن القضية مفروغ منها أصلاً، ولا تحتاج إلى تقرير، فهم يكدون في خيالات وأوهام وتخرصات.
قال رحمه الله تعالى: [ وكذلك النوع الثالث، وهو قولهم: هو واحد لا قسيم له في ذاته أو لا جزء له، أو لا بعض له لفظ مجمل، فإن الله سبحانه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فيمتنع عليه أن يتفرق أو يتجزأ، أو يكون قد ركب من أجزاء، لكنهم يدرجون في هذا اللفظ نفي علوه على عرشه، ومباينته لخلقه، وامتيازه عنهم .. ونحو ذلك من المعاني المستلزمة لنفيه وتعطيله، ويجعلون ذلك من التوحيد ].
هذا كله من التخرصات والقول على الله بغير علم، وكله نتيجة لاستجابة مناهج الفلاسفة في طرائق تفكيرهم، ولذلك الذين وقعوا من المتكلمين في هذه المناهج كلهم تأثروا بالفلاسفة، وهم لا يجحدون ذلك، بل يعترفون ويعتزون بذلك، وهذا مما يدل على أن هذه أمور دخيلة أصلاً، فلا يمكن أن ترد في ذهن إنسان خال من المنهج الفلسفي، أو إنسان ليس عنده اتجاه فلسفي، ولم يتأثر بمناهج المتكلمين، لكن تصوراتهم عن الله عز وجل تصورات ذهنية فقط أوقعهم في هذه الأوهام والتخرصات.
وقد سبق أن أشرت إلى ذلك، وأؤكد في هذا المقام لتعرفوا فعلاً أنهم جروا الأمة إلى هذه المعارك الكلامية، بناء على تصور خاطئ عن الله سبحانه، وهو أنهم لا يرون لله وجوداً ذاتياً، وإنما يرون وجود الله وجوداً ذهنياً عقلياً فكرياً فقط، ومن هنا لما سمعوا بأسماء الله وصفاته وأفعاله صعقوا؛ لأن هذا يتنافى مع ما توهموه، فهم قد توهموا أن وجود الله مجرد وجود ذهني أو وجود عقلي أو وجود في التصور والخيال لا في الواقع، بمعنى: أنه ليس لله وجود ذاتي منفرد منفصل عن المخلوقات؛ ولذا اعتبروا من التوحيد أن الله واحد لا قسيم له، مفروض يصير هذا بديهي أصلاً، وجاءت كلمة (قسيم) لأنهم حينما اعتقدوا أن وجود الله ذهني، ثم سمعوا بالنصوص التي تؤكد أن لله وجوداً ذاتياً، وأن هذا الوجود لابد أن يكون متصفاً بصفات، اعتقدوا أن الصفات الذاتية تعني التبعيض والتجزئة، أي: أن لله أبعاضاً وأجزاء، وبالتالي سحبوا الأمر حتى على العلو والاستواء، وقالوا: هذا حركة، والحركة لا تكون إلا لشيء يتجزأ أو يتبعض أو ينتقل، والله عز وجل منزه عن الانتقال، فنفوا العلو لله عز وجل؛ لأن إثبات العلو يثبت الذات، وإثبات الذات يعني إثبات الأسماء والصفات، وهم أصلاً ينفرون من هذا، وإلا لو اعتقدوا لله وجوداً حقيقياً للزمهم عقلاً وفطرة بأنه لابد أن يتصف بصفات، لكن حينما لم يعتقدوا لله وجوداً ذاتياً صاروا ينفرون من أي شيء يثبت لله الوجود الذاتي، ومن هنا فسروا التوحيد بالتفسيرات التي تنفي أي شيء يدل على الوجود الذاتي الحقيقي، فيقولون: إن الله موجود، لكن وجود ذهني تصوري فقط، لا حقيقي واقع، ولذلك نتجت عنهم عقائد الحلول، وعقائد الاتحاد، وعقائد وحدة الوجود، وعقائد الاقتصار على المعرفة في الدين، كما نتج عنهم التعطيل والتأويل .. إلى آخر ما نتج عن ذلك الاعتقاد الخاطئ.
قال رحمه الله تعالى: [ فقد تبين أن ما يسمونه (توحيداً) فيه ما هو حق, وفيه ما هو باطل، ولو كان جميعه حقاً ].
وجه الحق: هو أنهم حينما عبروا عن الله عز وجل بأنه لا يتبعض ولا يتجزأ، وهذا حق، لكن ليست صفاته وأسماؤه الثابتة في الكتاب والسنة تتبعض وتتجزأ، فهم أصابوا في الأول وأخطئوا في الثاني، لكن خلطوا بين هذا وذاك، وهذا ناتج -كما قلت- عن تصوراتهم الخاطئة في حق الله عز وجل، فلم يقدروا الله حق قدره.
قال رحمه الله تعالى: [ فإن المشركين إذا أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم به في القرآن، وقاتلهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
كل أنواع التوحيد التي قال بها المتكلمون يقر بها المشركون، فهم لا ينكرون أن الله واحد في ذاته وفي أفعاله، وإن كانوا يناقضونها، لكن الإقرار المبدئي الفطري العقلي يقرون به، وتجد هذا في أشعارهم وفي خطبهم، بل يرتبون أمورهم فيما بينهم بهذه الأمور، فينسقون عهودهم وأحوالهم فيما بينهم بالإقرار بتوحيد الربوبية، لكن القضية هي توحيد العبادة، إذ إنهم لا يعبدون الله عز وجل، مع أن هذه هي قضية الأنبياء مع مخالفيهم، أما هذه الأمور التي يدندن حولها أهل الكلام، وتبعوا فيها الفلاسفة، وبذلوا فيها مهجهم وأوقاتهم وقصارى جهودهم، فإن القضية مفروغ منها أصلاً، ولا تحتاج إلى تقرير، فهم يكدون في خيالات وأوهام وتخرصات.
قال رحمه الله تعالى: [ بل لابد أن يعترفوا أنه لا إله إلا الله.
وليس المراد بـ(الإله): هو القادر على الاختراع، كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلمين، حيث ظنوا أن الإلهية هي القدرة على الاختراع دون غيره، وأن من أقر بأن الله هو القادر على الاختراع دون غيره فقد شهد أن لا إله إلا هو ].
سيذكر الشيخ قضية المشركين، وهي فعلاً دلالة على أن المشركين ما امتنعوا من لا إله إلا الله إلا لأنها تعني معنى آخر غير الإقرار بالربوبية، وحتى من الناحية اللغوية فالعرب تفقه معنى (الإله) فقهاً عاماً وفقهاً خاصاً، بمعنى: أن بعضهم يفهمها بالإجمال وهم عامة العرب، وكل من يفقه العربية إلى اليوم، أو كل إنسان عنده فقه بالعربية يعرف أن معنى (لا إله إلا الله): التأله والتعبد لله عز وجل، والانجذاب إليه سبحانه، والمحبة والرجاء والخوف والانطراح بين يديه عز وجل، وكل العرب يفهمون هذا قديماً وحديثاً، ولذلك المشركون الأوائل لم يكن عندهم في ذلك لبس؛ لأنهم يفقهونها، فمعناها اللغوي هو دلالاتها من جميع الوجوه، حتى على تعدد معانيها عند من شرحها من العرب، فتجد الذين شرحوا (الألوهية) و(الإله) عند العرب تدور معاني الشرح إلى هذا المعنى، أي: إلى التأله، والانجذاب والعبادة والتعظيم، والتوجه، والمحبة لله عز وجل، وهي غاية معنى الألوهية؛ لأن الإلهية أو الإله مأخوذ من التوله، والتوله هو الوله، والوله هو كمال المحبة، ولذلك تجد حتى عند عوام الناس يقول لك: فلان ولهان، أي: مشتاق ومنجذب إلى المحبوب.
إذاً: فأين هم عن معاني العربية؟! إن الإنسان إذا اعتقد شيئاً فإن ذلك يذهله عن البدهيات، لاسيما إذا كانت عقيدته باطلة، فإنه يعمى عن إدراك الحق خاصة الذي عليه منهج المتكلمين ومنهج أهل الأهواء والبدع، وهو أنهم يقررون شيئاً في عقولهم أو في أذهانهم أو في مناهجهم، ثم يذهبون للاستدلال له، وهذا خلاف منهج الحق، لذا فإن من سلك هذا المنهج في أصول الدين فإنه يهلك، كأن يعتقد آراء فكرة مسبقة، أو رأياً مسبقاً، ثم يذهب للاستدلال له، ولذلك فإن القاعدة الصحيحة التي عليها أهل الحق، وعليها منهج أهل السنة والجماعة هي أن تبحث عن الحق من خلال النص، لا أن تبحث عن النص الذي يؤيد رأيك؛ لأنه من هنا يأتي الهلاك، حتى فيما يجري بين المختلفين من أهل السنة، فتجد أن أغلب ما يقع فيه هؤلاء الذين وقعوا في الاختلاف هو مخالفة مناهج العلماء الراسخين في العلم، وسبب ذلك أن عندهم آراء وأهواء وتبعيات، سواء حزبية أو غير حزبية، شخصية أو عامة، فيريدون الاستدلال لها.
ولذلك يجدون من النصوص ما يكون فتنة لهم، ويجدون من أقوال العلماء ما يكون فتنة لهم، وهذا هو منهج المتكلمين الذين وضعوا في مفاهيمهم معنى لـ(لا إله إلا الله) غير المعنى الذي جاء به الشرع، وغير المعنى الذي تقتضيه لغة العرب، فوجدوا من الشبهات والمشتبهات وغرائب اللغة ما قد يدل على شبهتهم من جانب بعيد، وهذا هو موقع الفتنة.
قال رحمه الله تعالى: [ فإن المشركين كانوا يقرون بهذا وهم مشركون، كما تقدم بيانه، بل الإله الحق هو الذي يستحق بأن يعبد، فهو إله بمعنى مألوه، لا إله بمعنى آله.
والتوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له، والإشراك أن يجعل مع الله إلهاً آخر ].
نقف عند هذا الحد، والله تعالى أعلم.
استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العقيدة التدمرية [22] | 3157 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [12] | 2924 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [5] | 2917 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [9] | 2785 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [13] | 2730 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [2] | 2723 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [17] | 2723 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [3] | 2688 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [4] | 2564 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [8] | 2414 استماع |