لامية ابن الوردي [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فنكمل ما تبقى من لامية ابن الوردي عليه رحمة الله.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ اطلب العلم ولا تكسل فما أبعد الخير عن أهل الكسل

واحتفل للفقه في الدين ولا تشتغل عنه بمال أو خول

واهجر النوم وحصله فمن يعرف المطلوب يحقر ما بذل

لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل

في ازدياد العلم إرغام العدا وجمال العلم يا صاح العمل ].

فضل طلب العلم

قوله: (اطلب العلم) طلب العلم من مسائل الخير ودروبه، ومن السبل والطرق الموصلة إلى الجنة دار السلام، كما روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة )، فالعلم من الطرق السهلة المستقيمة التي توصل الإنسان إلى الجنة بأيسر السبل، وذلك أن الإنسان يعرف بها مواطن العبادة، ومواطن الخير ومواطن الشر، بخلاف العامي الذي ربما يقتصر على عبادة واحدة، فيظن أنها فيها درجة الكمال، ويقصر في هذا، ويفرط في عبادات كثيرة.

ولذلك أبو هريرة عليه رضوان الله تعالى لما حدث بقول النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك روي عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى، لما قيل له: (إن من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة)، والسبب في ذلك أن الإنسان لا يعلم ذلك الأجر والثواب الذي جعله الله عز وجل في أعمال الخير، فإذا علم أن ذلك الثواب رتبه الله على ذلك العمل فإنه يتبعه.

إذاً السبب هو العلم والثناء والخير الذي يسعى إليه الإنسان في تحصيل المعرفة، وتحصيل العلم.

والعلماء يتقدمون الناس يوم القيامة منزلة ورفعة؛ لأنهم عرفوا مواطن الشر، فتبعوا مواطن الخير وأعلى مواطن الخير التي تقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، وحذروا من مواطن الشر ومن مداخل الشيطان ووساوسه.

والعلم من أفضل العبادات، بل نافلة العلم من أفضل النوافل، بل هي أفضل النوافل على الإطلاق، وواجب العلم أفضل واجباته على الإطلاق، فلا يمكن أن تتحقق العبادة عند الإنسان إلا بمعرفتها والعلم بها، وما عدا ذلك لا يمكن للإنسان أن يتعبد بشيء لم يعلمه.

إذاً: التوحيد هو أعظم الواجبات على العباد، ثم يليه أركان الإسلام التي لا يمكن للإنسان أن يحققها أو يأتي بها إلا بعلمه بها، ولذلك كان العلم بمسائل العقائد والتوحيد هي أشرف العلوم؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم.

ترك الكسل في طلب العلم

قوله: (ولا تكسل فما أبعد الخير على أهل الكسل) لأن العلم بحاجة إلى جد واجتهاد ومثابرة، والعلم لا يمكن أن يتحقق منه الإنسان إلا بالصبر والمجالدة ومجاهدة النفس.

يقول العلماء: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، أي: حتى تتفرغ للعلم بوقتك كله، فإنه يعطيك بعضه، ولا يحصي العلم إلا الله سبحانه وتعالى، وقد جاء بعض السلف إلى عبد الله بن عباس وسأله عن علمٍ مسألة ما فقال: لا أعلمها، فاستغرب، فقال له ابن عباس : أو كل العلم تعلم؟ قال: لا، قال: ونصفه؟ قال: نعم. قال: عدها من النصف الذي لا تعلمه)، فالإنسان لا يمكن أن يحيط بعلم الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل قد وسع علمه كل شيء.

الحرص على الفقه في الدين

قوله: (واحتفل للفقه في الدين ولا تشتغل عنه بمال وخول) التفقه في الدين هو من طلب العلم، والمراد بالتفقه بالدين هو معرفة الحلال والحرام، ولذلك يسمى الفقه في الدين والعلم بالذكر، فإذا أطلق الذكر في الكتاب والسنة فالمراد به الفقه، وليس المراد به التذكير بالمواعظ، أو ذكر الله عز وجل التي يلهج بها الإنسان بين فينة وأخرى، وفي ذلك يقول عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى: (الذكر ذكر الله؛ كيف تصلي؟ كيف تصوم؟ كيف تتصدق؟)، وروي عن عطاء كما رواه أبو نعيم في كتاب الحلية، قال: (ذكر الله هو كيف تطلق وكيف تنكح وكيف تتزوج) لا كما يقول القصاص.

ويقول النبي عليه الصلاة والسلام كما روى الترمذي في سننه بإسناد فيه ضعف: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر )، والمراد بحلق الذكر هي الفقه والتعليم، ومعرفة الحلال والحرام.

ويقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )، والمراد بروضة من رياض الجنة أنها سبب في دخول الجنة، وذلك أن ذلك الموطن كان النبي عليه الصلاة والسلام يعلم فيه أصحابه، وللعلماء في هذا المعنى قولان:

فذهب الجمهور إلى أن المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )، أن المراد أن هذا الموطن إما أن ينقل إلى الجنة، وإما أن يكون ذلك موطن مبارك، فيستحب فيه العبادة.

وذهب جماعة من المحققين وهو قول ابن القيم كما نبه عليه في كتاب الجواب الكافي، و هو قول ابن عبد البر عليه رحمة الله تعالى في الاستذكار والتمهيد إلى أن المراد بذلك روضة من رياض الجنة، وهو نظير قوله عليه الصلاة والسلام: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر ).

إذاً: ما بين منبر النبي عليه الصلاة والسلام وبيته روضة من رياض الجنة، أي: ذلك الموطن هو الذي يعلم فيه النبي عليه الصلاة والسلام الحلال والحرام، وتلك البقع على المسلم أن يحرص عليها، فهي روضة من رياض الجنة، أي: للتعليم، وسبب لدخول الجنة، ومعرفة الحلال والحرام.

وفي تلك اللحظة لا يتعبد الله عز وجل فيها بميزة تختلف عما يليها، ومثلها كسائر بقاع المسجد النبوي.

والنبي عليه الصلاة والسلام قد امتدح من فقه في دين الله سبحانه وتعالى؛ فقال عليه الصلاة والسلام: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، كما في حديث معاوية في الصحيحين. والمراد من ذلك أن الله عز وجل إذا أراد بعبده الخيرية صرفه إلى العلم والتفقه في الحلال والحرام، وإذا أراد به سوءاً وشراً أبعده عن العلم ومعرفة الحلال والحرام، وانشغل بالترهات، وبعد عن دين الله سبحانه وتعالى، وهذا مفهوم دلالة ومفهوم مخالفة.

هجران النوم

قوله: (واهجر النوم وحصله فمن يعرف المطلوب يحقر ما بذل) أي: لا بد للإنسان حينما يريد أن ينال مناله من العلم والمعرفة أن يهجر ضد ذلك، من النوم والكسل والراحة والدعة، وفي ذلك يقول الشاعر:

لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله لن تنال المجد حتى تلعق الصبر

أي: لا بد أن يمر عليك من الألم والتجرع وهجران المضاجع ونحو ذلك حتى تنال الرفعة والمنزلة العالية عند الله سبحانه وتعالى، وتبتعد عن لذائذ الدنيا، ويقول الشاعر:

لا تركنن أن تعود سهر الليل فإن النوم خسران

لا تركنن إلى الذنب فإن الذنب نيران

طلب العلم حتى في الكبر

قوله: (لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل) أي: لا تقل قد فاتك العلم، فالعلم يطلب في كل حين حتى على الكبر، و البخاري ترجم في صحيحه في كتابين، قال: باب تعلم العلم في الكبر، ثم قال: وقد تعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كبر سنهم، أبو بكر تعلم وتفقه، و عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى، كلهم قد بلغوا المشيب، وحينما دخلوا الإسلام وأصبحوا من الفقهاء في الإسلام، و معاذ بن جبل من أعلم الناس بالحلال والحرام، ويأتي يوم القيامة أمام العلماء برتوة، وهو من كبار السن كذلك.

والعلم لا يحصره زمن ولا وقت ولا سن معين، وقد جاء عن غير واحد من أئمة الإسلام أنهم تعلموا في الكبر، فـابن حزم الأندلسي ابتدأ العلم بعد الأربعين، وقد برع في ذلك حتى أصبح من أذكياء الدنيا، كما سماه شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله.

ومن أعظم مداخل الشيطان على طالب العلم أن يقنطه من الحصول على مناله في العلم والمعرفة، كمضي العمر وتمكن من هو دونه في العلم، وتقصيره في ذلك، وربما ضعف في عقله أو ضعف في فهمه، وعدم تدبره أو عدم حفظه ونحو ذلك، وعقول الناس كلها واحدة، والله عز وجل خلق الناس على أحسن تقويم، فهم يتفاوتون، فمن ربى نفسه على الفهم والحفظ فإنه يكون من أهل الفهم والحفظ، ومن رباها على غير ذلك فإنه يكون من دون ذلك، والإنسان إذا اعتاد على الحفظ والمدارسة والفهم فإنه يكون من أهل الفهم والذكاء، وإذا ربى نفسه على غير ذلك فإن النفس توطن وتساس بحسب ما يسوسها به صاحبها.

ثمرة العلم

وقوله: (في ازدياد العلم إرغام العدا وجمال العلم إصلاح العمل) أي: حينما يكون الإنسان متعلماً فلا شك أن في ذلك إرغاماً لحاسديه، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود قال: ( لا حسد إلا في اثنتين )، أي: إن كان ثمة حسد يستحق أن يحسد عليه الإنسان: ( رجل آتاه الله علماً فهو يقضي به بين الناس ويعلمه، ورجل آتاه الله مالاً ..) إلى آخر الخبر، لكن الشاهد من هذا مسألة العلم، فإنه هو الذي ينبغي أن يحسد عليه، والناس يحسدون الإنسان على العلم ومعرفة مواطن الخير ونحو ذلك، والعالم يهاب، لأنه صاحب معرفة، فلا يمكن أن يدلس عليه، سواءً كان معرفة بحال الدنيا أو معرفة بأحوال الشرع ومعرفة الحلال والحرام، فكلما تمكن في الأمر صعب الدخول عليه من هذا الباب، سواءً في أمور البيع والشراء، فإن تمكن من ذلك فإنه لا يخدع، ولذلك يقول عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى كما روى الترمذي في السنن: (لا يبع في سوقنا إلا من قد فقه في ديننا)؛ لكي لا يقع في ما يخالف الشرع.

قوله: (اطلب العلم) طلب العلم من مسائل الخير ودروبه، ومن السبل والطرق الموصلة إلى الجنة دار السلام، كما روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة )، فالعلم من الطرق السهلة المستقيمة التي توصل الإنسان إلى الجنة بأيسر السبل، وذلك أن الإنسان يعرف بها مواطن العبادة، ومواطن الخير ومواطن الشر، بخلاف العامي الذي ربما يقتصر على عبادة واحدة، فيظن أنها فيها درجة الكمال، ويقصر في هذا، ويفرط في عبادات كثيرة.

ولذلك أبو هريرة عليه رضوان الله تعالى لما حدث بقول النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك روي عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى، لما قيل له: (إن من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة)، والسبب في ذلك أن الإنسان لا يعلم ذلك الأجر والثواب الذي جعله الله عز وجل في أعمال الخير، فإذا علم أن ذلك الثواب رتبه الله على ذلك العمل فإنه يتبعه.

إذاً السبب هو العلم والثناء والخير الذي يسعى إليه الإنسان في تحصيل المعرفة، وتحصيل العلم.

والعلماء يتقدمون الناس يوم القيامة منزلة ورفعة؛ لأنهم عرفوا مواطن الشر، فتبعوا مواطن الخير وأعلى مواطن الخير التي تقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، وحذروا من مواطن الشر ومن مداخل الشيطان ووساوسه.

والعلم من أفضل العبادات، بل نافلة العلم من أفضل النوافل، بل هي أفضل النوافل على الإطلاق، وواجب العلم أفضل واجباته على الإطلاق، فلا يمكن أن تتحقق العبادة عند الإنسان إلا بمعرفتها والعلم بها، وما عدا ذلك لا يمكن للإنسان أن يتعبد بشيء لم يعلمه.

إذاً: التوحيد هو أعظم الواجبات على العباد، ثم يليه أركان الإسلام التي لا يمكن للإنسان أن يحققها أو يأتي بها إلا بعلمه بها، ولذلك كان العلم بمسائل العقائد والتوحيد هي أشرف العلوم؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم.

قوله: (ولا تكسل فما أبعد الخير على أهل الكسل) لأن العلم بحاجة إلى جد واجتهاد ومثابرة، والعلم لا يمكن أن يتحقق منه الإنسان إلا بالصبر والمجالدة ومجاهدة النفس.

يقول العلماء: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، أي: حتى تتفرغ للعلم بوقتك كله، فإنه يعطيك بعضه، ولا يحصي العلم إلا الله سبحانه وتعالى، وقد جاء بعض السلف إلى عبد الله بن عباس وسأله عن علمٍ مسألة ما فقال: لا أعلمها، فاستغرب، فقال له ابن عباس : أو كل العلم تعلم؟ قال: لا، قال: ونصفه؟ قال: نعم. قال: عدها من النصف الذي لا تعلمه)، فالإنسان لا يمكن أن يحيط بعلم الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل قد وسع علمه كل شيء.

قوله: (واحتفل للفقه في الدين ولا تشتغل عنه بمال وخول) التفقه في الدين هو من طلب العلم، والمراد بالتفقه بالدين هو معرفة الحلال والحرام، ولذلك يسمى الفقه في الدين والعلم بالذكر، فإذا أطلق الذكر في الكتاب والسنة فالمراد به الفقه، وليس المراد به التذكير بالمواعظ، أو ذكر الله عز وجل التي يلهج بها الإنسان بين فينة وأخرى، وفي ذلك يقول عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى: (الذكر ذكر الله؛ كيف تصلي؟ كيف تصوم؟ كيف تتصدق؟)، وروي عن عطاء كما رواه أبو نعيم في كتاب الحلية، قال: (ذكر الله هو كيف تطلق وكيف تنكح وكيف تتزوج) لا كما يقول القصاص.

ويقول النبي عليه الصلاة والسلام كما روى الترمذي في سننه بإسناد فيه ضعف: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر )، والمراد بحلق الذكر هي الفقه والتعليم، ومعرفة الحلال والحرام.

ويقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )، والمراد بروضة من رياض الجنة أنها سبب في دخول الجنة، وذلك أن ذلك الموطن كان النبي عليه الصلاة والسلام يعلم فيه أصحابه، وللعلماء في هذا المعنى قولان:

فذهب الجمهور إلى أن المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )، أن المراد أن هذا الموطن إما أن ينقل إلى الجنة، وإما أن يكون ذلك موطن مبارك، فيستحب فيه العبادة.

وذهب جماعة من المحققين وهو قول ابن القيم كما نبه عليه في كتاب الجواب الكافي، و هو قول ابن عبد البر عليه رحمة الله تعالى في الاستذكار والتمهيد إلى أن المراد بذلك روضة من رياض الجنة، وهو نظير قوله عليه الصلاة والسلام: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر ).

إذاً: ما بين منبر النبي عليه الصلاة والسلام وبيته روضة من رياض الجنة، أي: ذلك الموطن هو الذي يعلم فيه النبي عليه الصلاة والسلام الحلال والحرام، وتلك البقع على المسلم أن يحرص عليها، فهي روضة من رياض الجنة، أي: للتعليم، وسبب لدخول الجنة، ومعرفة الحلال والحرام.

وفي تلك اللحظة لا يتعبد الله عز وجل فيها بميزة تختلف عما يليها، ومثلها كسائر بقاع المسجد النبوي.

والنبي عليه الصلاة والسلام قد امتدح من فقه في دين الله سبحانه وتعالى؛ فقال عليه الصلاة والسلام: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، كما في حديث معاوية في الصحيحين. والمراد من ذلك أن الله عز وجل إذا أراد بعبده الخيرية صرفه إلى العلم والتفقه في الحلال والحرام، وإذا أراد به سوءاً وشراً أبعده عن العلم ومعرفة الحلال والحرام، وانشغل بالترهات، وبعد عن دين الله سبحانه وتعالى، وهذا مفهوم دلالة ومفهوم مخالفة.

قوله: (واهجر النوم وحصله فمن يعرف المطلوب يحقر ما بذل) أي: لا بد للإنسان حينما يريد أن ينال مناله من العلم والمعرفة أن يهجر ضد ذلك، من النوم والكسل والراحة والدعة، وفي ذلك يقول الشاعر:

لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله لن تنال المجد حتى تلعق الصبر

أي: لا بد أن يمر عليك من الألم والتجرع وهجران المضاجع ونحو ذلك حتى تنال الرفعة والمنزلة العالية عند الله سبحانه وتعالى، وتبتعد عن لذائذ الدنيا، ويقول الشاعر:

لا تركنن أن تعود سهر الليل فإن النوم خسران

لا تركنن إلى الذنب فإن الذنب نيران

قوله: (لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل) أي: لا تقل قد فاتك العلم، فالعلم يطلب في كل حين حتى على الكبر، و البخاري ترجم في صحيحه في كتابين، قال: باب تعلم العلم في الكبر، ثم قال: وقد تعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كبر سنهم، أبو بكر تعلم وتفقه، و عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى، كلهم قد بلغوا المشيب، وحينما دخلوا الإسلام وأصبحوا من الفقهاء في الإسلام، و معاذ بن جبل من أعلم الناس بالحلال والحرام، ويأتي يوم القيامة أمام العلماء برتوة، وهو من كبار السن كذلك.

والعلم لا يحصره زمن ولا وقت ولا سن معين، وقد جاء عن غير واحد من أئمة الإسلام أنهم تعلموا في الكبر، فـابن حزم الأندلسي ابتدأ العلم بعد الأربعين، وقد برع في ذلك حتى أصبح من أذكياء الدنيا، كما سماه شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله.

ومن أعظم مداخل الشيطان على طالب العلم أن يقنطه من الحصول على مناله في العلم والمعرفة، كمضي العمر وتمكن من هو دونه في العلم، وتقصيره في ذلك، وربما ضعف في عقله أو ضعف في فهمه، وعدم تدبره أو عدم حفظه ونحو ذلك، وعقول الناس كلها واحدة، والله عز وجل خلق الناس على أحسن تقويم، فهم يتفاوتون، فمن ربى نفسه على الفهم والحفظ فإنه يكون من أهل الفهم والحفظ، ومن رباها على غير ذلك فإنه يكون من دون ذلك، والإنسان إذا اعتاد على الحفظ والمدارسة والفهم فإنه يكون من أهل الفهم والذكاء، وإذا ربى نفسه على غير ذلك فإن النفس توطن وتساس بحسب ما يسوسها به صاحبها.

وقوله: (في ازدياد العلم إرغام العدا وجمال العلم إصلاح العمل) أي: حينما يكون الإنسان متعلماً فلا شك أن في ذلك إرغاماً لحاسديه، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود قال: ( لا حسد إلا في اثنتين )، أي: إن كان ثمة حسد يستحق أن يحسد عليه الإنسان: ( رجل آتاه الله علماً فهو يقضي به بين الناس ويعلمه، ورجل آتاه الله مالاً ..) إلى آخر الخبر، لكن الشاهد من هذا مسألة العلم، فإنه هو الذي ينبغي أن يحسد عليه، والناس يحسدون الإنسان على العلم ومعرفة مواطن الخير ونحو ذلك، والعالم يهاب، لأنه صاحب معرفة، فلا يمكن أن يدلس عليه، سواءً كان معرفة بحال الدنيا أو معرفة بأحوال الشرع ومعرفة الحلال والحرام، فكلما تمكن في الأمر صعب الدخول عليه من هذا الباب، سواءً في أمور البيع والشراء، فإن تمكن من ذلك فإنه لا يخدع، ولذلك يقول عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى كما روى الترمذي في السنن: (لا يبع في سوقنا إلا من قد فقه في ديننا)؛ لكي لا يقع في ما يخالف الشرع.

قال المصنف رحمه الله:

[ جمل المنطق بالنحو فمن يحرم الإعراب بالنطق اختبل].

النحو للكلام كالملح للطعام، فهو الذي يحلي الكلام، وينبغي لطالب العلم أن يحلي كلامه بالنحو.

والنحو هو استقامة آخر الكلام، ويدخل في النحو باب الإعراب وباب الصرف، والصرف هو ضبط أواسط الكلم وأوله، والإعراب هو ضبط آخر الكلم، وكله من النحو.

والنحو علم لا يقبل التوسع، فقواعده مضبوطة، ولا يمكن أن يوسع بخلاف سائر العلوم كعلوم الآلة من علم الأصول والأدب ونحو ذلك التي تتوسع بتوسع الناس، أما علوم اللغة وخاصة علم النحو فلا يمكن أن يتوسع، فهو قواعد معلومة ولا يمكن أن تتعدد، ولا يبالغ الإنسان فيه فيغلب على كلامه التقعر والتكلف ونحو ذلك، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، ونهى كذلك عن المبالغة في السجع، وقد سماه عليه الصلاة والسلام ضرباً من ضروب السحر.

قال المصنف رحمه الله:

[انظم الشعر ولازم مذهبي في اطراح الرفد في الدنيا أقل

فهو عنوان على الفضل وما أحسن الشعر إذا لم يبتذل]

الحث على نظم الشعر الرفيع

هنا يحث المصنف على نظم الشعر، ونظم الشعر من وجوه الأدب، فإن الإنسان الذي ينظم الشعر يكون صاحب ذوق رفيع، إلا أن النزول في الشعر والسعي في ابتذاله والإكثار منه ونحو ذلك مما يذم فيه الإنسان، كقول الشعر المذموم الذي فيه إسفاف وإسقاط، ولذلك قال: (ولازم مذهبي في اطراح الرفد) فيطرح الإنسان تلك المعاني الساقطة من معاني الشعر ونحو ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيح: ( لأن يمتلئ صدر أحدكم أو جوف أحدكم قيحاً وصديداً خير له من أن يمتلئ شعراً )، والمراد بالشعر هنا هو الشعر الساقط السافل، الذي لا معنى خير فيه، بل هو معنى شر، كالهجاء والغزل الفاحش ونحو ذلك، فهذا من الشعر الساقط.

ولا زال العلماء من العصر الأول يشعرون، لكنهم لا يشعرون في المعاني القبيحة، يقول الإمام الشافعي عليه رحمة الله:

لولا أن الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد

ولولا خشية الرحمن ربي ظننت الناس كلهم عبيد

وذلك أن الشاعر كلما بلغ بشعره منزلة رفيعة وقع فيه من الكبر والغطرسة والرفعة عن الناس؛ لأنه يملك لساناً سليطاً يهجو به فلاناً وفلاناً، ويقع في نفسه من الكبر على الناس ، و الشافعي قد استنبط من هذا المعنى أن ترك المبالغة في الشعر من صفات العلماء، وهو من شعراء العرب ومن أئمة اللغة عليه رحمة الله، وقد جمع بين العروبة وصلة النسب، فهو مطلبي عليه رحمة الله.

فضيلة الشعر

قوله: (فهو عنوان على الفضل) لأنه من الأدب، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يسمع الشعر ولم ينظمه لحكمة بالغة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لو كان شاعراً لاتهم بوضع القرآن، وقد نفى الله عز وجل عنه ذلك، وقال بعضهم: إن النبي عليه الصلاة والسلام يتمثل بالشعر، لكنه لا يشعر، وهذا وارد، لكنه ليس بشاعر عليه الصلاة والسلام، ومن قال ذلك فقد خالف ظاهر القرآن، وهذا كفر بالله سبحانه وتعالى، والله عز وجل نفى عنه أنه يكون ساحراً، لكنه يقول الكلام السجع، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب )، وقال أبو سفيان للنبي عليه الصلاة والسلام: (العزى لنا ولا عزى لكم)، فقال النبي عليه الصلاة والسلام راداً عليه في يوم أحد على السجع، قال: ( الله مولانا، ولا مولى لكم ).

ولا زال الشعر علامة على أهل الفضل إذا لم يكن ذلك فيه إسفاف، ولا يزال يحفظ من كلام السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام كالإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام مالك وغيرهم.

أحسن الشعر

قوله: (وما أحسن الشعر إذا لم يبتذل) أي: إذا لم يطلب به شيء من الدنيا، أو كان فيه مذمة، كأن يطعن في الناس ويقدح فيهم، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)) [الشعراء:224]، وهذا هو الأصل فيهم؛ لأنهم يملكون من السحر بالكلام، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن من البيان لسحراً ).

هنا يحث المصنف على نظم الشعر، ونظم الشعر من وجوه الأدب، فإن الإنسان الذي ينظم الشعر يكون صاحب ذوق رفيع، إلا أن النزول في الشعر والسعي في ابتذاله والإكثار منه ونحو ذلك مما يذم فيه الإنسان، كقول الشعر المذموم الذي فيه إسفاف وإسقاط، ولذلك قال: (ولازم مذهبي في اطراح الرفد) فيطرح الإنسان تلك المعاني الساقطة من معاني الشعر ونحو ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيح: ( لأن يمتلئ صدر أحدكم أو جوف أحدكم قيحاً وصديداً خير له من أن يمتلئ شعراً )، والمراد بالشعر هنا هو الشعر الساقط السافل، الذي لا معنى خير فيه، بل هو معنى شر، كالهجاء والغزل الفاحش ونحو ذلك، فهذا من الشعر الساقط.

ولا زال العلماء من العصر الأول يشعرون، لكنهم لا يشعرون في المعاني القبيحة، يقول الإمام الشافعي عليه رحمة الله:

لولا أن الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد

ولولا خشية الرحمن ربي ظننت الناس كلهم عبيد

وذلك أن الشاعر كلما بلغ بشعره منزلة رفيعة وقع فيه من الكبر والغطرسة والرفعة عن الناس؛ لأنه يملك لساناً سليطاً يهجو به فلاناً وفلاناً، ويقع في نفسه من الكبر على الناس ، و الشافعي قد استنبط من هذا المعنى أن ترك المبالغة في الشعر من صفات العلماء، وهو من شعراء العرب ومن أئمة اللغة عليه رحمة الله، وقد جمع بين العروبة وصلة النسب، فهو مطلبي عليه رحمة الله.