خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/57"> الشيخ ناصر العقل . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/57?sub=34167"> شرح العقيدة التدمرية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح العقيدة التدمرية [2]
الحلقة مفرغة
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ والله سبحانه بعث رسله بإثبات مفصل ونفي مجمل، فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل، ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل، كما قال تعالى: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، قال أهل اللغة: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] أي: نظيراً يستحق مثل اسمه، ويقال: مسامياً يساميه، وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] مثيلاً أو شبيهاً ].
الإثبات المفصل يتمثل بما جاء تعداده من الأسماء الحسنى لله عز وجل، ومن صفات الكمال والأفعال لله عز وجل، وهذا قد ورد تفصيله في الكتاب والسنة، وهذا يسمى إثباتاً مفصلاً، ولذلك لابد من الإشارة إلى أمر مهم في مثل هذا المقام، وهو: أن الكتاب والسنة -أي: ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قد اشتملا على صفات الكمال المطلق لله عز وجل، بما لا يحتاج البشر معه إلى تقرير أسماء وصفات لله من عند أنفسهم، نعم أسماء الله وصفاته لا تحصى ولا تعد، وليست محصورة فيما ذكره لنا، لكن ما ذكره الله عز وجل من أسماء وصفاته، وما ذكره له رسوله صلى الله عليه وسلم من أسمائه وصفاته تشمل كل كمال يمكن أن يرد على ذهن بشر، بل يمكن أن يخطر على بال مخلوق، وكل كمال يمكن أيضاً أن ينطق به البشر على أي لغة؛ لأن كل ما جاء في الكتاب والسنة يشمل هذا الكمال وزيادة، بمعنى: أن أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة تتضمن كل كمال يمكن أن يرد في أذهان المخلوقات، وعلى ألسنة البشر بأي لغة، وعلى هذا فهم ليسوا بحاجة إلى تقرير اسم أو وصف جديد لله عز وجل، ويتفرع عن هذا الأصل أصل آخر، وهو: أنه لو افترضنا أن أحداً قال: أنا أعرف من الكمالات ما لم يرد في الكتاب والسنة، فنقول له: هات ما عندك، فلو جاء من عنده بوصف كمال فلابد أن يرجع هذا الوصف إلى ما ورد في الكتاب والسنة، بمعنى: أن الألفاظ الجوامع في أسماء الله وصفاته لابد أن تتضمن كل ما يرد على أذهان البشر وزيادة، يعني: أنها تفي بما يرد على أذهان البشر وزيادة، بل لله من الأسماء ما يمكن أن يجمع جميع الكمالات، مثل: اسم الجلالة: (الله)، و(الحي القيوم) و(ذو الجلال والإكرام)، و(العلي العظيم)، ونحو ذلك من الأسماء التي تشمل كل كمال.
منتهى الكمال في أسماء الله تعالى وصفاته
الأول: كمال العلم، فالله عز وجل بكل شيء عليم، وقد ورد من أسمائه وصفاته الدالة على كمال العلم ما لا يمكن أن يأتي البشر بأفضل منه.
الثاني: كمال القدرة، فالله عز وجل على كل شيء قدير، وكل ما يمكن أن يرد في أذهان الناس من وصف كمال القدرة فقد تضمنته أسماء الله وصفاته في الكتاب والسنة.
الثالث: كمال الغنى، فالله عز وجل هو الغني، وكل العباد مفتقرون إليه، ولا يمكن للبشر أن يأتوا بوصف يدل على كمال الغنى أفضل مما ورد في الكتاب والسنة، وعلى هذا فإن ألفاظ الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته كافية لتتضمن كل كمال ممكن أن يرد على أذهان البشر وفي لغاتهم، ومن هنا لا يحتج محتج أو يدعي مدع أنه بحاجة إلى أن يقرر لله من الأسماء والصفات ما لم يرد في الكتاب والسنة، وكما قلت: بأن الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة ليست حاصرة لكمال الله، فلله من الكمال ما لا تحيط به العقول، وقد ورد ذلك في كثير من الأحاديث، مثل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، أي: أن الله قد استأثر في علم الغيب من الكمال له، والأسماء والصفات ما لم يرد في الكتاب والسنة؛ لأنها فوق مدارك البشر.
وكذلك ما ورد في حديث الشفاعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سيدعو الله في ذلك الموقف العظيم بمحامد يلهمه إياها لم يكن يعرفها في الدنيا، ولاشك أن كمال الله لا يحاط به.
إذاً: بعث الله رسله بإثبات مفصل، فقد فصل الله من أسمائه وصفاته ما فيه الكمال المطلق مما تدركه مدارك البشر، وما لا تدركه مما حجب عنها أعظم وأكثر مما ورد، والله أعلم.
وأما النفي المجمل، فيعني: نفي النقائص عن الله عز وجل، مثل قوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فيدخل فيه نفي كل ما يمكن أن يتصور ويرد من النقائص، ومثل قوله عز وجل: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]، نفي مجمل لجميع النقائص، ولا نحتاج إلى أن نفصل كما تفعل الفلاسفة وأهل الكلام، فتكثر من كلمة: (لا) في أوصاف الله عز وجل، فيقولون: لا كذا ولا كذا، ولا يفعل كذا ولا كذا، وهذه كلها إساءة أدب مع الله عز وجل، فالله عز وجل يكفي في تنزيهه بالنفي المجمل الذي ورد في الكتاب والسنة، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]، لكن قد يقول قائل: ألم يرد نفي نقائص في القرآن والسنة غير هذه؟ والجواب: نعم، قد ورد نفي النقائص التي وردت في عقائد أهل الباطل، ولذلك لا أعرف أن هناك نفياً لم يرد ضد اعتقاد باطل على ألسنة البشر من المشركين والمنافقين والضالين، وكل ما ورد نفيه مما اعتقده أهل الباطل في الله عز وجل هو من النقائص، ولذلك تكفي هذه المجملات، وأما الأسماء والصفات فقد جاءت مفصلة كما هو معلوم.
التفصيل في نفي المشابهة عن الله عز وجل دون المماثلة
والجواب: نعم، لم يرد نفي المشابهة في القرآن، وإنما ورد نفي المماثلة فقال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، وقال: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]، فنفى المماثلة ونفى الكفؤ، وبقيت مسألة التشبيه، فلم يرد نفي التشبيه في الكتاب ولا في السنة، ولذلك قال السلف: مسألة التشبيه من الألفاظ المجملة التي ضلت بها كثير من الفرق، فالمشبهة وقعوا في التشبيه بدعوى أن الله عز وجل لم ينف التشبيه، لكنه نفى المماثلة، فقالوا: يجوز أن نشبه صفات الخالق بصفات المخلوق تشبيهاً مطلقاً، وهؤلاء كفروا، وصنف آخر: بالغوا في نفي التشبيه، وأدخلوا فيه ما ليس منه، وجعلوا إثبات الصفات من التشبيه، زعماً منهم أنه لا يمكن أن نثبت الأسماء والصفات إلا ونقع في المشابهة، ومن هنا نفوا الأسماء والصفات، وهؤلاء ضلوا عن الحق.
إذاً: من نفى التشبيه بقصد نفي المماثلة مطلقاً فهذا هو الحق، ومن نفى المشابهة بقصد المشابهة اللفظية فنقول: لا؛ لأن هذه لابد أن نأخذها على قواعد الشرع، فمثلاً: لو قال: أنا أنفي أن يكون الله سميعاً بصيراً؛ لأن السمع والبصر من صفات المخلوقين، وهذه مشابهة، فأنا أنفي السمع والبصر؛ لأنها توقع في المشابهة، فنقول: لا؛ لأن المشابهة الحقيقية غير واردة، فالله عز وجل له من الصفات ما يليق بجلاله، مثل: السمع والبصر، بينما سمع وبصر المخلوقات يليق بضعفها ونقصها، ووجود التشابه اللفظي بين صفات الله وصفات المخلوقين ليس تمثيلاً وليس تشبيهاً من جميع الوجوه، وإنما هو تشابه لفظي، وعلى هذا لابد من التفصيل: فالتشابه اللفظي واقع، لكن لا يدل على تشابه في الكيفية؛ لأن التشابه في الكيفية ممنوع.
والخلاصة: إن قصد بنفي التشبيه نفي المماثلة فنعم؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وإن قصد نفي المشابهة فهذا فيه تفصيل، فالمشابهة اللفظية واردة، ولا دخل لها في حقائق الأمور ولا في الكيفيات، أما المشابهة الكيفية فهي غير واردة.
ومنتهى الكمال يرجع إلى ثلاثة أمور:
الأول: كمال العلم، فالله عز وجل بكل شيء عليم، وقد ورد من أسمائه وصفاته الدالة على كمال العلم ما لا يمكن أن يأتي البشر بأفضل منه.
الثاني: كمال القدرة، فالله عز وجل على كل شيء قدير، وكل ما يمكن أن يرد في أذهان الناس من وصف كمال القدرة فقد تضمنته أسماء الله وصفاته في الكتاب والسنة.
الثالث: كمال الغنى، فالله عز وجل هو الغني، وكل العباد مفتقرون إليه، ولا يمكن للبشر أن يأتوا بوصف يدل على كمال الغنى أفضل مما ورد في الكتاب والسنة، وعلى هذا فإن ألفاظ الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته كافية لتتضمن كل كمال ممكن أن يرد على أذهان البشر وفي لغاتهم، ومن هنا لا يحتج محتج أو يدعي مدع أنه بحاجة إلى أن يقرر لله من الأسماء والصفات ما لم يرد في الكتاب والسنة، وكما قلت: بأن الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة ليست حاصرة لكمال الله، فلله من الكمال ما لا تحيط به العقول، وقد ورد ذلك في كثير من الأحاديث، مثل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، أي: أن الله قد استأثر في علم الغيب من الكمال له، والأسماء والصفات ما لم يرد في الكتاب والسنة؛ لأنها فوق مدارك البشر.
وكذلك ما ورد في حديث الشفاعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سيدعو الله في ذلك الموقف العظيم بمحامد يلهمه إياها لم يكن يعرفها في الدنيا، ولاشك أن كمال الله لا يحاط به.
إذاً: بعث الله رسله بإثبات مفصل، فقد فصل الله من أسمائه وصفاته ما فيه الكمال المطلق مما تدركه مدارك البشر، وما لا تدركه مما حجب عنها أعظم وأكثر مما ورد، والله أعلم.
وأما النفي المجمل، فيعني: نفي النقائص عن الله عز وجل، مثل قوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فيدخل فيه نفي كل ما يمكن أن يتصور ويرد من النقائص، ومثل قوله عز وجل: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]، نفي مجمل لجميع النقائص، ولا نحتاج إلى أن نفصل كما تفعل الفلاسفة وأهل الكلام، فتكثر من كلمة: (لا) في أوصاف الله عز وجل، فيقولون: لا كذا ولا كذا، ولا يفعل كذا ولا كذا، وهذه كلها إساءة أدب مع الله عز وجل، فالله عز وجل يكفي في تنزيهه بالنفي المجمل الذي ورد في الكتاب والسنة، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]، لكن قد يقول قائل: ألم يرد نفي نقائص في القرآن والسنة غير هذه؟ والجواب: نعم، قد ورد نفي النقائص التي وردت في عقائد أهل الباطل، ولذلك لا أعرف أن هناك نفياً لم يرد ضد اعتقاد باطل على ألسنة البشر من المشركين والمنافقين والضالين، وكل ما ورد نفيه مما اعتقده أهل الباطل في الله عز وجل هو من النقائص، ولذلك تكفي هذه المجملات، وأما الأسماء والصفات فقد جاءت مفصلة كما هو معلوم.
كما قد يقول قائل أيضاً: إن الله عز وجل قد نفى المماثلة ولم ينف التشبيه، وعليه فيجوز أن يشبه الخالق بالمخلوق، فما رأيكم؟
والجواب: نعم، لم يرد نفي المشابهة في القرآن، وإنما ورد نفي المماثلة فقال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، وقال: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]، فنفى المماثلة ونفى الكفؤ، وبقيت مسألة التشبيه، فلم يرد نفي التشبيه في الكتاب ولا في السنة، ولذلك قال السلف: مسألة التشبيه من الألفاظ المجملة التي ضلت بها كثير من الفرق، فالمشبهة وقعوا في التشبيه بدعوى أن الله عز وجل لم ينف التشبيه، لكنه نفى المماثلة، فقالوا: يجوز أن نشبه صفات الخالق بصفات المخلوق تشبيهاً مطلقاً، وهؤلاء كفروا، وصنف آخر: بالغوا في نفي التشبيه، وأدخلوا فيه ما ليس منه، وجعلوا إثبات الصفات من التشبيه، زعماً منهم أنه لا يمكن أن نثبت الأسماء والصفات إلا ونقع في المشابهة، ومن هنا نفوا الأسماء والصفات، وهؤلاء ضلوا عن الحق.
إذاً: من نفى التشبيه بقصد نفي المماثلة مطلقاً فهذا هو الحق، ومن نفى المشابهة بقصد المشابهة اللفظية فنقول: لا؛ لأن هذه لابد أن نأخذها على قواعد الشرع، فمثلاً: لو قال: أنا أنفي أن يكون الله سميعاً بصيراً؛ لأن السمع والبصر من صفات المخلوقين، وهذه مشابهة، فأنا أنفي السمع والبصر؛ لأنها توقع في المشابهة، فنقول: لا؛ لأن المشابهة الحقيقية غير واردة، فالله عز وجل له من الصفات ما يليق بجلاله، مثل: السمع والبصر، بينما سمع وبصر المخلوقات يليق بضعفها ونقصها، ووجود التشابه اللفظي بين صفات الله وصفات المخلوقين ليس تمثيلاً وليس تشبيهاً من جميع الوجوه، وإنما هو تشابه لفظي، وعلى هذا لابد من التفصيل: فالتشابه اللفظي واقع، لكن لا يدل على تشابه في الكيفية؛ لأن التشابه في الكيفية ممنوع.
والخلاصة: إن قصد بنفي التشبيه نفي المماثلة فنعم؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وإن قصد نفي المشابهة فهذا فيه تفصيل، فالمشابهة اللفظية واردة، ولا دخل لها في حقائق الأمور ولا في الكيفيات، أما المشابهة الكيفية فهي غير واردة.
قال المصنف رحمه الله: [ وقال تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4].
وقال تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، وقال تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام:100-101]، وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ [الفرقان:1-2]، وقال تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصافات:149-160] إلى قوله: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182]، فسبح نفسه عما يصفه المفترون المشركون، وسلم على المرسلين، لسلامة ما قالوه من الإفك والشرك، وحمد نفسه إذ هو سبحانه المستحق للحمد بما له من الأسماء والصفات وبديع المخلوقات.
وأما الإثبات المفصل، فإنه ذكر من أسمائه وصفاته ما أنزله في محكم آياته، كقوله: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] الآية بكمالها ].
اشتمال اسم الجلالة على كل كمال
وعليه فاسم الجلالة: (الله) قد تضمن الكمالات كلها، ولذلك نجد أنه إذا تأمل الإنسان هذا اللفظ عند النطق به، تجد أنه يخرج من أقصى كيان الإنسان، فإذا استشعر المسلم وهو يعبر بهذه الكلمة ما في قلبه من المعاني، وما على لسانه من اللفظ بها، يجد أنه ينجذب بهذه الكلمة إلى كمال لا ينتهي إلى حد.
إذاً: اسم الجلالة: (الله) شامل لجميع الكمال، لاسيما كما ذكرت بأن معانيه اللغوية متعددة، وكل معنى منها يدل على كمال من الكمالات التي لا نهاية لها.
وكذلك في هذه الآية قوله عز وجل: الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، فهذان الاسمان لله عز وجل يدخل فيهما كل كمال، وكذلك بقية أسماء الله عز وجل الجامعة التي سيعدها الشيخ هنا، إذ أنها من الأسماء أو الألفاظ ذات المعاني المتعددة التي تشتمل على الكمال، مثل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2] والْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم:3] والْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107] والسَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1] إلى غير ذلك من أسماء الله عز وجل.
اسم الجلالة: (الله) يشمل كل كمال؛ لأن الألوهية تشمل معاني من الكمال لا تكاد تحصى، فالله بمعنى: المألوه، أي: المعبود الذي تنجذب إليه جميع المخلوقات، بخلاف الربوبية فهو انجذاب قسري، أما بالعبادة فهو انجذاب اختياري لمن وفقهم الله عز وجل وهداهم، كما أن من معنى الألوهية: المحبة، والكمال؛ لأنه لا يستحق الألوهية إلا الكامل، ومن معاني الألوهية كذلك: الحياة، فإنه لا تكون ألوهية إلا للحي وهكذا.
وعليه فاسم الجلالة: (الله) قد تضمن الكمالات كلها، ولذلك نجد أنه إذا تأمل الإنسان هذا اللفظ عند النطق به، تجد أنه يخرج من أقصى كيان الإنسان، فإذا استشعر المسلم وهو يعبر بهذه الكلمة ما في قلبه من المعاني، وما على لسانه من اللفظ بها، يجد أنه ينجذب بهذه الكلمة إلى كمال لا ينتهي إلى حد.
إذاً: اسم الجلالة: (الله) شامل لجميع الكمال، لاسيما كما ذكرت بأن معانيه اللغوية متعددة، وكل معنى منها يدل على كمال من الكمالات التي لا نهاية لها.
وكذلك في هذه الآية قوله عز وجل: الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، فهذان الاسمان لله عز وجل يدخل فيهما كل كمال، وكذلك بقية أسماء الله عز وجل الجامعة التي سيعدها الشيخ هنا، إذ أنها من الأسماء أو الألفاظ ذات المعاني المتعددة التي تشتمل على الكمال، مثل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2] والْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم:3] والْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107] والسَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1] إلى غير ذلك من أسماء الله عز وجل.
قال رحمه الله: [ وقوله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2] السورة، وقوله: وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [التحريم:2]، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم:54]، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [إبراهيم:4]، وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107]، وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:14-16]، هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:3-4].
وقوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:28]، وقوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54] الآية، وقوله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [البينة:8]، وقوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء:93]، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [غافر:10]، وقوله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة:210]، وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11].
وقوله: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، وقوله: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم:52]، وقوله: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص:62]، وقوله: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
وقوله: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:22-24].
إلى أمثال هذه الآيات والأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أسماء الرب تعالى وصفاته، فإن في ذلك من إثبات ذاته وصفاته على وجه التفصيل، وإثبات وحدانيته بنفي التمثيل ما هدى الله به عباده إلى سواء السبيل، فهذه طريقة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ].
إن منهج جميع المرسلين أنهم جاءوا بإثبات أسماء الله وصفاته، ووصفه بالكمال، وبيان وحدانيته في الربوبية والإلهية، ولذلك فإنه من هذا الجانب، أي: جانب التوحيد والعقيدة، فإن الرسل كلهم دينهم واحد، وكلهم جاءوا بإثبات الكمال لله عز وجل، ووصفه بصفات الكمال، وكلهم جاءوا بالدعوة إلى توحيد الله، وإنما اختلفت شرائعهم، فالشرائع جاءت لكل صنف من البشر، ولكل أمة من الأمم بحسب ما تحتاجه، وبحسب حالها وزمانها وظروفها، ولم تأت شريعة لجميع البشرية إلا هذه الشريعة الخالدة التي أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم، فهي آخر الشرائع وأتم الشرائع، وهي عامة لجميع البشرية إلى قيام الساعة.
وأما التوحيد فإنه المتمثل في أركان الإيمان، والدعوة إلى التوحيد، ونفي الشرك، وكل الرسل جاءوا بشعار أو بقاعدة: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فلم يختلف جميع المرسلين في ذلك، بل صاروا في هذا الأمر على منهاج واحد، كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإخوة لأم أبوهم واحد، فاجتمعوا على الأصل وهو التوحيد، واختلفت المناهج والشرائع كما هو معلوم.
قال رحمه الله: [ وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب، ومن دخل في هؤلاء من الصابئة المتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم فإنهم على ضد ذلك، يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل، ولا يثبتون إلا وجوداً مطلقاً لا حقيقة له عند التحصيل، وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان ].
قبل أن يفصل الشيخ في قولهم أحب أن أشير إلى ما سبق تقريره في أكثر من درس: نظرة الفلاسفة والأمم الضالة لله عز وجل، إذ إنها نظرة قاصرة، فالفلاسفة ومن تفرع منهم عقيدتهم في الله باطلة، وجميع الفرق التي ضلت، سواء من اليهود أو النصارى أو في هذه الأمة -في باب أسماء الله وصفاته- كلها إنما تعتمد على أوهام الفلاسفة، أو على الشبهات العقلية التي هي من جنس شبهات الفلاسفة، وقد ذكر الشيخ نماذج من الفلاسفة والأمم الضالة، كالصابئة والمتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية وغيرهم، ونظرتهم لله عز وجل نظرة تجريدية سلبية، أعني: أنهم لا يعتقدون لله وجوداً حقيقياً ذاتياً، ولذلك توهموا بأنه لا يقبل الأسماء والصفات، وهم في هذا يختلفون اختلافاً كبيراً في تصورهم عن الله، وفي توهمهم عن الله، وهم الذين قال الله فيهم: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ [الذاريات:10-12]؛ لأنهم لما ضلوا في معرفة الله عز وجل ضلوا حتى عن يوم القيامة فلم يدركوه، فهذه الأمم وهذه المناهج الفلسفية تقوم على اعتقاد أنه ليس لله وجود حقيقي يقبل الوصف ويقبل الأسماء، ولا يقبل أن يكون له أفعال، هذا التصور التجريدي لهم فيه مناح كثيرة، ولذلك كثر اعتقادهم في الحلول والاتحاد ووحدة الوجود.
ومنهم من يرى أن وجود الله عز وجل مجرد وجود عقلي، أي: أن هناك عقلاً مدبراً لهذا الكون، ومنهم من اعتقد أن وجود الله وجود روح فقط، أي: عبارة عن كيان معنوي يحرك هذا الكون كما تحرك الروح الجسد، وبعضهم يتوهم لله أشياء وتصورات، لذا كان أغلب تصورات الفلاسفة والباطنية والجهمية تدور حول هذا، أي: أن الله عز وجل مجرد قوة، أو مجرد عقل فعال، أو عقل مدبر، أو أنه روح، أو نحو ذلك من هذه الأوصاف التي إذا تأملناها فإنها تؤدي إلى عدم اعتقاد أسماء حقيقية وأوصاف حقيقية لله عز وجل، وإن قال بعضهم بالأسماء أو ببعض الأسماء وببعض الأوصاف، فمن باب أنه يوصف بها الأمر الذي يتصور في الأذهان صار تصورهم لله تصوراً لا يعدو أن يكون في الأذهان، وهذا معنى كلام الشيخ: وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان. مع أننا لا نقول: في الأعيان، ولا في غير الأعيان، نحن نصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن حتى نعرف سبب ضلال هؤلاء، إذ إن ضلالهم ناشئ عن أنهم لا يعتقدون لله وجوداً حقيقياً، ولا يعتقدون لله وجوداً منفصلاً عن المخلوقات، ومن هنا لا يتصف عندهم بالعلو، ولا يتصف بالفوقية، ولا يتصف بالاستواء، ولا يتصف بكثير من الصفات؛ لأنها تؤدي إلى وجود حقيقي، بل إن بعضهم قد نفى الأسماء؛ لأنه إذا سمي فلابد أن يكون له مسمى، والمسمى لابد أن يكون له وجود حقيقي، وهم لا يعتقدون الوجود الحقيقي، وكذلك الذين نفوا الصفات قالوا: الصفات لابد أن تدل على موصوف، والموصوف لابد أن يكون له ذات، والله عز وجل منزه من أن يكون له وجود ذاتي، ومعلوم أن هذه اللوازم لا نلتزمها، لكن نحن نلتزم المعاني الحقة، بمعنى: أننا نقول: ماذا تقصدون بالذات؟ إن قصدتم بالذات أن لله وجوداً حقيقياً، وأن له الأسماء والصفات، وأنه فعال لما يريد، فالله عز وجل موصوف بذلك، لكن كلمة: (ذات) من الكلمات التي يعبر بها عن الإثبات، وليست من أسماء الله وصفاته، وإنما هي تعبير مثلما نقول: شيء، ومن هنا أيضاً تدركون أن هؤلاء لا يرون أن الله شيء، فالله ليس بشيء عندهم.
ومن هنا نشأت عقائد الباطنية، وعقائد الفلاسفة، وعقائد أصحاب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وهذه الثلاثة الأخيرة إلحادية شركية فلسفية تقوم على ما ذكرته لكم من قبل، فالذي يرى أن الله روح يرى أن الروح قد حلت بالمخلوقات، والذي يرى أن الله عقل يرى أن العقل قد اتحد بالمخلوقات، والذي يرى أن الله مجرد الوجود المطلق قال بوحدة الوجود، وعلى أي حال لا نريد الدخول في تفاصيل أقوالهم، وإنما هذا الكلام هو تمهيد لما سيذكره الشيخ عنهم بعد قليل في تفصيلاتهم للنفي، فهم يعتقدون في الله السلوب، فيسلبون عن الله الأسماء والصفات ويقولون: لا كذا ولا كذا ولا كذا ولا كذا مما سيأتي ذكره؛ لئلا يثبتون لله وجوداً حقيقياً، ولذا كان أصعب ما على هذا الصنف أن يتصوروا لله وجوداً حقيقياً؛ لأنه يلزمهم بإثبات الحق إثبات الأسماء والصفات والأفعال له عز وجل.
ولذلك نجد كلاً منهم أنه ينفر مما يتعلق بعقيدته، فالجهمي والفيلسوف لا يطلق الأسماء والصفات إطلاقاً، ولا يطلق نصوصها، والمعتزلي لا يطيق ذكر الصفات، وأهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية لا يطيقون ذكر أحاديث الصفات الفعلية أو غير الصفات السبع, ولذلك يلاحظ في بعض الأماكن أن الخطيب أو المتكلم إذا سلك مسلك إثبات الصفات على نحو تفصيلي، تجد بعض من يعتقدون هذا الاعتقاد لا يطيقون الجلوس، بل ربما يخرج من المسجد، وقد لوحظ هذا في كثير من المقامات، وربما أيضاً يخرج من المحاضرة؛ لأنه لا يطيق سماع ما ينافي اعتقاده الباطل.
قال رحمه الله: [ فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل، فإنهم يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات، ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلاً يستلزم نفي الذات ].
قوله: (فقولهم) أي: أنهم قالوا: بأنه لا يثبت لله إلا الوجود المطلق، وهذه كلمة فلسفية وراءها إلحاد، فهم يقصدون بالوجود المطلق ما ذكرته لكم قبل قليل، أي: أنهم يقولون: إنه مطلق من التقييد باسم أو وصف أو فعل، وهذا هو معنى مطلق، وهذا يعني أنه لا يكون له وجود إلا في الأذهان فقط، بينما نحن نقول: إن لله وجوداً فعلياً، مع أننا لا ندرك أسماء الله وصفاته على كيفيتها وحقيقتها؛ لأن هذا مما لا تدركه الأبصار، لكن نحن نعلم يقيناً أن لله وجوداً حقيقياً، بينما هم يقولون: الوجود ذهني.
وقوله: (يستلزم غاية التعطيل) يعني: غاية نفي الأسماء والصفات والأفعال عن الله عز وجل، كما أنه يستلزم غاية التنفيذ؛ لأنهم حينما نفوا عن الله الأسماء والصفات والأفعال شبهوه بالمعدوم، وهذا هو أقبح تمثيل يمكن أن يتصور؛ لأن الذي -بزعمهم- لا يقبل الاسم ولا الوصف ولا الفعل ولا يقبل ذلك كله هو المعدوم الذي ليس له وجود.
وأما الموجود فلابد أن يقبل الأسماء والصفات والأفعال كما سيأتي، ولذا فإن الشيخ سيجادلهم حتى في مبدأ الوجود، حيث قال: دعونا من مسألة إنكار الأسماء والصفات، لكن هل تقرون بأن الله موجود؟ الكثير منهم سيقول: نعم. إذاً: إذا توفرت صفة الوجود فالموجود لابد أن تكون له صفات أخرى أيضاً، وإلا فلا يقبل الوجود بمجرد الاعتراف بوجوده.