اللباس والستر


الحلقة مفرغة

الحمد لله الواصل الحمد بالنعم، والنعم بالشكر، نحمده على آلائه، كما نحمده على بلائه، ونستعينه على نفوسنا البُطاء عمَّا أمِرت به، السِّراع إلى ما نهيت عنه، ونستغفره مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، علمٌ غير قاصر، وكتابٌ غير مغادر، خلق الإنسان وبصَّره بما في الحياة من خير أو شر: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء فقدَّره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى جميع الثقلين الإنس والجن بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله سبحانه، فإنها دار حصن عزيز، تمنع أهلها، وتحرز من لجأ إليها، وبها تُقطع حُمَة الخطايا، فهي النجاة غداً، والمنجاة أبداً بفضل الله.

أيها الناس! إن البشر بعامة محكومون بحدودٍ وأعلام، يتقاسمها في الأساس فطرة الله التي فطر الناس عليها، وشريعة من الأمر أُمِر الناس باتباعها على هدىً وبصيرة، وهم إبَّان ذلك قد يضعفُون أمام تلك الحدود والمعالم إلى درجة الخُذلان المنبثق من التهاون واللامبالاة، أو قد يشتدون مع منافع زهرة الحياة الدنيا إلى حد الطغيان: إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] والمؤمن الكيِّس مطلوب منه التماسك والرباطة على حالَيه كلتَيهما، إذ أن ترامي الغرائز يمنة ويسرة يتقاذفها ريح الهوى في كل اتجاه، دون أن تخضع مذعنة لحدود الفطرة والشرع، هي لا بد منتهية بأصحابها إلى بلاءٍ عريض، فإن الباري -جلَّ وعلا- لم يخلق الغرائز لبني آدم لتكون محلاً للسطو أو الختل أو التلفظ بأعراض الآخرِين، ولا خلقها ليتعبد بعضَ الناس بقتلها والعبث بها دونما سياج وحماية يحكمان محالَّها.

المرء الإنسي في هذه الحياة تتبدى له عورتان اثنتان، يتجاذب الاهتمام بسترهما والحرص على مواراتهما: فِطْرتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30] والتي يتم تنشيطها والإحسان بتمامها نداءات حية من شريعتنا الغراء.

ومن هذا المنطلق حرص الإنسان السوي على أن يواري عورتَيه وسَوءتَيه أشد المواراة، عورته الجسدية وعورته النفسية أو المعنوية.

وأصل البشرية أبَوان كريـمان، ابتدأ الامتحان بالعورات بـهما، وأين هذا الامتحان؟ إنه في جنة الخلد: وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120]، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءاتِهِمَا [الأعراف:20].

لقد حرص الشيطان على أن يقضي ابتداءً على عنق الزجاجة ومكمن الحياء، وهو الستر: فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [طه:121] يخصفان عليهما خجلاً من تعريهما، إذ لا يتعرى ويتكشف إلا من فقد فطرته!

ويا لله.. لقد نسي آدمُ فنسِيَت ذريتُه.

فوائد اللباس والستر

أيها المسلمون! إن الستر فطرة تجعل المجبول عليها لا يأذن للعوادي أن تكشفه كائنة ما كانت، ولو اضطر يوماً ما على أن يُبدي سوأته الجسديةِ لِضُرٍ أَلَمَّ به، فسيكون ذلك على استحياءٍ وخجلٍ شديدَين أمام طبيبٍ أو نحوه، الضرورة كامنة وراء استسلامه بذلك، وقولوا مثل ذلك في العورة القلبية وما يكون من أحوال مشينة تصدر من نفس المرء ويخشى أن يطلع عليها غيره، على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم: { والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس }.

وجماع الأمر في العورَتين -عباد الله- هو قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف:26].

لقد امتن الله -جلَّ وعلا- على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش الذي يوارون به سوءاتهم.

فباللباس تستر العورات عن أعين بني آدم.

باللباس يُكْبَحُ جماح الشهوة الطاغي، ويُكَفْكَفُ اللحظ ومُماداة البصر عن أن ينطلق إلى ما لا يُرضي الله.

باللباس -أيها الناس- تستر المرأة أنوثتها، وتحفظ كيانها عن أن تكون عِلْكَاً ملتصقاً بأحذية لصوص المرأة وأيدي العابثين، حتى تصبح جوهرة في صدفة لا ينظر إليها إلا الخواص وهم الأزواج.

باللباس والستر يقدم المرء رِجْلاً أو يؤخرها إذا ما امتدت نفسه إلى خِطبة امرأة بحلال.

باللباس -أيها المسلمون- يُعرف الذكور والإناث عن مدى احتشامهم واستقامتهم وحبهم للستر مظهراً ومخبراً، وبه تُعرف الأسر المصونة من غيرها.

باللباس والستر قد يُحمى ركنٌ أساس مما أجمع عليه الأنبياء والرسل قاطبة، وهو حماية العرض والنسب من مواهبها.

ثم إنه بالريش والرياش يتجمل الإنسان ظاهراً، إذ لباسه من الضروريات الجسدية، والريش والرياش من التحسينيات والزيادات التي يتمتع بها المرء وفق ما شرعه الله له دونما إسراف على حد قوله صلى الله عليه وسلم: {كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مَخِيْلَةٍِ ولا سَرَفٍ، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده } رواه أحمد ، والنسائي ، وابن ماجة .

وذكر البخاري -رحمه الله- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [[ كلْ ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سَرَفٌ ومَخِيْلَةٌ ]].

ولا غروَ -أيها المسلمون- في مقابل نعمة اللباس والامتنان بها أن يشرع الحمد مِن قِبَل المرء على ما يكسو به معيبه، ويواري به سوأته، فلقد صح عند أحمد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكسوة: {الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي }.

والأمر -عباد الله- ليس حكراً على ستر العورة الحسية الجسدية فحسب، بل إنَّ لباس التقوى وستر التقوى خير ما يتجمل به المرء؛ إذ ما عسى ستر البدن أن ينفع إذا كان القلب عارياً؟!

{استقيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: الله أكبر! كم فُتح من الخزائن اليوم؟! أيقظوا صُوَيْحِبات الحُجَر، فرُبَّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة } رواه البخاري .

أيها المسلمون! إن الستر فطرة تجعل المجبول عليها لا يأذن للعوادي أن تكشفه كائنة ما كانت، ولو اضطر يوماً ما على أن يُبدي سوأته الجسديةِ لِضُرٍ أَلَمَّ به، فسيكون ذلك على استحياءٍ وخجلٍ شديدَين أمام طبيبٍ أو نحوه، الضرورة كامنة وراء استسلامه بذلك، وقولوا مثل ذلك في العورة القلبية وما يكون من أحوال مشينة تصدر من نفس المرء ويخشى أن يطلع عليها غيره، على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم: { والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس }.

وجماع الأمر في العورَتين -عباد الله- هو قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف:26].

لقد امتن الله -جلَّ وعلا- على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش الذي يوارون به سوءاتهم.

فباللباس تستر العورات عن أعين بني آدم.

باللباس يُكْبَحُ جماح الشهوة الطاغي، ويُكَفْكَفُ اللحظ ومُماداة البصر عن أن ينطلق إلى ما لا يُرضي الله.

باللباس -أيها الناس- تستر المرأة أنوثتها، وتحفظ كيانها عن أن تكون عِلْكَاً ملتصقاً بأحذية لصوص المرأة وأيدي العابثين، حتى تصبح جوهرة في صدفة لا ينظر إليها إلا الخواص وهم الأزواج.

باللباس والستر يقدم المرء رِجْلاً أو يؤخرها إذا ما امتدت نفسه إلى خِطبة امرأة بحلال.

باللباس -أيها المسلمون- يُعرف الذكور والإناث عن مدى احتشامهم واستقامتهم وحبهم للستر مظهراً ومخبراً، وبه تُعرف الأسر المصونة من غيرها.

باللباس والستر قد يُحمى ركنٌ أساس مما أجمع عليه الأنبياء والرسل قاطبة، وهو حماية العرض والنسب من مواهبها.

ثم إنه بالريش والرياش يتجمل الإنسان ظاهراً، إذ لباسه من الضروريات الجسدية، والريش والرياش من التحسينيات والزيادات التي يتمتع بها المرء وفق ما شرعه الله له دونما إسراف على حد قوله صلى الله عليه وسلم: {كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مَخِيْلَةٍِ ولا سَرَفٍ، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده } رواه أحمد ، والنسائي ، وابن ماجة .

وذكر البخاري -رحمه الله- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [[ كلْ ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سَرَفٌ ومَخِيْلَةٌ ]].

ولا غروَ -أيها المسلمون- في مقابل نعمة اللباس والامتنان بها أن يشرع الحمد مِن قِبَل المرء على ما يكسو به معيبه، ويواري به سوأته، فلقد صح عند أحمد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكسوة: {الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي }.

والأمر -عباد الله- ليس حكراً على ستر العورة الحسية الجسدية فحسب، بل إنَّ لباس التقوى وستر التقوى خير ما يتجمل به المرء؛ إذ ما عسى ستر البدن أن ينفع إذا كان القلب عارياً؟!

{استقيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: الله أكبر! كم فُتح من الخزائن اليوم؟! أيقظوا صُوَيْحِبات الحُجَر، فرُبَّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة } رواه البخاري .

أيها المسلمون! الفِطَر السليمة والأنفس السوية تجفل بطبعها من ظهور السوأتين، وتحرص أشد الحرص على مواراتهما، والذين يحاولون في تبعيتهم النكوص عن هذه الحقيقة على علم أو جهل بما يطلقون من دعوات هنا وهناك عبر ألسنتهم وأقلامهم ومقدراتهم لتأصيل هذه المعرَّة، هم الذين يريدون سلب خصائص فطرة الإنسان، وهم الذين ينفِّذون بالحرف الواحد المآرب الصهيونية الرهيبة عبر مقرراتهم المرقومة؛ لإشاعة الانحلال بين بني الإسلام.

وإن تعجبوا -عباد الله- فعجبٌ أن اليهود هم أول من شنَّ الحرب على نزع الستر وإظهار السوأة منذ أن تآمر رجلان منهم في سوق بني قينقاع على نزع حجاب امرأة وكشف سوأتها، حينما كانت جالسة في السوق، فربطوا خمارها بطرف ثوبها، فلما قامت واقفة بدت سوأتها للناس، فاستغاثت بمن حولها، ثم توالت بعد ذلك أحداث شبيهة..

كما ذكر ابن الأثير في كامله عن شابين من قريش رأوا امرأة جميلة من بني عامر في سوق عكاظ ، وسألوها أن تسفر عن وجهها فأبت، فامتهنها أحدُهم، فاستغاثت بقومها حتى كان ذلك سبباً في اليوم الثاني من أيام حروب الفجار المشهورة.

العري -أيها المسلمون- سِمة حيوانية بهيمية، ولا يميل إليه إلا من هو أدنى من الإنسان، ومتى رؤي العُري والتعرِّي جمالاً وذوقاً وتقدماً ومسايرةً لركب الغافلين فقولوا على الفطرة: السلام، ولتبدأ الآذان صاغية في سماع ما يُبكي ويُحزن من مآسي الفتن، والتنويع في الانسلاخ، والتجرد عن قيم الإسلام، ناهيكم عن سوء العواقب الموخزة، وحينئذٍ واقعون ولا محالة فيما حذرنا منه الباري بقوله: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءاتِهِمَا [الأعراف:27].

اتباع شباب الإسلام لكن ناعق

عباد الله! إنَّ لنا في كل يوم أجناساً من الذكور والإناث تنمو غضة رقيقة، لا يتعهدها أحدٌ بسقي ولا رعاية، حتى تصيبها الجائحة فتجف وتذبل، كما أن عواقب التغريب والاستسلاخ والاستنساخ وأرزائها تحطم أعراقاً متينة من الستر والحشمة طالما أظلت وسقت حتى اجتُثت، فلا بواكي لها.

وفي الوقت نفسه! تزهر أفئدة من بني الجنسَين، ثم تُؤتي أُكُلها ثمراً ناضجاً حلواً، فلا يُوجد في بعض الجمهور مستبشراً بها، غير سالم من وكزات دعاوى التخلف، ومعرَّة ما يُسمى: مشي الرجوع.. على حد زعمهم!

لقد صعدت أجيال تنكَّرت لماضيها وأعراقها التي أصلتها وحكَمَتها شريعة الإسلام.

أقحم أناس أنفسهم في الميدان، وجعلوا التحسين والتقبيح خاضعاً لممارسات الحضارة الغربية وطيشها، تبدل الوزَّان وبقي الميزان مختلاً وقطبه مائلاً، وصناجه ضائعة، حتى إن أحدنا ليجد بين الأم وبنتها، أو بين الأب وابنه في صورة اللباس وما يُشاكله من البَون الشاسع ما يُعادل قرناً كاملاً من الزمان.

ألا ما أكثر الأحياء فينا وهم قتلى؟! ذكور وإناث يلبسون لباساً لم يُفصَّل لهم، ولم يُقَس عليهم، وإنما خِيْطَ لغيرهم، فأخذوه بلا إصلاح، ومشوا به فرحين كما يمشي الطفل بحُلة أبيه، يتعثر بها، فيسقط سقطات يكون بها محلاً للضحك والتندُّر.

إن الخلل الذي تعيشه جملة من الشعوب الإسلامية في قضية اللباس والستر، إنما كان منشأه من ممارسات خاطئة في كيفية التعامل مع الحضارة المدنية في كافة شئونها الحياتية، وفي المفاهيم المغلوطة لمعاني التقدم الحية، مما علق مواهبهم وقدراتهم عن تسخيرها باقتدار، حتى التحقوا بالركب المتقدم عن طريق التشبه به، والاقتباس منه، وعذرهم في ذلك أنهم يريدون النهوض بأنفسهم وأمتهم من وهدة النمو إلى مصافي الأمم المتحضرة، ولم يعد للشرع ولا للفطرة في بعض الأفئدة إلا النسبة الأساس.

وإذا رأيت ثوب المفتون بهم يستر بعض العورة فاعلم أنه صورة لما عندهم من الأنموذج الجديد.

إن الإصابة بحمى اللباس ليست على درجة واحدة بين المسلمين، إذ منهم من شمل السفور والحسور والتشبه، نساءه ورجاله، أو الكثرة منهم، ومنهم من ظهر فيهم واستعلن، وإن لم يعم ويشمل، ومنهم من بدأ يقرع أبوابهم ويضع إحدى قدميه، إن لم تكن وُضِعَتا كلتاهما.

الموضة وخطرها على الأمة

حدثوا -أيها المسلمون- ولا حرج! عن انهماك (المجوع) بما يسمى على لغة العصر: الموضة؛ حيث يتلاعب مصممو اللباس بنفسيات الجنسَين في جذب أنظارهم تجاه كل لباس مستحدَث، مهما كان انسلاخه من معاني الرجولة، أو سمات الأنوثة العفيفة المصونة، استنزاف للأموال، واستخفاف بالرعاع، ونشر للفاحشة كيفما نشر، بعرض المفاتن، وسبل الإغراء، حتى أصبحت الموضة متِكْأةً للإثراء ووأد العفاف لدى كثير من الشعوب.

والزمن كفيل في أن يثير جمهور اللاهثين في قبول الإحداث المتجدد المتراوح بين انتشار ما يُلبس دون الركبة أو فوقها، أو ما يُفتح من الجانبَين ليبدو ما يتمنى المرء المسلم معه الموت ولا أن يرى يوماً ما شيئاً من ذلك في محارمه أو أقاربه، ولا أن يكون ضحية لمشاهدة ما يستفز العيون من محاجرها، مشرئبة لتتقد كوامن الشهوة كالنار المتأججة في الصدر، والتي يُتَرْجم عوارها عبر جوارح المغفلين.

إنه التفنن في إذابة الأعراف وإغراء الشعوب بما يُبعدهم عن ربهم وخالقهم، التفنن في تعويد المرأة على أن تبدو سافرة، وعلى أن تقنع نفسها بأن حياتها ومستقبلها مُرتهن بما تبديه من إغراء، وتفنن في عرض التقاسيم البدنية عبر مدارك الأزياء المتجددة، التي ربما كان المشي بها أصعب من مشي على حبل مما بها من ضيق، أو كمشي المجندل بالحديد، ولن تستطيع صعود درجة إلا بكشف ساقيها، والمتحجبة منهن ربما تفننت في تقشيب الحجاب وإحالته إلى وضع أشد فتنة من ثوبها وصورة وجهها، ولطالما فتنت بعض العباءات السود ألبابَ الرجال؛ فكم من عباءة هي في الحقيقة أشد ما تكون إلى عباءة أخرى تسترها؟!

وأما الشباب فحدثوا ولا حرج عن تململهم بلباسهم الرجولي، وغدَوا في إشفاق مشين بلباس أهل الفن والمجون، حتى لقد أصبح المرء الغيور يرى من أحوالهم ما يحترق به بصره مرة تلو الأخرى... أهكذا زي شباب المسلمين؟!

إن أحدنا ليضع كفه على ذقنه ويقرع سنه حيرةً، يُسائل نفسه: لِمَ، ومم، ولأي شيء يستنكف الناس لنداءات الفطرة، وحدود شرعة الله ومنهاجه؟!

إن مردَّ ذلك كله إلى إفساد البنت والشاب؛ إذ معظم ممتهني دور التصاميم والأزياء هم من اليهود في عواصم الغرب، فهم بيوت الألبسة ومصمموها، وهم أساتذة التجميل ودكاكينه.

بل لَمْ يكتفِ أولئك بعقلاء الجنسَين حتى امتدت مآربهم إلى مَن هُم قبل سن التكليف من صبيان وبنات، فأُشربوا من خلال ملابس الأطفال المنتشرة في المعمورة، والتي لا تمت للحشمة بصِلَة، أشكال وألوان.. من الضيق تارة، ومن العاري أخرى، ومن القصير الفاضح كرَّات وتارات! هي ملأى بالصور أو بالعبارات الرقيعة، قد لا يفهم جُلَّ اللابسين المراد منها، ولا تسألوا بعد ذلك عن حال الطفل أو الطفلة بعد الكبر، إنَّ كُلّاً منهما لَمْ يُعَوَّد يوماً ما على الستر الشرعي.

إن الأب والأم إن كُتِبَ لهما الوعي والحرص بعد ذلك على سترهما سيجدان المرارة والعي في الإقناع به، وللأبوَين نقول:

اليدان أوكتا والفم نفخ!

وعند سؤال المكابرين منهم يقولون: ماذا نفعل؟! هكذا يلبس الناس، وهكذا يريد الناس، ولَعَمْرُ الله -أيها المسلمون- كم يجلس الغيور الصادق يبحث جاهداً لأطفاله، متسوقاً في كل مجمع، يعز عليه أن يجد المكسي من الثياب، ويعيه طِلابه، فالله المستعان!

عباد الله! إنَّ لنا في كل يوم أجناساً من الذكور والإناث تنمو غضة رقيقة، لا يتعهدها أحدٌ بسقي ولا رعاية، حتى تصيبها الجائحة فتجف وتذبل، كما أن عواقب التغريب والاستسلاخ والاستنساخ وأرزائها تحطم أعراقاً متينة من الستر والحشمة طالما أظلت وسقت حتى اجتُثت، فلا بواكي لها.

وفي الوقت نفسه! تزهر أفئدة من بني الجنسَين، ثم تُؤتي أُكُلها ثمراً ناضجاً حلواً، فلا يُوجد في بعض الجمهور مستبشراً بها، غير سالم من وكزات دعاوى التخلف، ومعرَّة ما يُسمى: مشي الرجوع.. على حد زعمهم!

لقد صعدت أجيال تنكَّرت لماضيها وأعراقها التي أصلتها وحكَمَتها شريعة الإسلام.

أقحم أناس أنفسهم في الميدان، وجعلوا التحسين والتقبيح خاضعاً لممارسات الحضارة الغربية وطيشها، تبدل الوزَّان وبقي الميزان مختلاً وقطبه مائلاً، وصناجه ضائعة، حتى إن أحدنا ليجد بين الأم وبنتها، أو بين الأب وابنه في صورة اللباس وما يُشاكله من البَون الشاسع ما يُعادل قرناً كاملاً من الزمان.

ألا ما أكثر الأحياء فينا وهم قتلى؟! ذكور وإناث يلبسون لباساً لم يُفصَّل لهم، ولم يُقَس عليهم، وإنما خِيْطَ لغيرهم، فأخذوه بلا إصلاح، ومشوا به فرحين كما يمشي الطفل بحُلة أبيه، يتعثر بها، فيسقط سقطات يكون بها محلاً للضحك والتندُّر.

إن الخلل الذي تعيشه جملة من الشعوب الإسلامية في قضية اللباس والستر، إنما كان منشأه من ممارسات خاطئة في كيفية التعامل مع الحضارة المدنية في كافة شئونها الحياتية، وفي المفاهيم المغلوطة لمعاني التقدم الحية، مما علق مواهبهم وقدراتهم عن تسخيرها باقتدار، حتى التحقوا بالركب المتقدم عن طريق التشبه به، والاقتباس منه، وعذرهم في ذلك أنهم يريدون النهوض بأنفسهم وأمتهم من وهدة النمو إلى مصافي الأمم المتحضرة، ولم يعد للشرع ولا للفطرة في بعض الأفئدة إلا النسبة الأساس.

وإذا رأيت ثوب المفتون بهم يستر بعض العورة فاعلم أنه صورة لما عندهم من الأنموذج الجديد.

إن الإصابة بحمى اللباس ليست على درجة واحدة بين المسلمين، إذ منهم من شمل السفور والحسور والتشبه، نساءه ورجاله، أو الكثرة منهم، ومنهم من ظهر فيهم واستعلن، وإن لم يعم ويشمل، ومنهم من بدأ يقرع أبوابهم ويضع إحدى قدميه، إن لم تكن وُضِعَتا كلتاهما.


استمع المزيد من الشيخ سعود الشريم - عنوان الحلقة اسٌتمع
ربما تصح الأجسام بالعلل 2770 استماع
السياحة من منظور إسلامي 2558 استماع
لا أمن إلا في الإيمان!! 2473 استماع
حاسبوا أنفسكم 2427 استماع
العين حق 2386 استماع
كيف نفرح؟ 2353 استماع
مفهوم السياحة ومخاطرها [1] 2301 استماع
رحيل رمضان 2247 استماع
مخاصمة السنة 2175 استماع
مفاهيم رمضانية 2172 استماع