خطب ومحاضرات
شرح العقيدة التدمرية [3]
الحلقة مفرغة
أما الكلام على الإثبات المفصل، فسنمر على مواطن الاستشهاد في الآيات؛ لأني بعد التأمل رأيت أن بعض الآيات قد يخفى وجه الشاهد فيها، وبعض الآيات قد تضمنت أكثر من دليل على الإثبات المفصل، لذا فسنقف على أسماء الله وصفاته وأفعاله والإخبار عن الله عز وجل في هذه الآيات، مع ما ورد في بعض الآيات من باب الأسماء، وبعضه من باب الصفات، وبعضه يجمع بين الأسماء والصفات، وبعضه من باب أفعال الله عز وجل، وبعضه من باب الإخبار عن الله عز وجل، وهذا كله يدخل في باب الإثبات المفصل.
أولاً: آية الكرسي معروفة بدلالتها على أسماء الله عز وجل، قال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] فهذه كلها أسماء.
وقوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2] فهذه مع اسم الجلالة: (الله) قد أثبت اسم (الأحد) لله عز وجل، وكذلك: (الصمد).
وبعده: وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [التحريم:2]، صرحت باسم (العليم)، وباسم (الحكيم)، وتضمن صفة (العلم)، وصفة (الحكمة).
وكذلك: وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم:54]، تضمنت صفة (العلم) و(القدرة)، مع ثبوت الاسمين.
وكذلك: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، تضمنت أيضاً من الصفات: (السمع) و(البصر)، مع ثبوت الاسمين.
وكذلك: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [إبراهيم:4]، تضمنت صفة (العزة) و(الحكمة)، مع ثبوت الاسمين.
وكذلك: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107] كذلك تضمنت مع ثبوت الاسمين صفة (المغفرة) وصفة (الرحمة).
وكذلك: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ [البروج:14]، تضمنت صفة (المغفرة) وصفة (المودة).
وكذلك: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج:15]، تضمنت الخبر عن الله عز وجل، وأنه ذو عرش، وكذلك اسم (المجيد) وصفة (المجد).
وكذلك: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:107]، تضمنت معنى الفعل لله عز وجل، وكذلك الإرادة.
وقوله: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3]، هذه أسماء لله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم قد شرح معانيها فقال: (الأَوَّلُ الذي ليس قبله شيء، وَالآخِرُ الذي ليس بعده شيء، وَالظَّاهِرُ الذي ليس فوقه شيء، وَالْبَاطِنُ الذي ليس دونه شيء)، فهذه أسماء تضمنت صفات وأخبار الأولية والآخرية والظهور والباطن، (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، تضمنت أيضاً اسم (العليم) وصفة (العلم) لله عز وجل.
فقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ)، تضمنت صفة (الخلق).
وقوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، تضمنت صفة (الاستواء).
وقوله: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا)، تضمنت عموم علم الله عز وجل.
وقوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ) تضمنت صفة (المعية) المقيدة بثبوت العلو كما هو معلوم، وليست معية الحلول والاتحاد والمخالطة ووحدة الوجود، وإنما المعية هنا: المعية في العلم.
وقوله: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، تضمنت صفة (البصر) لله عز وجل.
ثم قوله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:28]
فقوله: (مَا أَسْخَطَ اللَّهَ) تضمنت صفة لله عز وجل على ما يليق بجلاله.
وقوله: (وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ) تضمنت صفة لله عز وجل.
وقوله: (فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) تضمنت فعلاً من أفعال الله.
وقوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، تضمنت صفة (المحبة) لله عز وجل.
وكذلك قوله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [المائدة:119]، تضمنت صفة الرضا لله عز وجل.
اعتبار سياق آيات الأسماء والصفات عند أهل السنة والجماعة
وكذلك قول الله عز وجل: لَمَقْتُ اللَّهِ [غافر:10]، هذا فعل من أفعال الله عز وجل، وقد يفهم منه صفة لله عز وجل، لكن مع اعتبار السياق، لأن سياقات النصوص معتبرة عند السلف، فلا تثبت هذه الصفات، مثل: المقت والسخط والغضب إلا على وجه الكمال لله سبحانه، وعلى اعتبار المفهوم من السياق؛ يعني: أن المفهوم من سياق كل آية -بحسب ما وردت- وكل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن صفة لله عز وجل -بحسب ما ورد- هذا أمر معلوم عند السلف، ولا بد أن يلتزموه، وهو من لوازم إقرارهم بالصفات.
وكذلك قوله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ [البقرة:210]، فصفة (الإتيان) تثبت لله عز وجل على نحو ما جاءت في السياق.
وكذلك قوله: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29]، فالاستواء هنا ليس هو الاستواء على العرش -هذه من الأدلة العاضدة لأدلة الاستواء على العرش- وإنما الاستواء هنا يفسر بمعنى: العلو والارتفاع، ولا مانع أن يضاف إلى تفسير معنى الاستواء على العرش، لكن هذا النص وحده ليس هو الدليل على الاستواء على العرش، فالاستواء على العرش قد ورد في نصوص أخرى، فهنا استوى كما يليق بجلاله، والفعل: (استوى) إذا عدي بـ(إلى) ثم أشير إلى السماء فإنها تعني: العلو والارتفاع، وتعني المعاني الكاملة التي تقتضيها المعاني اللغوية.
وكذلك قوله عز وجل: فَقَالَ لَهَا [فصلت:11]، إثبات صفة (القول) لله عز وجل على ما يليق بجلاله، وهي فرع عن صفة (الكلام).
وبعد ذلك: وَنَادَيْنَاهُ [مريم:52]، هذه من أفعال الله عز وجل.
وكذلك: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ [القصص:62]، هذه من أفعال الله عز وجل، وهي مرتبطة بالكلام والصوت.
وكذلك: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
فقوله: (إِنَّمَا أَمْرُهُ) إثبات (الأمر) لله سبحانه.
وقوله: (إِذَا أَرَادَ) إثبات صفة (الإرادة).
وقوله: (أَنْ يَقُولَ) إثبات صفة (القول) لله سبحانه.
وكذلك آيات سورة الحشر كلها في أسماء الله وصفاته، وهكذا بقية النصوص.
وكذلك قوله عز وجل: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ [النساء:93] تضمنت صفة لله عز وجل على ما يليق بجلاله، والسياق معتبر، لا كما يقول بعض المفتونين: إن أهل السنة لا يهتمون بالسياق، ويزعمون أنهم يجزئون أسماء الله وصفاته، وهذا جهل وضلال وحيدة عن الحق؛ لأني أعرف من قال هذا الكلام من المعطلين وأنه تربى على هذه الأمور ودرسها، لكنه فتن ببعض بني جنسه، ففضل عصبية القوم على الحق، فالله يوصف بمثل هذه الصفات لكن مع اعتبار السياق، بمعنى: أننا لا نفرد الصفة إلا على الوجه اللائق بالله عز وجل.
وكذلك قول الله عز وجل: لَمَقْتُ اللَّهِ [غافر:10]، هذا فعل من أفعال الله عز وجل، وقد يفهم منه صفة لله عز وجل، لكن مع اعتبار السياق، لأن سياقات النصوص معتبرة عند السلف، فلا تثبت هذه الصفات، مثل: المقت والسخط والغضب إلا على وجه الكمال لله سبحانه، وعلى اعتبار المفهوم من السياق؛ يعني: أن المفهوم من سياق كل آية -بحسب ما وردت- وكل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن صفة لله عز وجل -بحسب ما ورد- هذا أمر معلوم عند السلف، ولا بد أن يلتزموه، وهو من لوازم إقرارهم بالصفات.
وكذلك قوله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ [البقرة:210]، فصفة (الإتيان) تثبت لله عز وجل على نحو ما جاءت في السياق.
وكذلك قوله: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29]، فالاستواء هنا ليس هو الاستواء على العرش -هذه من الأدلة العاضدة لأدلة الاستواء على العرش- وإنما الاستواء هنا يفسر بمعنى: العلو والارتفاع، ولا مانع أن يضاف إلى تفسير معنى الاستواء على العرش، لكن هذا النص وحده ليس هو الدليل على الاستواء على العرش، فالاستواء على العرش قد ورد في نصوص أخرى، فهنا استوى كما يليق بجلاله، والفعل: (استوى) إذا عدي بـ(إلى) ثم أشير إلى السماء فإنها تعني: العلو والارتفاع، وتعني المعاني الكاملة التي تقتضيها المعاني اللغوية.
وكذلك قوله عز وجل: فَقَالَ لَهَا [فصلت:11]، إثبات صفة (القول) لله عز وجل على ما يليق بجلاله، وهي فرع عن صفة (الكلام).
وبعد ذلك: وَنَادَيْنَاهُ [مريم:52]، هذه من أفعال الله عز وجل.
وكذلك: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ [القصص:62]، هذه من أفعال الله عز وجل، وهي مرتبطة بالكلام والصوت.
وكذلك: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
فقوله: (إِنَّمَا أَمْرُهُ) إثبات (الأمر) لله سبحانه.
وقوله: (إِذَا أَرَادَ) إثبات صفة (الإرادة).
وقوله: (أَنْ يَقُولَ) إثبات صفة (القول) لله سبحانه.
وكذلك آيات سورة الحشر كلها في أسماء الله وصفاته، وهكذا بقية النصوص.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه لا بد من موجود قديم غني عما سواه ].
هذا بداية الرد على الطوائف الأربع -الشيخ قد ذكر منها ثلاثاً، والرابعة قد تضمنها كلامه- وهذه الطوائف زاغت عن سبيل الحق، ووقعوا فيما نهى الله عنه من اتباع المتشابه، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]، وحادوا في باب أسماء الله وصفاته، وهي:
الطائفة الأولى: الذين عطلوا غاية التعطيل، وهم غلاة المعطلة الذين يسلبون عن الله النقيضين.
الطائفة الثانية: الذين قاربوهم ممن وصف الله عز وجل بالسلبيات وبالنقيض، والسلوب هو: كل وصف لله فيه سلوب، وهؤلاء كلهم فلاسفة.
الطائفة الثالثة: الذين أثبتوا لله الأسماء ونفوا الصفات.
الطائفة الرابعة: الذين نفوا بعض الصفات وأثبتوا البعض، ولم يذكرهم الشيخ، لكنه عند الرد على الجميع سيشملهم، وهؤلاء كلهم يسمون مؤولة ومعطلة ونفاة، مع أنهم يتفاوتون، فمنهم من يعطل تعطيلاً صريحاً، ومنهم من يؤول.
وهذه الطوائف الأربع قد اجتمعت كلها في قدر مشترك، وهو نفي ما أثبته الله عز وجل لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، والإلحاد في أسماء الله وصفاته إلحاداً كلياً أو جزئياً، والتأويل لما ثبت أو بعض ما ثبت، وعلى هذا فإن هذا الرد من الشيخ سيشمل من أنكر كل شيء، أو أنكر الأسماء دون الصفات، أو أنكر الأسماء مع الصفات، أو بعض الصفات دون بعض، أو أنكر وأول صفة واحدة، فكل هؤلاء يشملهم هذا الرد.
البدهيات التي انطلق منها المصنف في الرد على النفاة والمعطلة والمؤولة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إذ نحن نشاهد حدوث المحدثات، كالحيوان والمعدن ].
هذا بداية التفصيل من المصنف لما أجمله من الأمور المتفق عليها عند جميع الطوائف، فبدأ بالبرهان الأول وهو: أننا نشاهد حدوث المحدثات، كالحيوان والمعدن وغيرهما.
ثم قال رحمه الله تعالى: [ والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع، وقد علم بالاضطرار، أن المحدث لا بد له من محدث، والممكن لابد له من موجد ].
هذا الاستدلال أو البرهان الثاني، وهو أن الحادث ممكن وليس بواجب ولا ممتنع، بمعنى: أنه قابل للوجود والعدم، فيفترض العقل أن هذا الوجود الذي يقبل العدم قد بدأ من لا شيء.
الخلق لم يخلقوا من غير شيء ولم يخلقوا أنفسهم
عند التأمل في البراهين القرآنية نجد أنها تتميز عن براهين الفلاسفة وغيرهم بالبساطة والقوة، والإيجاز والوضوح، وهذا إعجاز، فقاعدة: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)، قد يكتب فيها الفلاسفة المجلدات، لكن لبعدهم عن الحق وقعوا في المتاهات والضلالات، مع أن هذه قاعدة فطرية يدركها البليد ومتوسط الذكاء والعبقري، بل والبسيط من أصحاب الفهم الذين لا يكون عندهم عادة قدرة وتمكن في التفكير، ومع ذلك يدركون هذه القاعدة الفطرية.
ولذا فإن الإنسان إذا تأمل هذه القاعدة، وجد أنه لا يمكن أن يحيد عقله السليم عن أنه لا يمكن أن يكون قد خلق الخلق من غير شيء، ثم تأتي درجة ثانية وهي: إذا كانوا خلقوا من غير شيء، فهل يعقل أنهم خلقوا أنفسهم؟! هذه القاعدة في ثلاث عبارات أو عبارتين سليمة من المقدمات المعقدة، ومن الافتراضات الفلسفية، وفي نفس الوقت هي فطرية وضرورية ولازمة، يعني: لا يستطيع أن ينفك عنها العاقل، فكل عاقل لا بد أن يقف عندها بوضوح، وعند ذلك يصل إلى نتيجة جازمة لا شك فيها ولا ريب، بأنهم لم يخلقوا من غير شيء ولم يخلقوا أنفسهم، وهذا يشمل كل المخلوقات.
قوله: (علم بضرورة العقل أنه لا بد من موجود قديم غني) يقصد المصنف بذلك قواعد الإثبات التي يرد عليهم بها، وهي: الوجود، والقدم، والغنى، فهذه الأمور يعترفون بها عقلاً، فيثبتوها لمن يسمونه بواجب الوجود، الذي وجوده يخالف وجود المحدثات، فالشيخ رحمه الله قد بدأ بما يسلمون به، أي: أنه لابد من موجود، وهذا أولاً، ثانياً: أنه قديم، ثالثاً: أنه غني، وهذه بدهيات انطلق منها الشيخ في الرد على النفاة أو المعطلة أو المؤولة، وهي قواعد مشتركة عند الجميع.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إذ نحن نشاهد حدوث المحدثات، كالحيوان والمعدن ].
هذا بداية التفصيل من المصنف لما أجمله من الأمور المتفق عليها عند جميع الطوائف، فبدأ بالبرهان الأول وهو: أننا نشاهد حدوث المحدثات، كالحيوان والمعدن وغيرهما.
ثم قال رحمه الله تعالى: [ والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع، وقد علم بالاضطرار، أن المحدث لا بد له من محدث، والممكن لابد له من موجد ].
هذا الاستدلال أو البرهان الثاني، وهو أن الحادث ممكن وليس بواجب ولا ممتنع، بمعنى: أنه قابل للوجود والعدم، فيفترض العقل أن هذا الوجود الذي يقبل العدم قد بدأ من لا شيء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كما قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35]، فإذا لم يكونوا خلقوا من غير خالق، ولا هم الخالقون لأنفسهم تعين أن لهم خالقا خلقهم ].
عند التأمل في البراهين القرآنية نجد أنها تتميز عن براهين الفلاسفة وغيرهم بالبساطة والقوة، والإيجاز والوضوح، وهذا إعجاز، فقاعدة: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)، قد يكتب فيها الفلاسفة المجلدات، لكن لبعدهم عن الحق وقعوا في المتاهات والضلالات، مع أن هذه قاعدة فطرية يدركها البليد ومتوسط الذكاء والعبقري، بل والبسيط من أصحاب الفهم الذين لا يكون عندهم عادة قدرة وتمكن في التفكير، ومع ذلك يدركون هذه القاعدة الفطرية.
ولذا فإن الإنسان إذا تأمل هذه القاعدة، وجد أنه لا يمكن أن يحيد عقله السليم عن أنه لا يمكن أن يكون قد خلق الخلق من غير شيء، ثم تأتي درجة ثانية وهي: إذا كانوا خلقوا من غير شيء، فهل يعقل أنهم خلقوا أنفسهم؟! هذه القاعدة في ثلاث عبارات أو عبارتين سليمة من المقدمات المعقدة، ومن الافتراضات الفلسفية، وفي نفس الوقت هي فطرية وضرورية ولازمة، يعني: لا يستطيع أن ينفك عنها العاقل، فكل عاقل لا بد أن يقف عندها بوضوح، وعند ذلك يصل إلى نتيجة جازمة لا شك فيها ولا ريب، بأنهم لم يخلقوا من غير شيء ولم يخلقوا أنفسهم، وهذا يشمل كل المخلوقات.
استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العقيدة التدمرية [22] | 3157 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [12] | 2924 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [5] | 2917 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [26] | 2796 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [9] | 2785 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [13] | 2730 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [2] | 2723 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [17] | 2723 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [4] | 2564 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [8] | 2414 استماع |