خطب ومحاضرات
شرح العقيدة التدمرية [12]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم قد عُلم أن الله تعالى خلق العالم بعضه فوق بعض، ولم يجعل عاليه مفتقراً إلى سافله ].
الشيخ هنا مستمر في تقرير أصل عظيم، وهو تقرير العلو والفوقية لله عز وجل بذاته وأسمائه وصفاته، علواً مطلقاً، ولا يلزم منه التشبيه، بل العلو هو مقتضى الكمال، وحصر العلو على نوع معين، وهو العلو الاعتباري كما يفعل أهل التأويل من المعطّلة والمؤولة وأهل الكلام استنقاص لله عز وجل، فالله عليٌّ علواً مطلقاً، وله الكمال المطلق، ولا يتم كمال العلو إلا بأن نثبت لله عز وجل جميع أنواع العلو كما يليق بجلاله؛ لأن العلو كله كمال، وعلى هذا فالشيخ يقرر أنه عندما نثبت العلو والفوقية على منهج السلف، بمعنى: كل أنواع العلو على ما يليق بجلال الله، فلا يعني ذلك التشبيه؛ لأنهم زعموا أن إثبات العلو الذاتي تشبيه له بمخلوقاته، وأنه حصر له في مكان! وهذه كلها أوهام توهموها.
قال رحمه الله تعالى: [ فالهواء فوق الأرض، وليس مفتقراً إلى أن تحمله الأرض، والسحاب أيضاً فوق الأرض، وليس مفتقراً إلى أن تحمله، والسماوات فوق الأرض، وليس مفتقراً إلى حمل الأرض لها، فالعلي الأعلى رب كل شيء ومليكه إذا كان فوق جميع خلقه، كيف يجب أن يكون محتاجاً إلى خلقه أو عرشه؟! أو كيف يستلزم علوه على خلقه هذا الافتقار، وهو ليس بمستلزم في المخلوقات؟ وقد عُلم أن ما ثبت لمخلوق من الغنى عن غيره فالخالق سبحانه أحق به وأولى.
وكذلك قوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك:16]، من توهم أن مقتضى هذه الآية أن يكون الله في داخل السماوات فهو جاهل ضال بالاتفاق، وإن كنا إذا قلنا: إن الشمس والقمر في السماء يقتضي ذلك، فإن حرف (في) متعلق بما قبله وما بعده، فهو بحسب المضاف والمضاف إليه.
ولهذا يفرق بين كون الشيء في المكان، وكون الجسم في الحيز، وكون العرض في الجسم، وكون الوجه في المرآة، وكون الكلام في الورق، فإن لكل نوع من هذه الأنواع خاصية يتميز بها عن غيره، وإن كان حرف (في) مستعملاً في ذلك كله].
الحجج العقلية الواضحة والفطرية الدامغة لشبه نفاة العلو
لأن الجنة عرضها كعرض السماء والأرض، والشيخ هنا يريد أن يرد على أصحاب شبهة نفي العلو بحجج عقلية واضحة بيّنة فطرية، فيقول: عندما نعبّر عن أي شيء أنه في كذا، فإن كل شيء له معنى، فالأشياء وهي مخلوقات لا يقاس بعضها ببعض إذا عبّرنا عنها بـ(في) ولله المثل الأعلى، فمن باب أولى أن نعتقد أن الله عز وجل حينما يُعبَّر أنه في السماء أن نجزم أنه ليس معناها: أن السماء تحويه، أو أنه في أي مكان من السماء، ولذلك قال: (لاختلاف تفسيرات المعاني في التعبير بـ(في)). ولهذا يفرّق بين كون الشيء الذي ندركه بمداركنا وبحواسنا في مكان، لكن الله عز وجل لا يُدرك بالحواس، وأيضاً كون الجسم في الحيّز، يعني: كون أي مادة كتلة موجودة في المجال الذي تشغله، فإذا قلنا: الشيء الفلاني أو الجسم الفلاني في كذا، فكل جسم يختلف عن الجسم الآخر، فالشمس جسم، والقمر جسم، والإنسان جسم، فإذا قلنا: الإنسان في الغرفة، عرفنا معنى كونه في الغرفة، وإذا قلنا: الشمس في السماء، عرفنا أن المقصود أنها فوق، وأن السماء تحويها أيضاً، وكون العرض في الجسم، والعرض هو الصفة، والصفة كالجسم، كالسواد والبياض والطول والقصر، وكون الصفة في الجسم لا يعني أن هذا الوصف إذا انطبق انطبق على مثل صفة الجسم لو وصفنا بها غير الجسم، وكون الوجه في الإنسان غير كون الوجه في المرآة، فالوجه في الإنسان حقيقة، وفي المرآة صورة، وكله يقال: (في)، فتقول: انظر إلى وجه فلان في المرآة، فهل معنى هذا أن الوجه حل في المرآة؟ لا، وإنما هي صورة، والشيخ أتى بهذه الأمثلة ليبين أنه حتى عند تعبيرنا عن المخلوقات أنها في كذا يختلف من مخلوق إلى مخلوق، من حيث الحقيقة وعدم الحقيقة.
إذاً: إذا كان سبب نفيهم للعلو أنه لا يليق أن يكون الله في السماء، فيقول: نظراً لأنهم توهموا أن كونه في السماء تشبيهاً، وهذا خطأ منهم، فإذا قلنا: حتى في المخلوقات، فبعض الأشياء نقول: إنها في كذا، مثل: الوجه في المرآة، ومع ذلك فإن المرآة لا تحوي الوجه، وهذا مخلوق وهذا مخلوق -ولله المثل الأعلى-، فكيف نتحكم في معنى غيبي بحت في حق الله عز وجل الذي لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، الذي لا نحيط به علماً؟ ويقولون: إن معنى كونه في السماء لا بد أن يكون وجوداً اعتبارياً؛ لأنا لو قلنا: إنه بمعنى العلو الذاتي، لقلنا: إنه بذاته داخل السماء، وهذه كلها تحكمات وأوهام، يجب أن نستبعدها من أذهاننا، وأن نثبت لله عز وجل العلو والفوقية على ما يليق بجلاله، ولا يعني إثبات العلو والفوقية أنه يحويه مكان سبحانه، وأنه يحصره مكان، وأنه داخل خلقه، فالله عز وجل أعظم وأجل، فهو على عرشه، والكرسي محيط بالمخلوقات كلها، والعرش فوق الكرسي، والله سبحانه وتعالى فوق ذلك كله على ما يليق بجلاله، فكيف إذاً يتحكّمون بمثل هذه التحكمات، ويقولون: لا بد أن نثبت العلو الاعتباري المعنوي، ولا نثبت العلو الذاتي؛ لأنا لو أثبتناه لزم منه أن يكون في السماء، فتحويه وتحصره فيها! وهذا كله وهم، وقول على الله بغير علم، وتخرُّصات وخيالات وعبث، لكن مع ذلك صدّقوا خيالاتهم فقالوا: هذا تشبيه، فنفوا العلو الذاتي لله عز وجل، وليس العلو بإطلاق.
دلالة حديث: (وسقفها -أي: الفردوس- عرش الرحمن) على علو الله وفوقيته وغيره من النصوص
فهذه الجنة سقفها الذي هو العرش فوق الأفلاك، مع أن الجنة في السماء، والسماء يراد به العلو، سواء كان فوق الأفلاك أو تحتها، قال تعالى: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ [الحج:15]، وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48].
ولما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق كل شيء، كان المفهوم من قوله: مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]: أنه في العلو وأنه فوق كل شيء.
وكذلك الجارية لما قال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء)، إنما أرادت العلو مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها ].
لا شك أن مقتضى الفطرة والعقل السليم، ومقتضى النصوص الشرعية أن الله عز وجل فوق كل شيء، فكيف يقال: إذا قلنا: بالعلو الذاتي لزم الجهة ولزم التشبيه ولزم التكييف؟ فهذا يتنافى مع إقرارنا الفطري الضروري بأن الله عز وجل فوق كل شيء، وعلى هذا إذا كان فوق كل شيء فلا يجوز أن نحكمه بجهات أو مكان، ولا نحكمه بداهة ببداء العقول وبداء الفطرة، فلا شيء يحويه ولا شيء يحيّزه، ولا شيء يحصره سبحانه وتعالى، ولذا فإن كل ما ردّوا به الإثبات إنما هو أوهام في عقولهم وخيالات، وإلا فلا نحتاج إلى تقرير هذا كله، ولذلك ما كان السلف يتكلمون على هذه الأمور على جهة التفصيل، حتى جاءت المعطّلة والمؤولة، وفتنوا الناس وفتنوا العامة وقالوا: لا يليق أن نقول: إن الله عز وجل فوق العرش، ولا أنه مستو على عرشه، وقالوا: هذا تشبيه وتجسيم، وسموا من يثبت العلو: مشبِّهاً ومجسِّماً، فلما وصلوا إلى حد إفساد فطرة الناس، وإفساد دينهم، وأيضاً سوء الأدب مع الله عز وجل، وقلة البصيرة، اضطر السلف أن يتكلموا على هذا الجانب على جهة التفصيل، وإلا فنحن في غنى عن هذه الأمور كلها، ومن هنا أرى أن مثل هذه الدروس التفصيلية لا تكون عند كل الناس، وعند كل المسلمين العامة والناشئين، والذين لا يعنيهم التخصص في العقيدة، فالناس يُعلّمون الدين بمجملاته، ويُعلّمون أسماء الله وصفاته على جهة العموم، فيعظّمون الله ويدعونه بها، لكن مثل هذه التفاصيل لا تكون إلا لطلاب العلم في الدروس المتخصصة؛ لأن فيها حرجاً على أمور الناس، بل إن أكثرهم لا يفكّر فيها أصلاً، وأكثر الناس على الفطرة، ولذا كما ذكر شيخ الإسلام: أنهم ما اضطروا لمثل هذه التفصيلات إلا رداً على طوائف أوقعت الأمة في الحرج وفي مثل هذه الأهواء.
قال رحمه الله تعالى: [وإذا قيل: (العلو) فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به، إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله، كما لو قيل: إن العرش في السماء، فإنه لا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق.
وإذا قدر أن (السماء) المراد بها الأفلاك، كان المراد أنه عليها].
يعني: فوقها.
قال رحمه الله تعالى: [كما قال: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71]، وكما قال: فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ [التوبة:2]، ويقال: فلان في الجبل، وفي السطح، وإن كان على أعلى شيء فيه].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلو قال قائل: العرش في السماء أم في الأرض؟ لقيل: في السماء، ولو قيل: الجنة في السماء أم في الأرض؟ لقيل: الجنة في السماء، ولا يلزم من ذلك أن يكون العرش داخل السماوات، بل ولا الجنة ].
لأن الجنة عرضها كعرض السماء والأرض، والشيخ هنا يريد أن يرد على أصحاب شبهة نفي العلو بحجج عقلية واضحة بيّنة فطرية، فيقول: عندما نعبّر عن أي شيء أنه في كذا، فإن كل شيء له معنى، فالأشياء وهي مخلوقات لا يقاس بعضها ببعض إذا عبّرنا عنها بـ(في) ولله المثل الأعلى، فمن باب أولى أن نعتقد أن الله عز وجل حينما يُعبَّر أنه في السماء أن نجزم أنه ليس معناها: أن السماء تحويه، أو أنه في أي مكان من السماء، ولذلك قال: (لاختلاف تفسيرات المعاني في التعبير بـ(في)). ولهذا يفرّق بين كون الشيء الذي ندركه بمداركنا وبحواسنا في مكان، لكن الله عز وجل لا يُدرك بالحواس، وأيضاً كون الجسم في الحيّز، يعني: كون أي مادة كتلة موجودة في المجال الذي تشغله، فإذا قلنا: الشيء الفلاني أو الجسم الفلاني في كذا، فكل جسم يختلف عن الجسم الآخر، فالشمس جسم، والقمر جسم، والإنسان جسم، فإذا قلنا: الإنسان في الغرفة، عرفنا معنى كونه في الغرفة، وإذا قلنا: الشمس في السماء، عرفنا أن المقصود أنها فوق، وأن السماء تحويها أيضاً، وكون العرض في الجسم، والعرض هو الصفة، والصفة كالجسم، كالسواد والبياض والطول والقصر، وكون الصفة في الجسم لا يعني أن هذا الوصف إذا انطبق انطبق على مثل صفة الجسم لو وصفنا بها غير الجسم، وكون الوجه في الإنسان غير كون الوجه في المرآة، فالوجه في الإنسان حقيقة، وفي المرآة صورة، وكله يقال: (في)، فتقول: انظر إلى وجه فلان في المرآة، فهل معنى هذا أن الوجه حل في المرآة؟ لا، وإنما هي صورة، والشيخ أتى بهذه الأمثلة ليبين أنه حتى عند تعبيرنا عن المخلوقات أنها في كذا يختلف من مخلوق إلى مخلوق، من حيث الحقيقة وعدم الحقيقة.
إذاً: إذا كان سبب نفيهم للعلو أنه لا يليق أن يكون الله في السماء، فيقول: نظراً لأنهم توهموا أن كونه في السماء تشبيهاً، وهذا خطأ منهم، فإذا قلنا: حتى في المخلوقات، فبعض الأشياء نقول: إنها في كذا، مثل: الوجه في المرآة، ومع ذلك فإن المرآة لا تحوي الوجه، وهذا مخلوق وهذا مخلوق -ولله المثل الأعلى-، فكيف نتحكم في معنى غيبي بحت في حق الله عز وجل الذي لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، الذي لا نحيط به علماً؟ ويقولون: إن معنى كونه في السماء لا بد أن يكون وجوداً اعتبارياً؛ لأنا لو قلنا: إنه بمعنى العلو الذاتي، لقلنا: إنه بذاته داخل السماء، وهذه كلها تحكمات وأوهام، يجب أن نستبعدها من أذهاننا، وأن نثبت لله عز وجل العلو والفوقية على ما يليق بجلاله، ولا يعني إثبات العلو والفوقية أنه يحويه مكان سبحانه، وأنه يحصره مكان، وأنه داخل خلقه، فالله عز وجل أعظم وأجل، فهو على عرشه، والكرسي محيط بالمخلوقات كلها، والعرش فوق الكرسي، والله سبحانه وتعالى فوق ذلك كله على ما يليق بجلاله، فكيف إذاً يتحكّمون بمثل هذه التحكمات، ويقولون: لا بد أن نثبت العلو الاعتباري المعنوي، ولا نثبت العلو الذاتي؛ لأنا لو أثبتناه لزم منه أن يكون في السماء، فتحويه وتحصره فيها! وهذا كله وهم، وقول على الله بغير علم، وتخرُّصات وخيالات وعبث، لكن مع ذلك صدّقوا خيالاتهم فقالوا: هذا تشبيه، فنفوا العلو الذاتي لله عز وجل، وليس العلو بإطلاق.
قال رحمه الله تعالى: [فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنها أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفها عرش الرحمن).
فهذه الجنة سقفها الذي هو العرش فوق الأفلاك، مع أن الجنة في السماء، والسماء يراد به العلو، سواء كان فوق الأفلاك أو تحتها، قال تعالى: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ [الحج:15]، وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48].
ولما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق كل شيء، كان المفهوم من قوله: مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]: أنه في العلو وأنه فوق كل شيء.
وكذلك الجارية لما قال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء)، إنما أرادت العلو مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها ].
لا شك أن مقتضى الفطرة والعقل السليم، ومقتضى النصوص الشرعية أن الله عز وجل فوق كل شيء، فكيف يقال: إذا قلنا: بالعلو الذاتي لزم الجهة ولزم التشبيه ولزم التكييف؟ فهذا يتنافى مع إقرارنا الفطري الضروري بأن الله عز وجل فوق كل شيء، وعلى هذا إذا كان فوق كل شيء فلا يجوز أن نحكمه بجهات أو مكان، ولا نحكمه بداهة ببداء العقول وبداء الفطرة، فلا شيء يحويه ولا شيء يحيّزه، ولا شيء يحصره سبحانه وتعالى، ولذا فإن كل ما ردّوا به الإثبات إنما هو أوهام في عقولهم وخيالات، وإلا فلا نحتاج إلى تقرير هذا كله، ولذلك ما كان السلف يتكلمون على هذه الأمور على جهة التفصيل، حتى جاءت المعطّلة والمؤولة، وفتنوا الناس وفتنوا العامة وقالوا: لا يليق أن نقول: إن الله عز وجل فوق العرش، ولا أنه مستو على عرشه، وقالوا: هذا تشبيه وتجسيم، وسموا من يثبت العلو: مشبِّهاً ومجسِّماً، فلما وصلوا إلى حد إفساد فطرة الناس، وإفساد دينهم، وأيضاً سوء الأدب مع الله عز وجل، وقلة البصيرة، اضطر السلف أن يتكلموا على هذا الجانب على جهة التفصيل، وإلا فنحن في غنى عن هذه الأمور كلها، ومن هنا أرى أن مثل هذه الدروس التفصيلية لا تكون عند كل الناس، وعند كل المسلمين العامة والناشئين، والذين لا يعنيهم التخصص في العقيدة، فالناس يُعلّمون الدين بمجملاته، ويُعلّمون أسماء الله وصفاته على جهة العموم، فيعظّمون الله ويدعونه بها، لكن مثل هذه التفاصيل لا تكون إلا لطلاب العلم في الدروس المتخصصة؛ لأن فيها حرجاً على أمور الناس، بل إن أكثرهم لا يفكّر فيها أصلاً، وأكثر الناس على الفطرة، ولذا كما ذكر شيخ الإسلام: أنهم ما اضطروا لمثل هذه التفصيلات إلا رداً على طوائف أوقعت الأمة في الحرج وفي مثل هذه الأهواء.
قال رحمه الله تعالى: [وإذا قيل: (العلو) فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به، إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله، كما لو قيل: إن العرش في السماء، فإنه لا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق.
وإذا قدر أن (السماء) المراد بها الأفلاك، كان المراد أنه عليها].
يعني: فوقها.
قال رحمه الله تعالى: [كما قال: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71]، وكما قال: فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ [التوبة:2]، ويقال: فلان في الجبل، وفي السطح، وإن كان على أعلى شيء فيه].
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ القاعدة الخامسة: أنّا نعلم ما أخبرنا به من وجه دون وجه ].
ولكي نفهم ضوابط هذه القاعدة، ونفهم أدلتها بعد ذلك، لا بد أن نعلم أن ما أخبرنا الله به من أمور الغيب في ذاته عز وجل وأسمائه وصفاته، نعلم بها من وجه ويخفى علينا وجهاً آخر، فالوجه الذي نعلمه في أسماء الله وصفاته هو الحقيقة التي تليق بالله سبحانه، فنعلم أن الله سميع على وجه كامل يليق به، وأن الله بصير على وجه كامل يليق به، ونعلم أن الله عز وجل عليم بذات الصدور، وأنه سبحانه لا يخفى عليه شيء، ونعلم أن الله عز وجل مستو على عرشه كما يليق بجلاله.
وعليه فألفاظ الشرع التي وردت في هذه الأمور نعلمها من وجه كونها حقائق، فإن كانت فيما يتعلق بالله فنعلم أنها حقائق تليق بالله، وإن كانت تتعلق بأمور الغيب الأخرى فنعلم أنها حقائق، لكن لا نُدرك الوجه الآخر وهو الكيفيات، فالتصور الذي يُعطي الأمر على كيفيته الذاتية لا نفهمها؛ لأنها غيب، والله عز وجل ليس كمثله شيء، ولا تدركه العقول، ولا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار سبحانه.
إذاً: نعلم ما خاطبنا الله به في كتابه، وما خاطبنا به رسوله صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور من وجه كونها حقيقة، ولا نعلم كيفياتها، والذين خالفوا هذه القاعدة وقعوا إما في التشبيه وإما في التأويل والتعطيل، والذين قالوا: إنا نعلم ما أخبرنا الله به من كل وجه! وقعوا في التجسيم والتشبيه، والذين قالوا: لا نعلم ما أخبرنا الله به إلا بتأويل! وقعوا في التأويل والتعطيل، ولذا فالحق وسط بين الجافي وبين الغالي، فنعرف من وجه أنها حقيقة، ولا نعرف الكيفية.
النصوص الدالة على تدبر القرآن وتفهم معانيه وعلاقتها بالصفات ومعرفة معانيها دون كيفياتها
أمرنا في هذه الآيات بأن نتدبر الكتاب الكريم حتى نفهم؛ لأن أوامر الله ليست عبثاً، ولأن التدبر له ثمرة، وهي الوصول إلى الحقائق، والتدبر هو التأمل والتمعن في المعاني، فتقف عند الكلمات القرآنية، وتتأمل معانيها وتتمعن ما ينتج عنها من مفاهيم، وتوقن بالحقائق منها.
ولذا فما دمنا أننا قد أُمرنا بتدبر القرآن فيعني هذا أننا نفهم الحقيقة، وأن نُدرك الحقائق، وإلا لكان هذا عبثاً، والله عز وجل منزّه عن العبث.
إذاً: الذي نفهمه بالتدبر هو الحقائق اللائقة، لكن التدبر لا يوصلنا إلى ما لا تحيط به عقولنا من الكيفيات التي لا يعلمها إلا الله عز وجل؛ لأنها غيب.
قال رحمه الله تعالى: [فإن الله تعالى قال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، وقال: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ [المؤمنون:68]، وقال: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29]، وقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، فأمر بتدبر الكتاب كله].
أمرنا في هذه الآيات بأن نتدبر الكتاب الكريم حتى نفهم؛ لأن أوامر الله ليست عبثاً، ولأن التدبر له ثمرة، وهي الوصول إلى الحقائق، والتدبر هو التأمل والتمعن في المعاني، فتقف عند الكلمات القرآنية، وتتأمل معانيها وتتمعن ما ينتج عنها من مفاهيم، وتوقن بالحقائق منها.
ولذا فما دمنا أننا قد أُمرنا بتدبر القرآن فيعني هذا أننا نفهم الحقيقة، وأن نُدرك الحقائق، وإلا لكان هذا عبثاً، والله عز وجل منزّه عن العبث.
إذاً: الذي نفهمه بالتدبر هو الحقائق اللائقة، لكن التدبر لا يوصلنا إلى ما لا تحيط به عقولنا من الكيفيات التي لا يعلمها إلا الله عز وجل؛ لأنها غيب.
قال رحمه الله تعالى: [ وقد قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7]].
هذه الآية ترسم لنا قاعدة عظيمة في الدين، وهي من الآيات الفاصلة بين منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال والتلقي، وبين مناهج أهل الأهواء والبدع، فإن آيات الله محكمة كلها من حيث اشتمالها على الحق، لكن هذا الإحكام قد يخفى على صاحب البدعة والهوى، وهذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك تقسيم من حيث الإحكام والتشابه للآيات، وهو أن هناك آيات بيّنة معانيها لعموم الناس، وهناك آيات لا يتبين معانيها إلا لبعض الناس، وهم العلماء كما سيأتي بيان ذلك، وهذه تكون من المتشابه على من لم تتبين له، هذا جانب، والجانب الآخر: أن كل هذه الآيات المحكمة قد يكون بعض معانيها متشابهاً، فمثلاً: آيات الأسماء والصفات محكمة، لكن كيفياتها من المتشابه الذي يجب على المسلم ألا يخوض فيها، ولذلك الإحكام والتشابه في القرآن على نوعين:
الأول: أن القرآن كله محكم، أي: أنه حق بيّن لا لبس فيه، وكله متشابه، أي: أنه يشبه بعضه بعضاً، ويصدّق بعضه بعضاً، فهو من التشابه لا من الاشتباه.
الثاني: ينقسم القرآن إلى محكم من حيث إنه بين واضح، وإلى متشابه من حيث إنه غير بيّن ولا واضح، إما لعموم الخلق وهو الكيفيات، وإما لبعض الخلق وهو الذي لا يفهمه إلا الراسخون في العلم، فيتشابه على غير الراسخين في العلم، ولذلك سيأتي بيان معنى الآية، والفرق بين الوقف على قوله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، وبين عدم الوقف، وكله صحيح، فهذه لها معنى وتلك لها معنى.
استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العقيدة التدمرية [22] | 3157 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [5] | 2917 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [26] | 2796 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [9] | 2784 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [13] | 2730 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [2] | 2723 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [17] | 2723 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [3] | 2687 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [4] | 2564 استماع |
شرح العقيدة التدمرية [8] | 2414 استماع |