عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في أكثر مدة النفاس
السؤال
أنجبت بنتا منذ أربعين يوما، وبعد ٢٢ يوما وجدت القصة البيضاء؛ فتطهرت َوصليت. وبعد ٨ أيام عادت: رأيت دما، وبعده صفرة وكدرة، وأرى معها سائلا لونه أبيض مثل القصة البيضاء، وقد مضى على ولادتي ٤٤ يوما.
فهل أنتظر إلى ستين يوما -كما يقولون إن المرأة في حالة ولادة بنت تقعد في النفاس ستين يوما- أم أصلي؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدم والصفرة العائدان في فترة الأربعين، يعدان نفاسا على الصحيح.
وأما بعد الأربعين: فالمفتى به عندنا أن أكثر النفاس هو أربعون يوما، فما تجاوزها يعد استحاضة، ولا يكون نفاسا.
فيجب عليك أن تغتسلي بعد مضي الأربعين، وتصلي، ولك جميع أحكام الطاهرات، ولا يكون حيضا إلا ما وافق عادتك، وانظري الفتوى: 123150.
ولا نعلم أحدا فرق بين الذكر والأنثى في مدة النفاس، بل العلماء مختلفون في أكثره: فمنهم من يقول هو أربعون -كما نفتي به- وهو قول الحنفية والحنابلة. ومنهم من يقول هو ستون، وهو قول الشافعية والمالكية. والقول الأول وأنه أربعون يوما، وما زاد عليها لا يكون نفاسا، أرجح.
قال ابن قدامة في المغني: (وَأَكْثَرُ النِّفَاسَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: أَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً مِثْلَ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ.
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ وَجَدَهُ. وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْوُجُودِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: غَالِبُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا.
وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو سَهْلٍ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُسَّةَ الْأَزْدِيَّةِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، عَنْ مُسَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ: كَمْ تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَقَدْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ إجْمَاعًا، وَنَحْوَهُ. انتهى.
وقال ابن قدامة -أيضا-: فَإِنْ زَادَ دَمُ النُّفَسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَصَادَفَ عَادَةَ الْحَيْضِ، فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً، فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ.
قَالَ أَحْمَدُ: إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا الَّذِي تَقْعُدُهُ أَمْسَكَتْ عَن الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْتِهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامٌ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، يَأْتِيهَا زَوْجُهَا، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي إنْ أَدْرَكَهَا رَمَضَانُ، وَلَا تَقْضِي. انتهى.
والله أعلم.