العدة شرح العمدة [65]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله: [ باب: الرهن ].

الرهن لغة: الحبس، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، أي: محبوسة بعملها، قال: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21]، أي: محبوس بعمله، ويأتي الرهن بمعنى: الثبوت، يقال: ماء راهن، أي: ثابت.

وهنا نقطة مهمة جداً، وهي أن يد المرتهن يد أمينة، فلو أعطى أحدهم لآخر أمانة أو رهناً لزمه أن يحافظ عليه قدر استطاعته، فإن فسد أو أتلف بدون إهمال أو تقصير منه لم يضمنه؛ يد الأمين ليست ضامنة، وكذلك يد المودع يد أمانة وليست يد ضمان.

كل ما جاز بيعه جاز رهنه

قال: [ كل ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا ]. أي: ما لا يجوز أن يباع لا يجوز رهنه، كأن يرهن أحدهم ولده توثيقاً للدين، ولا يعقل إن جاء الموعد المحدد للسداد فيقول الذي عنده الرهن (الولد): من يشتري هذا الولد مني؟!

وكذلك الكلاب لا يجوز بيعها؛ لأن ثمنها حرام حرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي لا يجوز رهنها.

قال: [ لأن المقصود من الرهن الاستيثاق بالدين باستيفائه من ثمنه عند تعذر استيفائه من الراهن ]، أي: إذا تعذر السداد في الوقت المحدد، فللدائن أن يبيع الرهن ويستوفي حقه منه، ويجوز رهن الثمرة قبل نضجها؛ لأنه لدينا قاعدة تقول: ما جاز أكله جاز رهنه، ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهذا يحصل مما يجوز بيعه ]، إذاً: لابد أن يكون مما يجوز بيعه.

قال: [ فأما ما لا يصح بيعه فلا يصح رهنه كالحر وأم الولد ]، أي: ما لا يصح أن يباع لا يصح رهنه، كالحر وأم الولد، وما جاز بيعه جاز رهنه والعكس، وما يجوز أكله يجوز بيعه، لذلك من فقه الإمام البخاري أنه في كتاب البيوع جاء بحديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهو يأكل جماراً)، والجمار: قلب النخلة الأبيض، فأتى به البخاري لبيان جواز بيع الجمار؛ لأنه جاز أكله، والقاعدة الأصولية تقول: ما جاز أكله جاز بيعه.

قال: [ لأن مقصود الرهن لا يحصل منه ]، يعني: إن كان الشيء لا يباع لم يحصل المقصود منه؛ لأن الغرض من الرهن هو إيفاء الدين، وهنا نقطة مهمة جداً وهي: هل يشترط في الرهن أن يكون كالدين أو أعلى من الدين أو أقل من الدين في القيمة؟ وهل عقد الرهن ملزم للطرفين أم لطرف واحد؟ هناك عقود ملزمة للطرفين، وعقود ملزمة لأحدهما، وعقود غير ملزمة للطرفين، بينما عقد الرهن ملزم للراهن فقط، والرهن إما أن يكون كالدين فبها ونعمت، وإما أن يكون أعلى من الدين، كأن يكون على رجل خمسمائة جنيه، وأعطى رهناً بقيمة ثلاثة آلاف جنيه، وإما أن يكون أقل من الدين، ففي المذهب لا يجوز، لكن الصواب أنه يجوز، ولذلك أخطأ المذهب في قوله: إن قيمة الرهن إن كانت أقل من الدين فلا يجوز؛ لأن الوفاء ببعض الدين أولى من عدم الوفاء كلية.

عدم صحة الرهن إلا بالقبض

قال: [ ولا يصح إلا بالقبض ]، يعني: أن الرهن لا يصح إلا بالقبض، يعني: لو أن شخصاً رهن عند آخر شيئاً، فلابد أن يقبضه، أي: المرتهن، ولذلك قال المصنف: [ لقوله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283] ]، يعني: لو كنت مسافراً ولم تجد كاتباً يكتب الدين فرهان مقبوضة.

قال: [ ولأنه عقد إرفاق فافتقر إلى القبض كالقرض، وعنه في غير المكيل والموزون أنه يلزم بمجرد العقد قياساً على البيع، والمذهب الأول لأن البيع معاوضة وهذا إرفاق فهو أشبه بالقرض ]، يعني: من شروط الرهن: أن يكون مقبوضاً، لكن كيف يتم القبض؟ يختلف المنقول عن العقار، فلو أن رجلاً اقترض مائة ألف ريال، وأعطى الدائن العمارة رهناً على ذلك، فهنا لابد أن يمكنه من العمارة ويسلمها له فارغة ويعطيه مفاتيحها، لأن هذه رهان مقبوضة، ولابد أن تشل يد المالك عن التصرف في العقار.

كيفية القبض في المنقول وغيره

لذلك قال هنا: [ وقبض المنقول بالنقل وبالتخلية فيما سواه ]، يعني: أن الشيء المنقول ينقل إلى الدائن، والتخلية فيما سوى المنقول.

ثم قال: [ وذلك لأن القبض في الرهن كالقبض في البيع والهبة، فإن كان منقولاً فقبضه نقله أو تناوله كالثوب والعبد والكتاب ونحو ذلك، والمكيل رهنه بالكيل فقبضه اكتياله؛ لقوله عليه السلام: (إذا سميت فكل) وإن كان موزوناً فقبضه بالوزن، وقال ابن عمر : (كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه)، وأما العقار والثمار على الشجر فقبض ذلك بالتخلية بين مرتهنه وبينه من غير حائل بأن يفتح له باب الدار ويسلم إليه مفاتيحها ].

إذاً: إن كان الشيء المرهون منقولاً قبضه بنقله، كالمروحة والمسجلة والكتاب وغير ذلك، وإن كان لا ينقل كالعقار، خلى بينه وبين العقار، ومكنه من التصرف فيه، وإذا جاء وقت سداد الدين فله أن يبيعه، ويلزم صاحب العقار أن يمكنه من ذلك.

قبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه

قال: [ وقبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه؛ لأنه وكيله ونائبه، واستدامة القبض شرط في اللزوم كحالة الابتداء للآية، وعنه: أن القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط في البيع فلم يشترط في الرهن ]، مثال ذلك: لو أن رجلاً عليه ألف جنيه لآخر مقابل رهن معين، فهل يشترط في الرهن الملازمة، أي: أن يكون في حوزة الدائن طوال مدة القرض؟ المذهب لابد من الملازمة، لكن الراجح: أنه إن وافق الدائن على عدم الملازمة فهذا حقه، وهذا هو المذهب، وعلى نقيض المذهب لا يشترط الملازمة في الرهن.

ضمان الرهن بالتعدي

قال: [ والرهن أمانة عند المرتهن لا يضمنه ]، أي: أن الرهن أمانة عند الدائن (المرتهن)، ولا يضمنه إلا إذا تعدى، شأنه شأن الأمانة، فلو أن رجلاً وضع عنده رهن أو مال أمانة، ثم سرق منه بدون إهمال أو تقصير منه، فإنه لا يضمنه، لكن إن حصل التقصير أو التفريط فهو ضامن، وكذلك إن فسد الرهن أو أتلف، ولذا قال المصنف رحمه الله: [ فإن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه؛ لأنه أمين فأشبه المودع ].

عدم جواز الانتفاع بالرهن

قال: [ ولا ينتفع المرتهن بشيء من الرهن ]، أي: أن المرتهن لا يجوز له أن يستخدم الرهن، كالمسجلة -مثلاً- يستمع بها طيلة الأسبوع.

ثم قال: [ إلا ما كان مركوباً أو محلوباً، فيحلب ويركب بقدر العلف ]، كالحمار إذا رهنه صاحبه في مائتي جنيه، فللدائن أن يركبه ويستنفع به، لكن بشرط أن يعلفه، ومثله الدواب الحلوب، فلا مشكلة أن يحلبها ويعلفها.

وبالقياس السيارة، فله أن يستخدمها مع وضع البنزين والزيت لها.

قال: [ متحرياً للعدل في ذلك، سواء تعذر الإنفاق من المالك أم لم يتعذر؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرهن يركب بنفقته، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة) رواه البخاري ، وفي لفظ: (فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب، وعلى الذي يشرب نفقته ويركب) ].

غنم الرهن للراهن

قال: [ وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه؛ لأنه نماء ملكه فأشبه غير المرهون، لكنه يكون رهناً معه؛ لأنه عقد وارد في الأصل فثبت حكمه في نمائه كالبيع، وقال عليه السلام: (الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه) ].

والمعنى: أن الرهن إن زاد سعره، أو زاد زيادة منفصلة كأن يلد، فكل ذلك للراهن، والمرتهن عليه فقط أن يحرس الرهن.

غرم الرهن على الراهن

ثم قال: [ وعليه غرمه -أي: على الراهن- من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات ]. مثال ذلك: أعطيتك عبداً رهناً في ألف جنيه حتى يأتي وقت السداد، وثمن هذا العبد ألف وخمسمائة، ثم مات العبد قبل أن يأتي موعد الدين، فغسل هذا العبد وكفنه على الراهن وليس على الدائن.

مثال آخر: أعطيتك أرزاً رهناً في ألف جنيه، فتخزينها علي لأنني أنا المالك، ولا يصح أن أعطيك الأرز ثم أقول لك: خذ هذا الأرز وخزنه بمائتي جنيه، إنما كل التكاليف لابد أن تكون على الراهن طالما أن الدائن لم ينتفع به، أما أن يكون الأمر كما حصل في بلدنا: أن رجلاً أتى بنقلة تراب صفراء بأربعين جنيهاً، فخشي أن تسرق فأوقف عليها حارساً بخمسين جنيها! ألا توجد عقول يا عباد الله؟! نسأل الله العافية، وهنا لابد أن نقول: إن الراهن يتكلف المؤنة.

قال: [ ويلزمه جميع نفقته من كسوة وعلف وحرز وحائط وسقي وتسوية وجذاذ وتجفيف -كل ذلك على الراهن- وهذا من غرمه؛ لأنه ملكه فكانت عليه نفقته كالذي في يده ويلزمه كفنه إن مات كما يلزمه في الذي في يده ]، يعني: أنه يلتزم بكل شيء يتطلبه.

حكم الرهن إن أتلفه مالكه

[ وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاء فعليه قيمته تكون رهناً، فلا يجوز للراهن عتق المرهون؛ لأن فيه إضراراً بالمرتهن وإسقاط حقه اللازم له، فإن فعل نفذ عتقه. نص عليه؛ لأنه محبوس لاستيفاء حق فنفذ فيه عتق المالك، كالمحبوس على ثمنه، وتؤخذ منه قيمته تكون رهناً مكانه لأنه أبطل حق الوثيقة بغير إذن المرتهن، فلزمه قيمته كما لو قتله ].

يتحدث المصنف عما إذا رهن الراهن عبداً مملوكاً أو جارية مملوكة، وهناك فرق بين الجارية المملوكة الأمة وبين أم الولد، فأم الولد حرة إن أنجبت من سيدها، لذلك هاجر كانت فقيهة، فحينما سألها جبريل عليه السلام في حديث البخاري : (من أنتِ؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم) ولم تقل: أنا زوجة إبراهيم، فقولها: أم الولد إشارة إلى أنها كانت مملوكة، ثم حملت من سيدها فأنجبت، فأصبحت حرة، ولذلك يتحدث المصنف هنا عن قضية إذا ما كان الرهن عبداً.

يقول: [ وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن ] أي: أن السيد أتلف العبد، أو أخرجه من الرهن [ بعتق ] فإذا رهنتك عبداً ثم أعتقت هذا العبد وهو في حوزتك أصبح العبد حراً [ أو استيلاء ] أو أخذت منك العبد رغم إرادتك، أو أتلفته عليك، فما الذي يلزم الراهن في هذه الحالة؟

[ فعليه قيمته تكون رهناً ] أي: نلزم الراهن بالقيمة [ فلا يجوز للراهن عتق المرهون؛ لأن فيه إضراراً بالمرتهن ] لو أخذت منك ألفاً من الجنيهات ديناً، واشترطت أنت علي أن أعطيك رهناً، فأعطيتك عبداً مملوكاً، ثم أعتقت هذا العبد أو أتلفته، أو استوليت عليه عنوة لزمك قيمته تكون عندك رهناً.

قال: [ وأما إذا وطئ جاريته المرهونة فأولدها خرجت من الرهن ] أي: أني رهنت عندك جارية، ولا يمنع ذلك أن أعاشرها بإذنك فأنا سيدها ومالكها الحقيقي، فهي عندك أمانة، فلما عاشرتها حملت.

[ وأما إذا وطئ جاريته المرهونة فأولدها خرجت من الرهن، وأخذت منه قيمتها فجعلت رهناً ]؛ لأنها بمجرد أن تلد تصبح حرة، فلا يجوز أن تُرهن؛ لأنه لا يرهن إلا ما يجوز بيعه، فلا يجوز أن أرهن ولدي؛ لأن ولدي لا يباع، أما الجارية المملوكة فتباع، فإن جامعها وعاشرها ووطئها فحملت منه لزمه قيمتها؛ لأنها أصبحت حرة.

[ وذلك أن الراهن ليس له وطء جاريته المرهونة؛ لأنه يفضي بذلك إلى أن يخرجها من الرهن، فيفوّت حق المرتهن، فإن وطئها فلا حد عليه؛ لأنها ملكه ] لكن لا يطأها خلسة في غياب المرتهن، وهذا من باب الحيل.

الحيل في الشرع

ابن القيم في كتاب إعلام الموقعين في المجلد الثالث أبدع في باب الحيل؛ لأن هناك من الحيل ما يشرع ومن الحيل ما لا يُشرع، فبنو إسرائيل أساتذة في الحيل، كرجل قال لزوجته وهي في الطابق السادس: إن نزلت فأنتِ طالق، وإن صعدت فأنتِ طالق، فقالوا من باب الحيل: تلقي بنفسها عليه، لعلها تتخلص منه.

وسئل أحد العلماء عن زوج قال لزوجته وهي تأكل التمر: إن بلعتها فأنتِ طالق، وإن قذفتها فأنتِ طالق، قال بعضهم: تأكل نصفها وتقذف نصفها، وهذا من باب الحيل.

وهناك حيل غير مشروعة: كرجل أراد أن يجامع زوجته في رمضان فأنشأ سفراً إلى الصعيد مع الزوجة، فأفطرا بسبب السفر ثم جامعها، فهذا السفر فيه حيلة.

والمحلل تيس مستعار، وهذا نراه ونشاهده.

ومن الحيل إن أردت أن أبيع أرضاً وجاري له حق الشفعة، فآتي بالمشتري وأكتب في العقد عشرة أمثال قيمة الأرض، وأتعامل معه سراً بالثمن الحقيقي وهذه حيلة لأحرم جاري من حق الشفعة؛ لأنه ينبغي أن يوضع المبلغ الموجود في العقد لينفذ حق الشفعة.

ومن الحيل التي أوردها ابن القيم : رجل طلق امرأته طلقتان، فهنا يقول لها: اخلعي نفسكِ مني، والخلع فسخ وليس طلاقاً عند جمهور العلماء، فتخلع نفسها منه وترد عليه المهر، ثم يراجعها بعقد جديد حتى لا يقع في الطلقة الثالثة، يأمرها بالخلع ليحلل لنفسه ثلاث طلقات جديدة، وهذه حيلة.

فبنو إسرائيل تحايلوا حينما نصبوا الشباك للسمك في يوم السبت، وكانوا في يوم السبت تأتيهم حيتانهم شُرّعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، وهذه هي قصة أصحاب السبت الواردة في سورة الأعراف.. اشتاقوا لأكل السمك فنصبوا الشباك في يوم السبت فدخلها السمك، فجذبوها في يوم الأحد، وقالوا: هكذا لم نصطد في يوم السبت. ثم انقسموا بعد هذه الحيلة إلى ثلاث فرق: فرقة انتهكت الأمر وتحايلت على الشرع، وفرقة اعتزلت ونصحت وأخذت على يد المجرمين المخالفين، والفرقة الثالثة ثبّطت الناصحين وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف:164].

يقول المفسرون: الفرقة التي انتهكت الأمر بالليل كانت من جنس بني آدم فوجدوهم في الصباح قد مسخوا قردة.

والفرقة الثالثة التي ثبّطت مختلف فيها هل مُسخت هي الأخرى أم لم تُمسخ؟ قال تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65] ولذلك اليهود عندهم عقدة من القرود.

ويدرس أبناؤنا في الثانوية نظرية تسمى بنظرية النشوء والارتقاء، وهي نظرية داروين ، وأن الإنسان في أصله قرد، ثم تطور حتى أصبح إنساناً، فالسبب الرئيسي في هذه النظرية أن داروين يعلم أن أجداده كانوا قروداً، فأراد للبشرية أن تكون قروداً كحال أجداده، ولذلك مسخوا فلم يأكلوا ولم يتناكحوا وماتوا بعد ذلك بثلاثة أيام.

حكم الرهن إن أتلف مالكه جزءاً منه

قال: [ فإن كانت بكراً فعليه ما نقصها إن شاء جعله رهناً، وإن شاء جعله قضاء من الحق ].

أي: أن السيد جامع جارية كانت بكراً، فالبكر لها ثمن غال، وهو حولها إلى ثيب دون أن تحمل، فهنا من المتضرر المرتهن أو الدائن؟ فثمنها كان 5000 ثم تحولت إلى ثيب ثمنها 1000، فأنقص ثمنها، فهنا نلزم الراهن بأن يدفع الفرق للمرتهن، وهي 4000.

قال: [ فإن لم تحمل منه فهي رهن بحالها كما لو استخدمها ] أي: لو أنها ثيب ولم تحمل فلا شيء عليه؛ لأن سعرها كما هو.

[ وإن ولدت فولده حر، وتصير أم ولد له؛ لأنه أحبلها في ملكه، وتخرج من الرهن موسراً كان أو معسراً كما لو أعتقها، وعليه قيمتها يوم أحبلها؛ لأنها وقت إتلافها تُجعل رهناً، وكذلك إن تلفت بسبب الحمل ].

أي: إن حملت من سيدها وولدت تصبح حرة، إذاً نلزم السيد بقيمتها؛ لأنه أتلف الرهن، وحوّل الجارية إلى حرة.

حكم الرهن إن جنى عليه غيره

قال: [ وإن جنى عليه غيره فهو الخصم فيه، وما قبض بسببه فهو رهن ].

أي: لو أن رجلاً ضرب عبدي فجنى عليه وهو عند المرتهن، فالخصم أنا سيده؛ لأن العبد ملكي أنا الراهن ولم يخرج عن ملكي، فأنا الذي أُحاج الجاني، [ وإن أماته فإما القصاص وإما الدية، أو قيمة الجاني الأقل منهما ] فإن كانت الدية أعلى من قيمة الدين فأعطيه الأقل، وإن كانت الدية أقل من الدين فأعطيه الدية، [ ولو أن المرتهن جامع الجارية، يجلد خمسين جلدة ] لأن حد الجارية على النصف من حد الحرة.

[ وإن عفا السيد عن القصاص إلى غير مال انبنى على موجب العمد ] المعنى: أنه إن عفا فيلزمه قيمة الدين أو ما يساوي الدية للقتل العمد، وبعد ذلك يضعها عند المرتهن.

حكم الرهن إن جنى على غيره

قال: [ وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته ].

لو قتل العبد شخصاً، فالمجني عليه أحق برقبته، ونلزم الراهن بوضع قيمته عند المدين؛ لأن الدائن تحلل من الراهن.

حكم الرهن إذا حضر وقت سداد الدين

قال: [ وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه وباقيه للراهن ].

لو أنك وضعت عندي رهناً ثم جاء موعد الدين، فلم تقض الدين، فماذا أصنع؟ هل أبيع الرهن بإرادتي؟ لا بد أن يوافق صاحب الرهن على البيع، فإن لم يوافق رُفع الأمر إلى الحاكم ليفصل بين الخصمين في المسألة.

قال: [ وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه وباقيه للراهن، وذلك أن الراهن إذا امتنع من وفاء الدين عند حلوله، فإن كان أذن المرتهن في بيعه، أو للعدل الذي هو في يده، باعه ووفى الدين ].

والعدل هو رجل بين الدائن والمدين، وهو فقط من يبيع الرهن.

[ لأن هذا هو المقصود من الرهن، وقد باعه بإذن صاحبه في قضاء دينه، فيصح كما في غير رهن، وإلا رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن، فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه؛ لأن ولاية الحاكم على ذلك نافذة، ولأن مقتضى الرهن الإيفاء من ثمنه فجاز للحاكم ذلك كما لو أذن فيه ].

أي: أن الغرض من الرهن توثيق الدين برهن، فإذا جاء الموعد المحدد للسداد ولم يدفع المدين ينقلب الرهن إلى حفظ الدين، وينقلب الأمر إلى الحاكم فيبيع الرهن ويوفي الدائن حقه، والزيادة يردها إلى الراهن.

حكم اشتراط الرهن في البيع

قال: [ وإذا شرط المرتهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه أو أبى الضمين أن يضمن خُير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين ].

هذا بيع وشراء مشروط، فأنا أشتري منك وأنت تبيع، لكن أشتري منك بشرط: إما الرهن وإما الضمين، أي من يضمن، فيضمن السداد في حال عدم سدادك، والمؤمنون عند شروطهم.

فيجوز أن أشترط في البيع فأقول لك: إذا أردت أن تشتري هذه الحقيبة يلزمك أن تأتي برهن أو ضمين، فإن جئت برهن أو ضمين فقد تم البيع، وإن لم تأت برهن ولا ضمين فأنا بالخيار: إما أن أفسخ العقد لأنني صاحب المصلحة البائع.

قال: [ خُير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين ] يعني: أنا البائع، إما أن أفسخ العقد وإما أن أتم العقد بلا رهن ولا ضمين.

قال: [ كل ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا ]. أي: ما لا يجوز أن يباع لا يجوز رهنه، كأن يرهن أحدهم ولده توثيقاً للدين، ولا يعقل إن جاء الموعد المحدد للسداد فيقول الذي عنده الرهن (الولد): من يشتري هذا الولد مني؟!

وكذلك الكلاب لا يجوز بيعها؛ لأن ثمنها حرام حرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي لا يجوز رهنها.

قال: [ لأن المقصود من الرهن الاستيثاق بالدين باستيفائه من ثمنه عند تعذر استيفائه من الراهن ]، أي: إذا تعذر السداد في الوقت المحدد، فللدائن أن يبيع الرهن ويستوفي حقه منه، ويجوز رهن الثمرة قبل نضجها؛ لأنه لدينا قاعدة تقول: ما جاز أكله جاز رهنه، ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهذا يحصل مما يجوز بيعه ]، إذاً: لابد أن يكون مما يجوز بيعه.

قال: [ فأما ما لا يصح بيعه فلا يصح رهنه كالحر وأم الولد ]، أي: ما لا يصح أن يباع لا يصح رهنه، كالحر وأم الولد، وما جاز بيعه جاز رهنه والعكس، وما يجوز أكله يجوز بيعه، لذلك من فقه الإمام البخاري أنه في كتاب البيوع جاء بحديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهو يأكل جماراً)، والجمار: قلب النخلة الأبيض، فأتى به البخاري لبيان جواز بيع الجمار؛ لأنه جاز أكله، والقاعدة الأصولية تقول: ما جاز أكله جاز بيعه.

قال: [ لأن مقصود الرهن لا يحصل منه ]، يعني: إن كان الشيء لا يباع لم يحصل المقصود منه؛ لأن الغرض من الرهن هو إيفاء الدين، وهنا نقطة مهمة جداً وهي: هل يشترط في الرهن أن يكون كالدين أو أعلى من الدين أو أقل من الدين في القيمة؟ وهل عقد الرهن ملزم للطرفين أم لطرف واحد؟ هناك عقود ملزمة للطرفين، وعقود ملزمة لأحدهما، وعقود غير ملزمة للطرفين، بينما عقد الرهن ملزم للراهن فقط، والرهن إما أن يكون كالدين فبها ونعمت، وإما أن يكون أعلى من الدين، كأن يكون على رجل خمسمائة جنيه، وأعطى رهناً بقيمة ثلاثة آلاف جنيه، وإما أن يكون أقل من الدين، ففي المذهب لا يجوز، لكن الصواب أنه يجوز، ولذلك أخطأ المذهب في قوله: إن قيمة الرهن إن كانت أقل من الدين فلا يجوز؛ لأن الوفاء ببعض الدين أولى من عدم الوفاء كلية.


استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
العدة شرح العمدة [13] 2697 استماع
العدة شرح العمدة [68] 2620 استماع
العدة شرح العمدة [26] 2595 استماع
العدة شرح العمدة [3] 2518 استماع
العدة شرح العمدة [1] 2476 استماع
العدة شرح العمدة [62] 2374 استماع
العدة شرح العمدة [19] 2337 استماع
العدة شرح العمدة [11] 2333 استماع
العدة شرح العمدة [56] 2302 استماع
العدة شرح العمدة [15] 2238 استماع