العدة شرح العمدة [13]


الحلقة مفرغة

قبل أن ندخل في باب: آداب المشي إلى الصلاة، أحب أن أتكلم وأنبه على أمور تحدث في الصلاة، فأقول:

سأصلي أمامكم على المنبر، لحديث مالك بن الحويرث عند البخاري قال: ما أردت أن أصلي، ولكن أردت أن أبين لكم كيف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا فالتعليم بوسائل الإيضاح من أهم الوسائل لوصول ورسوخ المعلومة، لأننا في المساجد قد نجد واحداً يضع يده هكذا، والآخر هكذا، والثالث تحت السرة وهكذا، كما نجد أيضاً عند الاعتدال من الركوع يرفع البعض يديه، وفريق آخر لا يرفع، مع أن الثابت أن يرفع المسلم يديه عند الرفع من الركوع خلافاً للمالكية، لأنهم لا يعملون بخبر الآحاد إذا خالف عمل أهل المدينة، وهذا كلام في أصول المالكية.

والمهم أنني أريد أن أقول: إننا نختلف بجوار بعضنا البعض في كيفية الصلاة!

رغم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ونقل الصحابة لكيفية صفة صلاته عليه الصلاة والسلام بل حتى عندما كان يقرأ في الصلاة وأصابته عطسة فقطع القراءة وركع، وتحريك الأصبع في التشهد، ووضع اليدين على الركبتين في حال الركوع، كل ذلك نقلوه عن النبي عليه الصلاة والسلام نقلاً دقيقاً، وعليه فلا يجوز للمسلم أن يخالف في ذلك.

أيضاً: التأمين فلا زلنا نخطئ فيه ونصر على الخطأ، قال شيخنا العلامة الألباني رحمه الله تعالى: إنه لا بد حتى يحصل المأموم على الأجر أن يوافق تأمينه تأمين الإمام. أما نحن فحالنا أننا نسبق الإمام بالتأمين، فبمجرد أن يقول: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، نقول بسرعة: آمين، والإمام لم يشرع بعد في قول آمين، بينما لو وافق تأمين المأموم للإمام غفر له ما تقدم من ذنبه.

كذلك: تجد البعض عندما يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام أو عند الركوع أو عند الرفع من الركوع يرفعهما وكأنه ينش الذباب، أو يرفعهما بكسل جداً، أو يرفعهما كالسيف! والسنة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام أن تكون الأصابع متجهة إلى القبلة، وفي حذو المنكبين تحت شحمة الأذنين، لحديث أبي داود رحمه الله تعالى.

لكن تعال في زمننا اليوم، فتجد أن كل واحد يرفع يديه حسب هواه، وكيفما أراد، بل بعضهم قد لا يرفع أبداً، ولذلك حينما نتعلم كيفية صفة الصلاة لا بد أن ننقلها إلى العباد في كل مسجد، فنقول: إن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هي: أن يكبر المسلم تكبيرة الإحرام، ثم يضع اليمنى على اليسرى في أول الصدر، ثم يقول دعاء الاستفتاح وينظر إلى محل سجوده، ثم يقرأ الفاتحة، ثم يركع، ثم يرفع من الركوع، ثم يسجد على سبعة أعظم، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وأن لا أكف يداً ولا شعراً)، ونعمل ذلك عملياً أمام الناس، ثم يبين حركة الإصبع عند التشهد، ثم ينقل الخلاف: هل النزول إلى السجود على الركبتين أم على اليدين؟ فالشيخ أبو إسحاق يرى النزول على اليدين أولاً، وابن القيم في زاد المعاد يقول: لا بد من النزول على الركبتين، والراجح: النزول على اليدين، وسأبين سبب ذلك إن شاء الله تعالى، والمهم حركة الإصبع في التشهد، لأننا نجد البعض قد يعمل بأصابعه هكذا، فيقبضها ثم يبسطها، والسنة أن تكون الأصبع تجاه القبلة لا تتحول عنها، والبعض الآخر قد يحلق بإصبعه كذا، والذي بجانبه متضايق منه، والبعض أيضاً: عندما يقف في الصف يريد أن يضع رجله في رجل الذي بجانبه، بل وربما قد يضعها فوق رجل أخيه! والبعض كذلك: قد يفتح رجليه مائتين وثمانين درجة! فيقف في الصف مباعداً بين رجليه، وكذلك بعض الناس قد يقف في الصلاة مكتوفاً هكذا، وهو يظن أنه على حق، وسأنقل لكم الكيفية بالنصوص، والجمع بين الأدلة كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأموراً أخرى عجيبة في الصلاة نراها ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وسنشرع في باب: (آداب المشي إلى الصلاة) فنقول:

قال المصنف رحمه الله تعالى: [يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، ويقارب بين خطاه، ولا يشبك أصابعه، ويقول: باسم الله: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ [الشعراء:78] الآيات إلى قوله: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89]، ويقول: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فإذا سمع الإقامة لم يسع إليها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا). وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، وإذا أتى المسجد قدم رجله اليمنى في الدخول، وقال: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قدم رجله اليسرى وقال ذلك، إلا أنه يقول: وافتح لي أبواب فضلك].

المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار

يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، لأن العبد إذا خرج من بيته فهو في صلاة، فإذا أتى والإمام ساجد، فلا ينتظر حتى يقوم، فإن ذلك فيه مخالفة للنص: (فما أدركتم فصلوا)، وكذلك إذا أتاه وهو قائم أو راكع، لكن البعض قد يجد الإمام ساجداً فيقول: قد فاتت الركعة، ولا يدخل مع الإمام، فنقول له: هب أن ملك الموت أتاك وأنت خارج الصلاة، ولم تدخل بعد، فكان الأفضل لك أن يأتيك وأنت داخل الصلاة، وكذلك النص فيه: أن المأموم يدخل مع الإمام على أي هيئة كان.

وتعال إلى بعض المساجد، فتجد أن المأموم يدرك الإمام وهو راكع، فيريد المأموم أن يدرك الركعة، فيقول بصوت حتى يسمعه الإمام: إن الله مع الصابرين! فهذا العمل لا يجوز، لأن العبد مأمور بأن ما أدركه من الصلاة صلى، وما فاته أتم.

مقاربة الخطا عند المشي إلى الصلاة

قول المصنف: (ويقارب بين خطاه)، أي: يكثر من خطواته عند ذهابه إلى المسجد، لأن تلك الخطوات مكتوبة له في صحائف عمله، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12]، فخطوة ترفعك درجة، وخطوة تحط عنك خطيئة، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم كما في مسند ابن حميد رحمه الله تعالى، وكذلك فعله أنس وهو يسير مع تلميذه ثابت البناني ، قال ثابت : كنت أسير مع أنس بن مالك فضيق الخطا، فقلت: يا أنس ما هذا الذي تصنعه؟ فقال: أما تعلم يا ثابت أن خطواتنا إلى بيت الله عز وجل تكتب في صحائف أعمالنا؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح)، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط).

النهي عن تشبيك الأصابع في الصلاة

وقوله: (ولا يشبك أصابعه)، أي: في الصلاة، وعند الإتيان إليها، والبخاري رحمه الله تعالى قد أورد حديثاً في صحيحه، فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين ناسياً، ثم قام إلى مؤخرة المسجد وشبك بين أصابعه)، فقام رجل يقال له ذو اليدين : يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ما قصرت الصلاة ولا نسيت، ثم قال: أحقاً ما قال ذو اليدين ؟، - وفي القوم أبو بكر وعمر - فقالوا: نعم يا رسول الله، ثم صلى بهم ركعتين وسجد للسهو بعد التسليمتين، فكيف نجمع بين النهي عن التشبيك بين الأصابع في الصلاة وبين هذا الحديث الذي ورد فيه: (وشبك بين أصابعه)؟ قال ابن حجر في الفتح: إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد انصرافه من الصلاة، أما والمسلم في صلاة أو هو آتٍ من بيته إلى المسجد فلا يجوز ذلك، ولذلك بوب البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الصلاة باب: (تشبيك الأصابع في المسجد)، ليجمع بين النصوص التي تنهى عن التشبيك، والنصوص التي تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله.

صلاة ركعتين عند دخول المسجد

ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: (... ويقول: "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك...")، هذا الدعاء ليس عليه دليل، وإنما الصواب أن يقول دعاء الخروج من البيت: (اللهم اجعل في سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، ومن خلفي نوراً، ومن فوقي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، واجعل لي نوراً)، وهذا هو الثابت في دعاء الخروج، فإذا وصل إلى المسجد دخل برجله اليمنى - وكم أحزن عندما أجد مسلماً يدخل المسجد برجله اليسرى - وقال: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج خرج برجله اليسرى وقال: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب فضلك.

ويستحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، وإن كان دخوله في وقت سنة صلى السنة وأجزأته عن التحية، وإن كان دخوله والناس يصلون فرضاً صلى معهم وأجزأته عن تحية المسجد، وعليه: فالمهم أن يكون أول فعل يفعله عند دخوله المسجد أن يصلي.

وكذلك يوم الجمعة إذا جاء والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جاء والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين)، ومن باب أولى من جاء إلى حلق العلم، فلا يجوز له أن يجلس حتى يصلي ركعتين.

الانتظار للصلاة صلاة

ثم ينتظر في مصلاه حتى يأمر الإمام المؤذن بالإقامة، وهذه هي السنة عن نبينا صلى الله عليه وسلم، لا كما يفعله بعض الناس في المساجد، فتجد أحدهم يأمر المؤذن بالإقامة أو ربما قد يحدث فوضى في المسجد، ونسي أن هناك آداباً للمسجد لابد أن تراعى، بل الأعجب من ذلك أن تجد بعض المصلين يصلون لحالهم ثم ينصرفون قبل الجماعة الكبرى، وهذين مثالين يبينان جهل الناس بهذا الأمر:

الأول: لو أن بعض الناس دخلوا مسرحاً، وأخبروا بأن الستار سيرفع في الثامنة، فقال أحدهم: بل في الثامنة إلا خمس! لقالوا له: ما شأنك أنت؟! ولا يمكن أن يؤمر برفع الستار إلا في الوقت المحدد، والمخرج الفني هو الذي يأمر بذلك، والجمهور كأن على رؤوسهم الطير.

الثاني: أن الحكم هو الذي يأمر ببداية المباراة ونهايتها، فهو الذي يملك تحديد الوقت، الوقت الضائع والوقت بعد الضائع، وهو الذي ينظر ويعطي الأمر بالإشارة، ولا يقوم بذلك أحد غيره.

إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة نافلة

قوله: (وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)، أي: إذا أقيم للصلاة فلا يجوز التنفل، خلافاً للأحناف؛ لأن أفضل وقت عندهم للصلاة هو آخره وليس أوله، وهذا تجده كثيراً في الحرم المكي، فتجد الشيخ يصلي الفجر وبعضهم يصلي السنة، والحديث حجة عليه: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)، وهذا ليس فيه جدال، لكن لو أقيمت الصلاة والمسلم يصلي النافلة، فما الحكم؟

الجواب: أنه بالخيار، فإن استطاع أن يتم قبل أن يدخل الإمام في تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح فليتم، لأن الإقامة وتكبيرة الإحرام تحتاج إلى وقت، لكن لو أنه في الركعة الأولى وأقيمت الصلاة ، ففي هذه الحالة يخرج من الصلاة دون تسليم، وهذا اختيار فقهائنا، والله تعالى أعلم.

وأما صلاة النافلة بعد الفجر فتجوز، أي: صلاة سنة الفجر إن فاتت.