العدة شرح العمدة [1]


الحلقة مفرغة

نواقض الوضوء سبعة:

الناقض الأول: الخارج من السبيلين، وينقسم إلى قسمين: معتاد ونادر، والمعتاد: هو البول والغائط، والنادر: هو الدود والشعر ودم الاستحاضة والحصى.

الناقض الثاني: خروج النجاسات من سائر الجسد.

الناقض الثالث: زوال العقل بنوم أو جنون أو إغماء أو سكر، فإذا زال العقل بأي طريق من هذه الطرق انتقض الوضوء.

الناقض الرابع: لمس ذكره بيده.

الناقض الخامس: أن تمس بشرته بشرة أنثى.

الناقض السادس: الردة عن الإسلام.

الناقض السابع: أكل لحم الجزور.

مس النساء ومباشرتهن

هذا الموضوع من الموضوعات الخلافية بين المذاهب وهو مس المرأة، والمس في المتن يقصد به: اللمس، فإذا مس رجل امرأة سواءً كانت زوجة أو غير زوجة هل ينقض وضوءه أم لا؟ مع الأخذ في الاعتبار أن مس المرأة التي ليست من المحارم حرام، وهذه مسألة أخرى، ونحن الآن نحقق مسألة نقض الوضوء.

فمن العلماء من قال: ينقض على الإطلاق كالإمام الشافعي ؛ واستدل بقول الله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، واللمس في الآية عند غير الشافعي بمعنى: الجماع، أي: أو جامعتم النساء، والقول الراجح كما يقول الشارح: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة وهو متوضئ، ويذهب إلى الصلاة، وكان يصلي أحياناً فيجد قدم عائشة في القبلة، فيغمزها في قدمها وهو يصلي، فهذا يدل على أن لمس عائشة لم ينقض الوضوء، إلا إذا كان المس بشهوة فإنه ينقض؛ لأن الشهوة مظنة نزول المذي، فإذا كان المس بشهوة: انتقض الوضوء، وإذا كان المس بغير شهوة فلا ينقض؛ ولذلك قال الشارح: (ولا ينقض اللمس بالذراع).

وفي الناقض الخامس أن تمس بشرته بشرة أنثى: ثلاث روايات عن أحمد بن حنبل .

واختلاف الروايات عن أحمد يعني: أن أحد تلامذته نقل رأياً عنه، وتلميذاً آخر من تلامذته نقل رأياً آخر، وتلميذاً آخر كذلك نقل رأياً آخر، ففي هذه المسألة ثلاث روايات عن أحمد والترجيح بين الروايات مهم، فالرواية الأولى عن أحمد : أنه ينقض بكل حال بشهوة أو بغير شهوة؛ لقوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، فالإمام أحمد في هذه الرواية يوافق الشافعي ، وهذا يدل على أن من ثراء مذهب الإمام أحمد أن فيه أكثر من رواية، وستجد أن بعض الروايات توافق المذاهب الأخرى، فدراسة مذهب الإمام أحمد يجعلك تحصل المذاهب الأخرى بعد أن تستكمل الدراسة.

والرواية الثانية: لا ينقض بحال؛ لما روي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ)، رواه أبو داود ، وبعضهم قال: إنه مرسل.

وفي حديث آخر: قالت عائشة : (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت أطلبه، فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد)، رواه مسلم، فلو أن لمس المرأة ينقض الوضوء لخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة، لكنه أكمل الصلاة.

والرواية الثالثة عن أحمد وهي ظاهر المذهب: أنه ينقض إذا كان بشهوة ولا ينقض بغير شهوة جمعاً بين الآية والحديث، لأن إعمال الأدلة أولى من إهمالها؛ ولذلك جمع بين الدليلين.

الردة عن الإسلام

قوله: (سادساً: والردة عن الإسلام):

الردة عن الإسلام أن ينطق العبد بكلمة الكفر، أو يعتقد أو يشك شكاً يخرجه عن الإسلام، أو ينكر معلوماً من الدين بالضرورة، كأن يقول: أنا غير مؤمن بالصلاة، أو ينكر الصيام، أو ينكر الحج، أو ينكر الزكاة، أو يطعن في القرآن، أو يطعن في السنة، أو يجحد حديثاً ويرده.

وفرق بين المتأول الذي يفهم فهماً خاطئاً، وبين الجاحد الذي يرد، فالذي يرد يعتبر مرتداً بعد استتابته وإقامة الحجة عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث -ومنهم-: التارك لدينه المفارق للجماعة) ويستتاب ثلاث مرات، يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137].

وفي حديث البخاري أن معاذاً جاء إلى أبي موسى الأشعري ووجد رجلاً مربوطاً فقال: من هذا يا أبا موسى ؟! قال: رجل ارتد. قال: لن أنزل من على راحلتي حتى يقتل، قضاء الله ورسوله. قال: وما جئنا به إلا لنقتله؛ لأنه ارتد عن دينه واستتيب فلم يتب فقتل.

وأذكر أن أحد المفكرين عميد أعلى كلية في جامعة الأزهر تمخض فولد رأياً عجيباً، قال: إن المرتد يستتاب مدى الحياة، يعني: لا يقتل بحال؛ حتى لا يقال: إن الإسلام دين قتل، وهذا أما تكفيه نصوص القرآن والسنة؟!

إن الردة عن الإسلام ناقض من نواقض الوضوء؛ لأن الله قال: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، والوضوء عمل، فالمرتد وضوءه ينتقض.

أكل لحم الجزور

ومن نواقض الوضوء: أكل لحم الجزور؛ لما روى مسلم من حديث جابر بن سمرة وهو حجة على كل المذاهب؛ لأن هذا مذهب أحمد فقط، وأكل لحم الجزور هو لحم الإبل، ولحم الإبل ينقض الوضوء عند الحنابلة وهو الراجح خلافاً للشافعي وغيره؛ لما ثبت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل، فقال: يا رسول الله! أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم. توضأ من لحوم الإبل)، رواه مسلم .

قال الإمام أحمد : هذان حديثان صحيحان عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: الحديث حجة على المخالف.

وكنت أسمع في إذاعة القرآن الكريم، وكان ضيف الإذاعة الدكتور محمد بكر إسماعيل حفظه الله وهو شافعي المذهب، ففوجئت أنه يقول في هذا الحديث: إن المقصود بالوضوء هنا: غسل الفم؛ لأن العرب تطلق الوضوء على طهارة الفم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء)، وفي رواية: (عند كل صلاة)، فقال: كلمة (وضوء) هنا بمعنى: غسل الفم، ومع أنه أستاذنا في اللغة وأستاذنا في الأحكام الشرعية، ولا يمكن للأصاغر أن يتطاولوا على الأكابر، لكن نقول: يا أستاذنا! لا يصرف معنى الكلمة من المعنى الشرعي إلى المعنى اللغوي إلا بقرينة، يعني: الكلمة في أي حديث تحمل على المعنى الشرعي وليس على المعنى اللغوي، فحينما نقول: يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة، تحمل على المعنى الشرعي وهو الصلوات ولا تحمل على المعنى اللغوي وهو الدعاء، فكلمة الصلاة حينما تطلق فإنه يراد بها الصلوات إلا إذا جاءت قرينة تصرف الصلاة عن المعنى الشرعي إلى المعنى اللغوي، فحمل الوضوء على المعنى اللغوي ابتداءً يناقض الأصول، لأن الأصل أن نحمل الكلمة على المعنى الشرعي لا على المعنى اللغوي.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فإن قال رجل: أتمضمض وأغسل فمي وأصلي؛ لأن الوضوء هو طهارة الفم، فما تقولون فيه إن فعل ذلك؟

كما أن أول الحديث يدل على أن الوضوء هو الوضوء الشرعي. قال: (أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ)، هل معنى ذلك: إن شئت فاغسل فمك وإن شئت فلا تغسل؟ هذا الكلام لا يمكن أن يفهم أبداً.

ولكن انتصاراً للمذهب الشافعي أراد الأستاذ الفاضل أن يصرف معنى الكلمة عن معناها الشرعي إلى معناها اللغوي، أقول ذلك مع احتفاظي بالتقدير؛ ولأنه أستاذنا تعلمنا منه كثيراً، فمن الأدب أن نتعلم كيف نتعامل مع أساتذتنا.

هذا الموضوع من الموضوعات الخلافية بين المذاهب وهو مس المرأة، والمس في المتن يقصد به: اللمس، فإذا مس رجل امرأة سواءً كانت زوجة أو غير زوجة هل ينقض وضوءه أم لا؟ مع الأخذ في الاعتبار أن مس المرأة التي ليست من المحارم حرام، وهذه مسألة أخرى، ونحن الآن نحقق مسألة نقض الوضوء.

فمن العلماء من قال: ينقض على الإطلاق كالإمام الشافعي ؛ واستدل بقول الله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، واللمس في الآية عند غير الشافعي بمعنى: الجماع، أي: أو جامعتم النساء، والقول الراجح كما يقول الشارح: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة وهو متوضئ، ويذهب إلى الصلاة، وكان يصلي أحياناً فيجد قدم عائشة في القبلة، فيغمزها في قدمها وهو يصلي، فهذا يدل على أن لمس عائشة لم ينقض الوضوء، إلا إذا كان المس بشهوة فإنه ينقض؛ لأن الشهوة مظنة نزول المذي، فإذا كان المس بشهوة: انتقض الوضوء، وإذا كان المس بغير شهوة فلا ينقض؛ ولذلك قال الشارح: (ولا ينقض اللمس بالذراع).

وفي الناقض الخامس أن تمس بشرته بشرة أنثى: ثلاث روايات عن أحمد بن حنبل .

واختلاف الروايات عن أحمد يعني: أن أحد تلامذته نقل رأياً عنه، وتلميذاً آخر من تلامذته نقل رأياً آخر، وتلميذاً آخر كذلك نقل رأياً آخر، ففي هذه المسألة ثلاث روايات عن أحمد والترجيح بين الروايات مهم، فالرواية الأولى عن أحمد : أنه ينقض بكل حال بشهوة أو بغير شهوة؛ لقوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، فالإمام أحمد في هذه الرواية يوافق الشافعي ، وهذا يدل على أن من ثراء مذهب الإمام أحمد أن فيه أكثر من رواية، وستجد أن بعض الروايات توافق المذاهب الأخرى، فدراسة مذهب الإمام أحمد يجعلك تحصل المذاهب الأخرى بعد أن تستكمل الدراسة.

والرواية الثانية: لا ينقض بحال؛ لما روي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ)، رواه أبو داود ، وبعضهم قال: إنه مرسل.

وفي حديث آخر: قالت عائشة : (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت أطلبه، فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد)، رواه مسلم، فلو أن لمس المرأة ينقض الوضوء لخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة، لكنه أكمل الصلاة.

والرواية الثالثة عن أحمد وهي ظاهر المذهب: أنه ينقض إذا كان بشهوة ولا ينقض بغير شهوة جمعاً بين الآية والحديث، لأن إعمال الأدلة أولى من إهمالها؛ ولذلك جمع بين الدليلين.

قوله: (سادساً: والردة عن الإسلام):

الردة عن الإسلام أن ينطق العبد بكلمة الكفر، أو يعتقد أو يشك شكاً يخرجه عن الإسلام، أو ينكر معلوماً من الدين بالضرورة، كأن يقول: أنا غير مؤمن بالصلاة، أو ينكر الصيام، أو ينكر الحج، أو ينكر الزكاة، أو يطعن في القرآن، أو يطعن في السنة، أو يجحد حديثاً ويرده.

وفرق بين المتأول الذي يفهم فهماً خاطئاً، وبين الجاحد الذي يرد، فالذي يرد يعتبر مرتداً بعد استتابته وإقامة الحجة عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث -ومنهم-: التارك لدينه المفارق للجماعة) ويستتاب ثلاث مرات، يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137].

وفي حديث البخاري أن معاذاً جاء إلى أبي موسى الأشعري ووجد رجلاً مربوطاً فقال: من هذا يا أبا موسى ؟! قال: رجل ارتد. قال: لن أنزل من على راحلتي حتى يقتل، قضاء الله ورسوله. قال: وما جئنا به إلا لنقتله؛ لأنه ارتد عن دينه واستتيب فلم يتب فقتل.

وأذكر أن أحد المفكرين عميد أعلى كلية في جامعة الأزهر تمخض فولد رأياً عجيباً، قال: إن المرتد يستتاب مدى الحياة، يعني: لا يقتل بحال؛ حتى لا يقال: إن الإسلام دين قتل، وهذا أما تكفيه نصوص القرآن والسنة؟!

إن الردة عن الإسلام ناقض من نواقض الوضوء؛ لأن الله قال: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، والوضوء عمل، فالمرتد وضوءه ينتقض.