الإيمان والكفر [21]


الحلقة مفرغة

اختلاف الناس على العظماء

إن هناك أعمالاً صدرت ممن تبوءوا مكاناً عظيماً في قلوب المسلمين المخلصين لدينهم في هذه الأعصار الأخيرة، كالإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، والأستاذ سيد قطب رحمه الله، ومنهم أيضاً الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمهم الله أجمعين.

وثلاثتهم ممن كان له دور بصورة أو بأخرى في تجديد شباب هذه الدعوة، ودعوة الناس إلى تحقيق قوله تبارك وتعالى: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63].

لكن ثلاثتهم أيضاً ربما اجتمعوا في قاسم مشترك مم ترتب عليه: إما تأويل البعض الناس لكلامهم بصورة غير صحيحة، أو تطبيقه بصورة غير صحيحة، أو ربما يكون فعلاً صدر من أئمة الدعوة بعض المواقف بصفتهم البشرية قد يكون فيها أخذ ورد من وجهة نظر كثير من العلماء.

فأئمة الدعوة كتبوا كثيراً في قضايا التوحيد والدعوة، وربما أحياناً زلوا حتى إمام الدعوة مجدد القرن الثاني عشر الهجري الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وله رسائل كثيرة في التوحيد ولكنها كانت مجملة، ومقتضبة، وربما أدى هذا الإجمال إلى أن أساء البعض فهمها، أو أساء تطبيقها فيما بعد، فبالتالي اتخذ منها بعض دعاة التكفير معيناً لهم على بعض أفكارهم المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة.

نفس الشيء بالنسبة للأستاذ المودودي رحمه الله تعالى، وربما يكون في كلام المودودي عبارات صريحة تؤخذ عليه رحمه الله في قضية تكفير المسلمين، وإن كان من خلال الواقع العملي ربما ينكشف شيء من التصحيح لهذه العبارات النظرية، كذلك أخذ الأستاذ سيد قطب رحمه الله من المودودي بعض هذه المفاهيم، ودندن حولها في كتبه، وبالذات الظلال ومعالم في الطريق، ولا شك أن الأستاذ سيد قطب رحمه الله باعتباره أكثر الناس تأثيراً وأثراً في قلوب الشباب الإسلامي، ومد هذه الصحوة الإسلامية بكثير من المدد والوقود والوعي، لاشك أن شأنه شأن كثير من العظماء، بل كل العظماء أن يختلف الناس عليهم، وينقسم فيهم ما بين كادح ومادح، هو واحد من هؤلاء العظماء، بل هو نادرة زمانه وعصره الذي تبوأ قمة لم يقو الكثير على الصعود إليها، ونرجو أن يكون الله تبارك وتعالى قد بوأه هذا المنصب العظيم الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (سيد الشهداء حمزة ، ورجل قائم إلى إمام جائر فأمره فنهاه فقتله)، وكان بإمكان سيد قطب رحمه الله أن يداهن أو يلاين أو يتنازل عن عقيدته ومبدئه، ولعله يوصل إلى أرقى المناصب التي كان يغرى بها، ولكنه ثبت أمام هذه المغريات.

ثبات سيد قطب على مبادئه

لم تخل بلاد المسلمين في فترة حياة الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى من أن يكون فيها من هو أعلم أو أفقه من الأستاذ سيد قطب رحمه الله، لكنه تميز بأمر وبتجديد في جانب من الجوانب التي كان المسلمون يبحثون عن نجم يضيء لهم، فضلاً عن بدر ينير لهم الليل المظلم، وفي المثل يقولون: وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.

فلا طال ليل هذه الأمة الذي شابه في طوله ليالي القطبين، وتحسر المسلمون على نجم يسطع ساعة، فضلاً عن بدر يزين الليل كله، وفي زمن بخل فيه الناس بكلمة الحق وباعوا كرامتهم بأرخص الأثمان، أشرق بدر سيد قطب رحمه الله إلى أن سقط على أيدي الطاغية الجبان الذي سقته إسرائيل كئوس الذل مترعة، فلم تعرف له شدة ولا قوة ولا بأساً إلا إزاء المستضعفين من أمته.

تبوأ سيد قطب أعلى مقامات التضحية، وهو مقام التضحية بالنفس، كما يقول بعض الشعراء:

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود

فما هناك شك في أنه بصموده وثباته على مبدئه وتضحيته في سبيله حتى اللحظة الأخيرة، لا شك أنه ضرب مثلاً نادراً وفذاً في تاريخ المسلمين المعاصر.

وكتب بعض الصحفيين كتاباً يسميه: ( سيد قطب من القرية إلى المشنقة)، وإن كان تحامل عليه في مواضع، ولكنه كان ينبغي أن يتم هذا العنوان بعبارة ثالثة: لولا أمور الله بها عليم، ففعلاً هو قصد من القرية إلى المشنقة إلى قلوب المسلمين المخلصين لدينهم، حيث تربع فيها، وإن كان سيد قطب رحمه الله شخصية بارزة جداً في المجتمع المصري قبل أن يمن الله عليه بالهداية والانضمام إلى لواء الدعوة الإسلامية.

مكانة سيد قطب الاجتماعية

سيد قطب رحمه الله لم يكن نكرة في المجتمع المصري، ولم يكن شاباً مغموراً، لكنه كان علماً بارزاً من أعلام الأدب والفكر، وإذا تلونا أسماء الناس الذين كان يعرفهم ويعرفونه لزاد وضوح هذه الفكرة عندنا، وبالتالي وجدنا كيف أن الله تبارك وتعالى أبدله خيراً بهؤلاء الذين هجرهم وهجروه بعدما اتجه إلى الاتجاه الإسلامي، وبالأخص بعدما قدم حياته ثمناً لدعوته. حقاً تنكر له كل هؤلاء، تنكروا جميعاً وسكتوا ولم ينبس أحدهم ببنت شفة إلى سنوات طويلة، ربما يكون هذا عن قصد لإخماد ذكره، ولكن أبدله الله تبارك وتعالى بأن صدح بذكره كل لسان مؤمن في آفاق الأرض في جيله بل في أجيال -إن شاء الله- من بعده، فهو لم يكن شخصاً مغموراً في المجتمع المصري، لكنه كان علماً بارزاً من أعلام الأدب والفكر، كان نجماً ساطعاً من نجوم الصحافة، مشهور في أوساط الأدباء الذين عرفهم وعرفوه، وعلى رأسهم شخصاً يعد أستاذه، وهو: عباس محمود العقاد ، فإن سيد قطب ربما عد من أخص تلامذته، فقد كان قريباً جداً إلى العقاد ، ونافح عنه في معاركه الأدبية، سواء ضد الرافعي أو ضد طه حسين ، وكان خليلاً حميماً له لمدة تصل إلى ربع قرن كاملاً، ثم انفصلا واختلفا.

أيضاً ممن عرفهم وعرفوه، المدعو: طه حسين وأحمد حسن الزيات ومحمد منظور وتوفيق الحكيم وعزيز أباظة وأحمد شوقي الشاعر والرافعي ويحيى حقي وعباس خضر ونجيب محفوظ -لا حفظه الله- وحسين فوزي وإحسان عبد القدوس ومصطفى أمين ، هؤلاء كانوا أصدقاؤه ومعارفه وقريبين جداً منه، بل حتى الضباط الأحرار وعلى رأسهم جمال عبد الناصر كانوا من أخص أصدقائه، وربما جلسوا معه الليالي الطوال في بيته الذي اشتراه في حلوان لما تحول إلى القاهرة.

كل هؤلاء آثروا الصمت، ولم يكتبوا عنه ولم يتحدثوا، حتى كأنهم لا يعرفونه ولم يسمعوا عنه.

فالمقصود: أن تحول مثل هذا العلم البارز من أعلام المجتمع إلى الاتجاه الإسلامي، كان ينبغي أن يكون له رد فعل قوي عند هؤلاء، لكنهم كأنهم تواطأوا أو جبنوا عن أن يشيدوا بهذا التحول العظيم، وأبدله الله عز وجل كما ذكرنا هذه المكانة في قلوب المسلمين في كل زمان.

إن هناك أعمالاً صدرت ممن تبوءوا مكاناً عظيماً في قلوب المسلمين المخلصين لدينهم في هذه الأعصار الأخيرة، كالإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، والأستاذ سيد قطب رحمه الله، ومنهم أيضاً الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمهم الله أجمعين.

وثلاثتهم ممن كان له دور بصورة أو بأخرى في تجديد شباب هذه الدعوة، ودعوة الناس إلى تحقيق قوله تبارك وتعالى: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63].

لكن ثلاثتهم أيضاً ربما اجتمعوا في قاسم مشترك مم ترتب عليه: إما تأويل البعض الناس لكلامهم بصورة غير صحيحة، أو تطبيقه بصورة غير صحيحة، أو ربما يكون فعلاً صدر من أئمة الدعوة بعض المواقف بصفتهم البشرية قد يكون فيها أخذ ورد من وجهة نظر كثير من العلماء.

فأئمة الدعوة كتبوا كثيراً في قضايا التوحيد والدعوة، وربما أحياناً زلوا حتى إمام الدعوة مجدد القرن الثاني عشر الهجري الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وله رسائل كثيرة في التوحيد ولكنها كانت مجملة، ومقتضبة، وربما أدى هذا الإجمال إلى أن أساء البعض فهمها، أو أساء تطبيقها فيما بعد، فبالتالي اتخذ منها بعض دعاة التكفير معيناً لهم على بعض أفكارهم المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة.

نفس الشيء بالنسبة للأستاذ المودودي رحمه الله تعالى، وربما يكون في كلام المودودي عبارات صريحة تؤخذ عليه رحمه الله في قضية تكفير المسلمين، وإن كان من خلال الواقع العملي ربما ينكشف شيء من التصحيح لهذه العبارات النظرية، كذلك أخذ الأستاذ سيد قطب رحمه الله من المودودي بعض هذه المفاهيم، ودندن حولها في كتبه، وبالذات الظلال ومعالم في الطريق، ولا شك أن الأستاذ سيد قطب رحمه الله باعتباره أكثر الناس تأثيراً وأثراً في قلوب الشباب الإسلامي، ومد هذه الصحوة الإسلامية بكثير من المدد والوقود والوعي، لاشك أن شأنه شأن كثير من العظماء، بل كل العظماء أن يختلف الناس عليهم، وينقسم فيهم ما بين كادح ومادح، هو واحد من هؤلاء العظماء، بل هو نادرة زمانه وعصره الذي تبوأ قمة لم يقو الكثير على الصعود إليها، ونرجو أن يكون الله تبارك وتعالى قد بوأه هذا المنصب العظيم الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (سيد الشهداء حمزة ، ورجل قائم إلى إمام جائر فأمره فنهاه فقتله)، وكان بإمكان سيد قطب رحمه الله أن يداهن أو يلاين أو يتنازل عن عقيدته ومبدئه، ولعله يوصل إلى أرقى المناصب التي كان يغرى بها، ولكنه ثبت أمام هذه المغريات.

لم تخل بلاد المسلمين في فترة حياة الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى من أن يكون فيها من هو أعلم أو أفقه من الأستاذ سيد قطب رحمه الله، لكنه تميز بأمر وبتجديد في جانب من الجوانب التي كان المسلمون يبحثون عن نجم يضيء لهم، فضلاً عن بدر ينير لهم الليل المظلم، وفي المثل يقولون: وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.

فلا طال ليل هذه الأمة الذي شابه في طوله ليالي القطبين، وتحسر المسلمون على نجم يسطع ساعة، فضلاً عن بدر يزين الليل كله، وفي زمن بخل فيه الناس بكلمة الحق وباعوا كرامتهم بأرخص الأثمان، أشرق بدر سيد قطب رحمه الله إلى أن سقط على أيدي الطاغية الجبان الذي سقته إسرائيل كئوس الذل مترعة، فلم تعرف له شدة ولا قوة ولا بأساً إلا إزاء المستضعفين من أمته.

تبوأ سيد قطب أعلى مقامات التضحية، وهو مقام التضحية بالنفس، كما يقول بعض الشعراء:

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود

فما هناك شك في أنه بصموده وثباته على مبدئه وتضحيته في سبيله حتى اللحظة الأخيرة، لا شك أنه ضرب مثلاً نادراً وفذاً في تاريخ المسلمين المعاصر.

وكتب بعض الصحفيين كتاباً يسميه: ( سيد قطب من القرية إلى المشنقة)، وإن كان تحامل عليه في مواضع، ولكنه كان ينبغي أن يتم هذا العنوان بعبارة ثالثة: لولا أمور الله بها عليم، ففعلاً هو قصد من القرية إلى المشنقة إلى قلوب المسلمين المخلصين لدينهم، حيث تربع فيها، وإن كان سيد قطب رحمه الله شخصية بارزة جداً في المجتمع المصري قبل أن يمن الله عليه بالهداية والانضمام إلى لواء الدعوة الإسلامية.

سيد قطب رحمه الله لم يكن نكرة في المجتمع المصري، ولم يكن شاباً مغموراً، لكنه كان علماً بارزاً من أعلام الأدب والفكر، وإذا تلونا أسماء الناس الذين كان يعرفهم ويعرفونه لزاد وضوح هذه الفكرة عندنا، وبالتالي وجدنا كيف أن الله تبارك وتعالى أبدله خيراً بهؤلاء الذين هجرهم وهجروه بعدما اتجه إلى الاتجاه الإسلامي، وبالأخص بعدما قدم حياته ثمناً لدعوته. حقاً تنكر له كل هؤلاء، تنكروا جميعاً وسكتوا ولم ينبس أحدهم ببنت شفة إلى سنوات طويلة، ربما يكون هذا عن قصد لإخماد ذكره، ولكن أبدله الله تبارك وتعالى بأن صدح بذكره كل لسان مؤمن في آفاق الأرض في جيله بل في أجيال -إن شاء الله- من بعده، فهو لم يكن شخصاً مغموراً في المجتمع المصري، لكنه كان علماً بارزاً من أعلام الأدب والفكر، كان نجماً ساطعاً من نجوم الصحافة، مشهور في أوساط الأدباء الذين عرفهم وعرفوه، وعلى رأسهم شخصاً يعد أستاذه، وهو: عباس محمود العقاد ، فإن سيد قطب ربما عد من أخص تلامذته، فقد كان قريباً جداً إلى العقاد ، ونافح عنه في معاركه الأدبية، سواء ضد الرافعي أو ضد طه حسين ، وكان خليلاً حميماً له لمدة تصل إلى ربع قرن كاملاً، ثم انفصلا واختلفا.

أيضاً ممن عرفهم وعرفوه، المدعو: طه حسين وأحمد حسن الزيات ومحمد منظور وتوفيق الحكيم وعزيز أباظة وأحمد شوقي الشاعر والرافعي ويحيى حقي وعباس خضر ونجيب محفوظ -لا حفظه الله- وحسين فوزي وإحسان عبد القدوس ومصطفى أمين ، هؤلاء كانوا أصدقاؤه ومعارفه وقريبين جداً منه، بل حتى الضباط الأحرار وعلى رأسهم جمال عبد الناصر كانوا من أخص أصدقائه، وربما جلسوا معه الليالي الطوال في بيته الذي اشتراه في حلوان لما تحول إلى القاهرة.

كل هؤلاء آثروا الصمت، ولم يكتبوا عنه ولم يتحدثوا، حتى كأنهم لا يعرفونه ولم يسمعوا عنه.

فالمقصود: أن تحول مثل هذا العلم البارز من أعلام المجتمع إلى الاتجاه الإسلامي، كان ينبغي أن يكون له رد فعل قوي عند هؤلاء، لكنهم كأنهم تواطأوا أو جبنوا عن أن يشيدوا بهذا التحول العظيم، وأبدله الله عز وجل كما ذكرنا هذه المكانة في قلوب المسلمين في كل زمان.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
الإيمان والكفر [14] 2440 استماع
الإيمان والكفر [27] 2427 استماع
الإيمان والكفر [23] 2230 استماع
الإيمان والكفر [5] 2182 استماع
الإيمان والكفر [22] 1946 استماع
الإيمان والكفر [16] 1906 استماع
الإيمان والكفر [7] 1852 استماع
الإيمان والكفر [10] 1843 استماع
الإيمان والكفر [1] 1832 استماع
الإيمان والكفر [24] 1831 استماع