الإيمان والكفر [24]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:

علاقة العذر بالجهل بالعذر لأهل الفترة

قبل أن ندرس قضية العصر، أو موضة العصر؛ العذر بالجهل، والتي تطرح بين وقت وآخر، وتتعرض للخوض الكثير فيها، ونرجو -إن شاء الله- أن نتكلم فيها بمزيد تفصيل، ثم لا نفتحها بعد ذلك ولا نحتاج إلى ذلك بإذن الله، لكن قبل الكلام على قضية العذر بالجهل، نلاحظ في من يكتبون أو يتكلمون في قضايا العذر بالجهل: إما أنهم يخلطون بين أمرين حتى في الأدلة يناقشونها: بين الكافر الذي لم يدخل أصلاً في الإسلام، وبين المسلم الذي ثبت له عقد الإسلام، فتجد بعض الناس تستدل بأدلة هي في حق المشركين الذين لم يدخلوا أصلاً في الإسلام، فمثلاً قوله تبارك وتعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ [الأعراف:173] إلى آخر الآية في سورة الأعراف، هذه في حق المشركين.

كذلك أيضاً في الطرف الآخر بعض الناس يستدل بقوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، هذه أيضاً تحمل على غير معناها.

الشاهد: أن بعض الناس يخلطون في الأمور بين هذين الطرفين، فرق بين من استكبر أن يقول لا إله إلا الله، واستكبر أن يدخل في دين الإسلام، وكفر ولم يؤمن بالله ولا بالرسول ولا بالقرآن، ولا دخل في الإسلام، وبين من دخل في الإسلام، ثم خالف أو وقع في شيء يناقض عقيدة التوحيد، ويناقض عقيدة الإسلام دون أن يعرف أن هذا يناقض الإسلام، أو دون أن تبلغه الحجة الرسالية، فرق كبير بين الطرفين، وسنزيد ذلك بياناً إن شاء الله فيما بعد.

مما يتعلق بقضية العذر بالجهل: قضية أهل الفترة، وكثير ممن يناقشون: هل معرفة الله تدرك بالعقل، أم تدرك بالشرع؟ نعرف -والله أعلم- أن هذه الأشياء تدرك عن طريق التلقي بالوحي لا عن طريق العقل، بل إن الله تبارك وتعالى رغم أنه فطرنا على فطرة الإسلام، وأنزل إلينا الكتب، وبث آياته في الآفاق وفي أنفسنا، لكن الله تبارك وتعالى تفضل وامتن على عباده بأنه لن يعذب أحداً حتى تبلغه حجة الرسل.

فإذاً الحجة تقوم بالأنبياء والمرسلين، وبنصوص الوحي، ولذلك قال عز وجل: (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) ، فتأتي بعض الأدلة مثل حديث الرجل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أين أبي ؟ قال: في النار، فولى الرجل، فقال له النبي عليه السلام بعد ذلك: إن أبي وأباك في النار} .

فنجد أن ناساً يقولون: إن هذا دليل على أن هؤلاء كانوا في النار؛ رغم أنهم كانوا في أهل الفترة، لكن مع ذلك عذبوا.

إذاً: النقاش فيها سيطول قليلاً -إن شاء الله- فنوضح هذه القضية؛ لأن لها علاقة بما نحن بصدده.

تعريف الفترة لغة واصطلاحاً

الفترة في اللغة هي السكون والضعف، تقول: فتر الشيء، يعني: سكن بعد حدة، ولان بعد شدة، وتقول: أفتره الداء: أي أضعفه، والفترة: فعلة من فتر الأمر يفتر أو يفتر فتوراً، وذلك إذا هدأ أو سكن، وفي الحديث: {ثم فتر الوحي}، أي: انقطع وسكن.

أما اصطلاحاً فهي: ما كان بين كل نبيين، كانقطاع الرسالة بين عيسى عليه السلام، ومحمد عليه الصلاة والسلام، وكالفترة بين نوح وإدريس عليهما السلام، وقيل: هي ما كانت بين رسولين، فلم يرسل فيها إلى الناس الرسول الأول، ثم لم يدركوا الرسول الثاني، فهذه فترة.

وقال الألوسي رحمه الله: أجمع المفسرون على أن الفترة هي الانقطاع ما بين رسولين، قال الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ [المائدة:19]، وفي الصحيح: {أن الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ستمائة سنة} ، هذا في البخاري ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي} ، رواه البخاري ، العلات: الضرائر، كما جاء في الحديث الآخر: {نحن معشر الأنبياء إخوة لعلات، ديننا واحد، وأمهاتنا شتى}، (ديننا واحد) العقيدة، لكن الشرائع تختلف، الحلال والحرام، نظم الطلاق، الزواج، البيوع، الأمور العامة تتفاوت، الشرائع تتغير وتنسخ، لكن العقيدة واحدة من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء كلهم جاءوا ليدعوا إلى الإسلام، (وأمهاتهم شتى): هي الشرائع والأحكام في الحلال والحرام، والأمور العملية، ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {ليس بيني وبينه نبي}، فهذا لفظ واضح وصريح في أنه لم يكن هناك نبي بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، خلافاً لبعض الأحاديث الضعيفة التي فيها إثبات نبي من الأنبياء ضيعه قومه، فهذا الحديث صريح في ذلك، وهو أصح: {ليس بيني وبينه نبي} .

تعريف أهل الفترة

ثم بعد ذلك: من هم أهل الفترة؟ وما أحكامهم؟

هل أهل الفترة يكلفون أم لا يكلفون؟

المكلف في الاصطلاح: هو الشخص الذي تعلق حكم الشارع بفعله، وشرط هذا المكلف أن يكون قادراً على فهم الدليل؛ لأن التكليف خطاب الله متعلق بأفعال المكلفين، وخطاب من لا عقل ولا فهم له محال، والقدرة على الفهم إنما تكون بالعقل؛ لأن العقل هو أداة الفهم والإدراك، وبه يمكن الامتثال، ولما كان العقل من الأمور الخفية، وليس شيئاً محسوس نراه، وإذا رأيناه نقول هذا عاقل، فهو أمر خفي غير محسوس، فربط الشرع التكاليف بأمر ظاهر منضبط يدرك بالحس وهو البلوغ، بأن يكون عاقلاً ويعرف ذلك بما يصدر عنه من الأقوال والأفعال بحسب المألوف من الناس، فمن بلغ الحلم، ولم يظهر خلل في قواه العقلية والفعلية والقولية صار مكلفاً، أيضاً يشترط للمكلف أن يكون أهلاً للتكليف.

والأهلية : هي الصلاحية لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه، قال الله تعالى: (( وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ))، والأهلية تتحقق بالعقل والفهم، من هذه الشروط: أن يكون المكلف عالماً بما كلف به، أو متمكناً من العلم، ليستطيع الفعل والترك؛ لأن التكليف بالمستحيل وبما لا يقدر عليه المكلف محال.

قبل أن ندرس قضية العصر، أو موضة العصر؛ العذر بالجهل، والتي تطرح بين وقت وآخر، وتتعرض للخوض الكثير فيها، ونرجو -إن شاء الله- أن نتكلم فيها بمزيد تفصيل، ثم لا نفتحها بعد ذلك ولا نحتاج إلى ذلك بإذن الله، لكن قبل الكلام على قضية العذر بالجهل، نلاحظ في من يكتبون أو يتكلمون في قضايا العذر بالجهل: إما أنهم يخلطون بين أمرين حتى في الأدلة يناقشونها: بين الكافر الذي لم يدخل أصلاً في الإسلام، وبين المسلم الذي ثبت له عقد الإسلام، فتجد بعض الناس تستدل بأدلة هي في حق المشركين الذين لم يدخلوا أصلاً في الإسلام، فمثلاً قوله تبارك وتعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ [الأعراف:173] إلى آخر الآية في سورة الأعراف، هذه في حق المشركين.

كذلك أيضاً في الطرف الآخر بعض الناس يستدل بقوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، هذه أيضاً تحمل على غير معناها.

الشاهد: أن بعض الناس يخلطون في الأمور بين هذين الطرفين، فرق بين من استكبر أن يقول لا إله إلا الله، واستكبر أن يدخل في دين الإسلام، وكفر ولم يؤمن بالله ولا بالرسول ولا بالقرآن، ولا دخل في الإسلام، وبين من دخل في الإسلام، ثم خالف أو وقع في شيء يناقض عقيدة التوحيد، ويناقض عقيدة الإسلام دون أن يعرف أن هذا يناقض الإسلام، أو دون أن تبلغه الحجة الرسالية، فرق كبير بين الطرفين، وسنزيد ذلك بياناً إن شاء الله فيما بعد.

مما يتعلق بقضية العذر بالجهل: قضية أهل الفترة، وكثير ممن يناقشون: هل معرفة الله تدرك بالعقل، أم تدرك بالشرع؟ نعرف -والله أعلم- أن هذه الأشياء تدرك عن طريق التلقي بالوحي لا عن طريق العقل، بل إن الله تبارك وتعالى رغم أنه فطرنا على فطرة الإسلام، وأنزل إلينا الكتب، وبث آياته في الآفاق وفي أنفسنا، لكن الله تبارك وتعالى تفضل وامتن على عباده بأنه لن يعذب أحداً حتى تبلغه حجة الرسل.

فإذاً الحجة تقوم بالأنبياء والمرسلين، وبنصوص الوحي، ولذلك قال عز وجل: (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) ، فتأتي بعض الأدلة مثل حديث الرجل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أين أبي ؟ قال: في النار، فولى الرجل، فقال له النبي عليه السلام بعد ذلك: إن أبي وأباك في النار} .

فنجد أن ناساً يقولون: إن هذا دليل على أن هؤلاء كانوا في النار؛ رغم أنهم كانوا في أهل الفترة، لكن مع ذلك عذبوا.

إذاً: النقاش فيها سيطول قليلاً -إن شاء الله- فنوضح هذه القضية؛ لأن لها علاقة بما نحن بصدده.

الفترة في اللغة هي السكون والضعف، تقول: فتر الشيء، يعني: سكن بعد حدة، ولان بعد شدة، وتقول: أفتره الداء: أي أضعفه، والفترة: فعلة من فتر الأمر يفتر أو يفتر فتوراً، وذلك إذا هدأ أو سكن، وفي الحديث: {ثم فتر الوحي}، أي: انقطع وسكن.

أما اصطلاحاً فهي: ما كان بين كل نبيين، كانقطاع الرسالة بين عيسى عليه السلام، ومحمد عليه الصلاة والسلام، وكالفترة بين نوح وإدريس عليهما السلام، وقيل: هي ما كانت بين رسولين، فلم يرسل فيها إلى الناس الرسول الأول، ثم لم يدركوا الرسول الثاني، فهذه فترة.

وقال الألوسي رحمه الله: أجمع المفسرون على أن الفترة هي الانقطاع ما بين رسولين، قال الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ [المائدة:19]، وفي الصحيح: {أن الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ستمائة سنة} ، هذا في البخاري ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي} ، رواه البخاري ، العلات: الضرائر، كما جاء في الحديث الآخر: {نحن معشر الأنبياء إخوة لعلات، ديننا واحد، وأمهاتنا شتى}، (ديننا واحد) العقيدة، لكن الشرائع تختلف، الحلال والحرام، نظم الطلاق، الزواج، البيوع، الأمور العامة تتفاوت، الشرائع تتغير وتنسخ، لكن العقيدة واحدة من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء كلهم جاءوا ليدعوا إلى الإسلام، (وأمهاتهم شتى): هي الشرائع والأحكام في الحلال والحرام، والأمور العملية، ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {ليس بيني وبينه نبي}، فهذا لفظ واضح وصريح في أنه لم يكن هناك نبي بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، خلافاً لبعض الأحاديث الضعيفة التي فيها إثبات نبي من الأنبياء ضيعه قومه، فهذا الحديث صريح في ذلك، وهو أصح: {ليس بيني وبينه نبي} .

ثم بعد ذلك: من هم أهل الفترة؟ وما أحكامهم؟

هل أهل الفترة يكلفون أم لا يكلفون؟

المكلف في الاصطلاح: هو الشخص الذي تعلق حكم الشارع بفعله، وشرط هذا المكلف أن يكون قادراً على فهم الدليل؛ لأن التكليف خطاب الله متعلق بأفعال المكلفين، وخطاب من لا عقل ولا فهم له محال، والقدرة على الفهم إنما تكون بالعقل؛ لأن العقل هو أداة الفهم والإدراك، وبه يمكن الامتثال، ولما كان العقل من الأمور الخفية، وليس شيئاً محسوس نراه، وإذا رأيناه نقول هذا عاقل، فهو أمر خفي غير محسوس، فربط الشرع التكاليف بأمر ظاهر منضبط يدرك بالحس وهو البلوغ، بأن يكون عاقلاً ويعرف ذلك بما يصدر عنه من الأقوال والأفعال بحسب المألوف من الناس، فمن بلغ الحلم، ولم يظهر خلل في قواه العقلية والفعلية والقولية صار مكلفاً، أيضاً يشترط للمكلف أن يكون أهلاً للتكليف.

والأهلية : هي الصلاحية لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه، قال الله تعالى: (( وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ))، والأهلية تتحقق بالعقل والفهم، من هذه الشروط: أن يكون المكلف عالماً بما كلف به، أو متمكناً من العلم، ليستطيع الفعل والترك؛ لأن التكليف بالمستحيل وبما لا يقدر عليه المكلف محال.

الفترة في اللغة: هي السكون والضعف. تقول: فتر الشيء: إذا سكن بعد حدة، ولان بعد شدة. وتقول: أفتره الداء: أي: أضعفه. والفترة: فعلة من: فتر الأمر يفتر أو يفتر فتوراً، وذلك إذا هدأ أو سكن، وفي الحديث: (ثم فتر الوحي)، أي: انقطع وسكن. أما اصطلاحاً فهي: ما كان بين كل نبيين، كانقطاع الرسالة بين عيسى عليه السلام ومحمد عليه الصلاة والسلام، وكالفترة بين نوح وإدريس عليهما السلام، وقيل: هي ما كانت بين رسولين، فلم يرسل فيها إلى الناس الرسول الأول، ثم لم يدركوا الرسول الثاني، فهذه فترة. وقال الألوسي رحمه الله: أجمع المفسرون على أن الفترة هي الانقطاع ما بين رسولين، قال الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ [المائدة:19]، وفي الصحيح: (أن الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ستمائة سنة) ، وهذا في البخاري ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا أولى الناس بابن مريم -والأنبياء أولاد علات-؛ ليس بيني وبينه نبي) ، رواه البخاري ، والعلات: الضرائر، كما جاء في الحديث الآخر: (نحن -معشر الأنبياء- إخوة لعلات، ديننا واحد، وأمهاتنا شتى)، فقوله: (ديننا واحد) يعني العقيدة، لكن الشرائع تختلف، فالحلال والحرام، ونظم الطلاق، والزواج، والبيوع، والأمور العامة تتفاوت، والشرائع تتغير وتنسخ، لكن العقيدة واحدة من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء كلهم جاءوا ليدعوا إلى الإسلام، فقوله: (وأمهاتنا شتى) هي الشرائع والأحكام في الحلال والحرام، والأمور العملية. وقوله عليه الصلاة والسلام: (ليس بيني وبينه نبي)لفظ واضح وصريح في أنه لم يكن هناك نبي بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، خلافاً لبعض الأحاديث الضعيفة التي فيها إثبات نبي من الأنبياء ضيعه قومه، فهذا الحديث صريح في ذلك، حيث قال: (ليس بيني وبينه نبي) وهو أصح.

يأتي بعد تعريف الفترة معرفة أهل الفترة ومعرفة أحكامهم، وهل أهل الفترة يكلفون أم لا؟ إن المكلف في الاصطلاح هو الشخص الذي تعلق حكم الشارع بفعله، وشرط هذا المكلف أن يكون قادراً على فهم الدليل؛ لأن التكليف خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين، وخطاب من لا عقل ولا فهم له محال، والقدرة على الفهم إنما تكون بالعقل؛ لأن العقل هو أداة الفهم والإدراك، وبه يمكن الامتثال، ولما كان العقل من الأمور الخفية، وليس شيئاً محسوساً نراه، فربط الشرع التكاليف بأمر ظاهر منضبط يدرك بالحس، وهو البلوغ، بأن يكون المرء عاقلاً، ويعرف ذلك بما يصدر عنه من الأقوال والأفعال بحسب المألوف من الناس، فمن بلغ الحلم ولم يظهر خلل في قواه العقلية والفعلية والقولية صار مكلفاً. ويشترط في المكلف أن يكون أهلاً للتكليف، والأهلية هي الصلاحية لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه، قال الله تعالى: (( وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ))، والأهلية تتحقق بالعقل والفهم، فمن هذه الشروط: أن يكون المكلف عالماً بما كلف به، أو متمكناً من العلم ليستطيع الفعل والترك؛ لأن التكليف بالمستحيل وبما لا يقدر عليه المكلف محال.