كيف تنال محبة الله؟


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها الإخوة في الله! يروي أهل السنن دعاءً مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأفضل الأدعية، وأعظم الأذكار ما كان مأثوراً عنه صلوات الله وسلامه عليه؛ لأنه أعرف الناس بربه، وأعبدهم لله عز وجل، فإذا أردت أن تدعو أو أن تذكر الله، فابحث عن الدعاء المأثور الذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مانع من أن تدعو بما شئت ولكن إن أردت الأفضل فأفضل الدعاء هو دعاؤه صلوات الله وسلامه عليه.

أُثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عملٍ يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إليَّ من نفسي وأهلي، ومن الماء البارد على الظمأ) هذا الدعاء يتضمن رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في نيل محبة الله عز وجل؛ لأنه إذا أُحب من قبل الله فقد ضمن النجاة، إذ أن الله إذا أحب عبداً لم يعذبه، إذا أحب عبداً تولاه، إذا أحب عبداً سدده ووفقه وهداه، فكان يسأل صلوات الله وسلامه عليه من ربه أن يرزقه حبه، وحب كل عملٍ يقربه إلى حبه، ثم يطلب أن يكون حبه لله أحب إليه من النفس ومن الأهل ومن الماء البارد على الظمأ.

وأيضاً يروي الترمذي مع أهل السنن حديثاً آخر فيه دعاءٌ مماثل يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك) تأملوا دقة الألفاظ النبوية.

ثم يقول: (اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوةً لي فيما تحب) أي: ما رزقتني من مال، وما رزقتني من جمال، وما رزقتني من منصب، وما رزقتني من جاه، وما رزقتني من أولاد، وما رزقتني من زوجات، وما رزقتني من ثروات (اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوةً لي على ما تحب) صلواته وسلامه على الرسول صلى الله عليه وسلم، اجعل المال الذي رزقتني وأنا أحبه قوةً لي فيما تحبه من العمل الصالح، واجعل المنصب الذي أنا أحبه قوةً أستعين به على ما تحب من العمل الصالح، واجعل الزوجة والأولاد والجاه والعمارة والسيارة، واجعل كل شيء رزقتني وأنا أحبه قوةً لي فيما تحب.

إذ أن من الناس من يرزق من هذه النعم فيجعله قوةً على ما يبغضه الله عز وجل، يستعين بالمال على معصية الله، ويستعين بالمنصب على معصية الله، ويستعين بالزوجة على معصية الله، ويستعين بالأولاد على معصية الله، ويصرف كل هذه النعم التي مَنَّ الله بها عليه في معصية الله، فيستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم بالله، ويسأل الله عز وجل أن يجعل كل ما يرزق مما يحب عوناً وقوةً له فيما يحب تبارك وتعالى.

ويقول: (اللهم اجعل ما زويت عني مما أحب) ما زويت وما صرفت ولم تعطني إياه مما أحب.

وحب الطمع: لا تطمع فيما عند الناس؛ لأن الناس لا يملكون شيئاً أصلاً، والناس أيضاً فقراء، والله لو كان الشخص منهم مليونيراً وعنده ملايين الدنيا فإنه فقير؛ لماذا؟ يخاف على المال، لكن إذا طمعت فيما عند الله عز وجل أغناك الله، وعلم الله منك صدق التوجه واليقين، وصدق العبودية فيغنيك الله من فضله، ولا تطمع فيما في أيديهم فيعطيك الله، فازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس، واطمع فيما عند الله يحبك الله تبارك وتعالى.

الأذلة للمؤمنين الأعزة على الكافرين

فعليك يا أخي! أن تجعل همك الأول والأخير كيف تنال محبة الله عز وجل، وقد جاءت الأوصاف في الآيات الكريمة وفي الأحاديث النبوية تبين من هم الذين يحبهم الله عز وجل، فيقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] هذه صفاتهم: أذلةٍ على المؤمنين: رحماء، وأرقاء، ومتواضعين، ومتعاطفين كالعبد لسيده، وكالوالد لولده، لكن لمن؟ للمؤمنين وفي المقابل أعزة على الكافرين، أشداء كالأسد على فريسته، وكالعقاب على طريدته، لكن على من؟ على الكفار. انظروا كيف الخلق؟ الإنسان ذو شخصيتين وهو مؤمن يحمل شخصيتين: شخصية الذلة والتواضع والرحمة والعطف والتسامح، وعدم الأخذ على الأخ، والتغاضي عنه والعفو عن زلته لكن للمؤمنين، أما على الكفار فأسد هصور لا يذل، لكن هل المؤمنون الآن في هذا الوضع؟! لا. إلا من رحم الله، فهم -الآن- أعزة على المؤمنين وأذلة على الكفار ولا حول ولا قوة إلا بالله! هؤلاء لا يحبون الله ولا يحبهم الله.

من هم الذين يحبهم الله ويحبونه؟ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] لأنهم اتصفوا بهذه الصفات وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] بعد أن اتصفوا بهذه الصفات، لم يحبهم إلا لاتصافهم بها، ولم يعملوا هذه الصفات ولم يذلوا للمؤمنين ويعزوا أنفسهم على الكفار إلا لأنهم يحبون الله عز وجل: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه [المائدة:54] بالنفس والمال واللسان، لا تأخذهم في الله لومة لائم، هذه علامة صدق محبتهم في الله؛ لأن المحب الذي يخاف اللوم في محبوبه ليس بمحبٍ على الحقيقة، يقول:

أجد الملامة في هواك لذيذةً     حباً لذكرك فليلمني اللَّوم

يقول: إذا لاموني أني أحبك فرحت وأجد الملامة لذيذة من أجل أن أتذكرك، ويقول:

إذا مرضنا تداوينا بذكركم     فنترك الذكر أحياناً فننتكس

فذكر الله عز وجل أعظم شيء عند المؤمن حتى أنهم لا يخافون في الله لومة لائم، من يلومهم وهم في طاعة الله؟ لا يخشون أحداً إلا الله.

من الناس الآن من يخشى ملامة الناس في طاعة الله، يريد أن يطلق لحيته فيقول: الناس يلومونني عندما أطلق لحيتي، سبحان الله! أتخشى في الله لومة لائم؟ يريد -مثلاً- أن يلتزم بطاعة الله فيقول: الناس يلقبونني (مطوعاً) ويصنفونني في مكان! أتخشى في الله لومة لائم؟

يريد أن يقيم مشروعاً، يريد أن يغير منكراً، يريد أن يعمل عملاً صالحاً فيراقب الناس، هذا يخشى في الله لومة لائم، فهذا ليس ممن يحبهم الله، ولا ممن يحبون الله، فالذين يحبهم الله ويحبونه لا يخافون في الله لومة لائم، يخافون الله فقط، أما غير الله فلا يخشونه، ولا يخافون لومته؛ لأنهم يخافون الله ويخشونه ويحبونه، ويحبهم الله سبحانه وتعالى.

أهل الصبر

أيضاً الذين يحبهم الله كثير وقد ذكرهم الله في القرآن وفي السنة، يقول عز وجل: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146] يحب من يتصف بصفة الصبر، والصبر هو نصف الدين، الصبر هو القاعدة التي يقوم عليها الدين، والذي لا يصبر لا يمكن أن يكون مؤمناً، لابد من الصبر في طاعة الله، ولابد من الصبر عن معصية الله، ولابد من الصبر على أقدار الله المؤلمة.

أتريد أن تمارس العبادة بدون صبر؟! لا. لا يمكن، فالعبادة مشقة، كونك تصلي الصلوات الخمس، كونك تقوم جزءاً من الليل، كونك تصوم، كونك تزكي، كونك تحج، كونك تعتمر، كونك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أو تقرأ أو تذكر أو تدعو، هذا جهد لابد فيه من ممارسة ومعاناة.

ولابد من صبر عن معصية الله؛ لأن في ترك المعاصي مشقة، والمعاصي محببة إلى النفس، والأغاني محببة، والنظر المحرم محبب، والغفلة محببة، والغيبة والنميمة محببة، والنوم والفراش الوفير والزوجة الجميلة والمتعة والشهوات، والأغاني والخمور والزنا كل هذه شهوات محببة، لكن المؤمن يحجز نفسه عنها ويستعين على ذلك بالصبر: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45].. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] فالصبر إذا تحليت به كنت ممن يحبهم الله بنص القرآن، يقول الله عز وجل : وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146].

أهل الإحسان

وأيضاً يقول الله عز وجل: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] المحسن هو: الذي بلغ مرتبةً من مراتب الدين هي أعلى المراتب، فمراتب الدين ثلاثة:

المرتبة الأولى: الإسلام.

والمرتبة الثانية: الإيمان.

والمرتبة الثالثة: الإحسان.

والناس يتفاوتون -فدوائر الدين والمكلفين هي خمس دوائر- الدائرة الأولى أوسع دائرة، وهي دائرة الكفار، والدائرة الثانية: دائرة المنافقين، والدائرة الثالثة: دائرة المسلمين، والدائرة الرابعة: دائرة المؤمنين، والدائرة الأخيرة: دائرة المحسنين، هذه لا يدخلها إلا قليل من الناس، وقد عرفها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه) أي: أن تنكشف أمامك الحُجب، وتزول عن عينيك الحواجز والموانع، وتصبح تمارس العبادة كأنك ترى الله، تراقب الله كأنك تراه، تشعر برقابة الله عليك في جوف الليل وأنت ليس معك إلا الله فتمتنع عن المعاصي، تمر يدك على الإذاعة وتسمع أغنية كنت تتقطع لها وتحبها، وليس هناك من يراك أو يسمعك لكنك تعلم أن الله يراك، فتغلق (الراديو) وتزيل المؤشر منه خوفاً من الله، هذه مرتبة الإحسان، تمر في الشارع فترى امرأة متبرجة فاتنة وليس هناك من يراك لو نظرت إليها لكنك تعلم أن عين الله تراك، سئل الحسن البصري : بم نستعين على غض البصر؟ قال: [بعلمك بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه] فإذا تيقنت هذا وعرفت أن الله ينظر إليك غضضت بصرك خوفاً من الله، وهذا هو معنى الإحسان، وهذه درجته، فالله يحب المحسنين، والمحسن هو: الذي يمارس عمله على أحسن درجة من الأداء، محسن في صلاته، محسن في زكاته، تجد الرجل والرجل يصليان وبينهما كما بين السماء والأرض، وشخص قلبه بين يدي الله وآخر قلبه في الحمامات.

نعم. بعض الناس لا يفكر في صلاته إلا في أقذر شيء، بعضهم يفكر في صلاته في الحرام، كيف يصنع؟ كيف يغني؟! وهو في الصلاة يخطط للمعاصي -والعياذ بالله- وهما يصليان هذا محسنٌ وهذا مسيء، وسمي مسيئاً بنص الحديث، المسيء في صلاته لما عجل فيها وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ) بينما المحسن هو الذي يمارس أداء العبادة على أحسن قدر من الإتقان، ولهذا كتب الله الإحسان في كل شيء حتى في الذبح وأنت تذبح.. الذبح موت وليس إحساناً، فهو إساءة وموت، لكن أحسن فيه، كيف تحسن؟ أرح الذبيحة، وحد شفرتك، وأجهز عليها: (وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) هذا من الإحسان كما قال صلى الله عليه وسلم، فالله يقول: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] وأيضاً هذه الآيات منطوقها يتضمن مفهومها: أن الله لا يحب غير الصابرين، وأن الله لا يحب غير المحسنين.

التوابون المتطهرون

أيضاً يقول عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] والتواب هنا صيغة مبالغة، لم يقل هنا: يحب التائبين، قال: (يحب التوابين) كثير التوبة الذي كلما وقع في ذنبٍ تاب إلى الله، والذي يستغفر الله في كل حين، والذي يتوب إلى الله في كل لحظة وفي كل وقت من الخلل الذي قد يقع فيه أثناء حياته ومعيشته في هذه الدنيا، فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين.

المتطهر: هو الذي يتطهر ويتزكى ويترفع عن الآثام، وعن الذنوب، والمعاصي، وأيضاً يتطهر ظاهراً وباطناً، فظاهراً عن النجاسات، وباطناً عن المعاصي والذنوب والحماقات التي تبعده عن الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً [الصف:4] هذه خاصة بالمجاهدين في أول سورة الصف: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ [البقرة:222] وفي آية كريمة يقول الله عز وجل: فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:76] الذين يجعلون بينهم وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره وترك معصيته.

فعليك يا أخي! أن تجعل همك الأول والأخير كيف تنال محبة الله عز وجل، وقد جاءت الأوصاف في الآيات الكريمة وفي الأحاديث النبوية تبين من هم الذين يحبهم الله عز وجل، فيقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] هذه صفاتهم: أذلةٍ على المؤمنين: رحماء، وأرقاء، ومتواضعين، ومتعاطفين كالعبد لسيده، وكالوالد لولده، لكن لمن؟ للمؤمنين وفي المقابل أعزة على الكافرين، أشداء كالأسد على فريسته، وكالعقاب على طريدته، لكن على من؟ على الكفار. انظروا كيف الخلق؟ الإنسان ذو شخصيتين وهو مؤمن يحمل شخصيتين: شخصية الذلة والتواضع والرحمة والعطف والتسامح، وعدم الأخذ على الأخ، والتغاضي عنه والعفو عن زلته لكن للمؤمنين، أما على الكفار فأسد هصور لا يذل، لكن هل المؤمنون الآن في هذا الوضع؟! لا. إلا من رحم الله، فهم -الآن- أعزة على المؤمنين وأذلة على الكفار ولا حول ولا قوة إلا بالله! هؤلاء لا يحبون الله ولا يحبهم الله.

من هم الذين يحبهم الله ويحبونه؟ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] لأنهم اتصفوا بهذه الصفات وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] بعد أن اتصفوا بهذه الصفات، لم يحبهم إلا لاتصافهم بها، ولم يعملوا هذه الصفات ولم يذلوا للمؤمنين ويعزوا أنفسهم على الكفار إلا لأنهم يحبون الله عز وجل: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه [المائدة:54] بالنفس والمال واللسان، لا تأخذهم في الله لومة لائم، هذه علامة صدق محبتهم في الله؛ لأن المحب الذي يخاف اللوم في محبوبه ليس بمحبٍ على الحقيقة، يقول:

أجد الملامة في هواك لذيذةً     حباً لذكرك فليلمني اللَّوم

يقول: إذا لاموني أني أحبك فرحت وأجد الملامة لذيذة من أجل أن أتذكرك، ويقول:

إذا مرضنا تداوينا بذكركم     فنترك الذكر أحياناً فننتكس

فذكر الله عز وجل أعظم شيء عند المؤمن حتى أنهم لا يخافون في الله لومة لائم، من يلومهم وهم في طاعة الله؟ لا يخشون أحداً إلا الله.

من الناس الآن من يخشى ملامة الناس في طاعة الله، يريد أن يطلق لحيته فيقول: الناس يلومونني عندما أطلق لحيتي، سبحان الله! أتخشى في الله لومة لائم؟ يريد -مثلاً- أن يلتزم بطاعة الله فيقول: الناس يلقبونني (مطوعاً) ويصنفونني في مكان! أتخشى في الله لومة لائم؟

يريد أن يقيم مشروعاً، يريد أن يغير منكراً، يريد أن يعمل عملاً صالحاً فيراقب الناس، هذا يخشى في الله لومة لائم، فهذا ليس ممن يحبهم الله، ولا ممن يحبون الله، فالذين يحبهم الله ويحبونه لا يخافون في الله لومة لائم، يخافون الله فقط، أما غير الله فلا يخشونه، ولا يخافون لومته؛ لأنهم يخافون الله ويخشونه ويحبونه، ويحبهم الله سبحانه وتعالى.

أيضاً الذين يحبهم الله كثير وقد ذكرهم الله في القرآن وفي السنة، يقول عز وجل: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146] يحب من يتصف بصفة الصبر، والصبر هو نصف الدين، الصبر هو القاعدة التي يقوم عليها الدين، والذي لا يصبر لا يمكن أن يكون مؤمناً، لابد من الصبر في طاعة الله، ولابد من الصبر عن معصية الله، ولابد من الصبر على أقدار الله المؤلمة.

أتريد أن تمارس العبادة بدون صبر؟! لا. لا يمكن، فالعبادة مشقة، كونك تصلي الصلوات الخمس، كونك تقوم جزءاً من الليل، كونك تصوم، كونك تزكي، كونك تحج، كونك تعتمر، كونك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أو تقرأ أو تذكر أو تدعو، هذا جهد لابد فيه من ممارسة ومعاناة.

ولابد من صبر عن معصية الله؛ لأن في ترك المعاصي مشقة، والمعاصي محببة إلى النفس، والأغاني محببة، والنظر المحرم محبب، والغفلة محببة، والغيبة والنميمة محببة، والنوم والفراش الوفير والزوجة الجميلة والمتعة والشهوات، والأغاني والخمور والزنا كل هذه شهوات محببة، لكن المؤمن يحجز نفسه عنها ويستعين على ذلك بالصبر: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45].. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] فالصبر إذا تحليت به كنت ممن يحبهم الله بنص القرآن، يقول الله عز وجل : وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146].

وأيضاً يقول الله عز وجل: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] المحسن هو: الذي بلغ مرتبةً من مراتب الدين هي أعلى المراتب، فمراتب الدين ثلاثة:

المرتبة الأولى: الإسلام.

والمرتبة الثانية: الإيمان.

والمرتبة الثالثة: الإحسان.

والناس يتفاوتون -فدوائر الدين والمكلفين هي خمس دوائر- الدائرة الأولى أوسع دائرة، وهي دائرة الكفار، والدائرة الثانية: دائرة المنافقين، والدائرة الثالثة: دائرة المسلمين، والدائرة الرابعة: دائرة المؤمنين، والدائرة الأخيرة: دائرة المحسنين، هذه لا يدخلها إلا قليل من الناس، وقد عرفها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه) أي: أن تنكشف أمامك الحُجب، وتزول عن عينيك الحواجز والموانع، وتصبح تمارس العبادة كأنك ترى الله، تراقب الله كأنك تراه، تشعر برقابة الله عليك في جوف الليل وأنت ليس معك إلا الله فتمتنع عن المعاصي، تمر يدك على الإذاعة وتسمع أغنية كنت تتقطع لها وتحبها، وليس هناك من يراك أو يسمعك لكنك تعلم أن الله يراك، فتغلق (الراديو) وتزيل المؤشر منه خوفاً من الله، هذه مرتبة الإحسان، تمر في الشارع فترى امرأة متبرجة فاتنة وليس هناك من يراك لو نظرت إليها لكنك تعلم أن عين الله تراك، سئل الحسن البصري : بم نستعين على غض البصر؟ قال: [بعلمك بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه] فإذا تيقنت هذا وعرفت أن الله ينظر إليك غضضت بصرك خوفاً من الله، وهذا هو معنى الإحسان، وهذه درجته، فالله يحب المحسنين، والمحسن هو: الذي يمارس عمله على أحسن درجة من الأداء، محسن في صلاته، محسن في زكاته، تجد الرجل والرجل يصليان وبينهما كما بين السماء والأرض، وشخص قلبه بين يدي الله وآخر قلبه في الحمامات.

نعم. بعض الناس لا يفكر في صلاته إلا في أقذر شيء، بعضهم يفكر في صلاته في الحرام، كيف يصنع؟ كيف يغني؟! وهو في الصلاة يخطط للمعاصي -والعياذ بالله- وهما يصليان هذا محسنٌ وهذا مسيء، وسمي مسيئاً بنص الحديث، المسيء في صلاته لما عجل فيها وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ) بينما المحسن هو الذي يمارس أداء العبادة على أحسن قدر من الإتقان، ولهذا كتب الله الإحسان في كل شيء حتى في الذبح وأنت تذبح.. الذبح موت وليس إحساناً، فهو إساءة وموت، لكن أحسن فيه، كيف تحسن؟ أرح الذبيحة، وحد شفرتك، وأجهز عليها: (وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) هذا من الإحسان كما قال صلى الله عليه وسلم، فالله يقول: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] وأيضاً هذه الآيات منطوقها يتضمن مفهومها: أن الله لا يحب غير الصابرين، وأن الله لا يحب غير المحسنين.


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2927 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2804 استماع
أمن وإيمان 2676 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2604 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2476 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2466 استماع
مرحباً شهر الصيام 2402 استماع
الشباب والرجولة 2364 استماع