فرصة الرجوع إلى الله


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تبق فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروما.

اللهم خذ بنواصينا إلى الخير، وأعنا على طاعتك وعلى شكرك وذكرك وحسن عبادتك، واصرفنا يا مولانا عن السيئات والمعاصي والذنوب، فإنه من تقِ الذنوب والمعاصي والسيئات فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم.

استقبال رمضان

أيها الإخوة في الله: يستقبل المسلمون ضيفاً كريماً، وغائباً عزيزاً، طالما انتظروه بقلوبٍ مفعمةٍ بالشوق حينما يستقبلونه، وبالحزن والأسى والندم حينما يودعونه، ضيفٌ إذا جاء أقبل معه الخير، وجاءت معه البركات من كل جانب، شهرٌ عظيم يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاكم شهر رمضان، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار) ينادي منادٍ في أول ليلة من لياليه: (يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر) تفتح فيه أبواب الجنة فلا يغلق منها باب، مفتوحة على مصاريعها، إنها فرصة عظيمة لمن يريد أن يعود إلى الله، وتغلق فيه أبواب النيران فلا يفتح منها باب، وتغل فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى شيء مما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان.

يضاعف الله فيه الحسنات، من عمل فيه حسنة كان كمن عمل ألف حسنة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، يغفر الله عز وجل في كل ليلة لعددٍ عظيم من الخلق، كلهم قد استوجبوا النار، وهو موسم لا ينبغي للمتاجر مع الله أن يدعه.

رمضان موسم التجارة مع الله

الناس الآن في حياتهم التجارية لديهم مواسم، فكل إنسان عنده تجارة لا بد أن يكون عنده جزء من العام، يضاعف فيه جهوده، أعطيكم مثالاً الآن: تجار الملابس والأزياء يعدون للصيف ملابسه ويعدون للشتاء ملابسه، فإذا جاء وقت الشتاء فماذا يجهزون؟ الأصواف (والأكوات والفنايل والشراريب والغتر) التي تصلح للشتاء، ويعرضونها ويكثرون منها في هذا الفصل، فإذا جاء الصيف فإنهم يأخذون كل هذه الملابس ويردونها إلى المخازن ويأتون بشيء يصلح للصيف، وهكذا كل تاجر يعرض ما يناسب في الوقت المناسب، وأيضاً يعطي رعاية لهذه البضاعة التي يقدمها ويقبل عليها الناس في هذا الموسم.

والناس كذلك في تجارتهم مع الله التجارة الرابحة التي يقول الله عز وجل فيها: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29] والتي يقول فيها عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] هذه التجارة الرابحة مع الله عز وجل على مدار العام، عبر فرائض محددة، وواجبات معينة، ومنكرات ممنوعة، وكبائر محذورة، ولكن هناك فرص ومواسم يتيحها الله لأهل هذه التجارة ليضاعف لهم الحسنات.

ومن أعظم المواسم التي مَنَّ الله بها على هذه الأمة: شهر رمضان المبارك، وهو فرصة لمن أراد أن يتوب، وإن الله عز وجل يقبل توبة التائبين في كل وقتٍ، ولكن في رمضان يزيد فتح عطائه على الناس: فيا من جفت روحه! ويا من قسا قلبه! ويا من قاده شيطانه واستفزه إلى المعاصي والذنوب! هاهي فرصتك لتتوب عبر هذا المشوار العظيم مع الله عز وجل في شهر رمضان.

رمضان دورة تدريبية للمؤمنين

وهو أيضاً دورة تدريبية إلزامية للمؤمنين على العمل الصالح، يلزم الله عباده المؤمنين بأن يدخلوا ضمن هذه الدورة التدريبية التي مدتها شهر، يتدربون فيها على الصيام، ويتدربون فيها على القيام، ويتدربون فيها على الإنفاق، ويتدربون فيها على الصبر والتحمل وكظم الغيظ، ويتدربون فيها على حفظ أسماعهم؛ لأنهم صائمون، فكيف يصوم ويسمع الأغاني؟!

ويتدربون فيها على حفظ أبصارهم، كيف يصومون ويطلقون أبصارهم في الحرام؟!

ويتدربون فيها على حفظ ألسنتهم، إذ كيف يسوغ لهم أن يصوموا عن الحلال ويفطرون بألسنتهم على الغيبة والنميمة، والكذب واللعن، والسب والشتم وشهادة الزور؟ وهذه أصلها حرام قبل الصوم وفي رمضان صارت أشد حرمة! وبهذه الدورة التدريبية يطبع المسلم نفسه على أخلاق أهل الإيمان فلا ينتهي رمضان إلا وهو متدرب، ويبدأ بعد رمضان حياة الإيمان متكاملة، هذا هو الذي قبل الله صيامه أن يكون حاله بعد رمضان أعظم منه قبل رمضان، دورة تدريبية إلزامية.

أيها الإخوة في الله: يستقبل المسلمون ضيفاً كريماً، وغائباً عزيزاً، طالما انتظروه بقلوبٍ مفعمةٍ بالشوق حينما يستقبلونه، وبالحزن والأسى والندم حينما يودعونه، ضيفٌ إذا جاء أقبل معه الخير، وجاءت معه البركات من كل جانب، شهرٌ عظيم يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاكم شهر رمضان، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار) ينادي منادٍ في أول ليلة من لياليه: (يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر) تفتح فيه أبواب الجنة فلا يغلق منها باب، مفتوحة على مصاريعها، إنها فرصة عظيمة لمن يريد أن يعود إلى الله، وتغلق فيه أبواب النيران فلا يفتح منها باب، وتغل فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى شيء مما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان.

يضاعف الله فيه الحسنات، من عمل فيه حسنة كان كمن عمل ألف حسنة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، يغفر الله عز وجل في كل ليلة لعددٍ عظيم من الخلق، كلهم قد استوجبوا النار، وهو موسم لا ينبغي للمتاجر مع الله أن يدعه.

الناس الآن في حياتهم التجارية لديهم مواسم، فكل إنسان عنده تجارة لا بد أن يكون عنده جزء من العام، يضاعف فيه جهوده، أعطيكم مثالاً الآن: تجار الملابس والأزياء يعدون للصيف ملابسه ويعدون للشتاء ملابسه، فإذا جاء وقت الشتاء فماذا يجهزون؟ الأصواف (والأكوات والفنايل والشراريب والغتر) التي تصلح للشتاء، ويعرضونها ويكثرون منها في هذا الفصل، فإذا جاء الصيف فإنهم يأخذون كل هذه الملابس ويردونها إلى المخازن ويأتون بشيء يصلح للصيف، وهكذا كل تاجر يعرض ما يناسب في الوقت المناسب، وأيضاً يعطي رعاية لهذه البضاعة التي يقدمها ويقبل عليها الناس في هذا الموسم.

والناس كذلك في تجارتهم مع الله التجارة الرابحة التي يقول الله عز وجل فيها: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29] والتي يقول فيها عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] هذه التجارة الرابحة مع الله عز وجل على مدار العام، عبر فرائض محددة، وواجبات معينة، ومنكرات ممنوعة، وكبائر محذورة، ولكن هناك فرص ومواسم يتيحها الله لأهل هذه التجارة ليضاعف لهم الحسنات.

ومن أعظم المواسم التي مَنَّ الله بها على هذه الأمة: شهر رمضان المبارك، وهو فرصة لمن أراد أن يتوب، وإن الله عز وجل يقبل توبة التائبين في كل وقتٍ، ولكن في رمضان يزيد فتح عطائه على الناس: فيا من جفت روحه! ويا من قسا قلبه! ويا من قاده شيطانه واستفزه إلى المعاصي والذنوب! هاهي فرصتك لتتوب عبر هذا المشوار العظيم مع الله عز وجل في شهر رمضان.

وهو أيضاً دورة تدريبية إلزامية للمؤمنين على العمل الصالح، يلزم الله عباده المؤمنين بأن يدخلوا ضمن هذه الدورة التدريبية التي مدتها شهر، يتدربون فيها على الصيام، ويتدربون فيها على القيام، ويتدربون فيها على الإنفاق، ويتدربون فيها على الصبر والتحمل وكظم الغيظ، ويتدربون فيها على حفظ أسماعهم؛ لأنهم صائمون، فكيف يصوم ويسمع الأغاني؟!

ويتدربون فيها على حفظ أبصارهم، كيف يصومون ويطلقون أبصارهم في الحرام؟!

ويتدربون فيها على حفظ ألسنتهم، إذ كيف يسوغ لهم أن يصوموا عن الحلال ويفطرون بألسنتهم على الغيبة والنميمة، والكذب واللعن، والسب والشتم وشهادة الزور؟ وهذه أصلها حرام قبل الصوم وفي رمضان صارت أشد حرمة! وبهذه الدورة التدريبية يطبع المسلم نفسه على أخلاق أهل الإيمان فلا ينتهي رمضان إلا وهو متدرب، ويبدأ بعد رمضان حياة الإيمان متكاملة، هذا هو الذي قبل الله صيامه أن يكون حاله بعد رمضان أعظم منه قبل رمضان، دورة تدريبية إلزامية.

صيام رمضان ركن من أركان الإسلام

هذه الفريضة العظيمة ركن من أركان الإسلام، ومبنى من مبانيه، يقول الله فيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ [البقرة:183] ومعنى كتب: فرض وأوجب عليكم الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]* أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184] وهذه الفريضة قد فرضها الله عز وجل على سائر الأمم من قبلنا، فما من أمة بعث إليها نبي وأنزل إليها كتاب إلا وقد فرض عليها الصوم، ولكن يختلف في الهيئة والكيفية، والعدد والمدة والكمية عنه في هذه الأمة؛ لأن الله يقول: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48] ولكن المدة تختلف عن مدتنا، فكان من ضمن صومهم الكلام، يمسكون عن الطعام والشراب والنكاح وأيضاً عن الكلام، فمن تكلم كلمة بطل صومه، ولهذا قالت مريم لما قابلها قومها: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً [مريم:26]* فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً [مريم:27]* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً [مريم:28] فما تكلمت بل أشارت؛ لأنها لو تكلمت لأفطرت ونقضت صومها: فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً [مريم:29]* قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً [مريم:30]* وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً [مريم:31] فالصوم فريضة عظيمة.

الحكمة من فرض الصوم

ثم بين الله عز وجل العلة التشريعية من فرضية هذا الصيام فقال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] أي: هذه الفريضة الغرض من فرضها أن تتقوا الله، والعلماء يقولون: إن جميع الشرائع الغرض منها أن يتقي العبد ربه، لكن على وجه الخصوص الصيام؛ لأنه عبادة قلبية لا تظهر لأحدٍ على وجه الأرض، ولا يمكن أن يكتشف ما في قلبك أحد أو يعرف أنت صائم أم مفطر إلا الله، إذ بإمكانك أن تتظاهر للناس، فتتسحر مع أهلك السحور، وتخرج مع الناس صائماً في رمضان، ولكن تستطيع أن تختفي عن أعين الناس وتتناول شيئاً من المفطرات ولكن الله يراك، ولذا الذي لا يتناول شيئاً من المفطرات لا مع الناس ولا مع نفسه يبرهن على أنه يتقي الله، ويدلل على أنه يشعر برقابة الله، ولذا جاء في الحديث القدسي: (يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فالصوم خالص لله ليس لك؛ لأنك تعبد الله فيه كأنك تراه، فأين تذهب؟ أتدخل في الغرفة لتأكل؟ لكن ربي يراك، ولذا إذا لم تأكل وأنت لوحدك ولا أحد يراك دللت على أنك تراقب الله، وأنك تؤمن بأن الله يراك، وهذه مرتبة المحسنين، وهي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين : (بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا).

والله فرض هذا الصيام لحكمٍ جليلة أعظمها وأهمها كما قلت: أن يتقي العبد ربه وأن يشعر بمخافة الله.

الحكم الأخرى من فرضية الصيام

ومن ضمن الحكم التي شرعها الله عز وجل في حكمة الصيام التي يذكرها العلماء في كتبهم: أن يشعر الإنسان بـ(لذعة) الجوع أثناء رمضان، فيحس ويدرك أن هناك فقراء من المسلمين يشعرون بهذه الـ(لذعة) وهذه الحرارة من الجوع على سائر أيام العام، هناك فقراء في العالم الإسلامي رمضان عندهم ليس شهراً واحداً، بل هو عندهم سنة كاملة، لا يعرفون كيف يأكلون، وقد رأيتم فيما عرض عليكم في الذين اجتاحتهم المجاعة في أفريقيا من المسلمين المساكين لما قدمت لهم الأطعمة ما استطاعوا أن يأكلوها، أحدهم ليس متعوداً أن يأكل هذا الطعام، وهناك أناس يعيشون طوال العام على الفقر، ويعانون من آلام الجوع طول الزمان، فالله عز وجل أذاقك هذه الحرارة وهذه الـ(لذعة) من أجل أن تواسي إخوانك المسلمين بجزء من مالك، وتتعرف على الفقراء، وتعطيهم حتى يعطيك الله عز وجل يوم القيامة.

من ضمن الحكم: أن يستعلي الإنسان على شهواته وعاداته، فيبرهن بقوة إيمانه أنه أكبر من الشهوات وأكبر من العادات، أنا متعود أن أتغدى كل يوم لكن الله أمرني بالصيام، إذاً لا أفطر، أنا كنت أغضب لأتفه الأسباب وكنت عصبي المزاج وحاد التصرف؛ لكن إذا كنت صائماً فلو ضربني الناس فسأقول: اللهم إني صائم، ولهذا جاء في الحديث: (فإن سابه أحد فليقل: إني صائم) يقول: أنا فوق، أنا لست في درجتك يا من تسبني! يا من تستثيرني! يا من تريد أن تسحب لساني فأقع معك في معصية تفسد عليَّ صومي، أو تنقص عليَّ أجري.. أنا صائم، ولذا فسب، واعمل ما شئت، قل ما تشاء، أنا لا أنزل إلى مستواك .. أنا صائم.

هذا انتصار على النفس، هيمنة وسيطرة وقوة على النفس البشرية.

ومن ضمن الحكم أيضاً: حفظ الصحة للعبد، وفي الحديث وهو في السنن : (صوموا تصحوا) والعلماء الآن يقولون: إن في الغرب -أمريكا وأوروبا - العلاج الآن بدأ بأسلوب جديد من الأساليب الحديثة هو أسلوب العلاج بالصوم؛ لأن المعدة والجهاز الهضمي على مدار العام يحصل لديه تعب من كثرة ما يتناول الإنسان فيه من الأكل، ويحتاج إلى إجازة، كما أن الموظف عندنا الآن يحتاج إلى إجازة سنوية، فكل سنة يأخذ له شهراً يرتاح فيه من أتعاب العمل ومشاكل العمل، ويأخذ أهله وزوجته وأولاده ويذهب إلى مكة ، أو يذهب إلى أهله في القرية من أجل أن يجدد نشاطه ويعود إلى العمل بنفسية منفتحة، وبقلب مشرق، وبأداء متميز لماذا؟ لأن الإنسان يتعب من الدوام المتكرر كل يوم، فيعطونه في أنظمة العمل وفي أنظمة الموظفين شهراً إجازة، ولله المثل الأعلى.

هذه المعدة عبر توالي الشهور والأيام عليها وهي تشتغل في الصباح وفي الظهر وفي المساء، فلا بد لها من إجازة، فأعطى الله للمسلمين شهراً من أجل أن يعطوا راحة لهذه المعدة من كثرة الطعام.

فهم الناس لرمضان على غير مراده

المصيبة أن الناس فهموا رمضان على غير مراده، فهموه بغير الطريقة التي أرادها الله منهم، ففهموه أنه شهر أكل، وشهر مطاعم ومشارب، وشهر تفنن في تنويع الأكلات، ولذا ترون التجار يستغلون هذه الموسم فيجلبون البضائع والأنواع التي تطلب منهم في رمضان ويعرضونها.

انظر الآن أمام الدكاكين؛ كل تاجر يعرض المكرونة والشعيرية والعصيرات والكريمات وهذه الأصناف التي تشترى منهم في رمضان، ويأتي الرجل في أول رمضان، بدلاً من أن يشعر بأن من واجباته أن يخفض المصروفات، فإذا كان يستغرق في كل شهر ذبيحة واحدة، فبحكم دخول رمضان ينبغي أن تخفف الذبيحة إلى ذبيحة إلا ثلث، لأن الوجبات كانت في الماضي ثلاث وجبات، وفي رمضان تصبح وجبتين (عشاء وسحور) فالفطور لا يحسب؛ لأنه تمرة وفنجان قهوة لكن الآن بدلاً من أن كانت الذبيحة واحدة في الشهر صارت في رمضان ثلاث ذبائح، يعني: ليتنا جعلنا رمضان مثل شعبان وشوال، لكنا زدنا على رمضان أضعاف ما يحتاجه رمضان، وبعد ذلك ليست ذبيحة واحدة وإنما ذبائح من الغنم، ومن الدجاج، ومن الأسماك، ومن الطيور، وبعد ذلك من جميع ما لذ وطاب مما منح الله العباد من الأرزاق.

هذه الفريضة العظيمة ركن من أركان الإسلام، ومبنى من مبانيه، يقول الله فيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ [البقرة:183] ومعنى كتب: فرض وأوجب عليكم الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]* أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184] وهذه الفريضة قد فرضها الله عز وجل على سائر الأمم من قبلنا، فما من أمة بعث إليها نبي وأنزل إليها كتاب إلا وقد فرض عليها الصوم، ولكن يختلف في الهيئة والكيفية، والعدد والمدة والكمية عنه في هذه الأمة؛ لأن الله يقول: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48] ولكن المدة تختلف عن مدتنا، فكان من ضمن صومهم الكلام، يمسكون عن الطعام والشراب والنكاح وأيضاً عن الكلام، فمن تكلم كلمة بطل صومه، ولهذا قالت مريم لما قابلها قومها: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً [مريم:26]* فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً [مريم:27]* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً [مريم:28] فما تكلمت بل أشارت؛ لأنها لو تكلمت لأفطرت ونقضت صومها: فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً [مريم:29]* قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً [مريم:30]* وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً [مريم:31] فالصوم فريضة عظيمة.

ثم بين الله عز وجل العلة التشريعية من فرضية هذا الصيام فقال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] أي: هذه الفريضة الغرض من فرضها أن تتقوا الله، والعلماء يقولون: إن جميع الشرائع الغرض منها أن يتقي العبد ربه، لكن على وجه الخصوص الصيام؛ لأنه عبادة قلبية لا تظهر لأحدٍ على وجه الأرض، ولا يمكن أن يكتشف ما في قلبك أحد أو يعرف أنت صائم أم مفطر إلا الله، إذ بإمكانك أن تتظاهر للناس، فتتسحر مع أهلك السحور، وتخرج مع الناس صائماً في رمضان، ولكن تستطيع أن تختفي عن أعين الناس وتتناول شيئاً من المفطرات ولكن الله يراك، ولذا الذي لا يتناول شيئاً من المفطرات لا مع الناس ولا مع نفسه يبرهن على أنه يتقي الله، ويدلل على أنه يشعر برقابة الله، ولذا جاء في الحديث القدسي: (يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فالصوم خالص لله ليس لك؛ لأنك تعبد الله فيه كأنك تراه، فأين تذهب؟ أتدخل في الغرفة لتأكل؟ لكن ربي يراك، ولذا إذا لم تأكل وأنت لوحدك ولا أحد يراك دللت على أنك تراقب الله، وأنك تؤمن بأن الله يراك، وهذه مرتبة المحسنين، وهي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين : (بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا).

والله فرض هذا الصيام لحكمٍ جليلة أعظمها وأهمها كما قلت: أن يتقي العبد ربه وأن يشعر بمخافة الله.


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
كيف تنال محبة الله؟ 2928 استماع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2927 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2804 استماع
أمن وإيمان 2676 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2603 استماع
النهر الجاري 2476 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2466 استماع
مرحباً شهر الصيام 2402 استماع
الشباب والرجولة 2364 استماع